الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عاقبة الذنوب في الدنيا والآخرة (خطبة مقترحة)

التمكين والعز للأوائل مع الأسباب الضعيفة، والهوان والخذلان للمتأخرين مع الأسباب الكثيرة!

عاقبة الذنوب في الدنيا والآخرة (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٩ أكتوبر ٢٠١٣ - ٢٢:٤٥ م
3352
25-ذو الحجة-1434هـ   29-أكتوبر-2013      

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

- الإشارة إلى انتشار الذنوب والمعاصي في مجتمعات المسلمين.

- الإشارة إلى آثار ذلك على مستوى الأفراد والمجتمعات: قال الله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(الروم:41). "فساد الاقتصاد - شيوع الفتن - الزلازل والأمراض - و... ".

- سنة الله -تعالى- لا تتخلف: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيلٌ للعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ) وَحَلَّقَ بِأُصْبَعَيْهِ: الإِبْهَامَ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذا كثُرَ الخَبَثُ(متفق عليه).

- ما الذي جعل العقوبة في هؤلاء "إغراق أهل الأرض في زمن نوح - تسليط الريح على عاد فكانوا كأعجاز نخل خاوية - إرسال الصيحة على ثمود حتى قطعت قلوبهم - الخسف بقارون وبداره وماله الأرض - إغراق الفرعون وقومه"؟!

قال الله -تعالى-: (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(العنكبوت:40).

1- أنواع الذنوب:

هذا العنصر مدخله عدم اختصاص العقوبة بنوع معين من الذنوب، بل تنتوع العقوبة بتنوع الذنوب.

- الذنوب نوعان "كبائر وصغائر": قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ(النجم:32).

- كل الذنوب قبيحة وتسجل عليك: قال -تعالى-: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا)(الكهف:49).

- الصغير بالإجتماع يكون كبيرًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ)(رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني).

- الاستهانة بالذنب دليل على ضعف الإيمان في القلب: عن أنس -رضي الله عنه- قال: "إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْمُوبِقَاتِ" (رواه البخاري).

2- خطر الاستهانة والتساهل ببعض الذنوب:

- التساهل من باب جهل خطرها: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا -أَيْ بِيَدِهِ- فَذَبَّهُ عَنْهُ" (رواه البخاري).

- التساهل من باب الرجاء "ربنا غفور رحيم": قال -تعالى-: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ )(الحجر:49-50).

- التساهل من باب التقليل "معصية واحدة": "معصية الرماة يوم أحد تؤدي إلى مقتل سبعين من المسلمين"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ هَزْلاً(متفق عليه).

- عقوبات وحدود بسبب الاستهانة بالذنوب: "حد القذف بكلمة، وحد السرقة ثلاثة دراهم"؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(النور:4)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا(رواه مسلم).

3- أثر الذنوب على الكائنات:

- تغير لون الحجر المبارك: قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ(رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- تفسد الماء والهواء والأرض: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْحِجْرَ -أَرْضَ ثَمُودٍ- فَاسْتَقَوْا مِنْ بِيَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ, فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيُطْعِمُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مَنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ" (متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) (متفق عليه).

وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟) قَالُوا: لا. قَالَ: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟) قَالُوا: لا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

4- من عقوبات الذنوب في الدنيا:

- تورث الذل لصاحبها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي(رواه أحمد، وصححه الألباني).

- آثارها على الوجوه لا يخفيها جاه ولا سلطان: قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ".

- سبب في حرمان الرزق: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرم الرِّزقَ بالذنبِ يُصيبُهُ(رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى، وحسنه الحافظ ابن حجر).

- سبب نزول البلاء والفتن: "الزلازل - الفقر - الأمراض - فساد الموارد - و... " (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(الروم:41).

- سبب زوال الأمم والشعوب: قال -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا(الطلاق:8-9).

5- من عقوبات الذنوب في الآخرة:

ينبِّه الخطيب إلى أنه سيذكر أدلة في عقوبات بعض الذنوب التي يستهين بها الناس؛ فكيف بالكبائر العظام؟!

- عذاب القبر بترك التطهر من البول: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: (إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: (لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا(متفق عليه).

- غلول ثوب أو غطاء رأس يحبس الشهيد ويعذب المجاهد: قال -صلى الله عليه وسلم- في الغلام الذي غلَّ الشملة: (إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا)، وقال للآخر الذي جاء بشراك أو شراكين: (شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ -أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ-(متفق عليه).

- كلمة مفسدة عقابها قاع النار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ(رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

6- التوبة هي النجاة:

- التوبة سبب للمغفرة والنجاة من عقاب الآخرة: قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ(الزمر:53-54).

- التوبة سبب لمنع العقوبة في الدنيا: قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(الأنفال:33)، وقال علي -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة".

- التوبة سبب صلاح الدنيا: قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(الأعراف:96)، وقال أيضًا: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(نوح:10-12)، وقال -تعالى-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(الجن:16).

- التاريخ يشهد: "التمكين والعز للأوائل مع الأسباب الضعيفة، والهوان والخذلان للمتأخرين مع الأسباب الكثيرة!" قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(طه:124)، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)(الشورى:30).

- كفانا بُعدًا وغفلة: غاب الهدهد ساعة فتوعده سليمان... خالف موسي الخضر ثلاث مرات فكان الفصال والفراق؛ فكيف بنا وقد غبنا سنوات، وخالفنا آلاف المرات... ؟!

فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة