الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إياكم وهدم البيت

الاختلاف واقع قدرا إلا أن المطلوب منا شرعا كيفية التعامل معه

إياكم وهدم البيت
د / ياسر برهامي
الجمعة ٠٦ أبريل ٢٠١٢ - ١٢:١٤ م
4866

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ..أما بعد فقد قدر الله على البشر الاختلاف فقال : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (هود: 118- 119) قيل للرحمة خلقهم ، وقيل للاختلاف خلقهم ، والحق أنهم للرحمة خلقهم ؛ أي أمرهم شرعا بما فيه رحمة لهم ، فهي الحكمة الشرعية ، وللاختلاف خلقهم ، أي قدر ذلك بعلمه وحكمته ؛ امتحانا للعباد ، فالقولان كلاهما صواب ، والاختلاف واقع – لا محالة - بين البشر عامة وبين الأمة ، كذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) وقال : " وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي ". ومع أن الاختلاف واقع قدرا إلا أن المطلوب منا شرعا كيفية التعامل معه ، قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105) ، فما يخالف البينات وهي : نص من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماع ثابت يجب رده أو إهداره ، وما لا يخالف البينات يجب احتماله واتساع الصدور له فنكون من المرحومين ، فليس معنى قول من قال اختلاف الأمة رحمة أن العلماء إذا اختلفوا كان من حق كل واحد أن ينتقي بهواه ما يريد ، ولكن معناه أن الخلاف السائغ بين الأمة والذي لا يصادم البينات –كما سبق- كل أصحابه مرحومون ، بين مصيب له أجران ومخطئ له أجر ، مادام قد بذل كل منهما الجهد واستفراغ الوسع عالما في اجتهاده ، أو سائلا في سؤاله أهل الذكر ، عن الذكر إذا لم يعلم ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة النحل: 43) . وما دامت الأخلاق الإسلامية باقية وهي من الثوابت والبينات محافظا عليها وإلا فإذا ضاعت الأخلاق وحصل سوء الظن أو سوء القول أو سوء الفعل فقد جاء الخطر وكذلك من أعظم الخطر أن تتحول مسائل الخلاف السائغ إلى ولاء وبراء ، وحرب وسلم ، فنجد البعض يوالي من وافق قوله ، ويعادي ويتبرأ ممن خالفه ، ويتهمه في عرضه ودينه ، ويؤثمه ويخونه ، وينسبه إلى مالا يجوز شرعا أو يرى لزوم مفارقة من خالفه ، مع أن وحدة كيان الطائفة والجماعة هو أصل وجودها ، كرقم مؤثر في معادلة القوى وثقلها الحقيقي وقدرتها على التغيير للأفضل وعلى علاج السلبيات متوقفان على تماسكها وترابطها . فمن يهدد بترك جماعته وطائفته لاختلاف وقع بينه وبينها كمن يهدم بيته الذي يقيم فيه ليقف بعد ذلك في العراء ، ولتركه للبيت أهون من هدمه ، فإنه إذا أفاق وأدرك حاجته إلى البيت رجع إليه . وأخطر من ذلك الذي ينقلب على منهجه ودعوته ، بل من فعل ذلك فهو ليس على المنهج من الآن ، ومن أعظم المصالح أن يبين الله له حقيقته حتى لا تغتر بكثرة وهمية ، وأعظم خطرا من كل ذلك أين يجعل مسألة من مسائل الاجتهاد سببا لانقلابه على أمته بأسرها وبلده وشعبه ، فيقبل تعريضها للفوضى والدمار والخراب ، وأي يتجرأ على سفك الدماء المعصومة وانتهاك الحرمات الخاصة والعامة في الأعراض والأموال " فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " وإن كان بسبب جهله يظن أنه ينصر الدين أو يضحي في سبيل الشريعة . فاتقوا الله في أمتكم واتقوا الله في بلدكم واتقوا الله في المشروع الإسلامي ، فهو ليس فردا أو جماعة أو حزبا بل هو أوسع من ذلك بكثير ، وليس يتوقف على آحادنا ، بل كلنا سيموت وسيعود الدين بإذن الله ظاهرا كما وعد الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33) قدر الله مصر أن تكون القدوة والأسوة لكل العالم العربي والإسلامي بل للعالم كله،فأدركوا خطر التصرفات الهوجاء وقدموا مصلحة الجماعة ،ومصلحة الجماعة على مصلحة الفرد فان مصلحة الفرد والجماعة لا تتحقق إلا بمصلحة الأمة ،فاحذروا الفتن وتمهلوا وتبصروا وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد ألقيس "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة "واعلموا أنكم إن تكونوا ذليلا في الحق خيرا لكم من أن تكونوا رؤوسا في الباطل فان رؤوس الباطل لجديرة بان يقطعها الله بعدله وحكمته . فاللهم هيئ لأمتنا من أمرها رشدا

تصنيفات المادة