الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أما لكم في شيخ السلفيين أسوة؟!

تعليقا على إبعاد الأستاذ وجدي غنيم من البحرين

أما لكم في شيخ السلفيين أسوة؟!
الثلاثاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٧ - ١٦:٥٥ م
2736

أما لكم في شيخ السلفيين أسوة؟!

تعليقا على إبعاد الأستاذ وجدي غنيم من البحرين

كتبه/عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

سيبقى شيخ الإسلام ابن تيمية هو المدرسة السلفية الأم لكل من جاء بعده، لتضلعه من علوم السلف، ولأنه عاش واقعا شديد الشبه بواقعنا المعاصر، نصر -رحمه الله- السنة وقمع الله به البدعة، وأمسك بيده ميزانا للولاء والبراء جعله يوالي كل أحد بمقدار ما معه من موافقة الحق ويتبرأ مما عنده من الباطل، وأمسك ميزانا للخير والشر جعله يقول: "ليس العاقل الذي يدرك الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يدرك خير الخيرين وشر الشرين".

ليس العاقل الذي يدرك الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يدرك خير الخيرين وشر الشرين

ومن هذا المنطلق وقف -رحمه الله- أمام قضاة المذاهب ينافح عن عقيدة السلف ويقرر أن ما درج عليه القضاة في عصره هو رأي للأشعري -رحمه الله- رآه ثم رجع عنه، ولكنه بقي في أتباعه، لم يرده تهديدهم له بالقتل، ولا توعدهم له بالسجن، ولم تهزه كثرتهم أو يثنيه عن الحق تشنيعهم، وبقي يناظر وهو ينتظر إحدى العقوبتين القتل أو السجن، أراد به ابن مخلوف القتل وأراد الله له السجن.

وأثناء سجنه تمالأ القضاة على السلطان الناصر ونصبوا خليفته، إلا أن السلطان الناصر استطاع العودة بعدها بعدة أشهر وأراد أن ينتقم من العلماء الذين خلعوه، ولكن لابد من فتوى، وظن أنها جاهزة في ذهن الشيخ ولابد، فأتى به وأكرمه وحدثه بما يجول بخاطره. وكانت المفاجأة أن الشيخ السلفي لديه استعداد لأن يعود إلى السجن، بل وربما جاءه القتل في هذه المرة بغير فتوى، وهو يشدد القول على السلطان الناصر بأنه لو قتل العلماء فسوف يفسد أمر البلاد والعباد، والسلطان يذكره بظلمهم له ووقيعتهم فيه، وهو يذكر له أنه قد عفا عنهم، فما الذي يجعل شيخ الإسلام يتناسى وقيعتهم فيه وهو قادر عليهم؟ بل ما الذي دفعه إلى أن يدافع عن أناس امتحنوه في عقيدة مبتدَعة وأرادوا أن يردوه من السنة إلى البدعة؟!

ذلك لأن ابتداع المبتدع لا يـُحـِل دمه.

ابتداع المبتدع لا يـُحـِل دمه

ولم يكن شيخ الإسلام بالذي يرد الظلم بالظلم، ولكن ما دام قد خاف من أن يشارك في قتلهم، فلماذا لم يقترح شيخ الإسلام على السلطان أن يسجنهم فيكون قد رد سجنا بسجن، وفي ذات الوقت منعهم من الدعوة إلى البدعة كما منعوه من الدعوة إلى السنة؟! هذا لأن عامة القضاة يومئذ -إلا من رحم ربي- على هذه العقيدة، فإذا سعى في حبسهم من أجلها فمن يقضي بين الناس في أموالهم ودمائهم ومن يعلمهم صلاتهم وزكاتهم؟ رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، فما أوسع علمه وصدره في آن واحد!

ونقول: أين هذا من تصرف بعض المحسوبين على التيار السلفي في الكويت حينما أرادوا الوقوف في وجه وزير الأوقاف الكويتي حتى لا يستقدم الأستاذ: وجدي غنيم لإلقاء محاضرات في الكويت فأخذوا يقدمون المبررات والتي كان فيها أن للأستاذ وجدي غنيم محاضرة إبان الغزو العراقي للكويت ذكر فيها تضييع الثروات وانتشار الشذوذ فيها، وكانت هذه هي التي أقنعت وزارة الأوقاف الكويتية بالتراجع عن دعوته، بل تطور الأمر إلى طرده من البحرين، ولم ينتبه هؤلاء إلى أن الكويت مليئة بالمنابر العالمانية الخبيثة وأن الأستاذ وجدي غنيم لو ذهب إلى هناك فأغلب الظن أنه كان سيوجه سهام نقده اللاذع لهذه الفئة التي لا تريد أن تبقي أثرا للإسلام في حياة المسلمين المعاصرة.

نعم عانينا نحن السلفيين فترة ليست بالقصيرة من هذا النقد اللاذع من الأستاذ وجدي غنيم -عفا الله عنه- إلا أنه في الآونة الأخيرة ليس كذلك بحمد الله، لاسيما بعد مفارقته مصر، وحتى عندما كان كذلك لم نواجه ذلك هنا في مصر إلا بردِّ الحجة بالحجة، والإعراض عما سوى ذلك، وأما ما انساق إليه هؤلاء من تفتيش له عن أي شيء يحرضون به الدنيا ضده فهذا لم يقع منهم موقع الفهم الصحيح لمعنى الولاء والبراء، ولا القياس الصحيح للمصالح والمفاسد.

الأولى بالداعي إلى الله أن يذكر القواعد الشرعية العامة دونما إسقاطها على أشخاص فضلاً عن شعوب

وبقيت فائدة جانبية نستخلصها من هذا الموقف، وهي أن الأولى بالداعي إلى الله أن يذكر القواعد الشرعية العامة دونما إسقاطها على أشخاص فضلاً عن شعوب، وأن يبتعد عن التعميم لاسيما مع تسجيل المحاضرات وشيوعها. وقد كان للأستاذ وجدي غنيم في مرحلة من حياته خط يستهوي كثيراً من الخطباء -لأنه يستهوي الجمهور- وهو الإسراف في نقد الأشخاص والاستغراق في أمور من الواقع قد يكون الجمهور الذي يعجب بها أدرى بها من الداعي، ولكنها الرغبة في التشفي والرغبة في التهرب من المسؤولية وإلقاء التبعة على الطرف الآخر.

بينما أرشدت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه يجب أن ننتشل أنفسنا من الاستغراق في أخطاء الآخرين لنركز أكثر على أخطائنا، كما أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خباب -رضي الله عنه- الذي لم يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الاستنصار وهو أمر مشروع في ذاته، ولكن الأفضل أن تصرف همة المؤمنين إلى الأخذ بأسباب القوة الإيمانية، ولذلك قال له -صلى الله عليه وسلم-: (ولكنكم تستعجلون)(رواه البخاري).

وأما التعميم فعليه كثير من المآخذ الشرعية والواقعية، فإذا وجدت مظاهرة للشواذ في الكويت مثلاً فيجب الإنكار عليها، مع اجتناب الأوصاف الموحية بالتعميم، لأننا ندرك بلا شك أن كثيرا منهم ليسوا كذلك، بل ندرك أن الكويت شأنها شأن كل بلاد العالم الإسلامي تتنوع أحوال الناس فيها من أعلى درجات الالتزام إلى أحط درجات التقليد الأعمى والتبعية المطلقة للغرب، وليست الكويت وحدها هي التي تعاني من التعميم، فكم يصيب معظم المصريين من الألم حينما يجدون أن الصورة المرسومة في أذهان كثير من إخوانهم في البلاد الأخرى -ومنهم دعاة إلى الله- هي تلك الصورة الموجودة في السينما والتي تكاد تحصر مصر في شارع الهرم، وفي الباطنية، مع أنها بفضل الله ملأى بالمساجد، ودور التحفيظ، وأعداد المحجبات فيها تملأ صدور الأعداء حقداً وكمداً.

وبقي أن نشير إلى أن النواب الثلاثة أصحاب القضية هم من التيار السلفي المنفتح على الإخوان، بدليل خوضهم الانتخابات ودخولهم البرلمان، وإنهم قد أسفوا على أن الأمر قد تطور إلى إبعاد الشيخ وجدي غنيم عن البحرين، وإن كان أسفهم قد جاء بعد فوات الأوان، إلا أنه درس لعلنا جميعا نفهمه.

 

www.salafvoice.com