الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

العالمانية المستبدة في ندوة الكنيسة الإنجيلية حول الدستور!

قضية الإسلام كمنهج حياة يجب أن تكون هي قضية الشعب المصري كله؛

العالمانية المستبدة في ندوة الكنيسة الإنجيلية حول الدستور!
عبد المنعم الشحات
السبت ٠٣ أغسطس ٢٠١٣ - ١٧:٣٦ م
4012
26-رمضان-1434هـ   2-أغسطس-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تداول نشطاء مقطع فيديو ظهر فيه مجموعة من الأشخاص "ممن يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم بالنخبة!" يتناقشون فيه حول الدستور مناقشاتٍ أظهروا فيها كثيرًا من عدائهم لفكرة الهوية الإسلامية.

وكان هذا المقطع مسجلاً من نقل لقناة "أون.تي.في" لوقائع تلك الجلسة؛ والتي بدت غامضة حتى خرج علينا القس "أندريا زكي" نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بتصريحات بيَّن فيها أن هذا المقطع كان جزءًا من ندوة أقامتها الكنيسة الإنجيلية لمناقشة تعديلات الدستور، وحرص القس "أندريا" على التأكيد على أن مكان انعقاد الندوة كان في فندق "وليس الكنيسة"، وأن معظم الحاضرين طالبوا باعتبار "المادة الثانية" خطًا أحمر، وأن البعض تداول فقط العشر دقائق التي صرَّح فيها الكاتب "حلمي النمنم" بأن مصر يجب أن تكون عالمانية، وأن الشعب المصري عالماني بطبعه!

ومن هذا التصريح عرفنا قصة الحوار الذي زعم القس "أندريا" أنه كان ندوة علمية علنية في حين أن مدير الندوة "وأظنه من واقع الصورة هو القس أندريا ذاته" قد بدا عليه الانزعاج البالغ حينما جاءته ورقة تخبره بأن اللقاء مذاع على الهواء، وكان هذا تحديدًا بعد كلمة كل من المستشارة "تهاني الجبالي" والأستاذ "حلمي النمنم"، وهو الجزء الذي تم تداوله على الإنترنت بطبيعة الحال، وكان ملخص هذه الكلمات هي:

أولاً: كلمة المستشارة "تهاني الجبالي":

1- في يوم "3-7-2013م" كان الاتفاق هو إلغاء الدستور والعودة إلى دستور 1971م.

2- د."البرادعي" الذي ذهب ممثلاً لجبهة الإنقاذ خضع لضغوط حزب النور.

3- د."البرادعي" ليس ممثلاً للشعب المصري.

4- النخبة السياسية هي سبب فشل ثورة يناير أصلاً.

ثانيًا: كلمة الأستاذ "حلمي النمنم":

1- آن الأوان لوضع دستور عالماني!

2- كلمة "الشعب متدين بطبعة" غير صحيحة، والصحيح -عنده- أن "الشعب المصري عالماني بطبعه!".

3- آن الأوان للتخلص من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.

4- أن الديمقراطية لا يمكن تطبيقها إلا بالدم.

5- سب وشتم في حزب النور بعبارات، كان منها:

أ‌- "يغوروا في ستين داهية".

ب‌- تشبيههم بالمرأة الذي إذا رفض زوجها طلبًا لها ذهبت إلى غيره.

وقد اختلفتْ ردود الأفعال حول هذا الفيديو؛ فكان أول ردود الأفعال هو التوضيح الصادر من القس "أندريا" ثم كان دفاع الأستاذ "حلمي النمنم" عن وصف هذا الاجتماع بالمؤامرة بأنه لأول مرة يرى مؤامرة مذاعة على الهواء مباشرة؛ متناسيًا أنهم لم يكونوا يعرفون أن اللقاء مذاع على الهواء! وأنصحه أن يعود إلى الفيديو؛ ليشاهد بنفسه كيف كان وقع خبر أن اللقاء مذاع على الهواء عليه وعلى مدير اللقاء.

وأما "التيار الإسلامي" فقد اختلفتْ ردود الأفعال الصادرة عنه، وهو ما سأعود إليه بالتفصيل لاحقًا.

وهذه جملة من التعليقات المختصرة على هذا المشهد:

1- ما زالت النخبة العالمانية تنكر الشمس في وضح النهار! فإذا خسروا الانتخابات قالوا إن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية خدعوا الناس بالدين والشريعة، والشعب المصري شعب متدين بطبعه ثم إذا أرادوا أن يفرضوا عالمانيتهم رددوا مثل تلك الأقوال التي يزعمون فيها أن الشعب المصري عالماني بطبعه!

ونسي هؤلاء أن "دستور 1923م" الذي أُعد في ظل قمة المد الليبرالي تضمن مادة تنص على أن "الإسلام دين الدولة"، وأن لجنة وضع الدستور قد اضطرت إلى الاستجابة بالإجماع لاقتراح "ممثل الأزهر" آنذاك لإضافة هذه المادة، والتي تنسف عالمانية الدولة من الأساس؛ ولولا التعنت في تفسير هذه المادة لكانت كافية في الدلالة على المرجعية الشاملة للدولة المصرية للإسلام.

2- ومما يشهد لذلك: أن تلك النخبة استغلت حالة سخط شعبي على أداء رئيس ينتمي للتيار الإسلامي؛ لكي يستثمروا الفرصة ويحققوا انتصارًا أيديولوجيًّا يعلمون أنهم لم يحققوه عبر تاريخهم! ولن يحققوه -إن شاء الله-.

3- ومما ينبغي أن ننتبه إليه أن العالمانية في مصر عبر تاريخها قد استغلت خلافات المؤسسة العسكرية مع الإسلاميين للتواجد على ظهور الدبابات؛ حصل ذلك في خلافات "محمد علي" مع علماء الأزهر، ثم خلاف "عبد الناصر" مع الإخوان، وهو الأمر الذي تحسَّن في بدايات عصر "السادات" ونتج عن اندماج الجيش مع روح تدين الشعب المصري انتصار العاشر من رمضان، ثم حدثت أحداث مقتل "السادات" (وهي حادثة ما زالت الحركة الإسلامية تدفع ثمنها حتى الآن).

ومن يومها والعالمانيون يسيطرون على إعلام وثقافة الدولة بلا ظهير شعبي حقيقي، ونحن نتمنى ألا تنتهي الأحداث الحالية بحالة عسكرة جديدة للعالمانية، بل نريد جيشنا وطنيًّا وليترك ساحة السجال الأيديولوجي والسياسي لأدواته ولا يُستدرج لمحاولة العالمانيين الاستقواء به، كما يجب على الإسلاميين أن يعوا أن الفرصة ما زالت قائمة ليبقى الجيش محايدًا بيْن الإسلاميين والعالمانيين، ويبقى أن الشعب -بحمد الله- ليس محايدًا، بل أغلبيته منحازة إلى مرجعية الإسلام.

4- يتضح هذا من نسبة التصويت على "دستور 2012م" حيث رفضه الثلث، وهذا الثلث فيه بعض الإسلاميين الذين كانوا يريدون دستورًا أوضح، وفيه مَن رفض الدستور لرفضه لمواد لا تتعلق بالهوية؛ مما يؤكد على أن رافضي زيادة مواد الهوية عما كانت عليه في "دستور1971م" لا يكادون يتعدون 15%، وأما "المادة الثانية" بنصها في "دستور1971م"؛ فيكفيك تصريح القس "أندريا" بأنها خط أحمر، وأن معظم المشاركين في ندوة الكنيسة قد صرَّح بذلك.

5- هذا يقودنا إلى نقطة أخرى عجيبة، وهي: هل يفهم العالمانيون معنى العالمانية؟! وهل يتفق مع العالمانية بأي صورة من الصور أن تعقد الكنيسة ندوة لمناقشة الموقف من الدستور ثم يقبل ذلك الشخص الذي يزعم أن الشعب المصري عالماني بطبعه أن يشارك في تلك الندوة ولا يمتعض أو يقول: ما للكنيسة والدستور؟! ولا يخفف من حدة الأمر ما صرَّح به القس "أندريا" من أن اللقاء كان في فندق ولم يكن في الكنيسة.

6- العجب من حال تلك النخبة مع "دستور1971م" حيث هبوا بعد تنحي "مبارك" في "فبراير 2011م" لكي يرفضوا بكل ما أوتوا من قوة تعديل "دستور1971م" آملين آنذاك أنهم في حال كتابة دستور جديد سوف يحذفون المادة الثانية -"ولا من شاف ولا من دري"- تمامًا كما كانوا يتوهمون في مناقشاتهم تلك؛ فلما سارت الأمور على خلاف ما يهوون ووصلنا إلى مرحلة الاستفتاء على "دستور 2012م" نادوا بإيقاف الاستفتاء والعودة إلى "دستور1971م"! ثم الآن وبعد عزل الرئيس "مرسي" ورغم أن اعتراضات الناس كانت على أداء الرئيس وليس على صلاحياته في الدستور، فإن تزيدت قلت: إنهم كانوا معترضين على صلاحيات الرئيس في الدستور - إذ بهم يحاولون العودة إلى "دستور1971م" بدلاً من "دستور 2012م" مع أن صلاحيات الرئيس في الثاني أقل من الأول!

7- انقلاب المستشارة "تهاني الجبالي" ومن ورائها كل "الإعلام الفلولي" على د."البرادعي"؛ لمجرد تصرفه من منطلق رجل الدولة الذي يجب أن يراعي التوازنات وألا ينحاز إلى المدرسة التي ينتمي إليها "هذا وفق تصورهم في قضية العدول عن إعلان العودة إلى دستور1971م إلى إعلان تجميد دستور 2012م لحين تعديله" يدل على أنهم يفعلون ما نقموه على الدكتور "مرسي" وزيادة!

ولكنه يدل من جهة أخرى على درسين في غاية الأهمية نذكرهما في النقطتين الآتيتين:

8- إذا كنتَ في السلطة فأنت محكوم بتوازنات واقعية كثيرة بخلاف ما لو كنت في المعارضة أو كنت في موقع المناضل الفكري، وهذه التوازنات لا تقتضي أن تتنازل عن منهجك كمنهج تدافع وتنافح عنه، ولكن قد تصل أحيانًا إلى أحوال تقدر فيها الضرورة بقدرها، ورغم أننا كنا ننكر على إخواننا في الإخوان تقديمهم لتنازلاتٍ منهجية كان يلزمهم ألا يقدموها؛ إلا أننا اختلفنا معهم اختلافًا عكسيًّا في المساحة التي كان يتعين على الرئيس "مرسي" أن يتيحها للمعارضة حتى المختلفة معه أيديولوجيًّا.

9- والأهم من ذلك: أنك متى وجدتَ سلطة حاكمة؛ فتوازنات الحكم هي الغالبة عليها بغض النظر عن توجه أفرادها، ولو ترك الأمر لمعظم القادة المدنيين والعسكريين -على حد سواء- بلا توازنات لانحازوا إلى مرجعية الشريعة؛ بحكم كونها المرجعية الطبيعية للشعب المصري، ولكن العالمانيين يجيدون توظيف السياسة الخارجية، والسياحة، وغيرها... كأوراق تدفع رجال الحكم في الاتجاه العالماني.

فكان من العبث أن نخلي الساحة تمامًا من الإسلاميين، ومن أجل ذلك تحمل "حزب النور" مرارة التواجد في مشهد "3 يوليو"؛ لأنه أدرك أن الرئيس كان عاجزًا عن الحكم يوم كانت الداخلية تقف متفرجة على حوادث العنف الصريحة، وكانت الكهرباء تقطع بلا مبرر، والمواد البترولية تظهر ثم تختفي دون سبب ظاهر، ثم استحكم الأمر من قبل "30 يونيو" بأسبوع بما يعني أن المراهنة على موازنات ما بعد الرئيس "مرسي".

10- وهذا الفيديو يؤكد رؤية الحزب ومفاوضاته، وأنه بشهادة الخصوم لم يكن يطلب إلا الحفاظ على هوية الدولة، وهذا يكفي لكي يكف كل منصف عن اتهام الحزب بالتهم الباطلة، لا سيما وأن الحزب رفض المشاركة في الحكومة؛ حتى لا يُظن أن هذا هو ثمن تواجده في المشهد.

11- وبعد أن قررنا أن هذا الفيديو ينفي -بالقطع- التهم التي بثها الشيطان في روع البعض، يبقى أن نقول: هل نجح "حزب النور" فيما راهن عليه أم أن هذا الفيديو يشهد بالعكس؟!

فنقول: إن هذا الفيديو ليس للجنة تعديل الدستور، وإنما هو للخصم الأيديولوجي، وستبقى اللجنة وعينها معلقة على من سوف يستطيع تحريك الناس في الاستفتاء على التعديلات بـ"نعم" أو "لا"، ومقدار نجاحنا يكون بمقدار اصطفافنا حول الهدف الذي رأيناه من ناحية أنه أهم، ومن ناحية أخرى: أنه ممكن؛ بينما راهنت الأحزاب الإسلامية الأخرى على عودة كل شيء... وهو ما رأيناه بعيدًا!

12- وهذه الرؤية رؤية كثير من الرموز مع اختلاف العبارات، فمبادرة د."العوا" ود."البشري" ود."عمارة" تلتقي مع هذه الرؤية مع الفارق أن أصحابها لم يتواجدوا يوم "3 يوليو" وصرَّحوا بأنه انقلاب عسكري "مع ملاحظة أن قضيتنا ليست المصطلح" ثم إنهم بعد ذلك قدَّموا مبادرة للتفاهم مع الوضع الذي أوجده ذلك الانقلاب، وهي النقطة العملية الجوهرية.

13- ومن الغريب أن يصب كثير من إخواننا في الجماعة الإسلامية جام غضبهم على "حزب النور" في حين تؤيد بعض مرجعياتهم هذا التوجه.

ومن هؤلاء: د."ناجح إبراهيم"، والذي كتب مقالاً بعنوان: "الإسلاميون بين خيار الجزائر وخيار أردوغان"، جاء فيه: "الخيار الجزائري (خيار الدم والعنف)، وهذا الخيار اتخذته القوى الإسلامية الجزائرية، وعلى رأسها: جبهة الإنقاذ بعد أن قام الجيش الجزائري بإلغاء نتيجة الانتخابات البرلمانية التي فازت بها جبهة الإنقاذ عام 1992م... وبعد أن أطيح بالرئيس الإصلاحي "الشاذلي بن جديد"، واستمر هذا الصراع الدموي العنيف بين جبهة الإنقاذ وحلفائها مع الجيش والشرطة عشر سنوات كاملة سقط فيها 100 ألف قتيل و180 ألف جريح -تأملوا الأرقام جيدًا- معظمهم من الأبرياء المدنيين، وحشر الإسلاميون حشرًا إلى السجون، وظهرت جماعات التكفير التي استباحت أعراض المسلمين ودماءهم في قرى وجبال الجزائر، وتمت مذابح عديدة للقرويين بأيديهم تارة وبأيدي الجيش الجزائري أخرى، ودارت آلة التعذيب الجهنمية في السجون.

ورفض الإخوان الجزائريون هذا الخيار ممثلين في حركة حماس الجزائرية، وأشبِّه موقفهم بموقف حزب النور الآن في مصر، واتهمتهم جبهة الإنقاذ هناك بالخيانة؛ لأنهم قبلوا بالعملية السياسية بعد انقلاب الجيش الجزائري، وبعد كل الخسائر الفظيعة التي قاربت 1/ 4 مليون قتيل وجريح... ماذا كانت النتيجة؟!

لا الشرعية عادت، ولا الشريعة طُبقت، ولا الدماء حقنت -ولكنها أهدرت!-، ولا الأعراض حُفظت، ولا الدعوة الإسلامية بقيت، ولا الجزائر تطورت، لقد ضاع كل شيء... !" (انتهى).

بالطبع سوف يقول البعض أن رؤية د."ناجح" غير ملزمة لمجلس شورى الجماعة -وهذا غير صحيح-، ولكن هل يملكون أن يتهموه بما اتهموا به غيره أم أن المسألة فيها تشهي وهوى؟!

كما لا ينبغي أن يحتج علينا أحد بأننا نرفض عددًا لا بأس به من آراء وتوجهات د."ناجح"، وهذا لا ينفي الاحتجاج -الذي ذكرناه- عليهم بأنهم ما استطاعوا أن يخوِّنوا د."ناجح" كما يفعلون مع "قادة حزب النور"، ونحن -كما كررنا مرارًا- نرفض التنازل في قضايا المنهج، ونقبل بالممكن منه كواقع ونبدي مرونة واقعية بناءً على ذلك، وثمة مَن يتساهل في الأمرين، وهناك من يتشدد في الأمرين، وأسوأ منهما من يعكس الأوضاع!

14- حديث هؤلاء عن الدماء التي ينبغي أن تسيل من أجل الديمقراطية لا ينبغي أن يمر مرور الكرام! وإذا كانوا ينكرون على مَن يريد أن يقدِّم من أتباعه شهداء من أجل قضيته -ونحن أيضًا ننادي بترشيد الدعوة إلى الاستشهاد حتى لا توظف في تقديم تضحيات في غير بابها أو لا تؤدي إلى أي ثمرة تُذكر، ولنأخذ العظة من غزوة مؤتة وغيرها من وقائع السيرة- إلا أن المفجع هنا فيمن لديه استعداد لإراقة دماء منافسيه من أجل الديمقراطية المزعومة! وهو كاذب في هذا، وإنما يريد الديكتاتورية العالمانية، فإن ثمة مدارس اشتراكية تنادي بالديمقراطية تحت ظل فكرة شمولية بشرية -في حين يرفضون الديمقراطية تحت ظل منهج الله وهي الشريعة الإسلامية-، بل إن كثيرًا من المدارس الليبرالية تتبنى الديكتاتورية؛ على الأقل في مرحلة كتابة الدساتير!

وإذا كنا نتحدث عن الإرهاب... فهذا بلاغ مفتوح "للنائب العام" أن يحقق في دعوات العنف والكراهية والإرهاب في اجتماع كان يراد له أن يكون سريًّا!

15- تكرر استعمالي للفظ "النخبة" في وصف أصحاب هذا الاجتماع -ومن كان على شاكلتهم-، مع أنه كان يسعني ولو من باب المعاملة بالمثل أن أستخدم ما شئتُ من الألفاظ والأوصاف التي لن تصل بحال من الأحوال إلى حد ما استعملوه من أوصاف وصفوا بها "حزب النور"!

وذلك لسببين:

الأول: أنني لا أفضِّل أن تتحول خلافاتنا مع العالمانيين إلى حرب ألفاظ لن تستطيع أن تجاريهم فيها، ومتى فعلت خسرتَ الكثير من وقارك كما حدث من بعض الفضائيات الإسلامية قبل "30-6-2013م"، ورأينا كيف كان خصومهم يسوغون لأنفسهم كل شيء ثم يستنكرون أن يصدر مثل أفعالهم في قنوات دينية أو من دعاة دينيين! والأفضل دائمًا أن نبقي المسألة في إطار النقاش المنهجي، وهذا شأن مَن يريد الانتصار للحق.

الثاني: أن وصفهم بـ"النخبة" وإن كان يرضي غرور البعض؛ إلا أنه في ذات الوقت يثبت عزلتهم عن الأمة، ومدى شعورهم بهذه العزلة التي يسترونها بهذا الاستعلاء الذي لا يزيدهم إلا عزلة! وهي قضيتنا في الفترة القادمة أن نُثبت أن قضية مرجعية الشريعة هي قضية كل المسلمين ولا يختص بها فريق منهم يُسمى: بـ"الإسلاميين"، فالإسلاميون يخطئون؛ فهل تضيع الشريعة مع خطأ أي فصيل منهم في حكم أو في معارضة أو في دعوة؟!

قضية الإسلام كمنهج حياة يجب أن تكون هي قضية الشعب المصري كله؛ مصداقًا لقوله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(الأنعام:162-163).

فلندافع عنها من مواقعنا وسط جمهور المسلمين وهو المكان الطبيعي لنا، ولا ينبغي أن نسمح مرة ثانية أن نحبس أنفسنا في مساجد تُعرف لدى الجمهور بمساجد "السنيين"؛ مما يصد البعض عن خوض تجربة دخولها.

إن مساجدنا هي محاضننا التربوية، وهي التي نتزود فيها بنور الإيمان؛ لنخرج إلى الدنيا لا لنبقى داخلها، نخرج نخالط إخواننا وأهلينا ونخفف معاناتهم، ونعلمهم ونتعلم منهم، ونعيش بإسلامنا ولإسلامنا.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي