الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعقيبًا على مقال: "متابعة حول موقف حزب النور من البغي على الرئيس" لـ د."صلاح الصاوي"

إن كثيرًا من الرموز التي اتخذت كياناتها مواقف مغايرة يثنون في الأحاديث الخاصة على موقف الحزب ويرونه الصواب؛ على الأقل فيما يتعلق بالمنظومة الفكرية والتنظيمية لحزب النور والدعوة السلفية.

تعقيبًا على مقال: "متابعة حول موقف حزب النور من البغي على الرئيس" لـ د."صلاح الصاوي"
عبد المنعم الشحات
الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٣ - ٠٠:٥٧ ص
5488
22-رمضان-1434هـ   29-يوليو-2013     

حزب النور أعان د."مرسي" وناصحه حتى آخر لحظة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإنصاف كان عزيزًا فيما مضى وأما الآن فقد صار أندر من الندرة ذاتها، ولذلك فقد سررتُ أيما سرور بالنقد الذي وجهه د."صلاح الصاوي" لموقف حزب النور في أزمة د."مرسي"؛ لالتزامه قواعد الشرع، وتغليبه لحسن الظن، ووضعه الخلاف في هذه القضية في موضعه المناسب، وهذا ما يشجِّع بمناقشته؛ رجاء أن تسهم المناقشة في مزيدٍ من حسن تفهم كل طرف لمقاصد الآخر.

إنك لا تملك أمام النقد المتعسف القائم على الظنون والأكاذيب إلا أن تدعو لصاحبه بالهداية والتزام ما يحض عليه الشرع من حسن الظن والتثبت قبل إلقاء التهم، في حين يجبرك النقد الموضوعي على المناقشة والتحليل، ومِن ثَمَّ رأيتُ أن أنقل مقالته بتمامها مع التعليق على ما يستحق التعليق منها، فتحصل الفائدة أولاً بكلام الشيخ ثم ببعض التوضيحات التي سوف أعقِّب بها، وقد اخترت لها عنوان: "حزب النور أعان د.مرسي وناصحه حتى آخر لحظة".

وأردتُ بهذا العنوان أن ألخص الرد على الانتقاد الرئيسي الذي وجهه د."الصاوي" واختار له وصف "البغي" على الرئيس، وهذا يعني أن حزب "النور" قد خرج على الرئيس بتأويل سائغ -وهذا هو معنى البغي شرعًا- بينما يرى حزب النور أنه ظل مع د."مرسي" حتى تغلب غيره فناصح ذلك الغير في أمور، من أهمها: الهوية الإسلامية، ومستقبل الحركة الإسلامية -وعلى رأسها الإخوان-، وأظن أن كل منصف يدرك أن الحزب وازن حمى التخلص من آثار حكم الإسلاميين قدر الإمكان.

أولاً: مقالة الدكتور صلاح الصاوي:

متابعة حول موقف حزب النور من البغي على الرئيس

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلقد تابعت تفاعلات المشهد الدعوى حول فتوى "موقف حزب النور من البغي على الرئيس" وتأملتها جميعًا ما بين مستبشر بها أو مقر لها على شيء من الإغماض أو التحفظ، أو عاتِب قد استوعب الصدمة فجاء عتابه على استحياء، أو مجروح لم يتعافَ بعد من جراحاته من هذا الموقف، وما بين كاظم لغيظه أو مطلق له العنان، وما بين مجامل لي في تحفظه، أو مطلق لقلمه العنان يكتب في عفوية واسترسال!

ولكل هؤلاء مني الحب والتقدير، والثناء والدعاء، وأود أن أسجل هذه المتابعات والتي أرجو أن تكون -بإذن الله- نافعة، كما أرجو ألا تكون في بعضها صادمة، وآمل من أحبائي الصبر على قراءتها، ولهم كامل الحق في التعامل معها بعد ذلك كما يحبون؛ قبولاً أو رفضًا أو تعديلاً بحذف أو إضافة!

أولاً: حزب النور ومنتسبوه جزء من جماعة المسلمين، بل جزء من صفوتهم وخيارهم، عاشوا ينصرون السنة مع مَن ينصرونها، ويجددون الدين مع من يجددونه؛ إحياءً للعقائد الصحيحة، وإشاعة للسنن، وإماتة للبدع، ولهم هدي وسمت لا ينكره إلا مكابر، وآثارهم تدل عليهم، ومن ثمارهم تعرفونهم، وأرجو ألا تحملنا الخصومات السياسية على إنكار هذه الحقائق التي هي أشد وضوحًا من وجود الأهرامات بالجيزة أو نهر النيل في مصر!

إن المقارنة بين "ياسر برهامي" و"الباقوري" أيام "عبد الناصر" والتسوية بينهما مقارنة ظالمة وتسوية أظلم! فـ"ياسر برهامي" لا يزال على ولائه لدينه وشريعة ربه، لا يزال الراكع الساجد المدافع عن الشريعة، والموالي لأتباعها! أما الباقوري -عفا الله عنه- فقد قفز من معسكر الإخوان، وخلع رداءهم ومنهاجهم بالكلية وظاهر على إخوانه، وهو المتمثل بقول القائل:

الشيخ والقسيس قسيسان                وإن تشأ فقل هما شيخان!

وهو الذي تمثل يوم مسرحية المنشية بقول القائل:

أريـد حـيـاتـه ويـريـد قـتـلي               عذيرك من خليلك من مراد!

ثانيًا: حزب النور من أرشد التيارات السلفية في الموقف من الولاة ومن الجماعات الإسلامية، فلم يطلقوا القول بتبديعها على النحو الذي فعلته قطاعات سلفية أخرى، ولم يتبتلوا في محراب ولي الأمر كما تبتل آخرون ممن حتى جعلوا من "القذافي" إمام المسلمين في ليبيا! ومن "الأسد" إمام المسلمين في سوريا! وأفتوا بالتعبد بطاعة هؤلاء وأمثالهم ظاهرًا وباطنًا في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وسووا بين العلمانية والانحرافات الجزئية في تطبيق الشريعة، على النحو الذي يفضي إلى أن يصبح معه "أتاتورك" مثل الخليفة العباسي في جنس انحرافاته! وفي وجوب التعبد بطاعته ظاهرًا وباطنًا في غير معصية!

ثالثًا: جل اشتغال حزب النور فيما مضى كان يدور في فلك عقدي أو شعائري، ولم يرتد آفاق السياسة الشرعية، وآية ذلك النظر إلى أدبياتهم، فجلها في أصول العقائد أو في فروع الفقه، وليس لهم عطاء ظاهر في باب السياسة الشرعية: قضاءً أو اقتصادًا أو نظمًا دستورية أو علاقات دولية ونحوه، فلا حرج أن يقال: إنهم حدثاء عهد بالتجربة السياسية على مستوى التنظير أو مستوى التطبيق.

وقد كان مقتضى التوفيق أن ينتظم شمل العمل الإسلامي في ائتلاف جامع، يتولى حزب النور مع غيره ممن هم على شاكلته من بقية إخوانه ملف الدعوة والتربية والتعليم، ويتولى غيرهم ملف الشأن العام ممن هم أكثر تخصصًا فيه وأكثر اعتناءً به! ويكون للشيوخ الأجلاء دور الرقابة والنصح والتسديد، وحراسة المنهج والمسيرة، ولكن جرى القلم بما هو كائن!

رابعًا: موقف حزب النور من البغي على الرئيس لا يمكن بحال تصنيفه على أنه خيانة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، وإنما يصنـَّف في دائرة الخطأ السياسي، الذي ننكره على أصحابه، مع بقاء عصمتهم وأخوتهم في الدين، وتلك هي القضية التي اشتد النكير عليها في الفتوى السابقة، وما لم نرَ الأمور على هذا النحو، فثمة خلل خطير في الرؤية وفي المنهج يجب أن يُراجع على الفور، ولو كان كل ما اختلف أهل الإسلام في قضية من القضايا تبادلا التخوين والإقصاء، لم تبقَ بين المؤمنين عصمة ولا أخوة قط، ولا يجمل أن تجمعنا الدعوة ثم تفرق بيننا الخصومات السياسية!

يقول أحبابنا في حزب النور في الدفاع عن موقفهم: إن اختيار رئيس ليبرالي أو قومي كان موضع اتفاق من البداية من الإخوان وغيرهم على أساس أن ظروف البلد لا تحتمل رئيسًا إسلاميًّا في هذه المرحلة؛ فلماذا لم يعد ذلك خيانة في البداية ثم يُعد موافقة حزب النور على ذلك في إبان الانقلاب خيانة؟!

ثم يضيفون فيقولون: من زعم أن الأوضاع قد اختلفت بالاتفاق على رئيس إسلامي ثبتت ولايته، وسلمت له مقاليد البلاد، فإنهم يجيبون عن ذلك بأنه لم يكن ممكَّنًا، ولم يدعمه أهل الشوكة كالجيش والشرطة والمخابرات والإعلام والقضاء، بالإضافة إلى موقف دول الجوار والموقف الدولي!

ثم يزيدون فيقولون: نحن لم نشارك في الانقلاب وإنما تعاملنا مع واقع مفروض كان موجودًا قبل ذلك للناظرين بعين الحقيقة، وأصبح معلنًا بالبيان الذي تم فيه عزل الرئيس بعد أن سيطر الجيش على مقاليد البلاد خلال المهلة تحت سمع وبصر الجميع، وسيطر على وسائل الإعلام، ووضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية.

وما ساقوه في هذا المقام قابل للمناقشة والتخطئة، ولكنه ليس قابلاً لأن يكون مسوغًا للتخوين والإقصاء بحال!

وأود قبل الدخول في مناقشة هذه التحليلات أن أؤكد أن ما سنثبته الآن هو نفس ما كنا سنثبته لو كان "ياسر برهامي" أو "أبو الفتوح" أو "العوا" محل "مرسي"، فالقضية ليست قضية شخص، وإنما هو مسار وتيار واتجاه!

فالاتفاق على رئيس ليبرالي من البداية وكون ذلك على رضا وسواء بين المؤمنين أو جمهورهم وسوادهم الأعظم لاقتضاء المصلحة ذلك أمر لا غبار عليه، فهو يدور في فلك السياسة الشرعية، وتتقرر شرعيته وعدمها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولكن إذا تغير المسار وأفرزت الأحداث فيما بعد قيادة إسلامية، فالواجب هو الالتفاف حولها ودعمها ونصرتها ظالمة كانت أو مظلومة بالمفهوم الشرعي للنصرة وإقدارها على القيام برسالتها، ومناصحتها فيما تخطئ فيه عند الاقتضاء، والإنكار عليها عند الزلل بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم، والصبر على ما يكون منها من أثرة حسبة لله -تعالى-، وترفعًا عن المآرب الشخصية والعلائق الحزبية والتنظيمية مهما كانت التصورات المبدئية قبل ذلك، ومفارقتها إلى غيرها هو موضع العتب والتثريب، فالقياس هنا مع الفارق!

وأود أن الإشارة إلى أنه قبل تفاقم الأحداث ضد الرئيس المظلوم كانت هناك بوادر من رموز في حزب النور إلى إضعاف ولاية الرئيس "مرسي" ونزع صفة الولاية الشرعية عنها، وتشبيه التعاون معه بالتعاون مع "مبارك" في أي مشترك من الخير! وتصريحات نسبت إلى بعض القيادات السلفية عن ندمها على التصويت للرئيس "مرسي"، وأنها لو استقبلت من أمرها ما استدبرت لصوتت للفريق "شفيق!"، وأخرى شنت الغارة على الإخوان حتى نسب لبعض قياداتهم قوله: "إن فشل 30 يونيو سيحول جماعة الإخوان المسلمين لوحش كبير لا يمكن إيقافه!".

وقد علقنا على ذلك في حينها ونصحنا إخوتنا بما نعتقده في إبانها، وقلنا إنه لا يجمل سياسة ولا يصلح شرعًا نزع جميع أحكام الإمارة الشرعية عن هذه الولاية، والتسوية بين مبدأ العلاقة بها والعلاقة بولاية سائر طواغيت الأرض على شعوبهم سواء أكانوا من المسلمين أم من غير المسلمين، وإنما العدل في هذا أن يقال: هذه ولاية شرعية قطرية أو جزئية تنشئ للقائم عليها حق الطاعة والنصرة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة، أي: في حدود الضوابط الشرعية التي رسمتها الشريعة في باب الولاية، وفي حدود العقد الذي بويع على أساسه من ناحية أخرى، وإن إلغاء ولايتها الشرعية بالكلية انتحار سياسي وخطيئة شرعية! وغدًا سيُرفع نفس السلاح في وجوه من يرفعونه اليوم، والأيام دول، لكن لم يطف بخيالنا تخوين ولا تكفير ولا تفسيق ولا إقصاء!

وأكدنا أن من ظن أن له في غير شركاء دربه ورفقاء مسيرته بدائل فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقد عاند الشرع والواقع والتاريخ! فما هش هؤلاء الغلاة لفريق منا إلا نكاية في بقية خصومهم من أهل الدين، وليتخذوا منهم ورقة توت يسترون بها عورتهم، ويجملون بها قبحهم، حتى إذا قضوا وطرهم وردت لهم الكرة على خصومهم، فلن يرقبوا في أحدٍ من أهل الدين إلاً ولا ذمة!

ومن وعى درس التاريخ والحاضر يدرك هذا المعنى، ورحم الله المعتمد بن عباد القائل: "إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير!" أي أن يكون مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيرًا يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه ممزَّقـًا للأذفونش أسيرًا له يرعى خنازيره في قشتالة! مع اعتبار الفارق بين المقامين، وأن تكفير المعاندين لم يطف بخيالنا طرفة عين؛ لأن جلهم ما بين متأول أو جاهل!

أما القول بأنه لم يكن ممكَّنًا: فإن جوابه أنه قد سُلِّمت له مقاليد الأمور من الناحية الرسمية، فسلمت له القيادة من الجيش وكانت له خطوات جريئة كإقصاء طنطاوي وعنان، والترتيب لقيادة مدنية للبلاد، ولم يكن الأمر في البداية بهذا السوء، ولعله لو وجد مِن جميع إخوانه الدعم والمؤازرة لتغيرت الأمور، ولكن منطق المعارضة حمل كثيرًا من إخوانه على تتبع عثراته، والتقاط أخطائه والمظاهرة عليه، والمشاركة بوجه أو بآخر في تطيير ذلك وإشاعته وفض الناس عنه! نعم لقد كان من أخطائه -عفا الله عنه- أنه استمع لبعض من حوله ممن حاولوا باجتهاد أو بآخر الاستئثار والاستحواذ، فأثاروا حفيظة المخلصين ممن يعدون فريقه وشيعته إذا خان الحلفاء، وتنكر الأصدقاء!

كما كانت له -عفا الله عنه- أخطاء أخرى، وللحديث عنها مقام آخر، وليس من المروءة بسط القول فيها والرجل ورهطه بين فكي الرحى، تنوشهم رماح الخصوم وسيوفهم!

ولقد كتبنا في هذا المعنى من قبل ونصحنا فيه لمؤسسة الرئاسة، وذكرنا أن الأحزاب الإسلامية والفصائل الدعوية تتدين في الجملة بعدم شرعية الانقلاب على أولي الأمر من المسلمين ممن يعلنون التزامهم بالإسلام وإيمانهم بمرجعية الشريعة، وكل ما يرى منها من تجاذبات ومدافعات فهو في إطار النصيحة والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا جدَّ الجد وحزب الأمر سيكونون حول الرئاسة جنودًا بواسل، وسيقولون جميعًا لمؤسسة الرئاسة ما قاله "أبو طلحة" -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: "نحري دون نحرك!"، فهم العدة في الملمات، وهم الردء إذا خان الحلفاء وتنكر الأخلاء.

وإذا كان ذلك كذلك فينبغي أن يكون لهم من الصبر عليهم وخصوصية الصلة بهم ما ليس لغيرهم، وألا تسمح مؤسسة الرئاسة لموقف عابر أو لوشاية مغرضة أن تزلزل رصيد الثقة ووشيجة القربى التي تربطها بهؤلاء، وأكدنا أننا لا نتحدث عن مجرد ترضيات سياسية، بل نتحدث عن مشاركة حقيقية، وأن هذه المشاركة هي التي تبني رصيد الثقة، وتردم الفجوة المفتعلة بينهم وبين إخوانهم ورفقاء دربهم وشركاء جهادهم، وتعبر بالعلاقة بهم أزمات نفسية تراكمت عبر مراحل بائسة من التنافس والاحتقانات السياسية!

وختمنا نصيحتنا لهم بقولنا: إن خيار المشاركة خيار محتوم، ولا بديل منه شرعًا وقدرًا إلا الفشل وذهاب الريح، وصدق الله العظيم: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال:46).

إن المعارضة الشرعية في الإطار الإسلامي لا تعدو أن تكون أسلوبًا من أساليب الاحتساب لتقويم الحاكم ونصحه ورده إلى الجادة، ولكن إذا جد الجد وحزب الأمر كان الجميع في سفينة واحدة، حتى تستوي هذه السفينة على الجودي!

أما القول بأننا لم نشارك في الانقلاب وإنما تعاملنا مع واقع مفروض كان موجودًا قبل ذلك للناظرين بعين الحقيقة وأصبح معلنًا بالبيان الذي تم فيه عزل الرئيس فهو موضع نظر، بل قد يقول قائل: لقد اتخذ منكم الانقلابيون ظهيرًا إسلاميًّا سوقوا به بغيهم وأخرجهم من عزلتهم الإسلامية، وحشدوكم في ساعة إعلان بغيهم مع الأزهر والكنيسة في مشهد استفز أهل الدين قاطبة وترك في نفوسهم جراحات غائرة! وما قدمه الانقلابيون من التزامات نقضوه في لحظة وجملة واحدة! فها هي المواد الدستورية مكاسب الفترة الماضية وحصادها يُعصف بها! وها هو مجلس الشورى يلغي! وها هي الحكومة الانتقالية تتشكل من فريق الليبراليين وفلول "مبارك"؛ فماذا بقي أيها الأحباب؟!

إن المتأمل في كل ما سبق يجد أنه أمام خصومة سياسية لعبت دورها في صياغة هذه الكارثة، وفي أن تؤول الأمور إلى هذا النحو، وأيًّا كان الأمر فلا ينبغي أن نكثر البكاء على اللبن المسكوب، ولا بديل من أن نستشرف آفاق المستقبل، وأن يَأرِزُ أهل الدين إلى خندق واحد للتدبير والتشاور كما أرِز غيرهم إلى خندق واحد، وذلك للخروج بخارطة طريق تستلهم صحيفة المدينة للتعامل فيما بينهم ثم للتعامل مع الآخرين، وذلك في إطار مشترك من الخير العام يتفقون عليه في هذه المرحلة، ويقنعون به إلى أن يتعافي المجتمع من آثار الحقبة الماضية، ويصبح أكثر تأهلاً لاستقبال أحكام الشريعة، وإحسان الظن بدعاتها وحملتها. والله تعالى أعلى وأعلم" (انتهى).

ثانيًا: التعليق على مقالة د."صلاح الصاوي":

حزب النور أعان د."مرسي" وناصحه حتى آخر لحظة

- النقطة الأولى والثانية: مما لا غبار عليه وهو مِن إنصافه وحسن أدبه.

- النقطة الثالثة: مسألة حداثة عهد "الدعوة السلفية" -ومِن ثَمَّ حزب النور- بالسياسة: لا تصلح أن تُساق في مواجهة مواقف يدلل عليها بدلائل سياسية وأطروحات منطقية؛ على الأقل من باب "قبول الحق ممن جاء به"، والعجيب أن يقول الشيخ ذلك ومعظم أرائه السياسية قريبة جدًّا من موقفنا كما يتضح في هذا المقال وغيره، مع الأخذ في الاعتبار أنه معدود عند القوم هو الآخر من حديثي العهد بالسياسة الذي لا يُقبل منه إلا القول بأن "الإخوان رجال المرحلة".

وأما الانتظام في عمل سياسي إسلامي مشترك: فمع تقديرنا أنه حلم قديم للدكتور "الصاوي"؛ إلا أنه يبدو أنه لم يتابع لماذا فشلنا في تكوين تحالفًا إسلاميًّا في الانتخابات البرلمانية؟! ثم فشلنا حتى في التنسيق في المقاعد الفردي!

وأذكِّره بما كتبه هو نفسه في مقالته: "متابعة حول فتوى المخرج من الفتنة في الأزمة المصرية": "وقد اتسعت الطموحات فيما بعد واتجهت إلى توسيع رقعة الإصلاح، الأمر الذي انعكس على تضييق دائرة المشاركة، فلن يباشر الإصلاح إلا المؤمنون به، وهؤلاء يعسر وجودهم أو الاطمئنان إليهم إلا في دائرة أهل الدين، ثم ضاقت الدائرة أكثر بتأويل أو بآخر فكادت أن تنحصر في كوادر الحزب ورموزه والموالين له، ومن هنا كانت التقاول حول الأخونة والاستحواذ ما بين عاتب من الإسلاميين أو موتور من خارجهم!".

وأما مناقشته لتفاصيل المشهد فلنا عليها عدة ملاحظات

أولاً: ظن الشيخ أننا اتفقنا بداية على رئيس ليبرالي:

ورغم عدم انتقاده لذلك؛ إلا أنني أود أن أبيِّن أن "حزب النور" لم ينادِ قط برئيس ليبرالي وإن نادى به الإخوان وذكروا "منصور حسن" بالتحديد في حين أن حزب النور طالب برئيس غير إسلامي "أي ليس منتميًا إلى التيار الإسلامي"، ولكن من ناحية أخرى لا يكون منتميًا إلى تيار فكري مناهض، ويكون عنده قدر من التدين أو على أقصى تقدير يكون إسلاميًّا مستقلاً، وتم استعراض أسماء د."العوا" ود."أبو الفتوح" والمستشار "الغرياني" وغيرها من الأسماء، ولكن فوجئ الحزب بتغير موقف الإخوان، ودعمَ الحزب د."أبو الفتوح" ابتداءً وبعد خروجه من السباق دعم د."مرسي"؛ رغم تخوفاته التي كان الإخوان يقرون بها في وقت من الأوقات.

وهذا أحد المواقف التي يزعم حزب النور أن الواقع قد شهد لرؤيته المسبقة فيها رغم حداثة عهده بالسياسة!

ثانيًا: التكييف الشرعي لوضع الرئيس الإسلامي:

في الواقع إن معظم ما كتب في هذا الباب منسوب لكاتب هذه السطور، ومن عجيب الأمر أن ما كتبتُه في سلسلة مقالات يتوافق تمامًا مع ما ذكره د."الصاوي"، حيث قال: "وإنما العدل في هذا أن يُقال: هذه ولاية شرعية قُطرية أو جزئية تنشئ للقائم عليها حق الطاعة والنصرة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة، أي في حدود الضوابط الشرعية التي رسمتها الشريعة في باب الولاية، وفي حدود العقد الذي بويع على أساسه من ناحية أخرى" -(وهذا مما يدخل السرور على قلبي)-.

وأما القول بأنه مثله مثل "مبارك": فهذا كلام قلتُه في برنامج تليفزيوني، ولا أظن أن الشيخ سمعه بنفسه وإنما نقله له ناقل؛ لأنه لو سمعه بنفسه فسوف يدرك أن الحلقة مِن أولها إلى آخرها كانت دفاعًا عن د."مرسي" في أول مظاهراتٍ خرجت ضده، ولكن أحد الشيوخ الأزهريين أفتى حينها بأن هذه المظاهرات محرمة وأنها خروج على الحاكم! ولم ننفرد نحن بالرد عليه، بل رد عليه د."عبد الرحمن البر" وغيره، وكان الرد بالتفريق بين شروط وحقوق وواجبات الحاكم في عقد الإمامة ونظير ذلك في عقد الرئاسة، وجاء الكلام عرضًا على أن نوع عقد د."مرسي" (الرئاسة) هو من جنس عقد مبارك "أعني أي رئيس آخر" مع أني استفضتُ حينها في الفرق بين الرجلين.

والذي دفعنا إلى الإلحاح على هذه القضية هو الخوف من تكريس نظرية أن الإسلاميين يستعملون آليات الديمقراطية لمرة واحدة ثم يزعمون رئيسهم خليفة لا تجوز معارضته.

كما أن بعض الإسلاميين المؤيدين للدكتور "مرسي" تبنوا الخطاب "المدخلي" برمته "رغم كونهم من خصوم المدخلية!"، وكنا نحذرهم من مغبة ذلك إذا انتخب رئيس آخر مسلم، ولكنه غير إسلامي: ماذا سيصنعون فيما أصَّلوه؟! ولو ذكرتُ أمثلة لطال الأمر، ولكن يمكنك أن تعتبر أن كلمة: "مَن يرش الرئيس مرسي بالماء سوف نرشه بالدم!" أنها كانت منهجًا فكريًّا حقيقيًّا للكثيرين -وما زالت!-، ولعل قولها في مواجهة جماهير غاضبة كان سببًا رئيسيًّا في تنامي الغضب.

ثالثًا: قول الشيخ "أحمد فريد" أنه كان الأفضل له اختيار "شفيق":

فهذا خرج مخرج التهييج والإنكار على قضية التساهل مع الشيعة، ومَن شاهد الحلقة كاملة يعرف هذا، ثم إن مقدِّم الحلقة وهو من الدعوة السلفية لم يجد حرجًا في أن يراجع شيخه على الهواء في هذه المسألة؛ فلماذا يَغفل الناقل عن ذلك؟! ولماذا يغفل أن الشيخ تكلم بعدها بكلام فيه ثناء وتأييد للدكتور "مرسي"؟!

رابعًا: كيف كانت معارضة "حزب النور" للدكتور "مرسي"؟

حمَّل الدكتور "الصاوي" حزب النور مسئولية إضعاف الرئيس "مرسي"؛ لأنه تعامل معه بمنطق المعارضة وتتبع أخطاءه.

وأكرر: إن الشيخ ينكر على حزب "النور" مع أنه في النهاية متفق معه في رؤيته، وحتى "ملف الأخونة" مثلاً، فقد خرجت معظم المبالغات في هذا الباب من الإعلام المضاد في حيت اتسم موقف الحزب في ذلك بالموضوعية، وجهر بالنقد في ذلك؛ لطمأنة الناس أن الإسلاميين لن يجامل بعضهم بعضًا على حساب الحق، وأرجو من الدكتور "صلاح" أن يراجِع جميع انتقادات الحزب للدكتور "مرسي" في سياقها، ويبين لنا تفصيليًّا متى كانت المعارضة مفتعلة أو زائدة عن الحد أو حتى ضررها أكبر من نفعها لنتعلم من ذلك.

خامسًا: هل ادعى الحزب أن الدكتور "مرسي" لم يكن ممكَّنًا أصلاً؟

هذا الأمر لم يدَّعِه الحزب، بل تعامل مع الرئيس وسانده وقدَّم المشورة، ومِن أهمها: الأسلوب الأمثل للتعامل مع المؤسسات التي كانت تعمل بنصف طاقتها أو أقل، ولكن لم تتم الاستجابة كما وصف الدكتور "صلاح" نفسه أن المشهد قد آل إلى وضعٍ وَصَفه في المقالة المشار إليها آنفًا بقوله: "ومِن هنا بدأ التصعيد محليًّا وعالميًّا، وتسعر الكيد والتآمر، وكانت هذه الصخرة التي تكسرت عليها كل محاولات الإصلاح، وانتهت بهذه الفاجعة التي يعيش العالم توابعها بعد أن أصبحت حديث القاصي والداني، وفاجعة أهل الدين في المشارق والمغارب!".

وعند هذه اللحظة والتي فقد فيها د."مرسي" صلاحياته تمامًا وتغلب غيره؛ تواجد الحزب في المشهد، وهو أمر تتعارض فيه المصالح والمفاسد بصورة توجب على الجميع التريث في إطلاق الأحكام مع إحسان الظن، ولكن الحزب يدعو كل منصفٍ إلى تصور وتيرة عجلة العلمنة والاستبداد لو أن "حزب النور" انسحب من المشهد تمامًا أو انضم إلى "تحالف رابعة" مع الأخذ في الاعتبار المأخذ الجوهري في خطاب "رابعة"، والذي لا يمكن أن يتحمله التيار الإسلامي ككل "لا سيما السلفيين".

ونذكِّر الدكتور "صلاح" بما قاله عن خطاب "رابعة" حيث قال: "إننا مع تفهمنا لمرارة الظلم ومشبوب العاطفة إلا أننا ندعو إلى ضبط التصريحات التي تخرج من منصات المتظاهرين في رابعة والنهضة، وغيرهما، واتسامها بالموضوعية والمناصحة، وتجنب العنتريات، والعبارات التي يمكن استغلالها على أنها عبارات تكفيرية، والحرص على المصالحة الوطنية الشاملة، وإعادة الأمور إلى نصابها، وأن هذا أحب إلى المتظاهرين وقياداتهم من مجرد التصعيد والمصادمة؛ لكي لا تَحجب هذه التصريحات المشبوبة بالعواطف -والتي لا يقصِد حرفيتها كثير من المتظاهرين- قداسة الخطاب الإسلامي ورقيه، ورحمته الشاملة بالبشر جميعًا؛ فأهل الإسلام أعرف الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق".

نرجو مِن كل ناصح بموقف آخر أن يتصور المشهد كاملاً، ويقيِّمه بموازين المصالح والمفاسد، ويناصحنا حينئذٍ، ونسأل الله أن نكون مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وحتى يتم هذا فإننا نرى أن الموقف الذي أخذه الحزب حقق أعلى قدر ممكن من المصالح الشرعية؛ لا سيما في مواجهة العلمنة والاستبداد.

ومَن أراد معرفة أثر الحزب في ذلك... فليتصور غيابه ثم ينظر ماذا يمكن أن يحدث؟ شريطة أن يكون منصفًا وملمًّا بما يدور على الساحة.

وأقسم بالله غير حانث، والله على ما أقول شهيد: إن كثيرًا من الرموز التي اتخذت كياناتها مواقف مغايرة يثنون في الأحاديث الخاصة على موقف الحزب ويرونه الصواب؛ على الأقل فيما يتعلق بالمنظومة الفكرية والتنظيمية لحزب النور والدعوة السلفية.

والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي