الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

خصائص المنهج الإسلامي (1) (خطبة مقترحة)

المنهج الإسلامي له خصائصه الخاصة به التي تميزه عن غيره تمييزًا واضحًا بارزًا؛ فهو من حيث مصدره: مِن عند الله، وهذه هي خصيصته الأولى،

خصائص المنهج الإسلامي (1) (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١١ - ١٧:٢٩ م
3017
خصائص المنهج الإسلامي (1) (خطبة مقترحة) كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

ـ مواجهة الهجمة العلمانية الشرسة على أصحاب المنهج الإسلامي لإصلاح البلاد والعباد، واتهامهم بأنهم ليس عندهم نظام يستطيع التعامل مع جميع جوانب الحياة وإقامة الدولة.

ـ المنهج الإسلامي له خصائصه الخاصة به التي تميزه عن غيره تمييزًا واضحًا بارزًا؛ فهو من حيث مصدره: مِن عند الله، وهذه هي خصيصته الأولى، وهو مِن حيث مدى ونوع العلاقات التي ينظمها والأفعال التي يحكمها شامل، وهذه هي خصيصته الثانية، وهو من حيث الأشخاص الذين يحكمهم عام لجميع البشر باقٍ لا يزول، وهذه هي خصيصته الثالثة، وهو من حيث نوع الجزاء الذي يصيب مخالفه أو متبعه ذو جزاء أخروي بالإضافة إلى جزائه الدنيوي، وهذه خصيصته الرابعة، وهو من حيث نزوعه إلى المثالية دون إغفال للواقع مثالي وواقعي، وهذه هي خصيصته الخامسة.

ـ نتعرض لكل خصيصة في إجمال، وإلا فإن كل خصيصة تحتاج لدراسات تفصيلية طويلة ليس محلها هذا العرض المنبري الوعظي.

الخصيصة الأولى: أنه من عند الله:

ـ الشرائع والنظم الوضعية مصدرها الإنسان، أما الإسلام فمصدره رب الإنسان: قال -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل:6)، وقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1)، وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87)، وقال: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155).

ما يترتب على كون المنهج الإسلامي من عند الله:

أولاً: كماله وخلوه من النقائص:

الصانع له الكمال المطلق في صفاته، وكذلك شريعته، قال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50)، وقال -تعالى-: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) (البقرة:138).

ـ صنعة الإنسان لا تخلو من النقص والهوى والجهل والجور؛ لأنها معاني لاصقة بالبشر: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82).

مثال: الغرب الذي يتغنى بحقوق الإنسان، يفرق بين الناس في الحقوق بناء على الجنس واللون والغنى والفقر -أصنام العجوة-، أما في الإسلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) (متفق عليه)، وقال لأبي ذر العربي الشريف لما عير رجلاً بأمه: (أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) (متفق عليه).

ثانيًا: الاحترام والهيبة من قبل المؤمنين به:

- أهل الإيمان وتحريم الخمر:  نزول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90).

فانظر إلي أثر كلمة: (فَاجْتَنِبُوهُ) من خلال موقفهم بالقيام بإراقة الخمور التي كانت عماد اقتصادهم.

ـ التجربة الأمريكية في محاولة تحريم الخمر سنة 1930(1).

2- الخصيصة الثانية: "الشمول":

ـ المنهج الإسلامي نظام شامل لجميع شئون الحياة وسلوك الإنسان: وعليه؛ فلا يجوز للمسلم أن ينظم شيئًا من شئونه بمعزل عن الإسلام، ولا يجوز أن يأخذ بعضه ويترك بعضه، قال -تعالى-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ...) (البقرة:85)، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.. ) (البقرة:208).

ـ شمول أحكام المنهج الإسلامي لجميع جوانب الحياة:

1- أحكام تتعلق بالعقيدة الصحيحة للإنسان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ.. ) (متفق عليه).

2- أحكام تتعلق بالعبادة الصحيحة للإنسان: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

3- أحكام تتعلق بالأخلاق، وما يتحلى به وما يتخلى عنه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء:36).

4- أحكام تتعلق بعلاقته بغيره: (أحكام الأسرة - القضاء - المعاملات - العلاقة مع غير المسلمين على المستوى الداخلي والخارجي - نظام الحكم واختيار الحاكم - العلاقة المالية - موارد الدولة ومصارفها - أحكام تتعلق بالجرائم ومقدار العقوبة، وغير ذلك.. ).

مقارنة بين شمول الشريعة وشمول القوانين البشرية:

ـ الشريعة تستند في شمولها إلي قاعدتين عظيمتين:

الأولى: مراعاة الأخلاق.

والثانية: مراعاة الحل والحرمة، وبذلك تحفظ حقوق الناس، ويمتنع بعضهم عن الاعتداء على حق الآخر؛ لأنه يعلم أن منهج الإسلام في ذلك يراعي عقوبة الآخرة قبل عقوبة الدنيا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للخصوم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) (متفق عليه).

ـ بخلاف القوانين البشرية حيث إنها لا تراعي ذلك، بل الأصل فيها هو الفصل بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية، مثال: قانون معاقبة الزناة في القانون الوضعي المصري. (انظر خطبة مقترحة: الشريعة الإسلامية وحفظ مصالح العباد).

ـ اهتمام الإسلام بالجانبين معًا، ولا يقبل واحد دون الآخر:

مثال: حادثة زنا اليهوديين، ومحاولة التحريف للحكم الشرعي وإن أظهروا مراعاة جانب الأخلاق بالتحميم والإهانة والإدانة للجناة.

وللحديث بقية عن الخصائص الأخرى في خطبة قادمة -إن شاء الله-..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تخليص مواطنيها مِن الخمر، وقبل أن تشرع قانون تحريم الخمر مهدت له بدعاية واسعة جدًّا؛ لتهيئة النفوس إلى قبول هذا القانون، وقد استعانت بجميع أجهزة الدولة وبذوي الكفاية في هذا الباب، استعانت بالسينما، ومسارح التمثيل، وبالإذاعة، وبنشر الكتب والرسائل، والنشرات، والمحاضرات، والإحصائيات من قبل العلماء، والأطباء، والمختصين بالشؤون الاجتماعية، وقد قدر ما انفق على هذه الدعاية بـ(65) مليون من الدولارات، وكتبت تسعة آلاف صفحة في مضار الخمر، ونتائجه، وعواقبه، وانفق ما يقرب من (10) عشرة ملايين دولار من أجل تنفيذ القانون، وبعد هذه الدعاية الواسعة والمبالغ المنفقة شرعت الحكومة قانون تحريم الخمر لسنة 1930م، وبموجبه حرم بيع الخمور وشراؤها، وصنعها، وتصديرها، واستيرادها.

فما كانت النتيجة؟!

لقد دلت الإحصائيات للمدة الواقعة بين تشريعه وبين تشرين الأول سنة 1933م أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نفس، وحبس نصف مليون شخصًا، وغرم المخالفون له غرامات بلغت ما يقرب من أربعة ملايين دولار، وصودرت أموال بسبب مخالفته قدرت بألف مليون دولار، وكان آخر المطاف أن قامت الحكومة الأمريكية بإلغاء قانون تحريم الخمر في أواخر سنة 1933م، ولم تستطع تلك الدعايات الضخمة التي قامت بها الدولة أن توجد القاعدة التي يرتكز عليها القانون في نفوس المواطنين، وبالتالي قاموا بمخالفته مما حمل الحكومة على إلغائه؛ لأن القانون لم يكن له سلطان على النفوس يحملها على احترامه وطاعته، ومن ثم فشل وألغي.

أما كلمة: (فَاجْتَنِبُوهُ) التي جاء بها الإسلام في جزيرة العرب فقد أثرت أعظم التأثير، وطبقت فعلاً، وأريقت الخمور من قبل أصحابها، وامتنعوا عنها، لا بقوة شرطي، ولا بقوة جندي، ولا رقيب، ولكن بقوة الإيمان وطاعة المسلمين لشرائع الإسلام، واحترامهم لها. (أصول الدعوة عبد الكريم زيدان ص:50).

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة