الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حقيقة الأزمة

وسبحان الله! أصبحت الإشارة إلى الشريعة الإسلامية جريمة في هذا الزمان، وخطيئة يجب أن تحذف من الدستو

حقيقة الأزمة
ياسر برهامي
الجمعة ٢١ ديسمبر ٢٠١٢ - ٢٣:١٢ م
3028
حقيقة الأزمة
8-صفر-1434هـ   21-ديسمبر-2012      

كتبه/ ياسر برهامي*

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتحتدم في هذه الأيام أزمة الدستور، فتعرض شاشات الفضائيات وأوراق الصحف حملة منظمة شرسة "للهجوم على الدستور المستفتى عليه" فقد المعارضون فيها صدقهم ومصداقيتهم وديمقراطيتهم وليبراليتهم، وأكلوا كل أصنام العجوة!

فمن قائل: لا يقبل الدستور إلا إذا وافق عليه الشعب بنسبة 70% ونسي أن هذا لا يوجد في أي ديمقراطية في العالم! وآخر يقولون له: لو وصلت النسبة إلى ذلك هل تقبله؟ فيقول: لا!

وثالث يقول: قد قلتم لن نعرض الدستور إلا إذا كان توافقيًّا، فإذا قيل: قد توافقت عليه الجمعية بنسبة أكثر من 80%، قال: بل لابد أن يوافق عليه الشعب كذلك.

ويلزمون الخصم بما لا يلتزمون به إذ أعلن معلنهم قبل إغلاق الصناديق -فضلاً عن الفرز- أن نسبة الرافضين للدستور -مصادر مستقلة- أكثر من 66%، وقالوا: قد قال الشعب كلمته... فلماذا إذا كان مهدرًا عندكم 34% من الشعب -على زعمكم-؛ فلماذا تعتبر هذه كلمة الشعب؟! واحتياطيًا يقول: ومع ذلك، فالتصويت مزور! فإذا سئلوا عن الدليل، قالوا: يقين في أنفسنا لا نستطيع إثباته بدليل!

يا للعجب... ! لكنها فتن آخر الزمان، تكون آيات غاية في الوضوح مع شدة الفتنة من جنس أمر الدجال، يكون مكتوبًا بين عينيه: كافر، ومع ذلك يتبعه أكثر الناس، فمعه فيما يرون جنة ونار، فاحذروا فتنة الدجالين فنارهم ماء عذب طيب وجنتهم نار تحرق العباد والبلاد، وتدمر البلدان وتخربها.

ولا شك أنه وبلا تردد أن الدستور وضحت فيه هوية الأمة الإسلامية، وهي حقيقة هذا الشعب التي حرم منها منذ عصور الاحتلال وفرضت عليه هوية العلمانية وفصل الدين عن الحياة، وهو لا يرضى بذلك كله بحال من الأحوال.

وأقول لكم: حقيقة المشكلة هي المادة (219) المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية بأنها: "تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة" التي وقـَّعوا عليها متوافقين سعداء، موزعين على الحاضرين "حلاوة المولد".

ثم أفاقوا فجأة على أنها "مادة كارثية" تتضمن التمهيد لتطبيق الشريعة الإسلامية كافة، وأن كلمة مصادرها تتضمن في الحقيقة أحكامها؛ فقامت قيامتهم من أجل هدم الدستور، وقال قائلهم -الدكتور وحيد عبد المجيد-: "لولا تمسك حزب النور والسلفيين بحذف كلمة مبادئ أو تفسيرها لمر الدستور"، ونسي أنه وقَّع هو وأصحابه على هذا التفسير، ومنهم من كتب: الحمد لله، ووقَّعت الكنيسة ممثلة في مندوبيها في التفاوض، والآن يقولون: نريد تهذيب هذه المادة؛ لأنها مادة غير مهذبة، سيئة الأدب -فيما يبدو عندهم- ودون ذلك خرط القتاد.

وحقيقة المسألة أيضًا في فقرة من المادة (81) وهي: "تمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات المنصوص عليها في الباب الأول من هذا الدستور"، وقد حاول البعض إسقاطها "سهوًا" عدة مرات في أول قراءة لمواد الحقوق والحريات في الجمعية التأسيسية، ثم في المسودة الأولى والثانية المعروضة على الجمعية وعلى الإعلام، ولما فشل "السهو" أظهروا العمد؛ فطالب الأنبا "بولا" كتابة حذفها؛ لأنها تشير إلى الشريعة الإسلامية وإن لم تنص عليها.

وسبحان الله! أصبحت الإشارة إلى الشريعة الإسلامية جريمة في هذا الزمان، وخطيئة يجب أن تحذف من الدستور... فكيف بالنص عليها؟!

ولما كان مستحيلاً أن يقال للناس: نحن نعترض على هوية الأمة الإسلامية الواضحة في هذا الدستور -والتي للأسف تغافل عنها بعض الإسلاميين الرافضين للدستور مع شدة الوضوح، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا-؛ مرروا تعديل 2005 و2007 واستفتاء 19 مارس 2011، وهم في الفضائيات وغيرها لا يعترضون.

أقول: لما كان مستحيلاً أن تهاجم قضية الشريعة ظهرت عيوب الدستور الخفية في العمل الجبري المدعى، وإلغاء مجانية التعليم وعدم إلزاميته، وعدم الاهتمام بالتعليم الفني وإلغاء العلاج المجاني والمطالبة به للقادرين -"سبحان الله! في ظروف كظروف مصر"-، وظهر ظلم الدستور للمرأة، وظهر أن حبس 12 ساعة في حالة التلبس أو الأمر القضائي المسبب قبل إبلاغ المتهم كتابة بتهمته هو قانون طوارئ جديد -ونسوا 19 سنة اعتقال بلا محاكمة لقيها بعض الإخوة في السجون دون أن ينطق أحدهم بكلمة-؛ كل ذلك اعتمادًا على أن الناس لا يقرؤون الدستور، وإذا بجميع هذه السلبيات المدعاة منصوص على خلافها نصًا لا تلميحًا!

وفي النهاية أقول: الشريعة قادمة، والإسلام قادم... شئتم أم أبيتم، والمراهنة على الرهان الاقتصادي في حالة فشل الدستور أو استمرار الاضطرابات رهان خاسر، قال الله -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(التوبة:33)، وقال: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ(التوبة:28)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ(الأعراف:96).

ـــــــــــــــــــــــ

* نشرت بجريدة "الفتح" عدد (61)، الجمعة 8 صفر 1434هـ - 21 ديسمبر 2012م.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة