الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فدورات المياه لا يُصلى فيها قطعًا؛ لأنها أماكن لقضاء الحاجة، ولا يجوز قضاء الحاجة في المسجد، فهي بالتأكيد خارج المسجد.
ولا يجوز خروج المعتكِف إلى دورة المياه لتجديد الوضوء أو الاستحمام للتنظف، بل يخرج لما لابد منه من الطهارة الواجبة كالوضوء الواجب والغسل الواجب أو الاغتسال لصلاة الجمعة.
أما أماكن الوضوء فيحتمل النظر فيها وإن كان من الواضح أنها تكون بباب مستقل؛ فالأقرب عندي أنها ليست من المسجد ولا يصلى فيها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني -وغيره موافق له-: "الْمُعْتَكِفُ لَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ، إلا لِمَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَخْرُجَ إلا لِمَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَتْ أَيْضًا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلا خِلافَ فِي أَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ لِمَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ؛ وَلأَنَّ هَذَا مِمَّا لابُدَّ مِنْهُ، وَلا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَوْ بَطَلَ الاعْتِكَافُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ لأَحَدٍ الاعْتِكَافُ، وَلأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْتَكِفُ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الإِنْسَانِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ، كَنَّى بِذَلِكَ عَنْهُمَا؛ لأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا، وَفِي مَعْنَاهُ الْحَاجَةُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ بَغَتْهُ الْقَيْء فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَتَقَيَّأ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَكُلُّ مَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، وَلا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُطِلْ... ".
وقال -رحمه الله-: "وَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَضَعَ سُفْرَةً يَسْقُطُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ مِنْهُ كَيْ لا يُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ، وَيَغْسِلَ يَدَهُ فِي الطَّسْتِ لِيُفَرَّغَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِغَسْلِ يَدِهِ؛ لأَنَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا...
وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِلْوُضُوءِ وَكَانَ تَجْدِيدًا بَطَلَ؛ لأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَإِنْ كَانَ وُضُوءًا مِنْ حَدَثٍ لَمْ يَبْطُلْ؛ لأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ أَوْ قَبْلَهَا؛ لأَنَّهُ لابُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى وُضُوءٍ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صَلاةِ النَّافِلَةِ بِهِ" (المغني: 3/ 203).
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي