السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تذكر حالة سلفك الصالح في الحج

فقد جمع سلفنا الصالح بين العلم النافع والعمل الصالح، وكانوا مع شدة اجتهادهم في طاعة الله -عز وجل- يحذرون سخطه وأليم عقابه، فجمعوا بذلك بين الرغبة والرهبة، والخوف والرجاء

تذكر حالة سلفك الصالح في الحج
الثلاثاء ٠١ ديسمبر ٢٠٠٩ - ٢٠:١١ م
2011

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :


فقد جمع سلفنا الصالح بين العلم النافع والعمل الصالح، وكانوا مع شدة اجتهادهم في طاعة الله -عز وجل- يحذرون سخطه وأليم عقابه، فجمعوا بذلك بين الرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، وكان لربما وقف بعضهم بعرفات فيخاف عدم تنزل الرحمة على أهل الموقف بسبب وجوده معهم، وكانوا يشترطون خدمة إخوانهم بالمعروف وينهون عن المنكر ولا تأخذهم في الله لومة لائم.


رأي أحدهم هارون الرشيد وهو يطوف بالكعبة - وكان رحمه الله يحج عاماً ويغزو عاماً - فقال لهارون: انظروا لهذا الجمع، كل واحد يُسأل عن نفسه، وأنت تُسأل عن هؤلاء جميعاً، فبكي -رحمه الله-.


وكانوا يعظمون حرمات الله -عز وجل- وينشغلون بذكره سبحانه، والتفكر في أمره جل وعلا، فكان عمر -رضي الله عنه- يطوف بالكعبة وهو يبكي ويقول: (اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحه واكتبني في أم الكتاب سعيداً (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد:29]


ركبوا مراكب الآخرة فكانوا (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات:17]؛ وكانوا يخافون ملامـة النفس، ويحذرون التفريط والتقصير، فقـد مروا على الآيات فأقضت مضاجعهم (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر:47]، فأظمأوا نهارهم وأسمروا ليلهم، وقاموا يناجون ربهم في فكاك رقابهم.


كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إذا جنه الليل يقوم ويقول:


(اللهم قد نامت العيون وهدأت الجفون وغارت النجوم، وأنت حيٌ قيوم، اللهم هب لي هدي ترده إليَّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد؛ وفي ليلة موته -رضي الله عنه- جعل يقول: هل أصبحنا؟، حتى جاءوه فقالوا له: قد أصبحنا فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلي النار، اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لكري الأنهار ولزراعة الأشجار ولكن لظمأ الهواجر وقيام ساعات الشتاء الطويلة ومزاحمة العلماء وحِلق الذكر).


فاحرص على طاعة الله وتذكر من مضي بإحسان؛ فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، وما لم يكن يومئذ ديناً فليس اليوم ديناً، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.


فاستقم على شرع الله -عز وجل-، وأحسن التأسي، وابذل نداك وكف أذاك عن الحجيج.


يُحكي أن ابن المبارك -رحمه الله- كان إخوانه يأتونه يسألونه الصحبة في الحج، فكان يجمع منهم نفقاتهم ويضعها في صندوق، ويقدم بهم على (مرو) فيلبسهم أحسن الثياب ويطعمهم أفضل الطعام ثم يدخل بهم بغداد فيصنع نفس الصنيع، حتى يصلوا المدينة فيسألهم واحداً واحداً عما طلبه أولاده من طُرف المدينة ويأتيهم بما طلبوه، ثم يذهبون إلي مكة ويؤدون المناسك، ثم يرجع بهم ويعمل لهم وليمة بعد ثلاث، ثم يفتح الصندوق ويعطي كل واحد نفقته التي دفعها.


وآخِرُ دَعْوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.