الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناهج الإصلاح .. (4) معالم التغيير

ومن ثم فيجب أن يكون من معالم إصلاح المجتمع تبصيره بجوانب الحياة التى ينظمها الإسلام ودور المجتمع والدولة فيها.

مناهج الإصلاح .. (4) معالم التغيير
عبد المنعم الشحات
السبت ٠٢ نوفمبر ٢٠١٣ - ١٤:٢٤ م
2712

30-ذو الحجة-1434هـ   3-نوفمبر-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قدَّمنا -فيما سبق- أن الإسلام دعا إلى إصلاح البشر، وأن إصلاح البشر يحصل بإصلاح أفراده، ثم بإصلاح مجموعة في حال اجتماعهم.

ومن هنا يتبين أهمية الإصلاح الاجتماعي، وأنه لا يقل أهمية عن الإصلاح الفردي؛ ولذلك قال الله -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(البقرة:205)، وقال: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)(الأعراف:56).

وسوف نتناول في هذا المقال أهم معالم صلاح المجتمع في الإسلام مِن خلال بحث عدة نقاط:

أولاً: الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المسلم‌:

(أ)- المجتمع المسلم قائم على الرابطة الإيمانية: وقد قدمنا أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وبالتالي فإنه يسعى دائمًا إلى أن يكون فردًا من مجموع يشعر تجاههم بانتماء خاص، ويتبادل معهم المنافع، وقد عرفت البشرية أنواعًا من هذه المجتمعات، منها "نظام العائلة"؛ وهو قائم على النسب الفردي، وأوسع منه قليلاً أن ترتبط العائلة مع غيرها من العائلات التي تجرى بينهم مصاهرات، ثم القبيلة التي تقوم على النسب البعيد نسبيًّا، وارتقت الروابط في بعض الأحيان إلى درجة الأمة التي ترتبط بالنسب البعيد، واتحاد الموطن واللغة.

ومن الجدير بالذكر: أن نشير إلى أن العرب رغم امتلاكهم لمقومات الأمة إلا أن الروابط بينهم وقفتْ عند حد "القبيلة"، وادخر الله لهم دعوة إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ(البقرة:128)، ليستجيب لها مع الدعوة الأخرى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(البقرة:129)؛ فاستجاب الله للدعوتين معًا فجعل ظهور العرب كأمة مرتبط ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله".

وهذه الروابط التي تعارفت عليها البشرية تتضمن عيوبًا جوهرية... أبرزها:

1- قيامها على أمور مادية وجبرية.

2- عدم إمكان اتساعها بأي حال من الأحوال لتسع الجنس البشري كله، ومن هنا جاء الإسلام بجعل الرابطة الأساسية في المجتمع هي الرابطة الإيمانية، ومِن ثَمَّ فهي تتميز بأمور، من أهمها:

1- قيامها على أمر عقلي اختياري.

2- إمكان اتساعها لتشمل البشر جميعًا.

ومع هذا فلم يهدر الإسلام قيمة رابطة النسب، وإنما وجَّه إلى جعلها وسيلة للوصول إلى الرابطة الأصلية، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(الحجرات:13).

على أنه لم يَسمح قط بتقديم شيء من هذه الروابط على الرابطة الإيمانية، يقول الله -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... (المجادلة22).

ولا ينبغي أن يُفهم من قولنا "إن المجتمع المسلم قائم على الرابطة الإيمانية" عدم جواز عيش غير المسلم فيه أو أنه متى عاش فيه لم يكن له حقوق! ولكن المقصود أن يعلي المسلمون شأن الرابطة الإيمانية في أي مكان كانوا، فإن كانت البلاد تحت حكمهم تعاملوا مع مَن يتعايش معهم من الكفار وفق قوله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(الممتحنة:8)، ولا يجوز للمسلم أن يقيم اختياريًّا في بلاد أخرى؛ إلا إذا كان قادرًا على إظهار شعائر دينه.

(ب)- المجتمع المسلم قائم على العقيدة: إذا كان المجتمع المسلم قائمًا على "الرابطة الإيمانية" فهذا يعني من جهة أخرى أنه قائم على العقيدة الإسلامية، وقد تقدم في الكلام على معالم الفرد المسلم أن جميع أموره نابعة من عقيدته، وكذلك المجتمع المسلم يبني نظمه وأهدافه وغاياته ويضبط العلاقات بيْن أفراده بناءً على هذه العقيدة.

(ج)- المجتمع المسلم قائم على إنكار العصبية الجاهلية: والمقصود بالعصبية التناصر بالحق وبالباطل لاشتراك المتناصرين بالنسب، أي: نسب القبيلة أو السلالة أو الأسرة، وكان هذا المفهوم للعصبية هو الشائع عند العرب قبل الإسلام، فكان أفراد القبيلة ينصر بعضهم بعضًا في الحق وفي الباطل لانتسابهم إلى قبيلة واحدة!

وقد أنكر الإسلام هذه العصبية وأمر بنبذها، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ(رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -عليه الصلاة والسلام- عن العصبية: (دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ(متفق عليه).

وبعد أن كان شعار الجاهلية: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" بمعنى كن بجانبه في الحالين، أصبح الشعار في الإسلام: انصر أخاك ظالمًا بأن تمنعه من الظلم، أو مظلومًا بأن تقف بجانبه ضد ظالمه.

وذم العصبية في الإسلام لا يقف عند حد العصبية القائمة على أساس المشاركة في القبيلة أو الجنس، وإنما يتعداها إلى كل عصبية قائمة على سبب آخر "ما دام جوهر العصبية موجودًا؛ وهو نصرة الغير بالباطل بسبب هذه المشاركة"، وعلى هذا فانتصار أصحاب الإقليم الواحد أو الحرفة الواحدة أو المذهب الواحد بعضهم لبعض في الباطل هو مِن العصبية المقيتة المذمومة.

إن خلو المجتمع الإسلامي من العصبية بأنواعها يقلل فرص الاعتداء والظلم والبغي، ويساعد على شد الأفراد إلى معاني الحق والعدل، وفي هذا كله خير مؤكد للمجتمع ولأفراده.

ثانيًا: سمات المجتمع المسلم:

جاء الإسلام بكثير من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المجتمع المسلم، وبعضها يتعلق بعلاقة أفراد المجتمع فيما بينهم، وبعضها يتعلق بعلاقة الأفراد بالدولة، وكثير منها متداخل، فالمواساة من الغني للفقير تدخل في النوعين معًا حيث يشرع أن يقوم بها الأفراد تجاه بعضهم البعض، كما أن الدولة مسئولة عن تنظيم بعض صور هذه المواساة: "كالزكاة".

ومن هذه السمات التي يبرز فيها دور المجتمع أكثر:

1- قيام المجتمع على مكارم الأخلاق.

2- السعي نحو إقامة المجتمع الفاضل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

3- المواساة.

ومن السمات التي يظهر فيها دور الدولة أكثر:

1- تحقيق قدر متوازن من "الحرية - العدالة - المساواة".

2- حفظ المال العام وإدارته.

3- حماية البلاد. وسوف يأتي الكلام على هذا النوع عند الكلام على سمات الدولة.

وهذا توضيح يسير للسمات المذكورة في النوع الأول:

1- قيام المجتمع على مكارم الأخلاق.

2- السعي نحو إقامة المجتمع الفاضل (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر): فهذا المجتمع ينبغي أن يشيع فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(آل عمران:104).

3- المواساة: لابد أن يوجد تراحم وتواد بيْن أفراد هذا المجتمع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى(رواه البخاري ومسلم).

وهذه خطوط عامة، بداخلها تفاصيل: فالتراحم منه جزء واجب كأداء الزكاة، ومنه جزء مستحب كالصدقات والنفقة على الأقارب تجب في أحوال ولا تجب في أحوال, وكذلك الأخوة الإيمانية وحقوقها, وحقوق الإخوة ومنها حقوق واجبة ومنها حقوق مستحبة، فهذا هو المجتمع المسلم.

ثالثًا: اللبِنة الرئيسية للمجتمع (الأُسرة):

إصلاح المجتمع يأتي من خلال هذه المجتمعات الصغيرة, بل إن أردتَ الدقة تقول كأن نقطة البداية دائمًا ما تكون في هذه المجتمعات الصغيرة، وهي "الأسرة", ومِن ثَمَّ تجد الشرع قد اعتنى بها عناية بالغة، فهناك كلام عن المجتمع ككل، وهناك كلام مفصل جدًّا على الأسرة؛ فلا نكتفي بقواعد: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه)، فهذه قاعدة عامة تنطبق على المجتمع الكبير وتنطبق على الأسرة, ولكن نجد الأسرة تحديدًا فيها تفاصيل على اختيار الزوج واختيار الزوجة من بداية تكوُّ الأسرة, والأساس التي تقوم عليه العلاقة، وواجبات الزوج وواجبات الزوجة, وحقوق كل منهما على الآخَر, والأبناء، وتربية الأبناء… كل هذه أمور تفصيلية؛ لأن الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع.

رابعًا: المحضن التربوي الرئيسي (المسجد):

والمسجد هو أخص المجتمعات الصغيرة في المجتمع الإسلامي، لماذا؟! لأننا نريد مجتمعًا فيه أخوة إيمانية، والمكان الذي يأتي إليه الناس من أجل تجديد الإيمان أو من أجل القيام بواجبات إيمانهم "هو المسجد"، فإذن هذه هي الصورة المثالية.

كذلك نريد مجتمعًا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والمسجد هو المكان الذي يفترض أن يكون خاليًا تمامًا من المنكرات, فحتى مَن يفعل المنكرات لا يدخل بها المسجد.

كذلك نريد مجتمعًا متراحمًا, والانتظام في الصفوف والالتحام وتلامس الأكتاف بين الفقير والغني هو التراحم بعينه!

إذن المسجد هو المكان الذي يمكن أن تنمو فيه كل هذه الأمور.

ثم إن المسجد هو المكان المثالي لتربية الأفراد؛ فهو أفضل مكان يمكن أن يتلقى فيه ومنه قيِّم الأسرة أو رب الأسرة ما ينبغي أن يقوم به في أسرته, أما في تربية الأسر فأنت لا تستطيع أن تصل للأسر في واقع الأمر، وإنما تصل إلى بعض أفرادها.

إذن في منهج الصلاح والإصلاح الذي نتحدث عنه يكون للمسجد دور جوهري في إصلاح الأفراد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الأسرة التي هي اللبنة الرئيسية للمجتمع.

ويجدر بنا هنا أن نؤكد على معنى، وهو أن بعض الاتجاهات الإسلامية لها منهج في الصلاح والإصلاح فوجدوا أن الإسلام اعتنى عناية خاصة بالأسرة، فقالوا: لا بأس بأن نستنسخ نظام الأسرة ونكون أسرة صناعية، بمعنى أن كل خمسة أو ستة أفراد يكونون أسرة ويكونون على درجة ترابط شديدة جدًّا يتدارسون معًا ويجلسون معًا، ونحو ذلك, وهذه لها فوائد كثيرة، ولكن لا يمكن أبدًا أن تُقارَن بأن يتم هذا كله في المسجد.

فالمسجد يحقق لك معادلة صعبة وهي أنه مكان فيه معايير الصلاح كاملة, وفي الوقت نفسه مفتوح على المجتمع الذي يعاني من مشكلات، فلا يجعلك تشعر بعزلة عن هذا المجتمع، ولا تقتطع نفسك منه, وكل أفراد المجتمع يمكنهم الدخول والخروج بحرية, ليتم التواصل الطبيعي التلقائي بين مَن يريد أن يوظف وقته وجهده في عملية الإصلاح وبين جميع أفراد المجتمع.

بينما إذا اعتُمدت محاضن تربوية تحقق درجة عزلة حقيقية عن المجتمع بأن تتم دائمًا هذه التربية في مواطن خاصة فربما تعمق عزلة غير مرغوب فيها؛ لأن الواجب هو الانفتاح على الناس؛ لا سيما إذا انضم لفكرة الأسر الخاصة مركب فكري يتحدث عن العزلة الشعورية التي تحدث عنها بعض المفكرين وعممها لتعم المجتمعات المسلمة!

ونحن دائمًا نحذر من أن تأخذ روشتة مكتوبة لشخص غيرك؛ فاحذر أن تأخذ روشتة مكتوبة لمجتمع جاهلي بما تعنيه كلمة جاهلي من أنه كافر ومعادٍ للشريعة، وتطبقها على مجتمع مسلم فيه انحرافات أو فيه جاهلية؛ ففرق كبير جدًّا بيْن مجتمع جاهلي ومجتمع فيه جاهلية, فالروشتة هنا تقول لك احتضن الجميع؛ لأنهم مسلمون ويحبون الإسلام وإن كان فيهم انحرافات، لكن يسهل جدًّا أن تُعالَج لو وَجدوا مَن يحنون عليهم, ووجدوا من يعلمهم, ووجدوا من يشعر معهم بشعور الجسد الواحد.

فإذن عندما نتحدث عن بلاد المسلمين فالمحضن التربوي الرئيسي هو المسجد, وفي مرحلة من مراحل دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان المحضن التربوي الرئيسي هو دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ لماذا؟ لأنه مجتمع كافر وعدد المسلمين قليل، والمجتمع يواجههم بعنف وإيذاء، ولا يوجد فرصة لكي يتعلم الأفراد ويتربون إلا بالاجتماع في مكان منعزل، فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم في هذا الوقت وكانت خارج مكة على جبل الصفا -خارج مكة بمعايير ذلك الزمان فكانت في أقصى أطراف مكة- فلجأ إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أما مَن كان يملك مِن الصحابة منعة أو نحو ذلك فكان يخرج إلى المجتمع مع كفر ذلك المجتمع, وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرغبهم في ذلك؛ فلا يأتي أحد الآن ويستنسخ هذه التجربة! فمن جهة نحن أمام مجتمع مسلم, ثم إن وجد إيذاءٌ فلا يبلغ أبدًا أن تغلق على نفسك, فلماذا تغلق على نفسك بنفسك وتقتل نفسك بنفسك؟!

إذن فالصورة الأنسب لوضعنا الآن هو أن المسجد هو المحضن التربوي الرئيسي، وليس أنه مسجد نحرص على أنه يكون مغلق الأبواب والشبابيك! لا بل مسجد مفتح الأبواب والشبابيك منفتح على المجتمع خارجه, متفاعل مع المجتمع في تعليم الشرع والتربية عليه, ومصالح المجتمع ككل في أنشطة: "كالعلاج المجاني - والعلاج المخفض - والتصدق بالأدوية الزائدة - وفصول التقوية - ... " فأي نشاط يستطيع المسجد أن يضيفه إلى ملحقاته ففيه خير, وليس المقصود بالمسجد المكان المعد للصلاة، ولكن نقول أن يكون ذلك المسجد هو الموطن الذي يرى الناس فيه العلم بالشرع والتطبيق للشرع, وتيسير حاجات الناس المباحة بأسرها, فينطبق المجتمع القائم على الإخوة الإيمانية, القائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, القائم على التراحم والتواصل، وغيرها من سمات ذلك المجتمع المسلم... إذن فمن صلاح المجتمع ما ذكرنا.

خامسًا: أنظمة المجتمع:

ما سبق أن قررناه هو معالم للنظام الاجتماعي في الإسلام، وهو موزع -كما سبق- بيْن المجتمع والدولة، وثمة أنظمة أخرى قد يرى البعض أنها أقرب إلى واجبات الدولة، ولكن الفقه الإسلامي مستقر على أن جميع فروض الكفايات واجبة على الأمة ابتداء، والإمام نائب أو وكيل عنها مع مشاركة الأمة له في ذلك، وفي حال غيابه أو تقصيره فيجب على الأمة أن تتعاون فيما بينها على أداء الممكن منها، وما عجزوا عنه؛ انصرف الأمر إلى الأخذ بأسبابه.

ومِن ثَمَّ فيجب أن يكون من معالم إصلاح المجتمع تبصيره بجوانب الحياة التي ينظمها الإسلام، ودور المجتمع والدولة فيها، ومن هذه الجوانب: التعلم والتعليم، ونظام الإفتاء، ونظام الإعلام، ونظام المال أو نظام الاقتصاد؛ بالإضافة إلى نظام الحكم والأنظمة التي تقتضي المصلحة ألا يتولاها إلا الممكَّن: كنظام الجهاد، ونظام الجريمة والعقاب.

وسوف يأتي مزيد إيضاح حول بعض هذه المعاني في الكلام على إصلاح الدولة -إن شاء الله-.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي