الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حول اتهام "الدعوة السلفية" بالتعاون مع أعداء الإسلام ضد الإخوان!

7-شوال-1434هـ 13-أغسطس-2013 السؤال: يقولون لنا: "هل طابت نفوسكم بخذلان إخوانكم فتقاربتم وتعاونتم مع أعداء الإسلام ضد إخوانكم! فإن لم يكن هذا هو الولاء للكافرين... فماذا يكون إذن؟! فلا مجال للحياد في معركة بين الحق والباطل، وتعلمون علم اليقين أن الانقلابيين العلمانيين لا عهد لهم، وأن الغدر قادم لا محالة، وسترون دماء إخوانكم تسيل وأنتم صامتون متخاذلون، فأي عار فوق هذا العار؟! أليس المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله؟! إن بينكم وبين الإسلام بونًا شاسعًا؛ فأدركوا أنفسكم... ". فما الرد يا فضيلة الشيخ؟!

حول اتهام "الدعوة السلفية" بالتعاون مع أعداء الإسلام ضد الإخوان!
الثلاثاء ١٣ أغسطس ٢٠١٣ - ٢١:٤٣ م
4963

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلم نعاون أحدًا ضد المسلمين، والولاء هو النصرة والقتال في صف الكفار، والحب والمودة والرضا بملة الكفر، والطاعة في الكفر والمعصية، والمتابعة على خلاف ما أنزل الله -تعالى-، ولم يقع منا -بحمد الله- شيء من ذلك، وإنما هي افتراءات الزور والبهتان الذي يتكلم به البعض!

وإنما تركنا مشاركة الإخوان في مصادمة تضر الإسلام والمسلمين، ويترتب عليها سفك دماء المسلمين من الطرفين؛ إلا أن يكون المتكلم ممن يكفر المسلمين في الجيش والشرطة وغيرهما... فنبرأ إلى الله من عقيدته الفاسدة في التكفير دون بينات واستيفاء شروط وانتفاء موانع؛ فإذا انعدمت البينات على فعل الكفر أو قوله دون استيفاء الشروط وانتفاء الموانع كان الذي يكفِّر مِن أعظم الناس إثمًا.

وقضية المشاركة في المظاهرات والاعتصامات من مسائل المصالح والمفاسد؛ فكيف يكفر المخالف فيها؟!

فعجبًا والله من جراءة على الفتوى والتكفير وسفك الدماء ثم رمي من نهى عن ذلك لما يعلمه بما يشبه اليقين من حصول سفك الدماء ولم يرضَ ولم يأمر وحذر الطرفين من ذلك ثم يُرمى بأنه السبب في سفك دماء المسلمين -رمتني بدائها وانسلت، وإلى الله المشتكى!- (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء:112).

أما قوله: "لا مجال للحياد في معركة بين الحق والباطل"، فنقول: لو كان الأمر كما تذكر من أن الحق صرفًا في جانب والباطل صرفًا في جانب -والأمر ليس كذلك- بل لو كان أحد الجانبين مؤمنًا محضًا والآخر كافرًا محضًا - لكان الواجب حساب موازين القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة قبل الصدام، وحساب هل يحقق ذلك مصلحة المسلمين أو مضرتهم، ومصلحة بلاد المسلمين أم ضررها وتقسيمها وتدمير جيشها، وضياع الأمن فيها، وكره الناس للدين؛ لما رأوه من الصورة المنفرة من المنتسبين للإسلام، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار على الحق صرفًا والمخالفون له هم المشركون الكافرون على الباطل صرفًا، ومع ذلك كان السكون في الغار وليس الخروج للقتال هو المشروع الواجب؛ حفظًا لرأس مال الدعوة وحرصًا على مستقبلها.

ولقد كان المسلمون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الحق في الحديبية وعدوهم على الباطل، وكانت الشروط الظالمة التي اشترطها المشركون جورًا وظُلمًا سماه عمر -رضي الله عنه- بخطئه في اجتهاده "دنية في الدين"، ومع ذلك كان الصلح فتحًا مبينًا - لو كان الأمر كما ذكرتَ لكان لابد من إعمال الموازنات في مواجهة الباطل.

فكيف إذا كان الأمر مع مسلمين عندهم من الحق -على الأقل- كلمة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، ويترتب على قتالهم والصدام معهم من المفسدة أنه يتحدث الناس أن المسلمين يقتلون المسلمين، إلى غير ذلك من المفاسد، مع عجز الطائفة التي كانت حاكمة عن تدبير شئون البلاد وتوفير احتياجات الناس مما دفعهم إلى كراهية عظيمة لهم ولمن تبعهم، ولمن توهموا أنه تبع لهم يدركها كل أحد إلا مَن في اعتصام رابعة، والنهضة، ومشايخ الخارج الذين أفتوا بغير علم بالواقع أو بناءً على معلومات وهمية تجرؤوا بناءً عليها على الحكم بالخيانة والعمالة والنفاق، وأحيانًا الكفر لمن خالفهم! وحسبنا الله ونعم الله الوكيل.

كان الواجب عليهم -على الأقل- أن يسمعوا للطرف المخالف في حساباته وموازناته، ولو كان هذا العجز بسبب مؤامرات؛ فهي قائمة، بل زادت؛ فكيف يُطلب من الإسلاميين "مع التحفظ على الاصطلاح" أن يواجهوا الجيش، والشرطة، والمخابرات، ورجال القضاء، والإعلام، ورجال المال، والبلطجية، أضف إلى ذلك جماهير الناس... ولكن للأسف لا يريد مَن يصر على موقفه أن يسمع أو يرى خلاف ذلك، وهو معلوم لنا كالشمس.

أما قوله: "وأنتم تعلمون علم اليقين أن الانقلابيين العلمانيين لا عهد لهم، وأن الغدر قادم لا محالة... "، فنقول: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عاهد يهودًا، وقد نزل فيهم: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ(المائدة:13)، وعاهد المشركين الذين نزل فيهم: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً(التوبة:10)، وقال الله -تعالى- له: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ(الأنفال:61-62).

وهذا كله مع المشركين؛ فكيف بعهد مع مسلمين لم نؤمر أن ننقب عن قلوبهم؟! ثم لا نملك غير ذلك إلا المشاركة التي تضر الإسلام والمسلمين، والجيش لا ينتمي إلى المدرسة العلمانية المتطرفة التي يحاول البعض أن يجعل الجميع تبعًا لها في سلة واحدة، والحقيقة وجود تفاوت يجب مراعاته.

وأما قوله: "وسترون دماء إخوانكم تسيل وأنتم صامتون متخاذلون... ": فيا عجبًا! إذا كنتم تعلمون ذلك؛ فلماذا تقدمون على ما تعجزون عن رده عن أنفسكم وإخوانكم؟! وهل تشويه صورة المخالفين لكم ولو على حساب سفك دماء المسلمين غاية مقصودة لديكم؟!

وأخبرونا: ماذا صنعتم هذه الأيام لمسلمي بورما والقوقاز، وهم تسفك دماؤهم وتنتهك حرماتهم؟! وماذا صنعتم بالأمس للعراق وقد قتل منهم مليونان -قتل مليون على أيدي الأمريكان، ومليون على أيدي الرافضة الذين تريدون إدخالهم لبلادنا-؟!

ألم يكن عجزكم عن النصرة عذرًا لا عارًا؟! أم كان المطلوب كما أعلن زعماء منكم: "على القدس رايحين، شهداء بالملايين" لتسفك دماء المسلمين في الصحراء بلا ثمن؟!

لماذا لم تحرروا المسجد الأقصى هذه الأيام وتحرروا المسلمين في القدس وفلسطين؟!

أليس العجز عذرًا؟!

أما أن حساباتكم الخاطئة بأنكم تقدرون على إعادة د."مرسي" وأنه يتمكن من حكم البلاد وسط كل هؤلاء المخالفين فضلاً عن القوى الخارجية المحاربة التي توهمكم أنها في صفكم وهي لا تريد إلا القضاء عليكم -"وعلينا معكم"- حتى نُدفع دفعًا إلى ما فررنا منه أيام الثورة في "25 يناير" من ألا تصبغ صبغة إسلامية فيقضى عليها بمباركة عالمية، وتحملتم من أجل ذلك كثيرًا من المنكرات القائمة، بل وسكتم عمن طالب وقتها بإلغاء "المادة الثانية" وأنكرتم علينا حملتنا للدفاع عن الهوية! - هذه الحسابات الخاطئة لا تلزمونا بها وإلا رفعتم على رقابنا سيوف التخوين والحكم بالنفاق، والتلويح بالتكفير من وراء كلماتكم حيث تقول: "بينكم وبين الإسلام بون شاسع" وقد صرَّح بعضكم به.

وأما الحكم بالنفاق على مَن خالفكم فمتواتر ومسجل بالصوت والصورة، وكل مَن سمع هذا المنكر والباطل ولم يتبرأ منه، بل سكت مستمرًا في الوقوف معهم دون نكير، وكذا المشايخ الذين علموا به وسكتوا مع القدرة على الإنكار ولو بفتوى - عليهم حقوق لكل المتهمين به ظلمًا وبغيًا تُستوفى يوم القيامة لهؤلاء المتهمين وأهليهم وأولادهم، وكل من تضرروا بهذا السب.

ونسأل الله أن يبرأنا من الكفر والنفاق والخيانة، وأن يثبتنا على الإسلام حتى نلقاه به، وإن كان يهوِّن علينا أن الخوارج اتهموا خير أهل الأرض في زمنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالكفر؛ فلسنا بأفضل منه، ولستم بشر من الخوارج.

غفر الله لنا ولكم، وهدانا وإياكم سواء السبيل.