الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لماذا تختلفون ..؟!

فليس عيبا أن نختلف بل هي طبيعة إنسانية وظاهرة صحية ، بشرط ألا نخالف البينات

لماذا تختلفون ..؟!
ياسر برهامي
الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢ - ١٢:٣٩ م
4501

لماذا تختلفون ..؟!

كتبه / ياسر برهامي

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما بعد ..  .

سؤال يكرره الكثيرون إذا رأوا اختلاف المشايخ في مسألة أو أكثر ، وكأنهم لا يطيقون ذلك ولا يحتملونه ، والجواب بسيط وسهل : لأننا بشر تختلف أفكارنا وقدراتنا ، علومنا وأعمالنا ورغباتنا وإمكاناتنا ، وقد خلق الله البشر متفاوتين ، قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الإسراء: 21) .

 فليس عيبا أن نختلف بل هي طبيعة إنسانية وظاهرة صحية ، بشرط ألا نخالف البينات (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105) .

والبينات : آية محكمة ، أو سنة ثابتة ، أو إجماع للسلف ، أو قياس جلي على هذه الثلاثة ، وأظن أن تحديد شخص المرشح الذي ينبغي تأييده للرئاسة من وسط إسلاميين يعلنون في الجملة التزامهم بالإسلام منهجا للحياة ومشروعا للأمة ليس فيه واحدة من ذلك ؛ لذا يكون أصحاب هذا الخلاف مرحومين ، إذا التزموا بأخلاق الإسلام عند الخلاف وآدابه ( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (هود: 118 ، 119) .

فالمشكلة الحقيقية المؤلمة والعيب الخطير هو إذا تجاوزنا – عن الخلاف – حدود الشريعة ، فالحرج _ كل الحرج – على من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ، والحرج – كل الحرج – في البغي على عرض المسلم بغير حق (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) (النساء: 148) ، والحرج – كل الحرج – على من حقق الظنون وبنى مواقفه على الاحتمالات دون المعلومات التي رآها أو سمعها أو أحسها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذب الحديث" .

ثم العيب الخطير عند الاختلاف من مسائل لابد فيها من قرار واحد للكيان الإسلامي - دولة أو جماعة أو طائفة أو مؤسسة – هو في عدم وجود آلية في حسم الخلاف في اتخاذ القرار ، أو وجود آلية مبينة على خلاف ما شرع الله من البحث والتحري والاجتهاد ثم الشورى ، أو مخالفة هذه الآلية بعد الأخذ بها ، فهنا تتفجر الخلافات نيرانا تحرق الكيان أو تزلزله وتضعفه وتتحمل الطائفة أو المؤسسة إثم ما يقع إذا لم تلتزم بوضع الآلية الشرعية من الاجتهاد ، إي بذل الجهد في الوصول إلى الحق ، فإذا كانت المسألة علمية كان لابد من ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) فالناس بين عالم بأمر ما - شرعيا كان أو دنيويا – وإما غير عالم فيسأل أهل العلم بهذا الشأن ، أما أن يقدم على قرار دون دراسة وبحث وسؤال ، فهو متبع للهوى ، فهو أحد القاضيين الذين في النار والثاني من خالف الحق وهو يعلم ، أما الناجي فهو الذي علم الحق وقضى به .

وكذلك تأثم الطائفة إذا كان الاستبداد وترك التشاور هو وصفها مخالفين لقول الله تعالى ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (الشورى: 38) ،وعند تقارب الصفات خصوصا عند غياب الخلافة يكون التشاور الملزم رغم تفاوت العلم والخبرة والقدرة والفضل عن طريق نظام الأصوات والأخذ بالأغلبية عند عدم إمكان الإجماع وهو يكاد يكون مستحيلا إلا في النادر هو الحل الأمثل ، وهو مأخوذ من هدي الخلفاء الراشدين فقد ترك عمر رضي الله عنه أمر الخلافة شورى في الستة الذين توفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ،وقد فهموا أن لكل واحد منهم صوتا وطبقوا ذلك ،فجعل طلحة أمره لعثمان وجعل الزبير أمره لعلي وجعل سعد أمره لعبد الرحمن ثم جعل الشيخان أمرهما لعبد الرحمن فجعل الخلافة لعثمان ،وهم بالقطع متفاوتون في العلم والفضل ولكن لا يوجد  في قدرة البشر غير ذلك ،

ولا مانع من أن يفوض البعض أمره للبعض ليقل الخلاف ويحصل الحسم مع احتمال الخطأ بلا شك لكنه خطأ مرحوم  أصحابه ،فإذا اتفقت الطائفة أو المؤسسة أو الدولة على آلية للشورى وجن الالتزام بها وإلا وقع الحرج وحصل العيب وأدام التفرق وتعرض الكيان للخطر ،وينبغي أن يعلن أن مشاورة الشباب ابتغاء حدة عقولهم وحماسة قلوبهم طالما كانوا ذوي أهلية هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين .

ولا نجد في واقعنا المعاصر أخطر من محاولة هدم الكيانات الإسلامية الضاربة بجذورها في أرض العمل الإسلامي ومحاولة بعضها البغي على بعضها لهدمه وزلزلته وإقصائه،ولينفرد أحدها بالساحة مع كون ذلك مستحيلا ومعيبا في الوقت نفسه وسببا للعجز عن أداء المهمة لأننا في حاجة ماسة بل ضرورة إلى ضم الجهود والاستفادة بكل الخبرات والطاقات وليس تدميرها لأننا اختلفنا معها بل إذا كنا في حاجة إلى الاستفادة لطاقات من لا ينتمي إلى الكيانات الإسلامية طالما لم يأبوا الإسلام ويحاربوه   بل وفي كثير من الأحيان من غير المسلمين ،فكيف بأبناء الحركة الإسلامية؟فهذه جريمة في حق الأمة ومستقبلها وأجيالها ،والمسئولية أمام جيلنا أمثال الجبال فمن خطر بباله أن يحمل الجبال منفردا ضيع نفسه أولا ث طائفته ثانيا ثم أمته إن أجابته بذلك ثالثا وحاشاها أن تفعل لعصمة مجموعها عن الضلالة.

والله نسأل أن يعصمنا ويحفظنا ويهدينا ويسددنا ويهيئ لنا من أمرنا رشدا وهو المستعان على ما يصفون واليه المشتكي وهو حسبنا ونعم الوكيل    

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة