الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السَّكِينَة السَّكِينة... يا أهل السفينة

ثم ها هي الأيام تمر، والأحداث خلفها، ويظهر رويدًا رويدًا صحة المواقف والقرارات إلى حد كبير، ويتراجع كثير من المخالفين المنصفين عن مواقفهم ويقدم البعض الاعتذارات عن بعض الأخطاء؛

السَّكِينَة السَّكِينة... يا أهل السفينة
زين العابدين كامل
الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٤:٣٢ ص
2025
6-ذو الحجة-1434هـ   10-أكتوبر-2013      

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأقصد بأهل السفينة أبناء التيار الإسلامي بصفة عامة "وأبناء الدعوة السلفية بصفة خاصة", والسكينة هي: الرفق والطمأنينة، والسكون والوقار. وقيل: هي الرحمة، وقيل: هي النصر، وقيل: هي ما يسكن به الإنسان، وهذا هو المطلوب السكينة والرفق، والحلم والأناة لا العجلة، فمن الصفات التي يحبها الشيطان العجلة؛ لأنها توقع الإنسان في كثير من الأخطاء، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (التَّأَنِّي مِن الله، والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطانِ(رواه البيهقي، وحسنه الألباني)، فعلينا أن نخالف الشيطان في ذلك ونتبع ما يرضي الرحمن؛ ولذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس: (إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحلم والأناة(رواه مسلم).

والعجلة هي: فعل الشيء قبل وقته اللائق به، وكانت العرب تكني العجلة: "أم الندامات!"، وقال مطرّف: "سيأتي على الناس زمان خيرهم في دينهم المتأني"، وهذا خلاف ما عليه كثير من الناس اليوم!

بل كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعلي -رضي الله عنه- وهو يريد أن يبعثه في حرب: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ... (متفق عليه)، فالرفق والتأني وعدم التعجل أمر مطلوب حتى في الحروب.

وقد بيَّنت الأحاديث الصحيحة كيفية إفاضته -صلى الله عليه وسلم- من عرفات، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- الطويل، وفيه:فَلَمْ يَزَلْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: (أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ)، حَتَّى جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، ثُمَّ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَوَقَفَ عَلَى قُزَحَ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: (هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ) ثُمَّ دَفَعَ وَجَعَلَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالاً، وَهُوَ يَلْتَفِتُ وَيَقُولُ: (السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ... (رواه مسلم، وأحمد والترمذي). أي: الزموا السكينة، فلا تسرعوا ولا تعجلوا، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ(رواه البخاري)، يعني ليس بالسرعة.

ونحن جميعًا في سفينة واحدة، ونبحث جميعًا عن النجاة، ومسئولية النجاة تقع على كل فرد من أهل السفينة، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا(رواه البخاري).

فالمسئولية ليست خاصة بطرف دون آخر، ولا بفرد دون فرد, وإنما هي مسئولية جماعية؛ لأن السفينة واحدة، فإن غرقت غرقت بكل مَن فيها، وإن نجت فإنها تنجو بكل من فيها، وقد مرت الدعوة في هذه الفترة بحالة من الاحتقان الشديد؛ نظرًا لعدم معرفة البعض بفقه الخلاف وأنه يسعنا الخلاف في مسائل الاجتهاد، وعدم معرفة البعض الآخر بفقه المآلات، وهو أمر في غاية الأهمية والخطورة.

ثم ها هي الأيام تمر، والأحداث خلفها، ويظهر رويدًا رويدًا صحة المواقف والقرارات إلى حد كبير، ويتراجع كثير من المخالفين المنصفين عن مواقفهم ويقدم البعض الاعتذارات عن بعض الأخطاء؛ فيا أهل السفينة عليكم بالسكينة، وإياكم والتعجل والاندفاع، والسير خلف العواطف؛ فأحيانًا تكون الرحمة خالصة، ولكنها مهلكة كطبيب رحم مريضًا من شدة ألم مشرط الجراحة، ولكنه في النهاية تسبب في وفاته! فإياك يا أخي أن تكون سببًا في الفرقة وشق الصف، وكن سببًا في التقريب بين إخوانك، وفي أمثال العرب: "وإذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء!".

السكينة... شعار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عرفة، وفي مزدلفة، لا تتعجلوا في الحكم على العلماء والمشايخ، بل علينا أن نوقرهم ونعذرهم أيضًا.

ومن أقوال شيخنا "الحويني" -حفظه الله-: "أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، ومعالم الصحوة هم العلماء".

فلماذا لا يقبل بعضنا النصيحة من الآخر!

إياك أن تأخذك العزة بالإثم، وأن تستنكف وتستكبر عن قبول النصيحة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فالكبر يمنعه الانقياد، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها، والغضب يمنعه العدل، والشهوة تمنعه التفرغ للعبادة... وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَبْغَضُ الْكَلاَمِ إِلىَ اللهِ -عَزَّ وَجَلّ-: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اتَّقِ الله، فَيَقُول: عَلَيْكَ بِنَفْسِك(رواه ابن منده في التوحيد والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني).

لماذا لا يقبل بعضنا الحوار أحيانًا؟!

هل هذا هو هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

فالحوار وسيلة مهمة مِن وسائل الدعوة إلى الله والوصول إلى الحق، وقد قال الشافعي -رحمه الله-: "ما ناظرتُ أحدًا إلا وددت أن يظهر الله الحق على لسانه".

وقال أيضًا -رحمه الله-: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".

فلابد أن يدور الحوار في هذا الإطار، بهذه الثقافة وهذا الفكر المتزن، وهذا هو الذي تمسك به العلماء قديمًا؛ لذلك بقيت مذاهبهم وآراؤهم، فبهذا المنطق تتعايش الآراء، وينجح الحوار، فلا ضير ولا حرج أن نختلف في الفهم ومسائل الاجتهاد، ولكن المصيبة أن يتحول ذلك الخلاف إلى نزاع وفرقة، قال الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا(آل عمران:103)، وقال: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(الأنفال:46).

فالسكينة السكينة... يا أهل السفينة، والله المستعان.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي