الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعـــالــوا نـهـدم... !

أخي: لا تكن ساذجًا... فإنها تحريشات من حولك لسفك دم الدعوة؛ ألا فاحذر... والتفت إلى عيب نفسك، وصن سمعك، وسارر بنصيحتك ونقدك، ولا تعن بلسانك؛ فإنه دم الدعوة!

تعـــالــوا نـهـدم... !
إيهاب الشريف
السبت ٣١ مارس ٢٠١٢ - ١٥:٥١ م
3612

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإذا تعجبتَ من العنوان... فالتعجب ممن يفعل ذلك أعظم، وأعظم منه أن تكون أنتَ ممن يمارس هذا الهدم!

أرأيت -قارئي الكريم- رجلاً بنى دارًا فأحسنها وجمَّلها، وكذا فعل أقران له، ثم إذا به يفاجأ بهم وقد انقضوا على ما بنَوه هدمًا وتحطيمًا! تُرى: ماذا ينبغي عليه أن يفعل؟ هل يفعل مثل فعلهم؟! أم يتعقل ولا يضيع مجهوده هدرًا، ويحافظ على بنيته؟

إن العقل يقول بالثاني، بل والشرع أيضًا، والعجب أنك ترى بعض الناس يهدمون ويلومون على غيرهم أنهم لا يشاركونهم فيما يفعلون!

ماذا أريد؟!

أريد أن أقول: لقد منَّ الله علينا بدعوة سلفية مباركة منذ السبعينات، انتهجت نهج السلف الصالح، وقام عليها أناس نحسبهم مخلصين فعلَّموا وأرشدوا ووجهوا، وحاولوا -وما زالوا- جاهدين لإصلاح أحوال بلادهم وشعوبهم وأتباعهم، وانتحوا بهم بر الأمان ليس بمخالفة الشرع، وليس عن جبن وخور واتباع هوى، بل استنادًا للأدلة الشرعية، وإعمالاً لقاعدة المصالح والمفاسد، والواقع يشهد بذلك؛ فكم مِن قرار لهم اتخذوه؛ فأثبتت الأيام صوابه، وكم من موقف لهم اختاروه ثم بان للأنام سداده... ابتداءً بموقفهم مِن الثورة الإيرانية التي سارع الكثيرون لمباركتها وتأييدها، لكنهم حذروا منها وتبرؤوا من بدعتهم، مرورًا بقرار الاستعانة بالقوت الأجنبية لتحرير الكويت، فحين أجاز البعض نجدهم قد منعوا؛ لأنهم إذا نزلوا لم يخرجوا!

وموقفهم كذلك من قضية فلسطين "غزة أريحا ودايتون"، وكذا عدم الانخراط في الأعمال التفجيرية التي وصفها أصحابها بالجهادية، والتي وقعت في مصر وغيرها أوائل التسعينات، والتصدي لذلك وبيان الموقف الحق منه، ولا زالت المواقف تتوالى و-بفضل الله- فيها من السداد والحكمة ما فيها، ولا نعني بذلك عصمتهم ولا ندعيها، بل هم بشر يحسنون ويسيئون، لكننا نعرف للعلماء قدرهم، ونقدِّر لهم بذلهم وتضحيتهم، فليس منا مَن لم يعرف لعالمنا حقه، كما أخبر نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

وبفضل الله -عز وجل- تم الاجتماع على كلمة سواء فصار لهذا الكيان أثر عظيم ليس في مصر وحدها، بل على مستوى الأمة الإسلامية، وكذا المستوى العالمي، وقد ظهر ذلك بجلاء في أحداث الربيع العربي، والثورات الأخيرة، فلم تكن مليونية التاسع والعشرين من يوليو سوى صدى لأثر هذه الجماعة وتلك الدعوة مع نظيرتها جماعة الإخوان في تحريك الحياة السياسية في مصر.

ثم إن البعض في هذه الأيام، ومع علمه بأهمية ووجوب التعاون على البر والتقوى، وخطر الانقسام والاختلاف، لكنه شرِق بما رأى من قبول الناس لهذه الدعوة، فصار معول هدم، ومنبر سب وشتم لهم ولدعوتهم، وكأنه إن لم يكن مقدمًا مبرزًا فكل ما يفعلونه لا يرقى لدرجة الصواب في نظره، ولو كان من قبيل: وإن اجتهد فأخطأ فله أجر.

والبعض الآخر: لجهله بأقدار هؤلاء العلماء، وأثر هذه الدعوة المباركة تجده لا يفتر تقليلاً لشأنهم في نفوس الناس، وأنهم مثلنا بشر ليسوا بمعصومين، وهو حق أراد به باطلاً تمثل في صرف الناس عن الصدور عن رأيهم، واتباعهم في فتاويهم وقراراتهم التي تدور في فلك الكتاب والسنة، ومصلحة الأمة والوطن.

وقسم ثالث من الناس -ولربما من شباب هذه الدعوة-: يميل مع الريح، يتبع كل ناعق، لم يستضئ بنور الحق، ولم يركن إلى ركن وثيق من العلم؛ فيذهب حيث ذهب الناس، لا مرجعية ولا منهجية، إنما هوى متبع ومزاجية مقيتةَ!

وثمة صور أخرى وشتى... وكل ذلك لا يصب يقينًا في مصلحة الدعوة والأمة إذ كان الذي ينبغي على الجميع أن يتعاونوا ويتكاتفوا، وينسوا ما كان من شقاق وخلاف؛ سيما ما خالف البينات، بل وما ساغ فيه الاختلاف؛ طلبًا لجمع الكلمة ووحدة الصف، وهل الجماعة هي التي تلتف حول الفرد بعد أن نقشت كيانها؟!

سؤال أسأله لمن يخطر في ذهنه -وهو يقرأ كلماتي- هاجس: ولم لا تتعاونون أنتم؟

وأزيد: وهل نحن رفضنا؟ هذه يدنا، بل أيدينا تُمَد لكل مَن يريد أن يتعاون على البر والتقوى؛ رفعة لدين الله -عز وجل-، وتعظيمًا لحرماته بالاستقامة على أمر الله -سبحانه-، والتحرك في دائرة الكتاب والسنة، والعمل بضوابطها.

أما الذين لا عمل لهم سوى الحط من أقدار العلماء والوقيعة فيهم... فنقول لهم: الموعد الله، وعنده تجتمع الخصوم، وكفى بالمرء شرًا ألا يكون صالحًا ثم يقع في الصالحين، وأبشروا بحرب الله -عز وجل- بمعاداتكم لأوليائه من العلماء والدعاة.

ويا شباب هذه الدعوة المباركة: كونوا يدًا واحدة، واعرفوا قدر علمائكم وحوطوهم من ورائهم، وكذا سائر العلماء والدعاة الربانيين، فهم أحرص الناس على الأمة وأعظمهم رغبة في تحكيم الشريعة، والعيش في ظلال الإسلام، وأكثر الناس بذلاً وتضحية لدين الله -عز وجل-، ولهم القدر العظيم عند الله -عز وجل- إذ هم ورثة الأنبياء، ومصابيح الدجى، وأئمة الهدى.. والطعن فيهم طعن في الدين، والوقيعة فيهم من كبائر الذنوب.

ومَن استخف بالعلماء ذهبت آخرته كما قال ابن المبارك -رحمه الله-، وفعله ذلك من الإفساد في الأرض، والله لا يصلح عمل المفسدين، ولربما أدركته دعوة مظلوم منهم فكانت سهامها صائبة فأفسد به عليه دينه ودنياه، فلحوم العلماء مسمومة؛ من شمها مرض، ومن أكلها مات كما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله-، ولربما ساءت الخاتمة لسوء العمل؛ فهذا القاضي الفقيه الشافعي محمد بن عبد الله الزبيدي شرح التنبيه في 24 مجلدًا، ودرس وأفتى، وكثر طلابه ببلاد اليمن، واشتهر ذكره، يقول عنه الجمال المصري: "إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود"، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي.

وأخيرًا: هل يُعقل بعد أن بان لنا أنه لا يشرع أن نهدم بنياننا؛ لأن الناس يهدمون، هل يعقل أن نسفك دم دعوتنا؟!

جلس الإمام عبد الله بن حكيم -أحد قدماء التابعين الثقات- في المدينة ليفقه الجيل الجديد، ويعلمه كيف يستدرك ما صنعته الفتنة زمن عثمان -رضي الله عنه- فقال: لا أعين الناس على دم خليفة أبدًا بعد عثمان! وكانت كلمة مثيرة حقًا! وأخذت الجميع إطراقة، فما ثم إلا عيون تتبادل النظر مستغربة ما يقوله الرجل الصالح، متسائلة: ما لهذا الشيخ البريء المؤمن الذي لم يرفع في وجه عثمان سيفًا أبدًا يتهم نفسه ويلومها على ما لم يفعل؟ فانبرى بعضهم وسأله: أو أعنت على دمه؟ فرد مؤصلاً: إنه يتهم نفسه بجزء من دم عثمان؛ لأنه رأى بأم عينيه كيف أن ما ظن وقام بنفسه من أنه الحق قد أدى إلى استغلال الرعاع له حين تكلم به، وكيف طوروه حتى قتلوا عثمان -رضي الله عنه-!

إنها حساسية النفس الصادقة في توبتها، ينطق بها ابن حكيم مع أنه ما كان يكره عثمان حين تفوه بذلك، فقد قال ولده: "كان أبي يحب عثمان"، فإذا كانت هذه الكلمات التي خرجت بلهجة المحب، وفيها من الرفق ما فيها قد أدت إلى هذه المفاسد؛ فكيف لو انضاف إلى علانية النقد لفظ رديء أو عبَّرت عنه لهجة عنيفة؟!

إن شباب الدعوة إذ هو يتفقه اليوم في حلقات العلم لاستداراك ما صنعته فتن الأمس مدعوًا إلى ملاحظة المغزى العظيم المهم لقصة عبد الله بن حكيم، وتجربته الصادقة.

أخي: لا تكن ساذجًا... فإنها تحريشات من حولك لسفك دم الدعوة؛ ألا فاحذر... والتفت إلى عيب نفسك، وصن سمعك، وسارر بنصيحتك ونقدك، ولا تعن بلسانك؛ فإنه دم الدعوة!

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

دعمًا للنسوية! (3)
57 ٠١ ديسمبر ٢٠٢٢
دعمًا للنسوية (2)
95 ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٢
دعمًا للنسوية!
97 ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٢
خطة إبليسية!
156 ٠٣ مارس ٢٠٢٢