الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

شبهات حول الدستور

ثم التغيير الحقيقي يحتاج بلا شك إلى تدرج مبني على القدرة والعجز ، والمصلحة والمفسدة ، ودعوة إلى الله وإصلاح للمجتمع

شبهات حول الدستور
عصام حسنين
الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٥:٤٦ ص
4120

شاركنا في وضع الدستور للحفاظ على مادة الشريعة والهوية

نبرأ إلى الله تعالى من كل قطرة دم أريقت بغير حق

كتبه/ عصام حسنين 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن والاه ، وبعد ؛

فجزى الله خيراً كل من ساهم برأي أو بكلمة مكتوبة أو مسموعة أو بجهد أو تنفيذ لإقامة دين الله في الأرض ، ولإعلاء كلمته ولأن تكون شريعة الله ـ تعالى ـ هي الحاكمة للنظام العام للدولة ولتكون المرجعية العليا للقوانين في البلاد .

هذه المكافأة بالشكر تطبيقاً وتعبداُ لله ـ تعالى ـ باسمه الشكور الذي يشكر القليل من عمل عباده ويجازيهم عليه الجزاء الحسن , قال تعالى : ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً ) .

وقال تعالى : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما ً ) ، وقال الله تعالى : ( ولذكر الله أكبر ) ، أي : ولذكر الله للعبد ثناء عليه في الملأ الأعلى أكبر من ذكر العبد لربه تعالى ، وهذا من كرمه وجوده ـ تعالى ـ ، وكذلك شكر العبد للناس معروفهم يدل على كرم نفسه وطيب معدنه .

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من صنع إليكم معروفا فكافئوه … " الحديث .

وأي معروف أعظم من معروف نشر الدين وحمايته وتعبيد الناس لربهم ـ تعالى ـ وإعانتهم على ذلك وحمايتهم من المعاصي والمنكرات .

قال حماد بن أسامة الكوفي ـ وكان صاحب سنة وجماعة ـ : " جزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة " الإبانة رقم 56 .

وهذه المكافأة بالشكر أيضاً لقوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ً ) ، قال علي ـ رضي الله عنه ـ : " يعني الناس كلهم ، وقال عطاء ـ دخل في هذه الآية ـ : اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي !، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : " هذا حض على مكارم الأخلاق ، فينبغي أن يكون قوله للناس ليناً ، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر الفاجر والسنّي المبتدع ، من غير مداهنة ولا موالاة محرمة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنّه يرضي مذهبه إلا أنّ الله تعالى قال لموسى وهارون ـ عليهما السلام ـ : ( فقولا له قولا ليناً ) ، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ، والفاجر ليس بأخبث من فرعون وقد أمرهما الله ـ تعالى ـ باللين معه !

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " لو قال لي فرعون : بارك الله فيك ! لقلت وفيك ، وفرعون قد مات " صحيح الأدب المفرد 848 .

وهذا الأمر من الله تعالى من محاسن الأخلاق والمعاشرة التي تفتح القلوب ، وتستثير الخير فيها لعله يتذكّر أو يخشى والخير مقبول من كل من جاء به كائنا من كان ، ألم تر أن الله تعالى صدّق على كلمة ملكة سبأ ـ وكانت تعبد الشمس من دون الله ـ لما قالت : ( إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة ) قال الله تعالى : ( وكذلك يفعلون ) .

ورُوي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها " .

وهذا رد على أول شبهة قيلت : "دستور لجنة الشياطين"!، وشبهة "د.محمد إبراهيم.. يشكر ويُثني على العلمانيين والنصارى والليبراليين مساندتهم للشريعة "!

وشبهة : "وهل هذا الشكر غيّر منهم شيئا " وزيادة جواب لها : لعله يتذكر أو يخشى ، ولعلّ هذا الشكر يكون تذكرة للمسلم بإسلامه الذي يجب أن يلتزم به وينصره ؛ فهم ليسوا بأشر من فرعون ـ لعنه الله ـ الذي يعلم الله تعالى ـ كفره وأنه ليس بمؤمن ..وأنه سيحارب موسى ودينه .. ومع ذلك أرسل له موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ وأمرهما بـ : ( فقولا له قولاً لينا لعله يتّذكّر أو يخشى ) ؛ لأنّ هذا هو الواجب على الرسل وأتباعهم أن يُبينوا للناس البيان الواضح ، وأمّا هداية التوفيق للإيمان فلله تعالى وحده .

وأسال الله تعالى الهداية للخلق أجمعين .

وقبل أن أتعرض بالتوضيح والرد لأهم الشبهات التي أثيرت أحب أن أبين قواعد مهمة لابد أن يستصحبها قارئ الدستور وناقده ، من ذلك :

هذا الدستور هو الممكن المتاح ، وفيه ما لا يرضينا وإن كان مضبوطا بالمادة الثانية الحاكمة على جميع مواد الدستور ، وذلك بعد صولات وجولات وتهديدات إلى أن سلم الله تعالى وخرج للنور ونسأله تعالي حسن التمام .

هذا الممكن لم يكن عن تقصير وعدم بذل الوسع أو هوى أو خيانة للأمة كما تشدد البعض ، وإنما كان وفق القواعد والمقاصد الشرعية ، فشريعتنا جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها ، ومن قواعد ذلك : لا ينهى عن منكر بأنكر منه ، وتحتمل المفسدة الأدنى لدفع الأعلى ، ويجب أن يكون الأمر بالمعروف على أحسن الوجوه ؛ فإن كان في إقامته مفسدة تزيد على مصلحته قدم درء المفسدة وحُصل من المصلحة قدر الإمكان ، وأما عند تعارضهما قدم درء المفسدة ، أي نحصل خير الخيرين وندرأ شر الشرين ، وأدلة هذه القواعد معلومة لإخواننا .

- لابد أن يُنقد الدستور جملة ، فما أُطلق في موضع قيد في موضع آخر ، وما أُجمل في موضع فُسر في موضع آخر وهكذا كما سنوضح .

- لا يُنهي عن نور فيه ظلمة حتى يوجد نور لا ظلمة فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .

- القدرة مناط التكليف فما كان في المقدور بالضوابط السابقة وجب تنفيذه وامتثاله والسعي لإيجاده ، وما ليس في الوسع وعُجز عنه فيسقط تنفيذه ولا يؤاخذ العبد ، لكن يُسعى بوسائل أخرى لدفعه أو تحقيقه يوماً ما ، وهذه قاعدة الممكن والمرجو ، فيُسعى لإيجاد ما في الإمكان مع الأخذ بالأسباب والوسائل للوصول إلى المرجو بإذن الله .

الشبهة الأولى : (دستور الانقلاب) :

أولاً : نبرأ إلى الله تعالى من كل قطرة دم أُريقت بغير حق ، ويعلم الله تعالى أننا سعينا بكل ما في مجهودنا لمنع ذلك ثم لمّا وقعت سعينا لحقنها إلا أننا غُلبنا على ذلك .

ثانياً : نحن تعاملنا مع واقع فرض نفسه كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم  الحديبية : " والذي نفسي بيدي لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها " .

وكما نص أهل العلم إذا تغلب من له قوة وشوكة وغلب على الظن أن في مواجهته إراقة للدماء ، واضطراب الأمور وتسلط العدو وغيره تترك مواجهته ويتعامل معه بما فيه مصلحة ودرء المفسدة ، كما أننا عرضنا مبادرة عليهم فرفضوها ، فماذا يجب علينا إلا ما فعلناه وكما قلنا سابقاً إن من أهداف مشاركتنا السياسية هو المشاركة في وضع الدستور للحفاظ على مادة الشريعة والهوية ، وألا نترك وضع الدستور للعلمانيين ليخرجوا بمنتج علماني قُح لا نستطيع نحن قبل الناس أن نعيش في بلادنا لأنه سيحكم النظام العام للدولة! ، وأعلاها مصلحة الدين ثم مصلحة النفس ، ودرء المفاسد عنهما وأية مفسدة أعلى من مفسدة خسارة الدين وانصراف الناس عن العلماء ومن ثمّ الانصراف عن الدين .

وكانت المشاركة في لجنة الخمسين من هذا الباب أيضاً من أجل مصلحة إقامة الدين والتحاكم إلى شريعة الله تعالى ، وأن تكون الشريعة هي الحاكمة على مواد الدستور ، وأن تكون المرجعية  لجميع القوانين في البلاد ، والحفاظ على هوية الأمة الإسلامية خصوصاً مع وجود من يريد تذويبها والقضاء عليها كما قدمت اقتراحات للجنة بحذف الإسلام دين الدولة باعتبار أن الدولة لا دين لها وقدم اقتراحا آخر بدلاً منها "ودين غالبية مواطنيها الإسلام" ، باعتبار أن الدين علاقة روحية بين العبد وربه وليس دينا يحكم النظام العام للدولة ، وقدّم اقتراح آخر "بحذف الألف واللام من المصدر" لتصبح الشريعة "أحد مصادر التشريع كما في دستور71" ، وكذلك قدّم اقتراح "تعتبر كل الحقوق والحريات الواردة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصدق عليها جزءاً لا يتجزأ من هذا الدستور" ، وكذلك قُدّم اقتراح آخر نصه :"يتمتع المواطن المصري بكل حق مستمد أو مستلهم من الأديان السماوية أو مقرراً بنص تضمنته معاهدة أو اتفاقية دولية وقعت عليها أو انضمت إليها مصر " .

وهذا الاقتراح يجعل الاتفاقيات الدولية من مصادر التشريع فيما يتعلق بالحقوق والحريات ، وكذلك قُدّم اقتراح أن تتضمن الديباجة تنوع مصادر التشريع ، وآخر بأن يتسق الدستور مع الشرعة الدولية .

وكل ذلك ـ والحمد لله ـ رفضته اللجنة ، وبقيت المادة كما هي بدون تغيير لتكون الركن الأعظم لنظام الدولة العام .

ثالثاً : ثمّ من يقول : "لا أشارك في دستور الانقلاب"!

نقول له : إن كانت لك مصادر شرعية فلا بأس ، أمّا بمجرد العواطف فلا ، لأن الشرع حاكم على جميع نوازع ومرادات النفوس ، ولابد أن تكون موافقة له ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) ، ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أزواجهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) .

- وأمرنا ـ شرعاً ـ أن نتعامل مع الواقع قوةً وضعفاً كما هو معلوم من مراحل تشريع الجهاد ؛ ففي أول الدعوة كان الضعف والاستضعاف من قبل مشركي قريش ؛ فأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصبر على الأذى والعفو والصفح مع الإعراض عن الجاهلين والاستمرار في الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ باللسان ( بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إنّي لم أؤمر بقتال " ، ثمّ لمّا هاجر للمدينة وصارت له دولة أُوذن له في القتال ورد المعتدين ، وفي هذه الفترة كانت معاملته مع يهود المدينة بوثيقة المدينة ثم لما تمكن الإسلام أكثر فرض جهاد الطلب وفرضت الجزية لمن أبى الإسلام .

- وفي صلح الحديبية درس بليغ لما مر ومازال يمر بنا من أحداث !! ولكن للأسف استفتى من لا علم له كما حكي الإمام مالك أنّه دخل على شيخه ربيعة الرأي ـ رحمهما الله ـ فوجده يبكي فسأله فقال : استفتي في دين الله من لا علم له .

استفتي في أحداث شائكة متداخلة ـ لا يتكلم فيها شرعاً إلا العلماء بالشرع والواقع ـ لا من لا علم له ، وخاض فيها المتعالمون والمعجبون بآرائهم وعقولهم ، فوقعت المصائب والكوارث من سفك الدماء والاعتقالات وضعف الدعوة وتجرؤ العوام على العلماء الذين حقهم أن يوقّروا ويُتابعوا ؛ بله انصرف شباب عن الدين ومنهم ألحد وإنا لله وإنا إليه راجعون .

فصار من الواجب إعادة الثقة بين الناس وعلمائهم وبين الدعوة إلى الله تعالى والمدعوين لتحقيق المصلحة الكبرى مصلحة الدين ودفع مفسدة نقصانه أو ابتعاد الناس عنه .

ثم ما علاقة رفض الدستور الذي سيحدد علاقة الحاكم بالمحكوم وشكل الدولة ونظامها العام ،  والذي سيكون المرجعية العليا للقوانين في البممن يريد إسقاط مؤسسات الدولة لسقوطه ويتمنى للناس الشر وللبلد الانقسام والنفق المظلم كسوريا وغيرها !

الواقع خير شاهد للاجتهادات في النوازل هل كانت صحيحة أم خاطئة! فلسنا في حاجة لأن نقول : كل ما حدث حذرنا منه! ولولا ظهورنا في المشهد لكانت المفاسد أشد مما وقع ، وما منع الهجمة الشرسة على الملتحين والمنقبات قبل 30/6 وما بعدها إلا هذا الظهور الذي ظهر به التمييز بين الخطاب العنيف والتهديد بالدم وبين من يحب للناس الخير ويريد لهم المصلحة! ثم بعد ذلك يريد أن يستمر في مسلسل جلب المفاسد بالسعي لإسقاط الدستور الذي ليس بعده إلا خيارات كلها مرة! إما إعلان دستوري جديد يوضع كما يريدون! أو دستور 71 الذي تنص مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة مصدر من مصادر التشريع! فالمقارنة بين الشرين يكون بتحمل أدنى الشرين لدفع أعلاهما هو المشروع! .

لاسيما إذا علمنا أننا حافظنا فيه على المادة الثانية وتفسيرها بما هو أقوى من مادة 219 وكذا مواد الهوية وضبط مواد الحريات بما لا يخالف النظام العام للدولة!

ثم نقول لمن يقول دستور مكتوب بدم الشهداء! هبَه كذلك أليس من مات قد خرج دفاعاً عن الدين كما أُوهم ـ والله أعلم بنوايا عباده ونسأل الله أن يغفر لهم وأن يرحمهم ويتقبلهم في الشهداء ـ فها هو الدستور الذي فيه مواد الشريعة والهوية كما كان في دستور 2012 بل أفضل!! فالله المستعان .

الشبهة الثانية : (الدستور دستور برهامي) :

بعض من يفتري ولا يرعوي يقول عن كل موقف للدعوة والحزب : إنّه رأى برهامي بمفرده دون بقية المشايخ ، ويقولون عن أفراد الدعوة والحزب : أتباع برهامي وعبيده !! والبراهمة وغير ذلك من الإفك والبهتان ، وللجواب عن فِرية هؤلاء أقول :

أولاً : هذا القول الباهت المتسربل بسربال الشبهة من التنابز بالألقاب ، وقد قال تعالى : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) .

ومن سوء الأدب مع أهل العلم الذين حرمتهم أعلى حرمة من غيرهم لما خصهم الله به من المنزلة والفضل حتى قال الشافعية الغيبة في حق العلماء وحملة القرآن كبيرة وإلا فصغيرة! وليحذر هذا الجاهل على دينه فقد قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ : إياك والغيبة ، إياك والوقوع في الناس فيهلك دينك ، وقال الحسن : للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده ـ الصمت لابن أبي الدنيا ـ .

وثانياً : هذا افتراء مقصوده هدم الدعوة السلفية وحزبها السياسي "حزب النور" ؛ لأن الهدّام لا يهدم مباشرة إنما يهدم عن طريق المواقف والأشخاص كما اتخذ ابن سبأ من شخصية علي ـ رضي الله عنه ـ مادة لهدم الإسلام ، وكما اتخذ الزنادقة من الصحابة مادة لهدم للدين ؛ لذلك قال أبو زرعة الرازي ـ رحمه الله ـ ردًا على هؤلاء : يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة .

وهذا الهدّام الأكّال للحوم العلماء يعلم ذلك يقيناً ، وقيل له أكثر من مرّة : إنّ القرار داخل الدعوة والحزب مؤسسي وآليته اتخاذ القرار بالأغلبية بعد الدراسة المستفيضة . وما للشيخ ياسر وغيره من إخوانه المشايخ وتلاميذهم من أعضاء مجلس الإدارة ومجلس الشورى العام وغيره من أعضاء مجلس الإدارة ومجلس الشورى العام وغيره عند التصويت إلا صوت واحد ، ويلزم ترك اجتهاده عندئذ لاجتهاد الأغلبية ، وهذا ركن العمل المؤسسي الذي يقوم عليه وإلا انهدم كما يريد هؤلاء الهدّامون الذين يبغون المحال إن شاء الله تبارك وتعالى! .

وأنا أعرض لك ملخصاً لما دار في مجلس الشورى العام الأخير لترى كيف يؤخذ القرار ، كانت كلمة الشيخ أبو إدريس رئيس الدعوة السلفية ، وبيّن فيه سبب الاجتماع الطارئ ، لعرض ما تم في لجنة الخمسين وتحديد موقف الدعوة من الاشتراك في الاستفتاء علي الدستور ، وقال : ليس هنا قرار مسبق إنما تم أخذ الرأي فقط بعد المناقشة سواء في الحزب أو مجلس إدارة الدعوة ، ولا مانع من الناحية الإدارية أن تختلف الآراء واليوم نصل لمرحلة النضج بدون تأثير من أي رمز من رموز الدعوة! ، المأمول أن يكون كل أعضاء الدعوة السلفية على أعلى مستوى من اتخاذ القرار! .

الشيخ يقول رأيه الشخصي ثم يترك رأيه للرأي المؤسسي! وبيَّن أغراضًا ثلاثة من الاجتماع : إطلاع مجلس الشورى على الأحداث المعنية بالاجتماع ثم سماع آراء الأفراد ثم وضع الإطار العام للخطوة التالية .

ثم تكلم الدكتور يونس وبين مجهودات الحزب في التواصل مع الأحزاب وصولاً للتوافق وشكر لهم ذلك ، ثم تكلم الدكتور محمد إبراهيم ووضح الدستور وكيف تم الحفاظ على مواد الهوية والمادة الثانية وتفسير المبادئ وبقية المواد المختلف فيها ، ثم عرض الشيخ ياسر شرح هذه المواد ، ثم جاءت فقرة المناقشة وتصدى للإجابة الدكتور محمد والمهندس عبد المنعم ، ثم جاءت مرحلة كلمة الموافق والمخالف ثم جاءت مرحلة التصويت فكانت النتيجة 98% لنعم ، منهم 81% لنعم بحشد! فأين البرهامية التي تزعمونها يا هدامون زوراً وعدواناً ؟! حسبنا الله ونعم الوكيل! .

الشبهة الثالثة : "أين المادة 219 " ، ويتعلقون بكلمة "إنها مش قرآن" ومنهم من يقول : سلم لي علي 219 والجواب :

الحمد لله صارت كلمة الشريعة ووجوب تطبيقها على كل لسان واستقرت في كل الآذان ، وهذا واجب شرعي قام به دعاة الدعوة السلفية وذراعها السياسية ، وأما من يلقي بهذه الشبهة فهو لا يعنيه هذا الكلام لأنه ليس من أولوياته الآن! بل ومنهم من تقدم بطلب في لجنة المائة بحذف الألف واللام من المصدر! فالحمد تبقى ـ إن شاء الله ـ حراسة العقيدة والشريعة للسلفيين!!

وأما عن وجودها في دستور 2013 فموجود أفضل منها وأقوى منها وهو ما جاء في الديباجة : وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن ، ووجد في الهامش : يتم إيداع الأحكام في المضابط .

وأما الخلاف علي حجية الديباجة فقد حسمته مادة 227 التي تنص علي ما يلي : يشكل هذا الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً وكلا لا يتجزأ ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة .

وأهم هذه الأحكام حكم 4 قضائية بتاريخ (21-12-1985 ) والذي تضمن أن المادة الثانية بعد تعديل 1980 المصدر الرئيسي للتشريع .

وهذه مقتطفات لبعض ما جاء فيها : وحيث إنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور ـ بعد تعديلها على نحو ما سلف ـ أن المشرع الدستوري أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة ـ وهى بصدد وضع التشريعات ـ بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع ، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور في تقريرها إلى مجلس الشعب والذي أقره المجلس بجلسة 19 يوليه سنة 1979 وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 إبريل سنة 1980 إذ جاء في تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها " تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، البحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها ، فإذا لم يجد في الشريعة الإسلامية حكماً صريحاً ، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة ، جاء فيه أيضاً :

الانتقال من النظام القانوني القائم حاليًا في مصر والذي يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام القانوني الإسلامي المتكامل يقتضى الأناة والتدقيق العملي ، ومن هنا ، فإن تقنين المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تكن مألوفة ، أو معروفة وكذلك ما جد في عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود في المجتمع الدولي من صلات وعلاقات ومعاملات ، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهودًا ، ومن ثم فإن تغيير النظام القانوني جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء .

هذا الحكم  يتضمن خمسة أصول مهمة :

1- الإلزام للمشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية .

2- إلزامه بأن لا يلجأ إلى غيرها .

3- إذا لم يجد حكمًا صريحًا ؛ ففي مصادر الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ما يمكِّن من استنباط الأحكام اللازمة .

4- أنه يعد ضرورة مراجعة كل التشريعات السابقة على دستور (1971م) ؛ ليجعلها موافقة للشريعة الإسلامية .

5- أن التدرج في ذلك مرده إلى التدقيق العلمي والتأني ومراعاة مصالح المجتمع "وليس للإباء ولا للاستحلال" .

كما وُضع حكم سنـــة 95 ، وسنـــة 97 ، وفيهما النص على مرجعية الإجماع ؛ فأصبح ذلك المجموع مع حكم سنــــة 96 وما بعدها ـ ملزمًا في التفسير بالمجموع ، مع أن حكم سنــــة 96 ظاهره الالتزام بقواعد الاجتهاد ، ويتضمن أيضًا عدم جواز مخالفة المتفق عليه ، وإنما يجوز لولي الأمر الأخذ بما يحقق المصلحة في المختلف فيه .

وفائدة هذا الحكم الأساسية في بيان ضوابط الاجتهاد ، وكل هذا الذي ذكرتُ يُعد تفسيرًا مرضيًا من الناحية العقدية في مسألة الشريعة ، وهذا الذي نبحث عنه الآن .

فمتى سنجد إمكانية لمثل هذا في دساتير قادمة لو قُدِّر ما ذكرتُ من بقاء الدولة والعمل الإسلامي المؤثر؟ .

ثم التغيير الحقيقي يحتاج بلا شك إلى تدرج مبني على القدرة والعجز ، والمصلحة والمفسدة ، ودعوة إلى الله وإصلاح للمجتمع ، ولا شك أن الوصول إلى مثل هذا في الدستور ـ مع فوائد أخرى تُبيَّن في موضعها ـ من لجنة لا يمكن بحال أن تُنسب إلى إسلاميين "سلفيين أو إخوان" ـ هو توفيق مِن الله وحده ـ .

ولابد أن ندرك الفرق دائمًا بين الممكن المتاح وبين المطلوب المرجو ، وأن نكون ناظرين عند المقارنة بين البدائل المطروحة "لا المثالي المطلق" ، ولابد أن ننظر في المآلات والنهايات .

وبالتأكيد ليس كل ما في الدستور الجديد يرضينا ، كما كان الأمر أيضًا في دستور "2012م" ، فليس كله مرضيًا لنا ، ولكن دائمًا ننظر إلى الممكن ، وليس فقط المطلوب ؛ فنضع المطلوب أمام أعيننا ، ونسير بالمتاح إلى أن نصل -بإذن الله ـ .

وهناك شبهات أخرى قيلت عن دستور 2012 ورُد عليها ، والعجيب أن يرددها 
اليوم من وافق على الدستور السابق بما قيل عنه! نعوذ بالله من الهوى .

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً