الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قوة التصديق

أتريدن أن تقولى أن الرجل ينطق لفظ التطليق ولا تصبح زوجته طالقا؟

قوة التصديق
الخميس ١٥ نوفمبر ٢٠١٢ - ٠٨:١٣ ص
1575

قوة التصديق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ..وبعد

فيروي البعض خبر محاورة دارت بين الشيخ عبد الحليم محمود – رحمه الله – شيخ الأزهر فى السبعينيات، وبين إحدى دعاة تحرير المرأة، دارت هذه المحاورة حول دعوتها إلى تقييد حق الزوج فى التطليق، وأن الزوجة لا تكون طالقا إلا بإيقاع القاضى للطلاق، وكان رد الشيخ الجليل:"أتريدن أن تقولى أن الرجل ينطق لفظ التطليق ولا تصبح زوجته طالقا؟، بل ستكون طالقا"، وهكذا ذهبت أدراج الرياح كل دعوات تقييد التطليق بمقتضى القانون.

إن من أهم ما يجعل القانون فاعلا ساريا مؤديا لدوره فى رسم وضبط حركة المجتمع، هو أن يكون فى محل القبول والرضا من هذا المجتمع، نابعا من ثقافته وطبيعته المتغلغلة فيه، لذلك تلجأ المجتمعات الحديثة – ماديا- إلى إقرار القوانين عبر مجالس منتخبة معبرة عن المجتمع، وعبر سلسلة من الإجراءات التى تضمن القبول المجتمعى لمواد القانون، بل إن من القوانين ذات الحساسية الخاصة ما لا يكتفى فيه بإقرار المجالس النيابية، ومن أشهرها قوانين القتل الرحيم فى شمال أوروبا، وقانون منع المآذن فى سويسرا، حيث لابد من إجراء استفتاء شعبى مباشر للتحقق من القبول والرضا المجتمعى.

كافة صور ومحاولات القهر والجبر باسم القانون المفتقرة لهذه القاعدة من القبول والرضا المجتمعى، تولد حركة عكسية فى المجتمع لمضادة هدف القانون والالتفاف حوله، وتولد تيارا باطنيا ربما يظل مكبوتا تحت السطح لفترة، ثم سرعان ما ينفجر مزيحًا القهر والاستبداد، كما حدث فى محاولة فرض التوريث فى عهد المخلوع، والتى تم طلاؤها بكل ما لزم من الأصباغ القانونية، فما لبثت إلا أن ولدت الثورة التى أطاحت بالأب والوريث معا.

وعلى جانب آخر، فإن أخطر ما يعيب القبول المجتمعى أنه يطرأ عليه التغير عبر الزمن، ويتحول بفعل الضغط الإعلامى والسياسى، الداخلى أو الخارجى، كما يتأثر بحملات أصحاب المصالح المروجة للأفكار الخادمة لمصالحهم، فالقبول المجتمعى لا يعد خلفية ثابتة يرتكز عليها القانون، بل إن مبدأ تغيير القوانين وتعديلها مع مرور الزمن هو فى ذاته مبدأ قانونى أصيل.

أما فى الإسلام فتستند الشريعة لما هو أقوى وأثبت وأدوم من القبول المجتمعى للقانون، تستند الشريعة لقوة التصديق والإيمان بأن صاحب الحق فى التشريع هو الله  سبحانه وتعالى، ويرتبط هذا التصديق ارتباطا عضويا كاملا بالعبودية لله الذى خلق الخلق وأنزل الشرع بعلمه وحكمته، ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. يوسف – 40)  

وعليه فإن نحو قرن كامل من تحكيم غير شرع الله, والحكم بمقتضى القوانين الوضعية المدعومة بالقوة الجبرية لم تغير قناعات المجتمع المسلم حول الشريعة التى يـُـتعبد بتصديقها والتسليم لأحكامها، فسكوت القانون عن تجريم الزنا لم يبحه ولم يجعله مقبولا، وإجازته للربا لم تجعله مستساغا فى المجتمع، حتى إن كثر آكلوه، لكنك لا تلقى منهم إلا متأثما راجيا للتوبة، ورفع سن الزواج لم يمنع الأولياء من تزويج فتياتهم فى الرابعة عشرة، والتطليق باللفظ بغير إثبات ورقى واقع بطبيعة الحال، وعرفت من رفضتْ حكم المحكمة بالطلاق للضرر بسبب زواج زوجها الثانى، لعدم قناعتها الشخصية بأن زواج زوجها من الثانية ضرر معتبر شرعا، مع إصرارها على طلب الطلاق المباشر منه، لأنها الوسيلة التى تصدق بمشروعيتها.

وأخطر من ذلك أن القانون الذى يفرض بالقهر وعلى غير مقتضى الشرع، يدفع لتكوين الحركة المجتمعية العكسية لمقتضى القانون والتى أشرنا إليها، كما فى التشدد القانونى بإبدال التخيير بين القصاص والديات والعفو فى جرائم القتل، بالسجن والإعدام، فقد فتح الباب أمام عادة الثأر البغيضة التى تهدم المجتمعات وتطيح بالسلام والأمن فيها.

إن محاولة فرض دستور لا يتوافق مع اعتقاد الأمة وتسليمها بأن الأمر والحكم لله وحده، لهى محاولة لزرع المزيد من بذور التشقق والتمزق داخل المجتمع المصرى، وقطع لصلته بهويته وعقيدته الإسلامية، وتكريس للثنائية بين ما نعتقد وما نسير عليه فى إدارة شئون حياتنا، وهو أمر مقضى عليه شرعا وقدرا، وجاء العلم الحديث مقرا بهذا القضاء الشرعى والقدرى، مقضى بأنه جالب للشقاء الفردى والمجتمعى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا. طه -124)

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

سيناء والفريضة الغائبة
1922 ٠٢ يونيو ٢٠١٣
مأساة الأحواز
2434 ٠٧ فبراير ٢٠١٣
الشريعة والرفاهية
1841 ١٥ ديسمبر ٢٠١٢
فتح بيت المقدس
11 ٢٩ ديسمبر ٢٠٠٨