الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حركة النهضة في الإسلام

إن الأزمة الحقيقية التي يعيشها المسلمون الآن تتمثل في الركود وبعدهم عن الحركة والنشاط والعمل، يقول المفكر

حركة النهضة في الإسلام
زين العابدين كامل
الثلاثاء ٠٩ أبريل ٢٠١٣ - ٢٣:١٢ م
1783
حركة النهضة في الإسلام
29-جماد أول-1434هـ   9-إبريل-2013      

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأبدأ بسؤال هام ربما خطر ببالنا جميعًا وهو: لماذا نفشل في ساحة الفعل وننجح في ساحة القول؟

ثم أُثنـِّي فأقول: إن المتأمل في واقعنا المعاصر من الناحية الحضارية والثقافية والسياسية والاقتصادية والسلوكية والأخلاقية ينقلب إليه بصره وهو حسير؛ لاسيما عند عقد المقارنة بين ماضينا المشرق وحاضرنا المؤسف! فلقد وضع المسلمون الأوائل حضارة راقية في فترة يسيرة من الزمن؛ لأنهم انشغلوا بقضية نهضة الأمة.

وإن الذي ينقص المسلمين اليوم ليس الفكرة، ولكن ينقصهم العمل والحركة، فربما فكر الواحد منا ليقول كلامًا مجردًا لا من أجل أن يعمل، فلابد للمسلم المعاصر ألا يتوقف عند مستوى التحليل والتنظير إذا كان راغبًا حقًا في تغيير هذا الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون.

إن الأزمة الحقيقية التي يعيشها المسلمون الآن تتمثل في الركود وبعدهم عن الحركة والنشاط والعمل، يقول المفكر الجزائري "مالك بن نبي": "من أوجب الواجبات أن نصنع رجالاً يمشون في التاريخ". أي نحتاج إلى رجال يؤثرون في المجتمعات ويذكرهم التاريخ.

لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة بدأ ساحة العمل على الفور، وذلك عندما أمر ببناء المسجد النبوي بالمدينة، وهذه تعد البداية الحقيقية لمشروع النهضة فعندما كان المسلمون الأوائل يشيدون مسجدهم بالمدينة كان ذلك أول ساحة للعمل.

فهذا الطابع العملي من أهم شروط النهضة، والإرادة الإنسانية هي نقطة البدء لحركة النهضة؛ فالنهضة ليست كلامًا يُقال ولا أرقامًا على الورق، ولا حسابات وهمية، بل كما قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(الرعد:11)، فالتغيير يبدأ في النفس أولاً ثم ينتقل إلى الحياة الاجتماعية.

ومن شروط النهضة -أيضًا-: تحديد مواطن الداء وتشخيص الأمراض التي أدت إلى الوصول بالمجتمع إلى ما هو عليه من التفكك والضعف والجمود، ومن هذه الأمراض: كثرة الخلافات والفرقة وحب النفس، وكثرة "أنا ونحن" في الحديث قبل كل جملة؛ كل ذلك أدى إلى حالة الضعف والوهن، قال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال:46).

ومن أشد أنواع الداء، بل من أشد المعوقات للنهضة: حالة الفوضى التي يحياها المجتمع؛ فوضى فكرية وأخلاقية وثقافية واجتماعية، والمجتمع لا يستطيع في غمرة هذه الفوضى التي تحيط به من كل جانب أن ينهض ويصل إلى بر الأمان.

إن "اليابان" بعد الحرب العالمية تحول المجتمع فيها إلى خلية نحل تعمل فيها كل نحلة لمصلحة عامة في إطار إصلاح شامل.

وانظروا إلى "الألمان" بعد الحرب العالمية لم يبقَ لهم إلا التراب والإنسان والعلم بعد أن تم تدمير البنية التحتية والمنشآت الحيوية، فتبرع كل واحد منهم بساعتين في اليوم لخدمة البلاد، فبعد 10 سنوات ناطحوا أعظم الدول.

الأسبوع فيه 168 ساعة كم منها يُبذل في العمل الايجابي لخدمة البلاد ومحاربة الفساد والمنكرات، لنا في الأنبياء أسوة حسنة، كان إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- يتقنان البناء، وداود وسليمان -عليهما السلام- يصنعان، وكان موسى -عليه السلام- راعيًا قويًّا أمينًا، وآدم -عليه السلام- كان مزارعًا، وإدريس -عليه السلام- كان خياطًا، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- راعيًا وأجيرًا؛ وهكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- منهم الحداد، والنجار، والخياط، والتاجر، ونحو ذلك.

انظروا إلى الرعيل الأول الذين تخرجوا من مدرسة قائد البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم-... خالد بن الوليد -رضي الله عنه- كان قائدًا عسكريًّا ماهرًا، وعبد الرحمن بن عوف من التجار، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان بارعًا في القضاء، وزيد بن ثابت -رضي الله عنه- كان أعلمهم بعلم المواريث، وابن عباس -رضي الله عنهما- في التفسير، وأبي بن كعب -رضي الله عنه- كان سيد القراء.

هكذا كان الصحابة... الكل يعمل وإن تفاوتت قدراتهم، المهم أن تبحث لنفسك عن دور تخدم به دينك وأمتك وبلدك.

لابد أن نتعاون جميعًا على أن تقوم الأمة من مرقدها.

لابد أن نتعاون جميعًا على إشعال فتيل الإصلاح والتقدم والتنمية.

لابد أن نحرِّك المياه الراكدة بدلاً من هذا الجو القاتم الخانق.

لابد أن نعلم أن الفكر يقود العمل ويوجهه، والعمل يحقق الفكر ويصوبه وينميه؛ فإذا وقعت القطيعة بين الفكر والعمل أدى ذلك إلى انهيار المجتمع، وكثر فيه التنظير والكلام والقيل والقال، وليكن شعارنا جميعًا إذا أردنا الصلاح والإصلاح: (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(الحجر:65).

لابد من العطاء والعمل في جميع مواقع الإنتاج: الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الإدارية، والخدمية، ونحو ذلك... الكل يعمل في موطن عمله ولا تبالي بغيرك، ووقتها سننجح في ساحة العمل -بإذن الله تعالى-.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

أنا السلفي

www.anasalafy.com