الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الأحداث على هامش السيرة (خطبة مقترحة)

كثير من الأمور المكروهة للنفوس قد تكون هي الخير الكبير

الأحداث على هامش السيرة (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الأربعاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٣ - ١٤:٣٢ م
3625
22-شوال-1434هـ   28-أغسطس-2013      

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

التنبيه على مراعاة المصالح والمفاسد، والنظر في مآلات الأمور، وعدم التسرع والحكم بالعواطف.

المقدمة:

- الإشارة إلى الخلاف الحاصل في مواجهة الأحداث: بيْن من يرى الحشد والصدام وأن الترك دنية في الدين، وبين من يرى الإحجام لما فيه من درء مفاسد عظيمة، ثم التفرغ لإعادة ترتيب البيت الإسلامي ونشر الدعوة، وتصحيح الأحوال، وتقليل الخصوم.

- كثير من الأمور المكروهة للنفوس قد تكون هي الخير الكبير: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(البقرة:216).

- أحداث الحديبية "مثال من السيرة" فيها كثير المشاهد المشابهة للحال الآن: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِصِفِّينَ: "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ".

1- بين يدي الأحداث:

- كانت أحداث الحديبية في أواخر العام السادس الهجري، أي زمان قوة ودولة ودعوة، وانتصارات ساحقة للمسلمين.

- لما استقرت الدولة الإسلامية اشتاقت نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى البيت، وكانت الرؤيا: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ(الفتح:27).

- فرح الصحابة وخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- في 1400 من أصحابه بملابس الإحرام يشعرون الهدي، ويلبون من ذي الحليفة؛ "ليأمن الناس حربه - لإعلان السلمية".

- قريش تستعد للمواجهة فتخرج قوة بقيادة خالد بن الوليد إلى "كراع الغميم".

- النبي -صلى الله عليه وسلم- يغير الطريق تفاديًا للمواجهة، وإمعانًا في سلمية الخروج، وينزل قريبًا من ماء الحديبية.

ـ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- باستعدادات قريش: "إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ" (رواه البخاري).

- تفجع النبي -صلى الله عليه وسلم- وتألمه لقريش: (وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلا فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ(رواه البخاري).

2ـ سفراء بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقريش:

أ- سفارة عروة بن مسعود: "أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنْ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟!" (رواه البخاري).

- درس عظيم في تقدير مآلات الأمور: لم يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتعالَ فيقول: بل سأسحقهم! وكذا... وإنما قال: (إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً... ) (رواه البخاري)، فرجع عروة وقال: ".... قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا"(رواه البخاري).

ب- سفارة الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ: يأتي إلى المسلمين بعد رفض من سفهاء قريش، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ(رواه البخاري، ورواه أحمد واللفظ له، وصححه الألباني)، وأمر برفع الصوت بالتكبير.

- درس عظيم في الأخلاق: مع قوة المسلمين إلا أنهم لم يُظهِروا إساءة، بل أظهروا عبادة وحسن خلق كان أثره أن رجع الحليس إلى قومه فقال: "رَأَيْتُ البُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ" (رواه البخاري).

ج- سفارة عثمان إلى قريش: تأكيد النبي -صلى الله عليه وسلم- على السلمية والسعي في المصالحة، فيرسل عثمان: "إنا لم نأتِ لقتال، وإنما جئنا عمارًا".

- إشاعة خبر مقتل عثمان، والمبايعة على قتال قريش.

د- سفارة سهيل بن عمرو: قريش تخاف وترسل سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وتقول له: "ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ، وَلا يَكُونُ فِي صُلْحِهِ إِلا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، فَوَاللهِ لا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا" (رواه أحمد بإسناد حسن).

3- المصالحة الجائرة هي الفتح:

- مجمل المصالحة: أن يرجع المسلمون ولا يدخلوا مكة لهذا العام، وإذا كان العام القابل دخلوها فأقاموا فيها ثلاثًا.

ـ تكون الهدنة عشر سنين يأمن فيها الناس بعضهم بعضًا.

ـ مَن جاء من أهل مكة إلى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- رده إليهم، والعكس لا.

استفزازات عند صياغة المعاهدة:

- الاعتراض على "الرحمن الرحيم".

- الاعتراض على "محمد رسول الله".

- إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم.

مشهد عصيب جدًّا أثناء الكتابة:

ـ دخول أبي جندل بن سهيل -أحد المستضعفين في مكة- يجر قيوده فارًا إلى المسلمين، وسهيل يعترض: "هذا أول ما أقاضيك عليه".

ـ النبي -صلى الله عليه وسلم- يرد: (إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ)، (فَأَجِزْهُ لِي) ، (بَلَى فَافْعَلْ(رواه البخاري)، وسهيل يرفض.

- الوفاء بالعهد، والنصح بالتوكل على الله: (يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ(رواه أحمد بسند حسن).

التحلل من العمرة وحزن المسلمين:

- لما فرغ من الكتاب قال -صلى الله عليه وسلم-: (قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا(رواه البخاري)، فما قام منهم أحد! طمعًا في تغيير الحال.

- أم سلمة -رضي الله عنها- تقترح على النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا"(رواه البخاري).

شبهتان:

1- لم يدخل البيت وقد أخبرهم بالدخول.

2- قبول الظلم وهو صاحب الحق.

- عمر -رضي الله عنه- الأشد حزنًا، قال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: (بَلَى)، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: (بَلَى)، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟! فَقَالَ: (يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا)، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ فَتْحٌ هُو؟ قَالَ: (نَعَمْ)، فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ" (رواه البخاري ومسلم)، ثم إن عمر -رضي الله عنه- ندم على ذلك وعمل له أعمالاً.

لماذا أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح؟ ولماذا كان فتحًا؟

- أما الصلح:

- تحييد لقريش ليتفرغ للقوى المعادية الكثيرة الأخرى: "الروم - اليهود - المنافقين - العرب - النصارى".

- التفرغ للدعوة؛ لأن الصدام يشوس ويفسد: "دعوة العرب - مراسلة الملوك والأمراء - ... ".

- تفادي قتل المسلمين المستضعفين في مكة تحت وطأة الكفار: (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ(الفتح:25).

ـ فتح باب الحج والعمرة المحبوبين إلى نفوس المسلمين.

- وأما كونه فتحًا:

- جنوح قريش للصلح اعتراف عالمي بقوة المسلمين وبقاؤهم في المعادلة السياسية في الجزيرة.

- فتح الآفاق في الجزيرة للدعوة دون تشويش الإعلام القرشي، ودون تدخل قريش في شأن القبائل "تخفيف الهجوم الإعلامي".

- أثر ذلك واقعًا، فقد كان عدد جيش المسلمين 1400 يوم الحديبية، وفي عام 8 هـ صار 10000، وفي حجة الوداع كانوا 100000.

خاتمة: ربط الأحداث بالحديث:

- أمور مكروهة للنفوس فيها الخير: حفظ موسى -عليه السلام- كان في البحر، وحفظ يونس -عليه السلام- كان في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، وحفظ يوسف -عليه السلام- كان في البئر المظلم، وقتل الغلام والمؤمنون وانتشر الإسلام، وانسحب خالد -رضي الله عنه- يوم مؤتة فكان فتحًا: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(البقرة:216).

- لا داعي لليأس: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(يوسف:87).

- ستحيا الدعوة: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الروم-50)، "آية مكية نزلت أثناء شدة التعذيب والتقتيل".

فاللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم.



www.anasalafy.com
أنا السلفي

تصنيفات المادة