مكانة الوالدين (خطبة
مقترحة) (1)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
بيان
وتفصيل حول الوصية الثانية من وصايا لقمان -عليه السلام- لابنه، وهي الإحسان إلى
الوالدين من خلال ثلاثة أحاديث مسلسلة.
المقدمة:
- لقمان -عليه السلام- يتبع منهج القرآن في ترتيب الحقوق: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا
تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)،
ثم قال: (وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ
أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14).
- لطيفة وفائدة حول السياق: قيل: "هاتان
الآيتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-
وأمه لما أسلم". وقيل: "إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه أخبر الله به عنه"
(تفسير القرطبي).
- الإشارة إلى أن الموضوع لأهميته
سيكون مقسمًا على ثلاث خطب -إن شاء الله-، وهي:
1-
مكانة الوالدين.
2-
عقوق الوالدين: "مظاهره وعواقبه".
3-
بر الوالدين: "فضائله وطرائق تحصيله".
1- الإحسان إلى الوالدين وصية الله بعد التوحيد:
- اقتران الإحسان بالوالدين بقضية التوحيد: قال الله -تعالى-:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا) (النساء:36)،
وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا) (الإسراء:23).
- لأن التوحيد أعظم حق للخالق، والإحسان إلى الوالدين أعظم حق للمخلوق: قَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمَّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمَّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمَّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أَبُوكَ) (متفق
عليه).
- عظم الوصية من عظمة الموصي: قال الله
-تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) (الأحقاف:15).
- الإحسان إلى الوالدين وصية الله للعالمين:
قال الله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ)، وقال
-تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا
تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (البقرة:83).
2- حكمة الإكثار من وصية الأبناء بالآباء:
- الآباء مفطورون على محبة الأبناء فلا يحتاجون إلى وصية بهم:
عن قرة بن إياس المزني قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا
جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ, وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ
صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَتُحِبُّهُ؟),
فَقَالَ: أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ, فَمَاتَ فَحَزِنَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ
فَامْتَنَعَ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ, فَفَقَدَهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (يَا فُلانُ,
أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ؟ أَوْ لا تَأْتِي
غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ
إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟), قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي
إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي أَحَبُّ إِلَيَّ, قَالَ: (فَذَاكَ لَكَ) فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَلِيَ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا؟ قَالَ: (بَلْ
لِكُلِّكُمْ) (رواه
أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
- الآباء يقدمون الأبناء على أنفسهم: عن عائشة
-رضي الله عنها- قالت: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا
تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا
إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ
قَامَتْ فَخَرَجَتْ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ
الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ)
(متفق عليه).
- يحزن الآباء إذا كان أحدهما عقيمًا ولربما تنقطع الحياة الزوجية بين الأحبة
لكون أحدهما عقيمًا: (يَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا
وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49-50).
- الوصية الوحيدة للآباء بالأبناء في أمر مادي بسبب زيادة المحبة:
قال الله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (النساء:11)، وقال -صلى
الله عليه وسلم-: (سَوُّوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ)
(رواه البيهقي،
وحسنه الحافظ ابن حجر).
3- مكانة الأم:
- خصها الله بالذكر في الوصية العامة بالأبوين:
قال الله -تعالى-: (وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ).
- زيادة الوصية بها لزيادة حقوقها "الحمل - الولادة - الرضاع":
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ،
ثُمَّ أُمُّكَ) (رواه
مسلم).
-
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إِنِّي لا أَعْلَمُ عَمَلاً أَقْرَبَ إِلَى
اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ" (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه
الألباني).
أولاً: حق الحمل:
- مظاهر الضعف من بداية الحمل إلى نهايته: قال الله -تعالى-:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)، وقال
-تعالى-: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا).
- آلام النطفة من أول لحظة: قال ابن
مسعود -رضي الله عنه-: "إن النطفة إذا وقعت في رحم المرأة أخذت كل شيء منها".
- آلام الوحم والعزوف عن الطعام والشراب ونحوه:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ).
- آلام نمو الجنين: "حركة الجنين - نمو شعر رأسه
- ثقله المتزايد لمدة تسعة أشهر"، وتخاف إذا توقفت هذه الآلام ساعة، مظنة موت
الجنين!
- تعرضها للأمراض والمخاطر الصحية أثناء الحمل: "ارتفاع
الضغط - انخفاض السكر - الحذر عند التداوي لأجلك".
ثانيًا: حق الولادة:
- صراع مع الحياة، وتردد المولود في الخروج وربما قطعوا لحمها ليخرج: قال
الله -تعالى-: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا).
- صرخات آلام الولادة تملأها السعادة: جاء رجل إلى
عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: "إني أحمل أمي وأطوف بها، أتراني
وفيتها حقها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة من زفراتها!".
ثالثًا: حق الرضاع:
- ترضعك فتضعفها هي وتقوى أنت: قال الله -تعالى-:
(وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ).
- تسهر الليل على راحتك وتفزع لبكائك وتتلوث لتطهرك من النجاسة:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "إن لي أمًّا بلغ الكبر منها
أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية فهل أديت حقها؟ قال: لا؛ لأنها كانت تصنع
بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنتَ تصنعه وتتمنى فراقها!" انظر إلى الطفلة وهي
تلعب بالعرائس فإنها تتدرب بالفطرة لتكون أمًّا!
- جعل لها أحكامًا في الشرع تتعلق بمرحلة الحمل والرضاع بسبب ضعفها: "الصيام
- نفقة الرضيع".
- خلاصة: الأم طريقك إلى الجنة: قال -صلى
الله عليه وسلم- للرجل الذي جاء يستشيره في الخروج إلى الغزو: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)
(رواه النسائي، وقال
الألباني: حسن صحيح).
4- مكانة الأب:
- الوالد سبب وجودك في الحياة: قال الله -تعالى-:
(فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ
دَافِقٍ)
(الطارق:5-6).
- الوالد يسعى في الدنيا لأجلك ولينفق عليك:
قال -صلى الله عليه وسلم- (الْوَلَدُ مِنْ كَسْبِ الْوَالِدِ)
(رواه الطبراني في الأوسط،
وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه
الألباني).
- الوالد سند الولد، فإذا مات انكسر الولد وقُهر:
قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
(الضحى:9).
- موتك أعظم المصائب على والدك: قال النبي
-صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ
قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ،
فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ:
مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ:
ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ) (رواه أحمد الترمذي، وحسنه الألباني).
- كتب أحد الصالحين إلى أبيه: "جعلني
الله فداك"، فكتب إليه الوالد: "لا تكتب مثل هذا، فأنت على موتي أصبر مني
على موتك".
- خلاصة: الوالد طريقك إلى الجنة: قال -صلى
الله عليه وسلم- (الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ)
(رواه أحمد والترمذي،
وصححه الألباني).
خاتمة:
- الإشارة إلى عظيم فضل الإحسان إلى الوالدين:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ
أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ)، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ
كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).
- وعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: أَقْبَلَ
رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللهِ،
قَالَ: (فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟)،
قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا، قَالَ: (فَتَبْتَغِي
الأَجْرَ مِنَ اللهِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَارْجِعْ
إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا) (متفق عليه).
- التنبيه على اتصال الحديث في المرة القادمة وموضوعه: "عقوق
الوالدين: مظاهره وعواقبه".
فاللهم
ارحم آباءنا كما ربونا صغارًا، وارزق أبناءنا البر بنا.
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي