الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

" العُرجون القديم "

أخي الحبيب خادم الدين : هل أنت هلالٌ أم عرجون ؟! بعض العاملين يبدأ هلالاً ساطعاً ثم سرعان ما يتحول إلى عرجون يابس وقد لا يصبح بدراً !!!

" العُرجون القديم "
مصطفى دياب
الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠١٤ - ١٥:٤٨ م
3027

" العُرجون القديم "

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ صلى الله عليه و سلم ـ وبعد ؛

قال تعالى : ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) ، والعُرجون ما يحمل ثمار النخلة وسُمِىَ عُرْجوناً من الإنعراج وهو الانعطاف والتقوس والعرجون القديم العتيق اليابس إذا قُطِع من النخلة وصار أصفراً دقيقاً مقوساً . كما يبدو القمر في آخر الشهر هلالاً أصفراً دقيقاً , والآية الكريمة لها ظلالٌ كثيرة فما أشبه منازل القمر بمراحل عمر الإنسان الذي يبدأ طفلاً رضيعاً ثم صبياً ثم غلاماً ثم شاباً يافعاً ثم رجلاً قوياً ثم كهلاً ضعيفاً ثم شيخاً بالياً .

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) هل تخيلت نفسك أخي في هذه المراحل ؟ وأين أنت ؟ وكم مضى ؟ وكم تبقى ؟ وكم بين الهلال والمحاق من منازل ؟ وأين أنت نازل ؟ وظلٌ آخر من ظلال ( حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) أخي الحبيب : يا من أشرق هلال الالتزام في قلبه وأضاء كما أضاء الهلال ظلام السماء لا تقف عند أول منزلٍ فإن المنازل كثيرة واحرص على الارتقاء والتقدم (اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا ) أحرص على الثبات على الحق في زمن المتغيرات والغربة بالقرب من الرب على كل الأحوال ، فمن رام السعادة الأبدية لَزِمَ عتبة العبودية ، وكن مع الحق وأهله تدور معه حيث دار ، ولا تترك صحبة الصالحين والزم طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين , واحذر طُرق الضلالة ولا يغرك كثرة الهالكين , ولا تكن عرجوناً قبل الأوان وأنعرج مع الطريق ولا تنعرج عن الطريق . و ظلٌ آخر من ظلال (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) .

أخي العامل في خدمة الدين : العَالم يحتاج إلى هداية , وظهور الدعاة في حياة الناس كظهور الهلال في سماء الظلام ، يظهر رقيقاً دقيقاً كخيطٍ مضيء ثم ينزل منازلاً عند الله فينزل بها منازلاً عند الناس ( .. فيُكتبُ له القبول في الأرض .. ) ( .. ومحبةً فى قلوب الخلق .. ) ففي كل يوم يقوى هلاله ، ويزداد نوره ، ويُعم نفعه ، وينزل في قلوب الناس منازل ، فيملأ حياتهم هدى ونوراً، وأملاً وسروراً ، وقرباً من مولاهم تبارك وتعالى , وكلما تقدم الداعي وثبت في منزله يزداد قوة ونضارة وضياءً وخبرةً وتجربة وعطاءً ولذا يجب على الداعي إلى الله أن يحافظ على أسباب هذا القَبول وتلك المحبة ، فيقدم مرضاة الله على كل شيء و يقدم العمل للدين وخدمته عن كل عملٍ وكل خدمة وأن يرتقى كل يوم وكل حين من منزلٍ إلى منزلٍ أفضل منه وذلك بالقرب من الله والحرص على الطاعة والتطور في أداء عمله و الارتقاء بوسائل دعوته ولا يفتح على نفسه أبواب الفتن والمعاصي فإن القمر في لياليه الأولى هلال وفي لياليه الأخيرة هلال ولكن في الأولى نضارة وقوة وضياء ، وفي الأخيرة شحوبٌ وذبولٌ واصفرار كأنما عاد كالعرجون القديم .

أخي الحبيب خادم الدين : هل أنت هلالٌ أم عرجون ؟! بعض العاملين يبدأ هلالاً ساطعاً ثم سرعان ما يتحول إلى عرجون يابس وقد لا يصبح بدراً !!!

إن بعض العاملين كالبدر ، نورهم ساطع يغيظ العراجين البالية فلا تنزعج من قذف الجاهلين والمثبطين الذين يحاولون إطفاء نورك فإن الخسوف لا يأتي إلا للبدر , فالخسوف يزول ويبقى القمر , فامش ولا تلتفت !

أخي الحبيب : العرجون القديم ليس كل العراجين بالية أو لا فائدة منها ، أو أن مكانها الحطب ، ولكن مَن ثبته الله على طريق الالتزام و نزل المنازل كلها ، هلالاً يافعاً ، ثم بدراً ، ثم عاد وقد أحدودَبَ ظهره واصفر لونه ونَحُلَ بدنه في خدمة الدين هذا حقٌ علينا أن نكرمه ونُجلُه بل ذلك من تعظيم الله فقد قال ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ) إن مثل هذا الذي قضى حياته في طاعة الله  خدمة دين الله حتى شاب ( إن الله يستحى أن يعذب شيبة شابت في الإسلام ) فلن نعدم منه فائدة بل كله فوائد إن شاء الله ، فلما كان العرجون رطباً حَمَلَ للنخلة الرطب ولما عاد كالعرجون القديم يابساً جعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه يتوكأ عليه ، ولما ينكسر سيف عبد الله بن جحش يوم أحد يعطيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرجوناً ويأمره أن يقاتل به ، فصار في يده سيفاً فقاتل به كل المشاهد مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى قُتل و ورثه أبناءه ، و كذلك أعطى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سلمة بن أسلم يوم بدر عُرجوناً رطباً فقال أضرب به فإذا هو سيفٌ جيد ، و يُعطي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتادة بن النعمان عُرجوناً في ليلة مطيرة مظلمة و يقول له : انطلق به فإنه سيضئ لك ما بين يديك فيصبح كالشمعة تضيئ له الطريق .

أخي الحبيب : فكر كيف تستفيد ممن أفاد لا كيف تُقصى من أفاد ، وتذكر أن العراجين ليست عرجوناً واحداً بل منها من لا تنعدم فائدته إلى المحاق فالحمد لله الذي أنزل القمر منازلاً حتى عاد كالعرجون القديم .

وصلِ اللهم على محمدٍ وعلى آله و صحبه أجمعين .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
193 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
128 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
203 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
252 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
214 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
123 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١