الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفيون والعمل السياسي بين مصر وتونس

في هذه التصريحات إجابة على الطرح الذي يطرحه الكثيرون من أنه كان من الأفضل ألا يدخل السلفيون في مصر العمل السياسي!

السلفيون والعمل السياسي بين مصر وتونس
عبد المنعم الشحات
الجمعة ٠٧ يونيو ٢٠١٣ - ١٨:٥٨ م
3909
29-رجب-1434هـ   7-يونيو-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد نشر موقع "اليوم السابع" ملخص محاضرة ألقاها الشيخ "راشد الغنوشي" في العاصمة الأمريكية واشنطن:http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=1092903.

وقد وجدتُ في هذه التصريحات إجابة على الطرح الذي يطرحه الكثيرون من أنه كان من الأفضل ألا يدخل السلفيون في مصر العمل السياسي؛ اكتفاءً بوجود تيارات إسلامية أخرى تهتم بالقدر المطلوب في هذه المرحلة وهو تثبيت مرجعية الشريعة!

وذلك أن هذا الطرح من الشيخ "راشد الغنوشي" قد أثبت أنه وصف إسلامي صار من الاتساع بحيث يشمل أفرادًا أو اتجاهاتٍ تميل إلى المزج بين الإسلام وبين غيره من الأطروحات مع عدم الدفاع عن مرجعية الشريعة كلفظ جامع مانع، ولكن الإحالة لهذا المزيج الذي اختاروه.

وإذا استصحبنا أن التيارات الإسلامية التي خاضت غمار العمل السياسي قبل الثورة قد دل التاريخ والواقع أنها تجنح في كثير من الأحيان ناحية هذه الأطروحات؛ علمنا أهمية وجود عمل سياسي سلفي طالما غلب على الظن أن المناخ يتيح للقوى السياسية أن تؤثر في مؤسسات الدولة، وقبل ذلك شكلها الدستوري؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تصريحات الشيخ "راشد الغنوشي" تضمنتْ الكثير من القضايا التي  تستحق التنبيه.

وإليك ما ذكرته الصحيفة عن الشيخ "راشد الغنوشي"، ثم نعلق عليه بعد ذلك:

(قال راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي: إن الجمعية التأسيسية للدستور أوشكت على الانتهاء من كتابة مسودة دستور تونس الجديد، مؤكدًا على أنها خالية من "مصطلح الشريعة".

وأضاف خلال جلسة نقاشية شارك بها اليوم في العاصمة الأمريكية "واشنطن" أنه تم الاتفاق على عدم ذكر الشريعة في أول دستور لتونس بعد الثورة حتى يكون معبِّرًا عن جميع أطياف الشعب التونسي سواء الأغلبية أو الأقلية، لكنه أكد أيضًا على أن مسودة الدستور الجديد تعبر عن قيم الإسلام الممزوجة بالقيم الديمقراطية الحديثة.

ووجه "الغنوشي" انتقادات حادة للتيار السلفي ببلاده قائلاً: "حاولوا فرض آرائهم بالقوة وبمخالفة القانون، وأنا أقول لهم: "لا تظنوا أن الديمقراطية ضعيفة"، منتقدًا أيضًا تصرفات بعض التيارات اليسارية المتشددة، داعيًا السلفيين ببلاده إلى الانخراط في الحياة السياسية من خلال تشكيل الأحزاب كما فعل السلفيون في مصر.

ووصف السلفيين بأنهم "ثمار نظام ابن علي وليس الثورة"، معتبرًا السلفيين المتشددين "ظاهرة معقدة لا تظهر سوى في المناطق الفقيرة!"؛ مؤكدًا على أن تونس "لن تتحول من "الربيع العربي" إلى "الشتاء الأصولي" معتبرًا أنه يمكن التعاون مع العلمانيين المعتدلين، لكن التحالف مع الإسلاميين المتشددين، وقال مازحًا: "هؤلاء لا يلتقون إلا ليتقاتلوا!".

وشدد "الغنوشي" على أهمية التحالف ما بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين الوسطيين لتجنب حالة الاستقطاب السياسي التي حذر منها قائلاً: "حاولنا قدر المستطاع تجنب الاستقطاب؛ لأننا رأيناه في الدول الأخرى تحول إلى عقبة للانتقال للديمقراطية"، معتبرًا أن نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة لا يعني أن من حقهم الهيمنة على كل شيء وإقصاء العلمانيين، ولكن يعني "أنهم الأكثر شعبية".

مضيفًا: "الإسلاميون الآن تحت الاختبار، وإذا لم ينجحوا سيتم انتخاب غيرهم"، مؤكدًا على أهمية احترام نتيجة الانتخابات، وأنه سيحترمها حتى لو انتخب الشعب "الحزب الشيوعي!").

ولنا على هذا الكلام عدة وقفات:

الوقفة الأولى: "قوله إن الدستور لم يحتوِ على مصطلح الشريعة":

فيجب أن يُعلم أن الشريعة ليست مصطلحًا محدثًا مما يُقال فيه: "لا مشاح في الاصطلاح"، بل هو مصطلح شرعي؛ قال الله -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(الجاثية:18).

فإذا تغاضيت عن هذه الجزئية لوجدت أن مشكلة المخالفين أيضًا ليست اصطلاحية، بل موضوعية، وأنهم يريدون حريات بلا ضوابط "في مقابل تحريم بعض ما أحل الله: كتعدد الأزواج، والطلاق، وغيرها... !" ومتى وجد مَن ينسب لهم هذه القضايا إلى الشريعة فلن يكون لهم حينئذٍ مشكلة مع مصطلح الشريعة.

الوقفة الثانية:

إن الشيخ "راشد الغنوشي" حينما حاول أن يستدرك من أنه وضع قيم الشريعة في الدستور لم تطاوعه نفسه حتى قال: "ممزوجة بالمبادئ الغربية!".

و"الغنوشي" هنا يصرح بمسلكين خطيرين تتبعها المدرسة العقلانية، والتي تنتمي إليها معظم التيارات التي تعمل في العمل السياسي على أرضية غير سلفية (لاحظ أن حتى الجماعات التي يوجد في داخلها أكثر من تيار فإنها تحافظ على أن يتصدر المشهد السياسي رموز من التيار العقلاني، مثل: الدكتور عصام العريان، والدكتور حلمي الجزار في مصر).

وهذان المسلكان هما:

الأول: استخدام مسميات كثيرة من مبادئ الشريعة إلى مقاصد الشريعة إلى قيم الشريعة، وهذه المسميات كلها "وصفها الحقيقي الذي وصفها الله به هو الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض".

بل إن القيم العامة والمبادئ العامة يمكن أن تكتشف أنها هي القيم والمبادئ التي تدعي كل المناهج في الشرق والغرب أنها تسعى إلى تحقيقها مِن الحرية والعدالة القانونية والاجتماعية والإنسانية، ولو اعتبرنا بالعناوين فقط؛ لاستوت الديمقراطية مع الشمولية، ولتطابقت الرأسمالية مع الاشتراكية.

ومِن ثَمَّ فقول الشيخ "راشد الغنوشي" هنا أنه مزج قيم الإسلام مع قيم الحضارة الغربية، فإن حقيقة ما فعله هو "أخذ قيم هذه الحضارة".

وهذا هو المسلك الثاني "وهو المزج بين الإسلام وغيره!": والإسلام الذي عنوانه: "لا إله إلا الله"، "وإن الحكم إلا لله" يأبى هذا المزج، وفي الحديث القدسي: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ(رواه مسلم).

وهنا لابد لنا من التنبيه على أمرين:

الأول: أن هذا المزج الممنوع بين القِيم لا ينفي أن تنقل عن الغير فيما أحالك الشرع فيه على "تجاربك الإنسانية"، ومِن ثَمَّ فمن حقك أن تنقل تجربة غيرك ما دام كان ذلك في دائرة المباح، وليست في دائرة الأمور المطلوب فعلها أو المطلوب تركها، وهي التي تمثِّل القيم.

الثاني: القيم الغربية يجب أن تُعرض على الشرع فيقبل منها ما يوافقه ويرد ما يخالفه، وهذا ليس مزجًا بين القيم، ولكنه في هذه الحالة يكون إعلاءً لشأن الشريعة وجعلها المرجعية العليا لكل ما ورائها.

الوقفة الثالثة:

ادعاؤه أن السلفيين حاولوا فرض آرائهم بالقوة هو نوع من الظلم للسلفيين في "تونس"، وكأن قَدَر السلفيين أن يكونوا ضحية للاستبداد العالماني والإسلامي على حد سواء!

ومن المعلوم أن هناك تيارات ترى فرض آرائها بالقوة، وأن لهم أسماءً قد يكون منها مصطلح: "السلفية الجهادية"، ومع ذلك فلا يخفى على الشيخ "راشد الغنوشي" أن مصطلح "السلفية" عند الإطلاق يدل على هؤلاء الذين يعلون من شأن الشريعة، ولكنهم لا يفرضون آرائهم بالقوة.

الوقفة الرابعة:

دعوى "أن السلفية ليسوا من صنيعة الثورة، ولكنهم من صنيعة النظام القديم": دعوى غريبة تحتاج منه أن يشرح لنا ماذا يعني بذلك؟! مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر الذي يستند إليه البعض في وصم السلفيين بهذه التهمة في بلادنا هو وجود شيء من الحرية الدعوية للسلفيين في ظل النظام السابق -"مع أنها كانت منتزعة بفضل الله -عز وجل- بانتشار الدعوة وكثرة أتباعها، وصبر دعاتها"-، ولكن هذا لم يكن موجودًا في "تونس" بحال من الأحوال، بل كانت اللحية أو الحجاب سببًا مباشرًا لكي يفصل صاحبها أو صاحبته من العمل مباشرة؛ مما يدل أن هذه التهم هي تهم مُعلَّبة "عابرة للبلاد والقارات!".

الوقفة الخامسة:

قوله بالترحيب بأي حزب يختاره الشعب ولو كان الحزب الشيوعي! يوضح الفرق بيْن مَن يؤمن بالديمقراطية ولكن بنكهة إسلامية، وبيْن من يقبل بحكم الواقع بآليات الديمقراطية من انتخابات، وفصل بين السلطات، وغيرها... شريطة التزام الجميع بأحكام الشريعة عن طريق وضع نص دستوري ملزم لكل السلطات بعدم مخالفة الشريعة.

وأخيرًا أقول: إن الدعوة السلفية وحزب النور، قد تمكنا بفضل الله -عز وجل- من وضع المواد رقم: (4) و(11) و(81) و(219) بالإضافة إلى المادة الثانية.

ولك أن تتصور ماذا كان سيكون الحال لو انفردت التيارات الإسلامية التي يدخل ضمن مكوناتها الرئيسية "تيار العقلانية المعاصر" الذي ظهر لك بعض أصوله في كلام الشيخ "الغنوشي"؟!

الوقفة السادسة:

دعوة الشيخ "راشد الغنوشي" للتحالف بين من يمثلون الإسلام الوسطي -"من وجهة نظره هم هؤلاء الذين امتنعوا من ذكر مصطلح الشريعة!"- مع العالمانيين في مواجهة المتطرفين السلفيين، وهو حلف نشأ عدة مرات في بلاد إسلامية وبأسماء كثيرة، وتحت مبررات شرعية، من أشهرها: "حلف الفضول"؛ متناسين أن الحلف بين هؤلاء الإسلاميين والعالمانيين لا يتضمن فقط ما اتفقوا عليه من الحفاظ على حقوق الناس -والتي يبدو من كلام الغنوشي ومن تصرفات غيره أن السلفيين مستثنون منها-، ولكن هذه الأحلاف فرضت عليه وعلى غيره ألا يذكر الشريعة، وألا يرجع إلى قيمها خالصة حتى وإن لم يذكرها، وإنما لا يرجع إلى قيمها إلا ملفقة مع غيرها من القيم الغربية.


www.anasalafy.com
انا السلفي

الكلمات الدلالية