الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

دعهم ينقدون ..لكم غنمه و عليهم غرمه

م / عبد المنعم الشحات

دعهم ينقدون ..لكم غنمه و عليهم غرمه
الخميس ٢٥ أبريل ٢٠١٣ - ١٦:١٨ م
1732

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال لي أحد الإخوة: أ.فلان -عميتُ اسمه عمدًا لكي أبتعد عن شخصنة القضية- باحث إسلامي محايد -أو هكذا يزعم- انشغل في الفترة الأخيرة بـ"حزب النور" ينتقد سياساته ويضم إلى الأمور الظاهرة الكثير من المعلومات المستقاة من مصادر خاصة والظنون الكاذبة، ثم يؤلف بينها ليخرج بتحليلات مفادها أن حزب النور حزب "دون المستوى فكرًا وتنظيمًا، بل وديانة!"، وغالبًا ما يشفع ذلك بأنه لم يقدِم على ذلك إلا حبًا في حزب النور واهتمامًا بشأنه وحرصًا على تنقيح تجربته! لا سيما أنها تجربة وليدة عمرها لا يتعدى السنتين، وأن شباب حزب النور بدأوا يتشككون في نواياه بقرائن ليس هذا مجال ذكرها.

وقد تكرر هذا الحوار بصورة أو بأخرى مع أكثر من فرد، فقلتُ معلقًا:

1- لا مجال للتشكيك في نوايا أحد، يجب علينا أن نتعامل بالظاهر والله يتولى السرائر.

2- إنَّ تفرغ باحث محايد لنقد تجربة حزب النور يدل على ثرائها؛ وإلا فعادة الناس أن يصرفوا جل اهتمامهم بالحزب الحاكم -لاسيما أن الحزب الحاكم في حالتنا هو الأكبر إسلاميًّا في ذات الوقت- ثم يوزعون ما بقي من اهتمامات على أحزاب المعارضة.

3- في إحدى المراحل التي كان فيها اتفاق بين الدعوة السلفية والإخوان وفي اجتماع مشترك قلنا: علينا أن نقرر المرجعية الإسلامية في الدستور ثم نشرك غير الإسلاميين في الإدارة لاعتبارات كثيرة، منها: الاستفادة من كفاءات التكنوقراط، ومنها: إيجاد حالة اصطفاف وطني، فقال قيادي إخواني كبير موافقًا ومؤيدًا: "نحن وأنتم جدد في عالم السياسة، أنتم لم تدخلوا أصلاً ونحن دخلنا وجلسنا بجوار الباب حتى رئاسة لجنة في مجلس الشعب لم يسمح لنا بها!" (ملاحظة: يمكنك أن تحلل هذه الجملة ومدى مطابقتها للواقع دون أن تشغل نفسك بمحاولة معرفة قائلها).

4- وما ذكرناه في النقطة السابقة يندرج بصورة أكبر على مهنة "النقد السياسي"، فمعظم من امتهن هذه المهنة من الإسلاميين امتهنها عن طريق مراكز بحثية لا تهتم غالبًا بالشأن المصري، وبالرجوع إلى الباحثين المصريين الذين عملوا في مركز البيان للدراسات "كأحد أبرز مفارخ هؤلاء النقاد" ستجد أن جل طاقاتهم وُجهت إلى "التشيع" فتناولوا التشيع حول العالم "مع إغفال التشيع في مصر غالبًا".

وهذه الدراسات تنتمي إلى التاريخ أكثر من انتمائها لعلم "التحليل السياسي" أو إن شئت قل: إنها دراسات تحلل الماضي القريب وهو أسهل الموضوعات التي يمكن تحليلها؛ فلا يوجد عناء توقع السيناريوهات المختلفة الملتبسة وفي ذات الوقت لا يوجد عناء تجميع أخبار متناثرة من الماضي السحيق لتنظم مجرى أحداث منطقي.

وينطبق ذلك على قضية التشيع ذاتها حتى إنه عندما قام الأستاذ "محمد بن سرور بن نايف زين العابدين" بهذا الجهد في كتابه: "جاء دور المجوس" -وهو متداول ومطبوع ومنسوب إلى: عبد الله الغريب، وكلنا عبيد لله غرباء كما لا يخفى- اعتبر كثير من كبار مؤسسي مراكز الدراسات أن هذا الكتاب فتحًا في بابه -وهو كتاب جدير بالقراءة ويغنيك عن كثير مما كتب بعده-.

5- لا يعني مما ذكرتُه أننا نريد من النقاد أن يكفوا عن النقد وإن كنا ربما نحتاج منهم تعليل المساحة التي يحتلها "حزب النور" في فكرهم، ولكن حتى هذا لا يهم؛ المهم هو إدراك أن الجميع بدأ في مواجهة السياسة الحقيقية بعد الثورة: إخوان وسلفيون وجماعة إسلامية -وهم من أسس أحزابًا كبيرة ذات مرجعية إسلامية- بالإضافة لباقي الأحزاب الإسلامية، فلنتعاون على التعلم الممنهج والممارسة المنضبطة والتصحيح الذاتي.

6- قد يحق لي بصورة أو بأخرى أن أدعي أن السلفيين لديهم دائمًا قدرة على التعلم "ولو من الكتب"، ولهم في ذلك تجربة دعوية رائدة وبالتالي تعايشوا مع التجربة أسرع من غيرهم "من وجهة نظري"، وأظن أن الآلة السلفية بعد اعتماد منهج قياسي للدراسات السياسية سوف تنتج كما عودتنا عشرات، بل مئات الكفاءات التي تتعلم وتُعلِّم وتمارِس "كما يقول الكتاب".

7- وفي النهاية أقول لإخواننا: إن من هدي السلف أنهم كانوا يقولون: "رحم الله امرئ أهدى إليَّ عيوبي"، فدعوا الناقد ينقد ثم خذ نقده فتدبره؛ فما وجدتَ فيه من نصح فاقبله، وما وجدت من رأي سببه نقص المعلومات عند صاحبه فبيِّن له "مرة أو دع"، وما غلب على ظنك أنه ينبع من غير ذلك فاستغفر لصاحبه، فإذا فعلت ذلك كان "لك غنم نقدهم، وعليهم غرمه".

تصنيفات المادة