الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

خطاب نتنياهو والتأصيل العقدي

خطاب نتنياهو والتأصيل العقدي
ياسر برهامي
الجمعة ٢١ مايو ٢٠١٠ - ٠٩:٥٩ ص
1972

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جاء خطاب نتنياهو الأخير ليصفع أحلام الواهمين في السلام، ويركلها بإذلال وإهانة برفضه لجميع المطالب التي يحاولون بها المحافظة على ماء وجوههم في المطالبة بالسلام كـ"خيار استراتيجي" لا يحتمل التنازل؛ لأنهم قرروا أن حرب 73 هي آخر الحروب.

جاء هذا الخطاب ليقرر نوايا اليهود ورغباتهم في الاستعلاء، وممارسة الكبر، والطغيان بالمطالبة بالاعتراف الفوري والعلني والصريح والأبدي بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، ولا يشك أحد أن هذا المطلب ليس لأجل أن مقومات وجود إسرائيل تفتقر إلى مثل هذا الاعتراف وإنما هو لتغيير المعتقد الباطن لدى الشعوب المسلمة في عداوة اليهود، وبطلان قيام دولتهم، حتى إن عجزت في الوقت الراهن عن أي عمل من شأنه أن يغير الواقع المفروض، فالمطلوب إذن عقيدة القلوب وأعمالها لضمان الاستمرار الآمن لهذه الدولة بصفتها دولة يهودية قبل أن تكون ديمقراطية.

ولهذا كان الرفض الأكيد لحق العودة للفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم وديارهم؛ لأن معنى عودتهم زوال دولة إسرائيل كدولة يهودية؛ لأن الخلل الذي يمكن أن يحدث في تركيبة السكان لصالح الفلسطينيين، والذي بحكم الديمقراطية يقتضي أن يكون لهم الكلمة الأولى والصوت الأعلى -ولا يمكن أن يكون مقبولاً لدى الدولة اليهودية-.

وكان تبريره بأن حق اليهود في فلسطين مقدَّم على حق الفلسطينيين -لأنهم أسبق في ملكيتها بأكثر من ألفي سنة- غاية في التأصيل العقدي لمواقفهم السياسية، ثم جاءت موافقته على دولة فلسطينية منزوعة السلاح -بالطبع إلا من سلاح يوجه إلى صدور الفلسطينيين، خصوصًا الإسلاميين منهم- تأكيدًا لمطالبة "أوباما" من قبله للفلسطينيين نبذ العنف دون مطالبة اليهود حتى بتخفيفه، جاءت هذه الموافقة حقيقة عارية على ما يريده الأعداء من إذلال الأمة وفقدها هويتها، وإقرارها بالعبودية التامة لهم والخضوع الذي لا يحتمل مداراة ولا مجاملة.

ألا يدفع هذا التأصيل العقدي للمواقف والاتجاهات السياسية -التي رفعت نسبة التأييد له في استطلاعات الرأي لدي اليهود- العرب والمسلمين إلى أن يعيدوا حساباتهم حول مواقفهم من هذا الكيان المحتل الغاصب لبلاد المسلمين، ولبقعة هي من أشرف البقاع عندهم؟!

ألا تدفع المحاولات المستمرة لتغيير الواقع حول المسجد الأقصى، والاعتداءات المتكررة عليه، وإظهار الخطط القديمة والحديثة لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه إلى الرجوع إلى عقيدة أهل الإسلام، والمواقف المبنية على نصوص القرآن والسنة عن هؤلاء اليهود، وأن تبنى الاستراتيجية على حقائق الكتاب والسنة بدلاً من أوهام الخيار الاستراتيجي للسلام الأبدي؟!

أليس عندنا في كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- النصوص الواضحة التي نؤصل عليها مواقفنا؟!

ألسنا أولى منهم بالتأصيل العقدي لتوجهاتنا السياسية وغيرها؛ إذ أن عقيدتنا هي العقيدة الصحيحة، وديننا هو دين الحق؟!

ووعْد الله بظهوره على الدين كله هو الوعد الحق الذي لا يُخلف، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الرسل الذي بُعث بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل رمحه، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وكتابنا هو الكتاب الوحيد في العالم الذي يـُقطع بأن كل كلمة منه هي من كلام الله -تعالى-، وقد ضمَّنه الله -سبحانه- كيف نتعامل في كل أمورنا بما في ذلك موقفنا من أعدائنا عند النصر، وعند الهزيمة، وعند الظهور والتمكين، وعند الاستضعاف.

فهويتنا وولاؤنا وعداؤنا لابد أن نستلهمها من كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وهذه بعض النصوص التي تلزم كل مؤمن بالقرآن وبالرسول -صلى الله عليه وسلم-:

قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا(المائدة:82).

وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(التوبة:30-33).

وقال -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(البقرة:120)، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ(الأنبياء:105- 106).

وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ(الصافات:171-173).

وقال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا(النور:55).

وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:51-56).

وقال -تعالى-: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(التوبة:29).

وقال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(الممتحنة:4-6).

وقال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ(الأنفال:60)، وقال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً(التوبة:36).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ(رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذُّلُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ(رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى -جمع وضم- لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا(رواه مسلم).

وبعد كل هذه النصوص وغيرها كثير... هل من حق أحد أن يعطي اليهود أو غيرهم حقـًا في أرض فلسطين المسلمة أو في غيرها من بلاد الإسلام؟! بل إن ظهور الكفار على أي بقعة في الأرض هو ظهور بالباطل وليس بالحق، وإن عجز المسلمون عن إزالته في زمن من الأزمنة فإن عليهم أن ينقلوا العقيدة الصحيحة إلى أجيالهم القادمة، فسوف تتغير الموازين، ويصبح المستضعف ممكَّنـًا، ويصبح الذليل عزيزًا، وتصبح القلة كثرة.

أما إذا فقدنا هويتنا ونقلنا تصورًا ممسوخًا، وفهمًا مغلوطـًا لديننا وتاريخنا، وحقيقة واقعنا لأجيالنا القادمة؛ فبئس ما نورثه لهم! وبئس مصير الأمة على يد أصحاب هذا التصور!! وهو بحمد الله وبإذنه الشرعي والكوني لن يكون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف