الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناقشة قانون "الصكوك الإسلامية"

ومن هنا جاءت الفكرة في أن يقوم أصحاب المشاريع بالبحث عن مجموعة ممولين لمشاريعهم عن طريق

مناقشة قانون "الصكوك الإسلامية"
عبد المنعم الشحات
السبت ١٦ مارس ٢٠١٣ - ١٥:٥٥ م
4981
مناقشة قانون "الصكوك الإسلامية"
4-جماد أول-1434هـ   15-مارس-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كثر الحديث في هذه الأيام عن مشروع قانون الصكوك الذي يقوم مجلس الشورى بمناقشته، وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال المحاور الآتية:

أولاً: شرح إجمالي لفكرة الصكوك.

ثانيًا: عرض موجز لقصة قانون الصكوك في مصر.

ثالثًا: عرض مجمل لأبرز الاعتراضات التي ينتقدها "حزب النور" على المشروع المزمع إصداره من مجلس الشورى.

رابعًا: الموقف من عرض هذا القانون وغيره على هيئة كبار العلماء.

أولاً: شرح إجمالي لفكرة الصكوك:

بعيدًا عن التعريفات الأكاديمية التي يمكن أن تزيد الأمر غموضًا، فنقول: إن فكرة الصكوك تولدت من دراسة فقه البيوع والشركات في الشريعة الإسلامية، والتي من تأملها سوف يجد صورًا متعددة لكي يحصل الأشخاص على التمويل اللازم لمشاريعهم بطريقة لا يدخلها الربا ولا الميسر؛ ونتيجة صعوبة الحصول على ممول للمشاريع الكبرى فإن أصحاب المشاريع عادة ما يلجئون إلى البنوك والتي كانت غالبًا ما تعرض صورة واحدة من التمويل وهو "القرض الربوي".

ومع دخول البنوك الإسلامية في الحلبة بدأت تدرس صورًا من التمويل غير الربوي باللجوء إلى الفقه الإسلامي وما فيه من عقود السَّلَم والاستصناع والإجارة وغيرها من العقود...

ومن هنا جاءت الفكرة في أن يقوم أصحاب المشاريع بالبحث عن مجموعة ممولين لمشاريعهم عن طريق اشتراكهم في تكوين رأس المال بحيث تعلن الجهة المستفيدة عن المشروع وعن رأس ماله وعن صيغة التمويل، ثم تنشئ شركة غرضها تجزئة رأس المال على عدة حصص تُسمى كل حصة "صكًا" (تم العدول عن مصطلح "سهم" للتمييز بين الصكوك وبين الأسهم التي يجري التعامل عليها بقوانينها الخاصة)، وعند تمام تمويل جميع الصكوك يكون المشروع قد قام بين الجهة المستفيدة وبين حملة الصكوك مجتمعين باعتبارهم الطرف الممول في العقد.

وهذه المرونة في الحصول على الممولين للمشاريع أتاحت للحكومات الفرصة في الاستفادة من هذه الفكرة في تمويل إنشاء المشروعات عن طريق عقود الاستصناع كبديل عن نظام الـ"B.O.T"، كما أنها مكَّنت الحكومات من بيع بعض مواردها مقدمًا عن طريق عقود السلم لاستخدام العائد في مشاريع تنموية ملحة أو في تمويل عجز الموازنة.

وربما احتاج الأمر إلى ألا يصل كل من الطرفين "الجهة المستفيدة - حملة الصكوك" إلى غرضه إلا بالاتفاق على عمليتين يمثلان حزمة واحدة في الاتفاق.

ويتضح هذا الكلام بالمثال الآتي:

1- عقد السَّلَم في أبسط صوره:

نهى الشرع عن بيع ما ليس عندك كأصل ثم رخص في بعض صوره بشروط خاصة -لن نطيل في ذكرها هنا-، ويُسمى هذا بـ"بيع السلم".

ويلجأ بعض الأفراد إلى هذه الصورة للحصول على أموال نظير سلعة لم ينتجها هو بعد، مثل صاحب البستان الذي يتوقع أن يكون عنده كمية فاكهة في موسم الحصاد ويريد النقود الآن -غالبًا لينفق منها على عملية الإنتاج-، وحينئذٍ يُجري عقد السلم بينه وبين مشتر يشتري منه كمية معلومة بأوصاف معلومة -"يجب عدم ربطها بإنتاج هذا البستان وإن كان البائع في واقع الأمر ينوي تسليم البضاعة من محصول هذا البستان"-، ويقوم المشتري بتسليم كامل المبلغ إلى البائع في مجلس التعاقد ويكون بذلك قد تم للبائع "التمول" في الحال بينما يكون المشتري قد أدان البائع بالبضاعة المبيعة، وبطبيعة الحال فإنه غالبًا ما يحصل عليها بمزية سعرية عما لو اشتراها في موسم الحصاد.

2- الجمع بين السَّلَم والوعد بالوكالة:

إذا افترضنا في المثال السابق أن صاحب البستان لم يجد "تاجر فاكهة" يرغب في شراء إنتاجه عن طريق السلم، ولكنه وجد مستثمرًا راغبًا في الربح، فقد أوجد بعض المعاصرين حلاً لهذا؛ وهو أن يتم بيع السلم مع وعد البائع للمشتري أنه سيكون وكيلاً عنه في بيع البضاعة بعد تسلميها إليه.

وفي موعد التسليم يقوم البائع بتسليم البضاعة إلى المشتري وتدخل في مخازنه، ثم يتولى بيعها للتجار بسعر يومها والذي من الطبيعي أن يكون أكثر من سعر الشراء ويكون الفرق بينهما هو الربح الذي حصَّله المستثمر.

3- صكوك السلم الحكومية:

إذا افترضنا أن الجهة المستفيدة هي الدولة ذاتها وأنها تنتج معدن ما بوفرة، مثل: "الفوسفات بالنسبة لمصر"، وهي ترغب في بيع كمية من إنتاجها المتوقع لفترة قادمة لأحد سببين:

أ‌- لتمويل مشروعات إنتاجية.

ب‌-  تمويل عجز الموازنة "وهو في هذه الحالة من الخطورة بمكان حيث يعالج عجز الموازنة في فترة بعجز أشد في فترات لاحقة".

ثم إنها في سبيل ذلك حددت كمية من هذا المعدن وقامت بتسعيرها مثلاً بمائة مليون دولارًا وقسمته على مائة صك قيمة كل منها "مليون دولارًا"، ثم طرحت تلك الصكوك فيحصل بذلك أنها تمولت بالمائة مليون دولارًا، وأنها ملزمة بتوريد الكمية المتفق عليها لصالح حمَلة الصكوك مجتمعين.

ومن الممكن أن تقوم الدولة بدور الوسيط في بيع تلك الكميات لصالح حملة الصكوك إلى الدول التي اعتادت استيرادها، ومن المتوقع حينئذٍ أن تكون حصيلة البيع أكثر من مائة مليون دولارًا، تمثل تلك الزيادة ربح حمَلة الصكوك.

ومن صور الصكوك التي يتنازل فيها مالك الأصل عن ملكيته له مقابل تمويل:

1- إذا افترضنا أن رجلاً يملك محلاً قيمته "مليون جنيهًا" عرضه للإيجار فوجد أنه يمكن أن يؤجره بمقدار ألف جنيهًا شهريًّا.

2- وبفرض أن ذلك الرجل يريد مليون جنيهًا الآن، ومع ذلك فهو غير راغب في بيع المحل بالكلية.

3- بعض المعاصرين يجيز هذا الإجراء وهو أن يقوم بالآتي:

أ‌- بيع المحل لآخر بقيمة مليون جنيهًا مع اشتراط إعادة بيعه له مرة ثانية بعد 100 شهر.

ب‌- يقوم بدور الوساطة بين المالك "المؤقت" والمستأجر ليتم الإيجار بالألف جنيهًا تمثل في واقع الأمر عائد الاستثمار بنسبة للمالك المؤقت والذي اشترى المحل بغرض الاستثمار لا غير.

4- بعد الـ100 شهر يقوم المالك المؤقت ببيع المحل ثانية إلى المالك الأصلي بسعر يوم البيع.

ومن الملاحظ أنها صورة أُعمِل فيها الكثير من صور الترخص، وثمة صورة أفضل منها قائمة على الإجارة بصفة كلية، ولكنها سوف تقتضي إطالة مدة الإجارة.

ففي المثال السابق: "المحل قيمته مليون - إيجاره الشهري ألف - يريد صاحبه أن يتمول مبلغًا كبيرًا دون بيع المحل".

1- يقوم صاحب المحل بإيجاره لمدة "ألف شهر" بأجره ألف جنيهًا شهريًّا لمستثمر فيحصل على المليون جنيهًا.

2- يقوم صاحب المحل بالوكالة بين المستأجر المستثمِر وبين الراغبين في إيجار المحل مددًا تطول أو تكثر مراعيًا أن يكون الإيجار أكثر من ألف جنيهًا في الشهر، وبطبيعة الحال فإن قيمة الإيجار سوف تزداد مع الوقت، ويمثـِّل ذلك الارتفاع الربح الذي يجنيه المستثمر.

- في الأمثلة السابقة يمكن الاستعاضة عن "المالك - المحل" بـ "الدولة - أحد أصولها".

وهي أهم نقطة مثارة في القانون الحالي: هل نسمح للدولة بذلك مطلقًا؟ أم نسمح به بشروط؟ أم نغلق ذلك الباب أمام الدولة وتكون هذه الأنواع قاصرة على القطاع الخاص ويبقى أمام الدولة صكوك الاستصناع والمزارعة ونحوهما تُنشئ عن طريقهما أصولاً جديدة مما يرحِّب به الجميع؟

هذا ما سوف نناقشه في باقي المقال.

ثانيًا: عرض موجز لقصة قانون الصكوك في مصر:

1- تَبنى حزبا "الحرية والعدالة" و"النور" تقديم مشروع قانون للصكوك في مجلس الشعب، ولكن حكم حل مجلس الشعب حال دون مناقشته، وبصفة عامة فإن هذا الاقتراح اتسم بالإجمال بحكم كونه مقترحًا للجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشعب.

2- قامت وزارة المالية بإعداد قانون خاص بها وذكرت إنها استفادت فيه من مشروع حزبي الحرية والعدالة وحزب النور، وتم عرضه على مجمع البحوث الإسلامية في "الأزهر الشريف" تمهيدًا لقيام الدكتور "مرسي" بإصداره باعتباره كان يملك حق التشريع قبل إقرار الدستور الجديد.

3- رفض مجمع البحوث الإسلامية القانون وبرر رفضه بسبب جوهري، وهو أن: القانون يتيح بيع وتأجير أصول الدولة "راجع الأمثلة المذكورة في الفقرة الأولى من المقال".

4- بعد إقرار الدستور الجديد قامت لجنة الشئون المالية والاقتصادية بإعداد مشروعها الخاص للصكوك وانتهت منه بتاريخ: "17-2-2013م"، ومن الواضح أنها حاولت تلافي اعتراض مجمع البحوث الإسلامية، فكان نص المادة الخامسة من مشروع قانون اللجنة كالتالي:

"يحظر استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها لإصدار صكوك في مقابلها، ويجوز للحكومة والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة إصدار صكوك في مقابل حق الانتفاع بالأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية خاصة دون ملكية الرقبة، ويصدر بتحديد هذه الأصول والأصول المنقولة التي تصدر مقابلها صكوك قرار من مجلس الوزراء بناءً على عرض وزير المالية، ويجب تقييم الأصول ومنافعها التي تصدر في مقابلها الصكوك الحكومية بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وتعتمد توصياتها من مجلس الوزراء".

وهذه المادة كما تَرى:

1- تحظر بيع أو إيجار أي ملكية عامة للدولة.

2- تحظر بيع أي ملكية خاصة للدولة "مثل القطاع العام".

3- تجيز بيع منافع "إيجار" الأشياء المملوكة للدولة ملكية خاصة، ولكن مع التشديد في الإجراءات.

وبهذه الصورة تكون هذه المادة قد حمت أصول الدولة ومنعت حتى خصخصة القطاع العام، وأقصى ما سمحت به هو الإجارة؛ وإن بقي أمر يحتاج إلى دراسة وهو: هل من المناسب وضع حد أقصى لسنوات الإجارة أم لا؟

إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في أن "وزارة المالية" أجرت بعض التعديلات في قانونها الخاص بالصكوك وقدمته إلى مجلس الشورى، والذي أحاله إلى لجنة الشئون المالية والاقتصادية بتاريخ: "4-3-2013م".

وكان من العجيب أن تتنازل لجنة الشئون المالية والاقتصادية عن مشروعها الخاص لصالح مشروع وزارة المالية؛ لا سيما في الجوانب التي أثارت اعتراضًا من "الأزهر" ومن المجتمع، وعلى رأسه: حماية أصول الدولة... نعم، قامت اللجنة بدمج بعض المواد من المشروعين إلا أنها وفي أهم مادة اعتمدت الاقتراح المحال إليها من وزارة المالية، وكانت المادة التي تتحدث عن تنظيم إصدار صكوك فيما يتعلق بأموال الدولة (المادة رقم 3 في مشروع وزارة المالية - رقم 4 في الصورة النهائية التي أقرتها اللجنة)، ونصها كالآتي:

"لا يجوز أن تكون ملكية العقارات والمنقولات التي للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة والمخصصة للنفع العام، ولا ملكية الموجودات القائمة وقت الإصدار لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال متى كانت تدير مصلحة أو خدمة عامة - محلاً لعقد إصدار صكوك ولا محلاً لحجز ناشئ عن إصدارها، كما لا يجوز ترتيب أي حق عيني آخر عليها، ولكن يجوز أن يكون ما استحدث من موجودات هذه الشركات محلاً لحقوق مالكي الصكوك التي استحدثته... ".

وباقي المادة مشابه للمادة (5) في مشروع اللجنة، وهذه الصياغة في غاية الركاكة وعدم الوفاء بالمقصود حيث:

1- عدلت عن مصطلحات الملكية العامة والملكية الخاصة اللذين لهما تعريف قانوني محدد.

2- بعد ما حظرت بيع "الملكية العامة" -وإن كانت قد عدلت عن المصطلح إلى استعمال وصف إنشائي كما أسلفنا- عادت فقيدت ذلك الحظر فيما هو مخصص للنفع العام، مما يعني جواز بيع ما عدا المخصص للنفع العام.

3- كما أنها وبعد أن حظرت بيع الأصول المملوكة "ملكية خاصة" للدولة عادت فقيدت هذا الحظر بكونها مستعملة في مصلحة أو خدمة عامة مما يطلق يد السلطة التنفيذية في التفسير أو -على الأقل- يوقعها في صدام مع السلطة القضائية.

ويبقى الأمر المحير لأقصى الدرجات؛ كيف وافقت أغلبية اللجنة في مشروعها على صياغة منضبطة إلى حد كبير توحي بإدراك المخاطر المترتبة على إطلاق يد السلطة التنفيذية في هذا الباب ثم تنازلت بسهولة لرؤية مشروع وزارة المالية؟!

والجواب التلقائي: أن اللجنة قد استجابت لمطالب الوزارة إيمانًا منها بأهمية منحها المرونة الكافية لإنجاز عملها.

والذي ينبغي الانتباه إليه أمران، هما:

1- أنه لا ينبغي للسلطة التشريعية مهما بلغت ثقتها في السلطة التنفيذية الحالية أو في اختيار الشعب في المستقبل أن تُغفِل أن دور القانون سد الثغرات المحتملة للفساد.

2- وبعيدًا عن احتمالات الفساد فإنه طالما نتحدث عن تداول السلطة فلابد وأن تتعامل السلطة التشريعية مع الحكومة بأن الأصل فيها أن تحاول "تحقيق إنجازات"؛ ولو على حساب:

أ‌- الأمن القومي على المدى البعيد.

ب‌- النمو المطرد للموارد "ضمان التنمية المستدامة".

ومن أجل النقطة الأولى يجب أن تقوم السلطة التشريعية بالحماية التامة لأصول الدولة.

ومن أجل النقطة الثانية يجب أن يتضمن القانون تنظيمًا دقيقًا لبيع الحكومة لموارد لمدد تالية عن طريق صكوك السلم، وضرورة موافقة البرلمان على الجهة التي سوف توجه إليها عائد هذا البيع.

وهذه الاعتراضات تمثـِّل أخطر اعتراضاتنا على القانون، وأما باقي الاعتراضات فنجملها في الفقرة الآتية.

ثالثًا: أبرز الاعتراضات التي ينتقدها "حزب النور" على المشروع المزمع إصداره من مجلس الشورى (بصورة مجملة):

يمكن إجمال اعتراضاتنا على القانون في النقاط الآتية:

1- القانون لا يحمي أصول الدولة (في صكوك الملكية والإجارة) ولا مواردها (في صكوك السلم) بدرجة كافية -وقد تقدم بيان ذلك-.

2- يوجد في نصوص القانون إجمال شديد في مواطن شديدة الحساسية مما يعني تأجيل حسمها لحين التطبيق في كل واقعة منها على حدة.

أ‌- أحكام تداول كل نوع من الصكوك سكت عنها القانون تمامًا، وأحالها على المذكرة التنفيذية مع أنها من التشريع!

ب‌- دور الجهة التي ستقوم بتسويق الصكوك وحقوقها والتزاماتها مسكوت عنها في القانون!

ت‌- طريقة تصفية (إطفاء) الصكوك في نهاية المدة بالنسبة لكل نوع من الصكوك.

ث‌- طريقة التصرف في صندوق الحماية من المخاطر في نهاية المدة.

3- القانون في الجملة منحاز للسلطة التنفيذية، فهي التي تعين الهيئة الشرعية المركزية، وهي التي تعين هيئة الرقابة المالية ثم تختص تلك الأخيرة دون غيرها بتحريك الدعاوى في مخالفات هذا القانون.

ومن أخطر هذه الأمور: أنها تختص وحدها بإصدار اللائحة التنفيذية رغم أن تلك اللائحة التنفيذية وفق الصورة الحالية للقانون "التي يغلب عليها الإجمال" أقرب للتشريع منها للتنفيذ.

4- القانون منحاز في بعض نقاطه للأغنياء، وهذا يتمثل في نقطتين جوهريتين:

الأولى: إعفاء الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع الصكوك من الضرائب.

وهذه النقطة جاءت تماشيًا مع قانون الأسهم، وهذا من العدل بين الصكوك وبين الأسهم، ولكن ينبغي بعد صدورها أن يُدرس إلغاؤها من القانونين معًا.

الثانية: تحديد سقف عالٍ لإصدار الصكوك "100 مليون جنيهًا" يَحرم صغار المستثمرين من الاستفادة بطريقة الاستثمار الإسلامية المتاحة، وحتى لو قلنا: إنه من الناحية العملية لن يتمكن من الإقدام على الاستفادة من هذا القانون إلا أصحاب المشاريع الكبيرة فلنترك هذا قيدًا طبيعيًّا يفرضه الواقع بدلاً من وضع قيد لا توجد له ضرورة تشريعية.

رابعًا: الموقف من عرْض هذا القانون وغيره على هيئة كبار العلماء:

جاء في المادة الرابعة من الدستور المصري الجديد: "ويُؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية".

وقد استخدمت صيغة المبنى للمجهول "يُؤخذ" فمن هو المخاطب بهذا الأخذ؟

القاعدة الأصولية هنا تقول: إن المطلق يَبقى على إطلاقه ما لم يقيده مقيد، وحيث إن الدستور ينظم العلاقة بين السلطات الثلاث فإن الخطاب هنا يتوجه إليها جميعًا، أنها متى تعرضت لشيء يتعلق بالشريعة أن تأخذ رأي هيئة كبار العلماء وإلا لأصبح فعلها باطلاً من حيث الشكل، أي يبطل حتى ولو صادف أن هيئة كبار العلماء وافقت عليه لاحقًا.

وقد ادعى البعض أن هذا الخطاب موجَّه للمحكمة الدستورية دون غيرها! وهو تقييد بغير مقيد، ثم لنفترض أن هذا الأمر صحيح فهل من الحكمة أن يرسله مجلس الشورى مسبقًا أم يصدر القانون مع علمه بأن هيئة كبار العلماء لها موقف من الصورة الأولى التي عُرضت عليها، ومجلس الشورى يعلم أن هناك من سيطعن على القانون بعدم الدستورية وأن المحكمة الدستورية سوف تخاطب هيئة كبار العلماء، بل إن غالب الظن أن المحكمة الدستورية سوف تلتزم برأي هيئة كبار العلماء وليس فقط أنها سوف تستطلعه.

ونخلص من ذلك أنه:

من الناحية الدستورية: يجب أخذ رأي هيئة كبار العلماء وإن لم يجب الالتزام به.

ومن الناحية السياسية: يجب أخذ رأي هيئة كبار العلماء، ويجب التقيد به وتقديم اجتهاداتها على اجتهادات لجنة الشئون المالية في الشورى ومن وافقها؛ وذلك لاعتبارات:

- ضمان عدم إبطال القانون عبر المحكمة الدستورية لاحقًا.

- ضمان القبول الشعبي على هذا النوع من التمويل الذي ليس له مزية على السندات -بل والأسهم- إلا موافقة الشرع، وكيف يمكن أن يثق المواطنون في موافقته للشرع إذا عُلم أن القانون المعنون "بالصكوك" قد عُرض على "الأزهر" فرفضه؟!

ومهما قيل إنه تمت مراعاة "ملاحظات الأزهر" فإن الناس لن تصدق هذا إلا إذا أعيد عرضه على "الأزهر"؛ فضلاً أن القانون بصورته الحالية لم يراعِ "ملاحظات الأزهر"، بل أبقى على نفس المخاوف!

- يثير البعض هنا لغطًا يتعلق بأن "قضية الصكوك" من المسائل الفقهية الحديثة التي اعتنى بها من احتك بالتمويل الإسلامي، بينما يغلب على "هيئة كبار العلماء" الاهتمام بالفقه التقليدي!

وهي شبهة مردودة، ولو أننا توسعنا فيها سوف نصل إلى عين قول من يقول إننا لن نستطيع أن نضبط معاملات هذا الزمان بالشريعة الإسلامية، وكما رأيتَ في المقدمة أن الصكوك ما هي إلا استبدال "الممول" الذي هو مضارب في عقد المضاربة ومسـتأجر في عقد الإيجار ومشترٍ في عقد السلم، وهكذا... بمجموعة شركاء تمثلهم هيئة اعتبارية، وما عدا ذلك فباقي توصيف العقود على ما هي عليه.

- وعلى أيٍ... فنقترح أن يرسل مجلس الشورى القانون ويكون معه وفد من المؤيدين له يشرحونه لهيئة كبار العلماء ويدافعون عن وجهة نظرهم تجاهه.

- على أننا نسجل هنا أن اعتراض مجمع البحوث الإسلامية في المشروع الذي عرض عليها قد اقتصر على عدم قيامه بحماية أصول الدولة مما يعني قبولهم له من حيث المبدأ، وقضية لزوم عرض ما يتعلق بالشريعة على هيئة كبار العلماء كما قرره الدستور الجديد من القضايا التي يوجه إليها الطعن بصفة عامة زاعمين أنها نوع من "ولاية الفقيه"!

ولا أدري: لماذا ترتفع درجة الحساسية للأمور الشيعية في هذه النقطة ممن تقل "أو تنعدم" عندهم الحساسية من الشيعة في جوانب أكثر خطرًا؟!

وعلى أيٍ فهذه المسألة بعيدة تمام البعد عن "ولاية الفقيه الشيعية"، حيث يَعتقد الشيعة في إمامهم الغائب أنه لا دولة إلا بوجوده، بل ولا جمعة وجماعة إلا بوجوده! وكان قيام الشيعة بأي مظهر سياسي نوعًا عجيبًا من "الانفصام" حتى عالج لهم "الخوميني" هذا الأمر فادعى أن "فقيه العصر" يقوم مقام الإمام الغائب في كل مهامه!

ولما قامت "الثورة الخومينية" وعمدوا إلى إقامة حكم دستوري كان لابد من وضع "ولاية الفقهاء" كمرجعية عليا أعلى من الدستور وأعلى من الرئيس والحكومة؛ بحيث يملك مرشد الثورة أن يصدر أو يلغي قرارات للرئيس، ويملك سلطة تعديل الدستور!

بينما المادة "الرابعة" في "الدستور المصري" أعملت مبدأ سنيًّا هو: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(النحل:43)، فنرجع إلى "هيئة كبار العلماء" فيما يخص الشريعة الإسلامية وليس لها أن تتدخل في عمل أحد إلا بمقدار تقديرها لمدى موافقته للشريعة من عدمه، وهي في هذا الباب تشبه تقارير الخبراء في القضاء العادي، فكما أن القاضي ملزم إذا كان هناك في القضية المعروضة أمامه شق فني أن يرجع إلى لجنة خبراء في المساحة أو في الكيمياء أو في غيرها من القضايا... فكذلك البرلمان والقاضي الدستوري وغيرهما إذا تعرض لمسألة يريد أن يعرف حكم الشرع فيها؛ فهو ملزم في هذا الباب -ومن هذه الحيثية فقط- باستطلاع رأي هيئة كبار العلماء.

وكان المفترض أن يُلزم الدستور بالالتزام برأي هيئة كبار العلماء وليس مجرد استطلاعه؛ لولا أن البعض طالب بالاكتفاء بالإلزام بأخذ رأيها هروبًا من "ولاية الفقيه"، فتم اعتماد تلك الصيغة غير الملزمة، ورغم ذلك فما زال يوجد من يحاول التهرب من الرجوع إلى هيئة كبار العلماء بنفس المبرر!

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي