الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القواعد المرعية في السياسة الشرعية

كف الأيدي وتحمل الأذى والاجتهاد في التربية والدعوة إلى الله

القواعد المرعية في السياسة الشرعية
محمد إبراهيم منصور
السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٣ - ٠٧:٣٧ ص
9444
القواعد المرعية في السياسة الشرعية
كتبه / محمد إبراهيم منصور

  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد                       

    فإن من القواعد الاصولية والفقهية الهامة التي تدور عليها أحكام السياسة الشرعية                                                           

1.    قاعدة اعتبار القدرة والعجز                                                                                                               

2.    قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما                                                                                                         

3.    قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت أشدهما                                                          

4.    قاعدة اعتبار المالات                                                                                                                     

اولاً: قاعدة اعتبار القدرة والعجز                                                                           

خلاصة القاعدة أن المطالبة بالتكاليف الشرعية منوطة بالقدرة على أدائها وأن العاجز عنها غير مطالب بها  ، قال عزو جل:  { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال عز وجل :  { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  " اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم  "  

·       ولاعتبار القدرة والعجز كان تشريع الجهاد على مراحل                                                                                                      

1)   المـرحلة الأولى: مرحلة الكف عن المشركين والإعراض عنهم والصبر على أذاهم مع الاستمرار في دعوتهم إلى دين الحق، وقد دلت على ذلك كثير من الآيات المكية، منها قوله تعالى:  { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله.. الآية} [سورة الجاثية آية 14]  قال تعالى:  { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}  ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة:  "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا .." [ رواه النسائي والحاكم ، وقال: على شرط البخاري] ولما استأذنه أهل يثرب ليلة العقبة أن يميلوا على أهل منى فيقتلوهم قال: " إني لم أومر بهذا" [ أخرجه أحمد والطيالسى ]

2)      المرحلـة الثانيـة : إباحة القتال من غير فرض في المدينة قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير
 الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت  صوامع.. الآية}

3)   المرحلـة الثالثـة : فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط قال تعالى: { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا، ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها، فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم و أولئك جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}[سورة النساء ]

4)   المـرحلة الرابعـة : فرض القتال مطلقا قال تعالى: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [سورة التوبة ]

ثانياً : قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما

  أي إِذَا دارَ الأَمْرُ بينَ فعلِ إحدى المصلحتيْنِ وتفويتِ الأُخْرَى، بحيثُ لا يمكنُ الجمعُ بينهُمَا، رُوعِيَ أَكبرُ المصلحتيْنِ وأَعلاهُمَا فَفُعِلَتْ.            
فهنا توجد القدرة لكن أمامه مصلحتان و لا يقدر إ لا على تحصيل واحدة منهما ولا يستطيع الجمع بينهما  فمع ان الاصل تحصيل جميع المصالح وتكميلها إ لا أنه عند التعارض فانه يفوت ادني المصلحتين ليتمكن من تحصيل أعلاهما
قال العز بن عبد السلام في اجتماع المصالح المجردة عن المفاسد: «إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل، لقوله تعالى: {فَبِشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}
والأصل في هذا الباب قوله تعالى : {ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن وَدُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}حيث أرشـدت الآية إلى أن المصلحة العظيمة في ترك سب المشركين  تفوق ما يحصله المسلمون من سب آلهة المشركين.
قال ابن القيم: فحرم الله - تعالى - سبَّ آلهة المشركين مع كون السب غيظاً وحمية لله وإهانة لآلهتهم؛ لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته - تعالى - أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم. وهذا كالتنبيه بل التصريح على المنع من الجائز، لئلا يكون سبباً في فعل ما لا يجوز.
وعند هذه الآية، قال ابن كثير في تفسيره: هو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها

وقال شيخ الإسلام: «فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما؛ فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحالة واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركَ واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرَّمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما؛ لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة... وهذا باب التعارض باب واسع جداً "

ثالثا: قاعدة ارتكاب اخف المفسدتين لتفويت اشدهما                                                                

يعني: أن المفاسدَ إذا تعارَضَت بحيث لابدَّ من وقوعِ المكلَّفِ في بعضِها، فيرتكبُ المكلَّفُ أدنى المفاسدِ وأقلَّها، ويدفعُ أعلاها وأقْواها.
فإذا تزاحمت المفاسد بحيث لا يتمكن المرء من ترك المفسدتين معاً، وإنما يتمكن من ترك إحداهما بشرط ارتكاب الأخرى، فحينئذٍ يرتكب المفسدة الأقل من أجل درء المفسدة الأعلى.                                  وهذه القاعدة لها أدلة في الشريعة، ومن أدلتها قوله جل وعلا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، فهنا تعارضت مفسدتان:
المفسدة الأولى: تلف النفس.                                                  والمفسدة الثانية: الأكل من الميتة.                                              فتجنبت المفسدة الأشد، ولو كان في ذلك ارتكاب المفسدة الأقل بأكل الميتة                                                                           .في الصحيحين: ( أن أعرابياً بال في طائفة من المسجد، فزجره الصحابة - رضي الله عنهم - وقالوا: مَهْ مَهْ! قال رسول الله:  «لا تُزْرِمُوه - أي: لا تقطعوا بوله - دعوه» ؛ فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن » ، فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلْوٍ من ماء فشنّه - صبه – عليه ) .
قال ابن حجر في فتح الباري: «أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة؛ وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما»[9].                                                                وقال الـنووي فـي شـرح مسـلم: «فـيه دفع أعظم الضررين باحتـمال أخفـهـما لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «دعوه».

قال العلماء: كان قوله - صلى الله عليه وسلم - : «دعوه» لمصلحتين:                                                                                              إحداهما: أنه لو قُطِع عليه البول تضرر وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أَوْلى من إيقاع الضرر به.
الثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجّست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، والله أعلم                                                                                                                                  

رابعا: قاعدة اعتبار المآلات

قال في القاموس القويم في الاصطلاحات الأصولية:  " مآلات الأفعال معناها أن يأخذ الفعل حكما يتفق مع ما يؤول إليه سواء أكان الفاعل يقصد ذلك الذي آل اليه الفعل أم لا يقصده"                                           

وقال الشاطبي رحمه الله :  " النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام الا بعد نظره الى ما يؤول اليه ذلك الفعل " [ الموافقات ]   أي :   أنَّ المجتهد لا يقوم بالحكم على التصرف قولاً كان ذلك التصرف أو فعلاً إلاَّ بعد أن ينظر في مآله ونتائجه ويقدر ما سيتمخض عنه
تطبيق ذلك التصرف من المصالح والمفاسد والخير والشر وبعد ذلك يصدر الحكم على التصرف بالمشروعية أو عدم المشروعية                                      
قال ابن الجوزي :  " والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد " [ تلبيس إبليس 222]  
وقال الشاطبي :  " والأشياء إنما تحل وتحرم بمآلاتها " [ الموافقات ]   
ومن الادلة على اعتبار المآلات  قول الله عز وجل : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} فمنع الله تعالى من سب هؤلاء الكفار وآلهتهم؛ لكي لا يقوموا بسب الله تعالى.                                                                                                            وقال النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم: " يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون " ففعله ابن الزبير. [ رواه البخاري]                                                                                                                               

قال الحافظ ابن حجر: "ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، والسبب في ذلك اعتبار الرسول عليه الصلاة والسلام لمآلات أفعال من أسلم حديثاً خشية أن يظنوا أنَّ رسول الله يريد هدم الكعبة وما هو بهادم لها عليه الصلاة والسلام بل معيد لتأسيسها على قواعد إبراهيم، ومع هذا لم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.                              
وقد أفتى الامام مالك أميرَ مكة حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فقال له : لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله.                  
وحينما استشير رسول الله بقتل من ظهر نفاقه، قال عليه الصلاة والسلام : " لا يتحدث الناس أنَّ محمداً يقتل أصحابه " ، و قال عليه الصلاة والسلام : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب امه "  و قال عليه الصلاة والسلام:  " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يرفعه الله بها وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار سبعين درجة " [ صحيح البخاري ] .                                                           

تطبيقات عملية لهذه القواعد

1- في المرحلة المكية                                

كانت هذه هي مرحلة كف الأيدي وتحمل الأذى  والاجتهاد في التربية والدعوة إلى الله                                                                         فمع ان الطباع العربية لا تقبل تحمل الضيم والاذى دون رد فعل انتقامي ولو بذلت القبيلة في ذلك جميع رجالها إلا أن التكليف الشرعي كان الأمر الجازم بكف اليد والصبر على الأذى مراعاة لعوامل القدرة والعجز واستبقاء اً لهذه الثلة القليلة لتمارس دعوتها إلى الله ولذلك كان أحدهم يتحمل الأذى في نفسه  بل يرى إخوانه يتعرضون للتعذيب والقتل ولا يستطيع ان يدفع عنهم حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى ياسر وسمية يعذبان بل و يقتلان فلا يزيد على أن يدعو لهما ويقول صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة                                         

بلا شك لم يكن هذا تخاذلا عن نصرة مظلوم أو خور وتخلى عن الحق وانما كان حفاظا على هذه الثلة المؤمنة التي لا يمكنها أن تواجه هذه القوى المعادية لها سواء كانت من قريش أو ممن وراءهم من خارج مكة                               

2- هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

وقد اخذ الأسباب التي يغلب على ظنه أنها تلزم لهجرته ومنها التخفي مع أ ن عمر  رضى الله عنه هاجر مجاهرا بذلك وبلا شك فان هجرة البنى صلى الله عليه وسلم وصاحبة اكمل من هجرة عمر                                              

3- صلح الحديبية

فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه الف وأربعمائة مقاتل بايعوه على الموت وكان يمكنه  بهم ان يجتاح مكة و يدخل الحرم إلا انه كانت هناك أ اعتبارات كثيرة من أجلها لم يقدم على هذا ووافق على صلح ظنه الفاروق عمر من باب اعطاء الدنية في ديننا

وكان من هذه الاعتباًرات

1)   اعتبار تعظيم حرمات الله ففي قصه الغزوة أن الجيش حين بلغ الحديبية بركت الناقة و لم تتحرك فقال بعض الصحابة خلآت القصواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : ما خلأت القصواء، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به

2)   اعتبار وجود بعض من يخفي اسلامه من المستضعفين في مكة ولعل بعضهم يقتل بسيوف المسلمين وهم لا يعلمون قال عز وجل:  { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }                    وهذا من أرقى وأعلى درجات تعظيم أمر الدماء 

3)   اعتبار أمر يعظمه العرب وهو استهجان آن يجتاح رجل قومه ويستأصلهم ولذلك قال عروة بن مسعود(وهو أحد مبعوثي قريش للمفاوضات) للنبي صلى الله عليه وسلم:  " أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك "

4)   اعتبار الحفاظ على حياة من معه ليواصل بهم الدعوة إلى الله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للخزاعي:  " فإن شاءوا ماددتهم مدّة، ويخلّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر عليهم فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا "  

5)   اعتبار تأمين جبهة شرسة  وهي جبهة قريش التي تعد رأس الحربة على الاسلام فتأمينها ولو لفترة يعطي الفرصة للانطلاق في الدعوة الى الاسلام في جميع انحاء الجزيرة العربية ويوفر مناخاً يمكن للعرب فيه أن يستمتعوا إلى صوت العقل والحكمة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للخزاعي ما تقدم                                                                                                                                               

  كل هذه الاعتبارات جعلت الصلح  الذي يحافظ عليها فتحاً مبينا مع أنه أحاط به من الامور التي قال عمر الفاروق رضي الله الله عنه بسببها : ((  ألسنا على الحق فلم نعط الدنية في ديننا))                                                                                                             

ومما كان في صلح الحديبية  

1.    اعتراض  سهيل بن عمرو على كتابه [ بسم الله الرحمن الرحيم .. محمد رسول الله ] واصراره على محوها من الصحيفة فمحاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده  

2.    بنود الصلح نفسه كان وقع بعضها صعبا على المسلمين                                                                                             الأول : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه وعدم دخول مكة ، وإذا كان العام القادم جاءوا فاعتمروا [ وفي رجوعهم وعدم عمرتهم هنا العام وهم محرمون وقد ساقوا الهدى ووصلوا مشارف مكة ا لم شديد على نفوسهم
الثاني : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس وهذا البند من الفتح المبين                                                 الثالث : من أحب أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه   وهذا فيه من المصلحة لدولة الاسلام ما فيه.                                                                                                                             الرابع : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد إليه .  
وكان هذا من أصعب ما يكون على المسلمين خاصة وقد حدث أثره فورا : " فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف-يمشي مقيداً- في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال : إذاً والله لا أصالحك على شيء أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي، قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر  المسلمين ! كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذاباً شديد   وهكذا رد المسلمون أبا جندل الى المشركين  مع غلبة الظن انهم سيعذبونه أو يقتلونه أو يردونه عن دينه بل إن  الامر تكرر مع ابي بصير بعد العودة إلى المدينة  فبعد ان رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جاءه أبو بصير -وهو رجل من قريش- مسلماً ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى بلغا ذا الحليفة . فغافل أبو بصير أحدهم وقتله ورجع إلى المدينة ، فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر]
بلاشك فإن في هذا أ لم شديد على نفوس المسلمين لكن المصالح المترتبة على الصلح حقا فتح مبين ثم إن الله جعل لأبي بصير وابى جندل وأمثالهما مخرجا فقد تفلت  أبو جندل من المشركين ، فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن من أتاه منهم فهو آمن .                                                              

 4- غزوة أحد

  بعد ان تغير مسار المعركة وبدأ هجوم المشركين من الخلف وارتبكت صفوف المسلمين واستحر القتل فيهم كان في الاستمرار في القتال خطر عظيم على جنود الاسلام فقرر النبي صلى الله عليه وسلم الانسحاب واللجوء إلى شعب في جبل أحد مع وجود احتمالات خطر أيضا فقد يقرر المشركون استمرار بعضهم يناوش المسلمين في الشعب ويذهب الباقون إلى المدينة ليجتاحوا من فيها من الضعفة والنساء والاطفال . والاموال الا أن هذه مفسدة محتملة و مفسدة الاستمرار محققة ولذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم الانسحاب                           

5- غزوة مؤتة

هذه الغزوة أرسل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة آلاف جندي وجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم زيد بن حارثة قائدًا على الجيش، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة. [البخاري]  وانطلق الجيش حتى بلغ الشام، وفوجئ المسلمون بأن جيش الروم يبلغ مائتي ألف مقاتل، فكيف يواجهونه بثلاثة آلاف مقاتل لا غير؟ 
بدأت المعركة وقتل القادة الثلاثة وأخذ الراية خالد رضى الله عنه فكان جل تفكيره كيف يمكنه أن ينسحب من هذه المعركة غير المتكافئة بأقل خسائر فكانت خطته خطة انسحاب وعاد بهم الى المدينة  فقابلهم الصبية وهم يرمون التراب في وجوههم؛ لأنهم تركوا الميدان ورجعوا، وكانوا يعيرونهم قائلين: يا فُرَّار، أفررتم في سبيل الله؟                                                                                                 
ولكن رسول الله ( كان يعلم المأزق الذي كان فيه جيشه فقال لهم: "ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله".  وسمى هذا فتحاً                                
وأطلق على خالد بن الوليد في هذه المعركة سيف الله المسلول، تقديرًا لذكائه وحسن تصرفه الذي أنقذ به المسلمين من الهلاك المحقق.

أمثلة من التراث الفقهي والأصولي

  اولاً : قول جماهير أ هل العلم في الانسحاب والفرار عند عدم تكافؤ الكفتين في القتال :-

ذهب الجمهور من أهل المذاهب الاربعة إلى أنه اذا كان الاعداء اكثر من ضعف المسلمين جاز الفرار ولم يكن محرماً
قال عز وجل : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفين بإذن الله
والله مع الصابرين } 
قال ابن قدامه رحمه الله : "إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات ، وحرم الفرار ، بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } الآية . وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }  وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف ، فعده من الكبائر ...  
وإنما يجب الثبات بشرطين :
أحدهما : أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين ، فإن زادوا عليه جاز الفرار ،
لقول الله تعالى : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } . وهذا إن كان لفظه لفظ الخبر ، فهو أمر ... قال ابن عباس : نزلت : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء تخفيف فقال : { الآن خفف الله عنكم }إلى قوله : { يغلبوا مائتين }  فلما خفف الله عنهم من العدد ، نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد . رواه أبو داود .                                                                                                                                          

وقال ابن عباس : ( من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر )                              

 بل ذهب بعض أهل العلم إلى انه يجوز للعدد الكثير ان يفر من القليل إذا لم تتكافأ العدة وآلة الحرب  ويظهر اثر هذا القول في العصر الحديث حيث تطورت آلة الحرب فلو ان عشرة عزل مقابل واحد فقط يقود دبابة ومتحصن بها فان للعشرة ان يفروا لعجزهم عن مواجهته  

ثانيا : كلام نفيس لأهل العلم يتعلق  بأحكام قتال الامام خليفة المسلمين للخارجين عليه والبفاه في حالة عدم قدرته ومن معه:-               

 فمن ذلك ما ذكر شيخ الاسلام  في حكم قتال الطائفة الباغية                                                                                                                                                                                                                                             من أن قتالهم منوط بالقدرة والامكان فإن كان عاجزا عن ردعهم لم يقاتلهم بل يصانعهم ويسايسهم                                           فإن ظن  الامام انه قادر على مواجهتهم فدخل فى ذلك ورأى بعض الرعية ان مفسدة هذا القتال ارجح كان هذا القتال بالنسبة لهم قتال فتنة لا طاعة للإمام عليهم فيه                             

قال شيخ الإسلام :  "الأمر بقتال الطائفة الباغية مشروط بالقدرة والإمكان، إذ ليس قتالهم بأولى من قتال المشركين والكفار ومعلوم أن ذلك مشروط بالقدرة والإمكان، فقد تكون المصلحة المشروعة أحيانا هي التآلف بالمال والمسالمة والمعاهدة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، والإمام إذا اعتقد وجود القدرة ولم تكن حاصلة كان الترك في نفس الأمر أصلح.                                                                                                                                   

ومن رأى أن هذا القتال مفسدته أكثر من مصلحته علم أنه قتال فتنة فلا تجب طاعة الإمام فيه، إذ طاعته إنما تجب في مالم يعلم المأمور أنه معصية بالنص فمن علم أن هذا هو قتال الفتنة - الذي تركه خير من فعله - لم يجب عليه أن يعدل عن نص معين خاص إلى نص عام مطلق في طاعة أولي الأمر انتهى                                                            حتى لو سقطت الامامة في هذه الحالة من الامام 

يقول الجويني رحمه الله فيمن خرج عن طاعة الإمام :                                                                                                                   "وإن علم أنهم لكثرتهم وعظم شوكتهم لا يطاقون؛ فالقول فيهم كالقول في الباغي إذا استفحل شأنه، وتمادى زمانه، وغلب على ظن الإمام أنه لو صادمه  ودافعه بمن معه لاصطلم الباغي أتباعه وأشياعه [أي : استأصلهم ] ، ولم يستفد بلقائه إلا فرط عنائه واستئصاله أولياءه، فالوجه أن يداري ويستنفد جهده، فإن سقطت منه الامامة بالكلية فهذا إمام سقطت طاعته" انتهى                        

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي