الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تزكية النفس

وهذا هو الأصل الذي يجب على المسلمين التمسك به، فإن الإعجاب بالنفس من الأمراض المهلكة

تزكية النفس
د/ ياسر برهامي
السبت ٢٧ أبريل ٢٠١٣ - ١٨:٤٠ م
2274
17-جماد ثاني-1434هـ   27-إبريل-2013      

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(النجم:32)، قال ابن كثير -رحمه الله-: أي لا تمدحوها ولا تشكروها، ولا تمنوا بأعمالكم كما قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ(النساء:49)، ثم ذكر حديث مسلم بسنده عن محمد بن عمرو قال: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ هَذَا الاسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ) فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟ قَالَ: (سَمُّوهَا زَيْنَبَ).

فمقتضى هذا عدم جواز تزكية النفس ومدحها، وهذا هو الأصل الذي يجب على المسلمين التمسك به، فإن الإعجاب بالنفس من الأمراض المهلكة، وهو داء إبليس الذي قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ(الأعراف:12)، وداء صاحب الجنة الذي قال لصاحبه: (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا(الكهف:34)، فكانت عاقبته أن أحيط بثمره وأبيدت جنته.

ولا يُستثنى من ذلك إلا موضع الضرورة والحاجة التي لابد أن تقدر بقدرها فلا يزاد عليها، وقد دل على ذلك قول يوسف -عليه السلام-: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ(يوسف:55)، وذلك أن الملك كان لا يعرف فيه القدرة على الحفظ والضبط لبيت المال وطرق حفظ الغلال، فاحتاج إلى البيان وكقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً(متفق عليه)، وذلك ليعلم الناس الاعتقاد الواجب فيه -صلى الله عليه وسلم- وأنه أعلم الخلق بالله وأخشاهم له، وليحذرهم من الغلو المذموم في العبادة بتحريم ما أحل الله أو إيجاب ما لم يوجبه.

وعلى أية حال الأصل في هذا الباب الامتناع عن مدح النفس وتزكيتها والحذر على النفس من ذلك، وهؤلاء الأفاضل منهم الأنبياء المعصومون ومنهم الأولياء المتقون المشهود لهم بالفضل من النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن يشهد للمادح لنفسه من غيرهم؟ ومن يضمن له حسن نيته وهي تتقلب على المرء في الساعة الواحدة عدة مرات والسلامة لا يعدلها شيء، والفرق بين الحق والباطل في مثل هذا المقام ربما كان أدق من الشعرة وأحد من السيف؟!

وربما تخفى حظوظ النفس على صاحبها ويوهم نفسه بأنه يعمل المباح وحقيقة الأمر العجب المحرم والغرور المذموم؛ فما لأمثالنا وتزكية نفوسهم ومدحها وذكر فضائلها، وما أكثر من تغره نفسه في الفضائل التي هي عارية عنها، وإنما هي دعوى وتشبع بما لم يعط!

فإذا كان مدح الإنسان نفسه يما يتيقن من فضائلها الأصل فيه المنع، والجواز فيه على قدر الضرورة والحاجة مع شرط سلامة النية وحسن القصد والإخلاص الذي هو أعز شيء -والشرك في هذا المقام أخفى من دبيب النمل- فكيف بما يشك فيه أهو في النفس أم لا؟ فكيف بما يعلم أنه دعوى؟! فكيف بما يعلم أن النية فيه لغير الله؟!

وعندما ينظر المرء إلى المجتمعات المعاصرة، والنظم التي اختارتها لنفسها في تولية الولايات وهي تزعم أنها في قمة الحضارة وأرقى ما وصلت إليه الإنسانية من الحرية والعدالة، ويرى كيف يزكون أنفسهم بما ليس فيهم لنيل حظ من حظوظ الدنيا، ويغتابون غيرهم وينمون لإفساد صورتهم عند الناس ليصرفوهم عن اختيارهم فتكون بما يسمونه بالمعارك الانتخابية، وقد تسفك فيها الدماء! وقطعًا تنفق فيها الملايين من الأموال وتُشترى الذمم والولاءات - عندما يرى المرء ذلك يعلم صدق ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة: (وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا(رواه مسلم).

ويرى كيف يتسبب جهل الناس بالشرع ومخالفتهم لهديه في تضييع الأمانة، وأن يوسد الأمر إلى غير أهله؛ فيكون ذلك سببًا في خراب الدنيا وقرب نهايتها، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ(رواه البخاري).

فعلى المرء المسلم أن يربأ بنفسه عن التمرغ في وحل هذه الأنظمة الجاهلية، ودنس المشاركة فيها أو إضفاء الشرعية عليها.

أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة