الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الإنسان:30)، فكل مشيئة للعباد لا تكون إلا بمشيئة الله سواء المعجزات والكرامات وغيرها، وكل فعل من أفعال العباد وقدرتهم ومشيئتهم داخلة في قوله -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، والسنن الكونية لا تعني أن ما يجري وفقًا لها خارج عن مشيئة الله وخلقه؛ فأصغر نبتة لم تنبت إلا بإنباته -سبحانه- لها، والعباد لا يخلقون شيئًا إلا بمعنى الصنع، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73)، وهي على عمومها.
وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (النحل:20)، وقال: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد:16).
واستنساخ النعجة المستنسخة ليس خلقًا لها على الإطلاق وإنما هو بمنزلة أطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي، لكن من خلال خلية غير جنسية تنتج توأمًا للأصل، واستعمال مصطلحات موهمة كالخلية الصناعية هو الذي يلبس الأمر على غير المتخصصين، فالإنسان يستحيل أن يقدر على خلق المادة الحية من مواد ليست حية، بل لابد من وجود المادة الحية.
والكوارث والزلازل هي وفق سنن كونية الله يجريها ويحكم فيها بما يشاء، ولا يترك الكون لحظة: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (فاطر:41).
فالله لم يضع برنامج الكون ثم تركه، بل هو يدبره كل لحظة وفي الحديث: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ) (رواه الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني).
وأما العلاقة بين الطاعة والمعصية والنعم والمصائب فقد نص القرآن على: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، والسنن الكونية ليس فيها شيء مطلق بلا استثناء، بل الاستثناء فيها سنة (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي