الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

التاريخ يتحدث... فليصمت الجميع!

وسيظل يتحدث ويسطر في صفحات من نور... مواقف "الدعوة السلفية المباركة" ما بيْن السياسة والشريعة، والله المستعان.

التاريخ يتحدث... فليصمت الجميع!
زين العابدين كامل
الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠١٣ - ٢٣:٥٩ م
4254
5-ذو القعدة-1434هـ   9-سبتمبر-2013      

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبداية لابد أن نكون على يقين بأن التاريخ إذا تحدث فلابد للجميع أن يصمت ولا يتكلم؛ لأن التاريخ لا يجامل أحدًا، ولا يرحم أحدًا، ولا يحابي أحدًا على حساب أحد -وإن مرت دهور وأزمان-؛ فمهما تحدث المتحدثون، وخوَّن المخونون، وطعن الجاهلون، وفرح الشامتون، وصرخ السفهاء والحاقدون... كل ذلك سينتهي ويزول ويبقى التاريخ شاهدًا!

التاريخ يتكفل بإظهار الحقائق الكبرى وكشف المغالطات والملابسات؛ فهو يسجل الوقائع والأحداث التي تواترت عبر الزمان، وكما يقال: "قد تخدع كل الناس بعض الوقت، وقد تخدع بعض الناس كل الوقت، لكن من غير الممكن أن تخدع كل الناس كل الوقت".

ولما كان التاريخ مرآة الأمم يعكس ماضيها ويترجم حاضرها، ويستلهم من خلاله مستقبلها، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به والحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحًا بحيث يكون نبراسًا وهاديًا لهم في حاضرهم ومستقبلهم.

فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها؛ فلن تستطيع الأمم والجماعات والكيانات والتيارات أن تتقدم في حاضرها إلا بالرجوع إلى تاريخها وماضيها، والتاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال الله -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(الأنعام:11).

التاريخ يتحدث فيقول: وقف "علماء الدعوة السلفية المباركة" وقفة مستنيرة بنظرة شرعية حكيمة يوم "3-7-1977م" يوم أن اغتال الجاهلون "من جماعة التكفير" أحد علماء الدعوة الإسلامية وأستاذ التفسير وعلوم القرآن الدكتور "محمد حسين الذهبي" -رحمه الله-!

وقد رفض المشايخ هذا الفعل الإجرامي، وقد اتُهموا يومها من البعض بالجهل وعدم المعرفة بحقيقة قضايا الإيمان والكفر!

التاريخ يتحدث فيقول: في عام "1979م" عندما انتصرت "الثورة الإيرانية" في نهاية عقد السبعينيات من القرن المنصرم استبشر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها خيرًا، وظنوا أن فجر الإسلام قد بزغ من جديد، وأن تحرير فلسطين أصبح قاب قوسين أو أدنى! وهنا رحبتْ "جماعة الإخوان" بالثورة وصفقوا لها هم وغيرهم من الجماعات والحركات الإسلامية!

وبرز موقف "الدعوة السلفية" الرافض لتلك الثورة المذهبية، وحذر "علماء الدعوة" من الانخداع بتلك الثورة وبالشعارات الزائفة؛ ولم يسمع للدعوة أحد!

وقد نادتْ الثورة في بدايتها بالإسلام وعرَّفت نفسها بأنها ثورة المسلمين المستضعفين في الأرض ضد الشيطان الأكبر أمريكا، وتحرير فلسطين من اليهود، ولكن وللأسف سرعان ما تبيَّن الكذب والخداع والتضليل، وأن هذه الشعارات ما هي إلا لذر الرماد في العيون للتغطية على الصبغة القومية الفارسية، والطائفية الصفوية لهذه الثورة والتي ظهرت فيما بعد من خلال سياساتها الداخلية والخارجية، والواقع اليوم خير شاهد، وها هو التاريخ بعد عشرات السنيين يُظهر صحة "النظرة السلفية" لتلك الثورة التي انخدع بها الجميع.

يقول د."ياسر برهامي" -حفظه الله-: "لم يكن السلفيون بعيدين طيلة عمرهم الدعوي عن المشاركة السياسية بتحديد المواقف المنضبطة بالشرع في كل قضايا الأمة، وهذا دون أن يتلوثوا بالمسرحية الهزلية المسماة باللعبة السياسية، وثبت -بفضل الله- أن نظرتهم المبنية على المواقف العقدية كانت هي الصواب سياسيًّا كما هي الصواب دينيًّا وشرعيًّا، كموقف "الدعوة السلفية" من الثورة الإيرانية الذي انفردت به عن فصائل العمل الإسلامي في وقتها فكان -على سبيل المثال- أبعد نظرًا من الوجهة السياسية مِن كل الأطروحات التي صفقت للثورة الخمينية العنصرية التي تهدد العالم العربي والإسلامي بنشر الحزبية البغيضة والفكر الرافضي، بل تهدد كيانات المجتمعات ذاتها، وليس فقط مصالحها السياسية والاقتصادية".

قلتُ: وقد قالت الدعوة بعد ذلك بالمشاركة السياسية، ولكن بعد أن تغير الواقع وتبدلت الأحوال، وأصبح المناخ مناسبًا؛ ولو ثبت عكس ذلك لعادت الدعوة إلى سابق عهدها مرة أخرى.

التاريخ يتحدث فيقول: رفض علماء الدعوة المباركة عام "1981م" قتل الرئيس الراحل "أنور السادات" وظهر صحة موقفهم بعد ذلك، وكم عانت الحركة الإسلامية من جراء هذا الفعل، وفُتحت المعتقلات وقُتل مَن قُتل من أبناء الحركة الإسلامية بدون أدنى فائدة، وتم التضييق على الحركات الإسلامية الموجودة على الساحة آنذاك.

التاريخ يتحدث فيقول: مع انتشار المناهج المنحرفة في أواخر الثمانينيات كفكر التكفير وازدهار المكوِّن الفكري والعقائدي لجماعة التكفير والهجرة، وظهور ما انبثق منه كفكر التوقف وجماعة التوقف والتبين - وقف علماء "الدعوة السلفية" لهذا الفكر المنحرف بالمرصاد، ووقعت بعض المناظرات بين علماء الدعوة وبين أصحاب الفكر المنحرف، ورفضت الدعوة إطلاق التكفير على كل المجتمع أو بعضه أو المنتمين للمؤسسات التابعة للنظام الحاكم: "كالجيش والشرطة"، وانتهى الأمر -بفضل الله- إلى أن ظهر الحق وزهق الباطل.

التاريخ يتحدث عن موقف "الدعوة السلفية" الرافض لحرب الخليج، والاستعانة بالقوات الأمريكية في تحرير "الكويت": فقد أصدر علماء الدعوة الفتاوى والبيانات الرافضة لهذا الأمر وأن المفسدة منه أكبر وأعم من المصلحة؛ علمًا بأنه قد صدرت فتاوى بجواز الاستعانة بغير المسلمين من كبار علماء المملكة آنذاك.

يقول د."ياسر برهامي" -حفظه الله-: "وكان موقف الدعوة من حرب الخليج هو الصواب سياسيًّا واجتماعيًّا، كما هو الصواب دينيًّا وشرعيًّا، وها هي آثار تزايد النفوذ الغربي ووجود القوات الأجنبية على أرض الإسلام تظهر يومًا بعد يوم، وما جنته من تدمير بلد بأسره واحتلاله وهو العراق ومِن قبله أفغانستان إنما هو ثمرة من الثمرات المرة لهذه الحرب".

التاريخ يتحدث فيقول: في الثمانينيات والتسعينيات عندما رجحت الجماعة الإسلامية الجهاد بالسلاح على الجهاد بالكلمة والبرهان والدعوة إلى الله -تعالى-؛ رفض علماء الدعوة هذا الأسلوب العنيف للجماعة الإسلامية في تصفية خصومها مع النظام الحاكم علمًا بأن النظام كان ظالمًا مستبدًا، ولكن قارَن علماء الدعوة بيْن موازين القوى، والمصالح والمفاسد، والقدرة والعجز، ورفضوا ذلك الأسلوب في التغيير؛ لأنه يتنافى مع فقه الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويومها قيل عن أبناء الدعوة بأنهم جبناء! وقال مَن قال: هم عملاء!

وها هو التاريخ يثبت أين كان الحق؟

وقد رأينا "المراجعات الفكرية" التي كتبها وأقرها وأعلنها قادة الجماعة وأبناؤها، والرجوع عن منهج التغيير بالقوة والسلاح، وثبت صحة موقف "الدعوة السلفية"، ولكن بعد أن خسرت الجماعة كثيرًا... والواقع خير شاهد، فالجماعة الآن تحتاج إلى عشرات السنين لتمحو تاريخ العنف من صفحاتها.

التاريخ يتحدث عن موقف "الدعوة السلفية" من "حسن نصر الله، وحزب الله الشيعي": عندما هلل له الشعب المصري في "مسرحية الحرب ضد إسرائيل"، وحمل الناس صور "حسن نصر الله" في الشوارع والميادين، واتهمونا وقتها بعدم الفهم في السياسة وغيرها حتى جماعة الإخوان وغيرها من الحركات صفقوا لـ"حسن نصر الله!"، وقلنا لهم: "لا تنخدعوا"، ولكن انخدع الجميع؛ "إلا أبناء الدعوة السلفية"، ويظهر بعد ذلك الوجه الحقيقي لحزب الله الكاره لأهل السنة والصديق الحميم لإسرائيل! والواقع خير شاهد، وما موقف "حزب الله" الآن في القضية السورية منا ببعيد.

التاريخ يتحدث عن اقتراح "الدعوة السلفية" بعد ثورة "25 يناير" عن عدم التقدم بمرشح إسلامي لرئاسة مصر في هذه المرحلة:ووافقت جماعة "الإخوان المسلمين" على ذلك، ولكن سرعان ما تبدلت المواقف وتغيرت وجهات النظر، وتقدَّم بعض المرشحين الإسلاميين، وها هي النتيجة كما نراها الآن، ولكن نقول قدَّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان، وتأتي بعد ذلك النصائح المتتالية من علماء الدعوة لإخواننا في جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة عن صعوبة الأوضاع في البلاد، وتقديم بعض المبادرات التي شهِد أهل الساسة الآن من المنصفين بصحتها والعقلانية في بلورتها، ولكن كانت الاتهامات بدون حدود تُرمى بها الدعوة السلفية!

ويأتي رئيس الدولة بعد ذلك د."مرسي" ليعرض بنفسه مبادرة "حزب النور"، ولكن بعد فوات الأوان! ثم نصيحة د."مرسي" وجماعته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ لصعوبة الأوضاع أيضًا، ولكن لا أحد يتعلم من أخطائه! وأصبحت الانتخابات المبكرة من الأمنيات والأحلام! وقد نشرتْ "جريدة الفتح" سابقًا بعض الوثائق التي بيَّنت مجهود علماء الدعوة في تلك المرحلة الحرجة.

أقول: لقد تعرض أبناء الدعوة وشيوخها إلى الاعتقالات والاضطهاد والتنكيل، وذلك عدة مرات خلال تاريخ الدعوة؛ لاسيما الضربات الأمنية العنيفة في "1994 و2002م"، وقد ثبتَ أبناء الدعوة وشيوخها على منهجهم.

ومن المضحكات المبكيات أن تُتهم الدعوة بعد ذلك بالخيانة والعمالة مِن قِبَل البعض فأذكِّر هؤلاء بقوله -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى(المائدة:8).

وهكذا "التاريخ يتحدث"...

وسيظل يتحدث ويسطر في صفحات من نور... مواقف "الدعوة السلفية المباركة" ما بيْن السياسة والشريعة، والله المستعان.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي