الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حديث د."محمد عبد المقصود" على قناتي الإخوان "رابعة والجزيرة"

والمستمع للحوار يتأكد تمامًا أن كلاً من المذيع والضيف يتحدثان بلسان

حديث د."محمد عبد المقصود" على قناتي الإخوان "رابعة والجزيرة"
عبد المنعم الشحات
الأحد ٢٣ مارس ٢٠١٤ - ١٦:٥٥ م
8165

حديث د."محمد عبد المقصود" على قناتي الإخوان: "رابعة والجزيرة"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قام الأستاذ "سلامة عبد القوي" باستضافة د."محمد عبد المقصود" على قناة "رابعة" في حوار شامل حول تكييف الوضع في مصر، وهو حوار لم يدَّعِ فيه د."عبد المقصود" أنه يتحدث باسم أحد، وإن كان قد حرص في كل كلامه على الحديث بلغة الجمع نحو قوله: "إن مواقفنا بُنيت على أدلة كذا... "، و"أننا ظـُلمنا في كذا... وكذا... ".

والمستمع للحوار يتأكد تمامًا أن كلاً مِن المذيع والضيف يتحدثان بلسان تحالف دعم الشرعية "الذي تقوده الإخوان"، ولكن السؤال الأهم ليس عمن يتحدث باسمهم د."عبد المقصود"، ولكن السؤال عمن يتحدث إليهم!

وبنظرة متأملة سوف نجد أن شباب الإخوان لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور، فالبيعة التي في عنقه لمرشد الجماعة تكفي وتزيد، كما أن الحديث لا يتصور أن يكون موجهًا إلى عامة الناس في ذات الوقت الذي يتهم الضيف فيه عموم الناس بأنهم ما تبعوا "السيسي" إلا حقدًا على الإخوان وحسدًا لهم!

كما أن الحديث عن "استهداف بيوت وسيارات رجال الشرطة"، وإطلاق يد الأفراد في إقامة "حد الحرابة" لا يمكن أن يكون موجهًا إلى العامة، وهم يأنفون من ذلك غاية الأنفة.

ثم إن مقدِّم البرنامج قد طلب صراحة مِن ضيفه بطريقة مباشرة تارة، وبطريقة غير مباشرة تارات أخرى أن يوجِّه حديثه إلى مَن أسماهم بأتباع "ياسر برهامي" -يعني "الدعوة السلفية" و"حزب النور"-.

كما حَرَص د."عبد المقصود" أن يذكِّر المشاهِد بانتمائه السلفي، فيقول مثلاً: "نحن كسلفيين نحفظ هذه الأدلة"، ثم يعود فيقول ردًّا على سؤال حول فتاوى منع النساء مِن الخروج للمظاهرات بقوله: "نحن معشر السلفيين بالغنا في قضية المرأة" إلى آخر الكلام.

إذن فالرجل يوجـِّه كلامه إلى السلفيين بصفة عامة "وأبناء الدعوة السلفية بصفة خاصة"؛ لا سيما وبيانات جماعة "الإخوان" تتوالى في التبرؤ مِن كل الحوادث التي يُستعمل فيها العنف لا سيما تلك التي تستهدف الجنود.

ومنها ما قالته الجماعة في التعليق على حادث "مسطرد" في بيان جاء فيه: "يستنكر الإخوان المسلمون العدوان الإجرامي الذي وقع على إخوانهم وأبنائهم المجندين مِن جنود الجيش في منطقة مسطرد بشمال القاهرة، والذي راح ضحيته ستة من أبناء الوطن، وهم يؤدون واجبهم الوطني، ويسألون الله -تعالى- أن يتقبلهم في الشهداء، وأن يرزق أهليهم الصبر والسلوان".

إن هذا الموقف "المتناقض غاية التناقض" بيْن ما قدَّمته قناة "رابعة"، وما قدَّمه بيان الإخوان ليذكرنا ببيان: "هذا بيان للناس"، وبيان: "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين!" اللذين أصدرهما الأستاذ "حسن البنا" يستنكر فيهما مقتل "النقراشي" ويتبرأ مِن الفاعلين، ورغم ذلك ظل أعضاء "التنظيم الخاص" في الإخوان الذين نفذوا هذا الاغتيال يقولون: "إن الأستاذ "البنا" كان راضيًا عن كل تصرفاتهم، وإنما اُضطر إلى إصدار البيان؛ لأن الحكومة ضغطت عليه!".

ذكر هذا الأستاذ "محمود الصباغ" في كتابه عن "التنظيم الخاص"، والذي قدَّم له الأستاذ "مصطفى مشهور" أحد أبرز مرشدي الجماعة عبر تاريخها!

وهذا قد يجعلنا نطرح سؤالاً وهو: هل يرفض الإخوان العنف أم فقط يرفضون أن يُنسب إليهم؟!

وهل يمكن لتيار يرفض العنف أن يستضيف مَن يدعو إليه، ومن يُنظـِّر له؟!

لا أريد في هذا المقام أن أستطرد في حاجة جماعة الإخوان إلى بذل جهود أكبر في بيان الأصول الشرعية التي يستندون عليها في الدعوة إلى السلمية ليُرجع إليها عند النزاع؛ بحيث لا نُفاجأ ببرنامج كبرنامج د."عبد المقصود"، أو نفاجأ بأحد قادة أحزاب دعم الشرعية يقرر أن كل سيارات الشرطة حتى البعيدة عن ساحة المواجهة مع المتظاهرين -وإن كان الاعتداء مرفوض بالكلية- أن أي مواجهة لها بما دون الرصاص فهو سلمية! ويدخل في ذلك "المولوتوف!"، و"قاذفات المولوتوف الهوائية!"، وهي أدوات قد يترتب على استعمالها عدد من القتلى.

والجميع يعلم أن د."عبد المقصود" حينما كان يخصص برنامجه الأسبوعي في قناة "الناس" للسب والشتم في "حزب النور" كنا نسكت؛ حرصًا على عدم إشغال الناس بقيل وقال، غير أن كلام د."عبد المقصود" الآن لا سيما في هذه الحلقة يمثـِّل تأصيلاً لانحرافات فكرية لا يمكن السكوت عليها أو تمريرها، وفي هذا كتمان للنصيحة؛ ليس عن د."عبد المقصود" فقد بذلناها له مرارًا، ولا للإخوان الذين نصحناهم صراحة بمنع د."عبد المقصود"، و م."عاصم عبد الماجد" مِن استعمال الخطاب الذي فيه تلويح بالتكفير والعنف، فقالوا "هم سلفيون مثلكم، وأنتم أقدر على إقناعهم!".

وإنما في هذا كتمان للنصيحة عن شباب سلفي قد يغتر بمثل هذا الكلام، ويترك سيرة دعوة لم تتورط يومًا في تكفير أو عنف كـ"الدعوة السلفية" التي تتهم بهذا مِن رجل لم ينتمِ يومًا إليها، وكان دائمًا خصمًا لها؛ وإن كان يرى نفسه سلفيًّا أو يتبع المنهج السلفي في قضايا قلَّت أو كثرت، ولكن هذه الفتاوى لا علاقة لها بالمنهج السلفي مِن قريب أو مِن بعيد!

هذا وقد تناول حديث د."عبد المقصود" عدة محاور، وبعضها ذكر في مواطن متفرقة من الحلقة، فنجمع أهم ما جاء فيها ونرد عليه ردًّا مختصرًا، مع ملاحظة أن كلام د."عبد المقصود" احتوى على الكثير من التناقضات التي قد يكون في إبرازها غُنية عن الردود الشرعية المفصَّلة على كل منها.

أولاً: حدود السلمية:

خلاصة ما ذكره فيها:

1- عند عزل الإمام العدل يجب سل السيوف، ومِن ثَمَّ فإن القتال هنا كان واجبًا، ثم قال: "ولكن عدلنا عنه لعدم القدرة عليه".

2- أنه يجوز مِن باب الردع حرق بيوت وسيارات رجال الشرطة.

3- أضاف في جزء آخر من الحوار جواز جمع أسماء البلطجية في كل منطقة، وحرق سياراتهم من باب إقامة حد الحرابة، ثم عاد وقال: "إنه من باب دفع الصائل!".

والجواب:

أولاً: أنه قرر مشروعية سل السيوف بناءً على أنه كان هناك حاكم له في أعناقنا بيعة، وحيث إنه تم عزله فيجب القتال لإعادته إذا كان هذا الأمر مقدورًا عليه، وهذا فرع على خطأ وقع فيه عدد من مؤيدي د."مرسي" حينما أغفلوا نوعَ العقد الذي تولى بناءً عليه، وخلطوا بينه وبين "عقد الإمامة" المقرر في كتب السياسة الشرعية "الحديث هنا عن حقائق الأشياء لا عن مسمياتها".

ومما يدخل في هذا العقد أن د."مرسي" قال مخاطبًا الناس أنه يريد منهم أن يثوروا عليه إذا لم يلتزم بالقانون والدستور، وأنه بصفة عامة لو طالبه الآلاف بالتنحي لفعل.

وبغض النظر عن تقييم ما فعله الجيش في "3-7"؛ فمن الواضح البون الشاسع بيْن مثل هذه الأمور وبين عقد الإمامة، وهذه قضية طالما تكلمنا فيها في حينها، ولكن لم يستمع أحد! ولو اعتبرنا الأمر كما ذكر؛ فإنما يستقيم هذا إذا ما كان الإمام يواجِه بجيشه البغاة وجيشهم.

وأما إذا كان الجيش بكامله "الذي كان من المفترض أن يكون جيش الإمام" قد أصبح ضده؛ فهذه حالة مِن أشد حالات التغلب التي تنتهي عندها مشروعية القتال الذي استند إليه "حال كونه مشروعًا".

أم يا ترى سيبقى مشروعًا "بل واجبًا" بغض النظر عن المتوقع مِن ورائه؟!

ثم إن د."عبد المقصود" كان يرى أن "مبارك" كافر بعينه، ولما طلب منه الأمن في "نظام مبارك" الجلوس في البيت جلس 11 عامًا كما ذكر، ولم يدعُ لا إلى حمل سلاح ولا "مولوتوف"، ولا غير ذلك؛ فما الذي استجد ليتغير الاجتهاد بهذه الصورة "العشوائية"؟!

وأخطر من هذا أنك متى سلمتَ له بكل ما قال فسيبقى أن ما قرره من مشروعية القتال -إن سلمتَ به- لا يستلزم مشروعية القتل -فضلاً عن التكفير-؛ ولذلك أجمع أهل العلماء على عدم جواز الإجهاز على جريح، ولا تتبع أسير في حرب البغاة "التي بنى فتواه عليها".

فاستهداف الفرد الفار من ساحة المعركة غير جائز في هذا النوع من القتال حال حدوثه، وأما استهداف الناس في بيوتهم فغير جائز حتى في قتال الكفار؛ لما فيه من قتل النساء والذرية فكيف بقتال أقوام غاية ما استدل به على جواز قتالهم هو خروجهم على الرئيس؟!

ثانيًا: حرب على الإسلام أم حرب على الإخوان؟!

اجتهد المذيع والضيف كلاهما في إثبات أن هناك حربًا معلنة على الإسلام، وليست على الإخوان فقط، ودللا على ذلك بأمور.

منها:

1- قرار ضم المساجد.

2- إغلاق القنوات الدينية وعدم عودتها إلا واحدة، وقال د."عبد المقصود" بشأنها: "وأنتَ تعرف حال صاحبها"، فقال "عبد القوي": "قناة الرحمة!".

3- تصريحات "يحيى الجمل" و"القمني".

4- وجود التنصير، وأذاعت القناة كما قال المذيع فيديو لفتاة تتنصر داخل كنيسة، ولم يبين تاريخ حدوثه.

والجواب عن هذه الشواهد ما يأتي:

1- بالطبع فإن قرار الضم قد يحجِّم نشاط بعض الجماعات والجمعيات، ولكن أن يعتبر مجرد نقل تبعية مسجد من جمعية أهلية إلى وزارة الأوقاف حربًا على الإسلام؛ فهذا شيء فيه الكثير من المجازفات، وقد سبق لجماعة الإخوان أن أيدت "مبارك" في انتخابات الرئاسة رغم قيام وزارة الأوقاف في عهده بضم المساجد.

وكم كنت أتمنى أن يجيبنا مقدِّم البرنامج، وقد تبنتْ وزارة الأوقاف حينما كان مسئولاً فيها "قانون نقابة الدعاة" الذي يقتضي حرمان جميع الدعاة غير الأزهريين حتى مِن تدريس اللغة العربية بمشاركة على الفيس بوك "هذه حقيقة وليست مبالغة!".

كم كنت أتمنى أن يجيبنا: هل كان يمكن لأي داعية أن يعتبر أن هذا القانون والجماعة التي قدَّمته وقيادات وزارة الأوقاف التي تبنته، وهو، و د."جمال عبد الستار" على رأس هؤلاء كانوا يشنون حربًا على الإسلام؟!

2- ورغم أننا عارضنا قرار إغلاق القنوات، وكنا -وما زلنا- نحاول إعادتها "وعاد بعضها بالفعل ومن أبزرها: قناة الرحمة، واعتبر الشيخان هذه العودة في حد ذاتها سببًا كافيًا ليتبادلا اللمز بشأن صاحب القناة!".

إلا أن السؤال: هل يرقى هذا الفعل لكي يسمى حربًا على الإسلام وما يستتبعه هذا الوصف من تبعات؟!

ثم إن د."عبد المقصود" نفسه، وقبل أن تتبنى هذه القنوات موقف المدافع المطلق عن د."مرسي" -ويا لتها دافعت بحق واحتراف، وإنما دافعت دفاعًا كان سببًا رئيسيًّا من أسباب الانهيار- كان دائم الترديد أن مِن رحمة الله بنا أن قامت "ثورة يناير" حال كون هذه القنوات مغلقة.

3- وأما الاستدلال بتصريحات د."يحيى الجمل" و"القمني" على أن هناك حربًا على الإسلام بعد عزل د."مرسي": فيشعرك وكأنهما هاجرا فترة الدكتور "مرسي" أو كفا عن التصريحات أو أن الدولة في عهد د."مرسي" سحبت جائزة "القمني" منه… وشيئًا من ذلك لم يحدث!

4- وأما التنصير: فيهمنا أن نقرر أن هذا الخطر موجود وقائم، وأن وتيرته لم تتغير قبل ولا بعد ولا أثناء حكم د."مرسي"، ولم تتبناه الدولة في أي وقت؛ هذا الخطر يحتاج مواجهة عاقلة ورشيدة، وليتذكر الإخوان أنهم تبرأوا من قبْل من قصة مناصرة "كاميليا" قبل "25 يناير" وبعدها.

ملاحظات تتعلق بقضية الحرب على الإسلام:

- قبل وصول د."مرسي" إلى الحكم، وبعد وصوله وبعد عزله، توجد حرب فكرية تشنها منظمات غربية.

- كما يوجد قبل وأثناء وبعد د."مرسي" عالمانيون على اختلاف انتماءاتهم ودرجاتهم، وطرق مواجهتهم للإسلاميين، وقد تحالف الإخوان سياسيًّا مع كثير منهم.

- وقد يكون لبعض هؤلاء دور في تحريك المعارضة ضد د."مرسي"، ولكن يبقى أن رفض قطاع كبير من الشعب لحكم د."مرسي" جاء بسبب تراكم الأزمات رغم الوعود الانتخابية المعسولة بالقضاء على المشكلات العاجلة خلال 100 يوم.

وأما مؤسسات الدولة: فموقفها من القضايا الجوهرية ثابت ولم يتغير قبل حكم د."مرسي"، ولا أثنائه ولا بعده، وهو فكر ينتمي إلى المدرسة القومية التي ترى أن الدين مكون هام من مكونات هوية الدولة وليس لديهم عداء للشريعة، وإن كانوا يتأولون أمورًا في التطبيق لن تكون أسوأ مما يدافع عنه الجناح الليبرالي في الإخوان أو ما يتبناه إخوان تونس مثلاً "رغم اختلافنا مع هؤلاء وهؤلاء"، وهذا الأمر لم يتغير قبل وأثناء وبعد د."مرسي"، ولكن الذي حدث هو حالة غضب عامة مِن الشعب، ومِن مؤسسات الدولة أثر كل منهما في الآخر حتى تم عزل د."مرسي"، ولم تتغير الانحرافات قبل ولا أثناء ولا بعد حكم د."مرسي"، بل زاد بعضها أثناء حكم د."مرسي".

ثالثًا: هل التسليم للأمر الواقع احتجاج بالقدر؟

سأل المذيع ضيفه عن حكم مَن يقول: نستسلم للأمر الواقع؟

فأجاب الضيف: بأن هذا احتجاج بالقدر، وهو غير جائز، وقال: "لم يحتج بالقدر إلا إبليس والكفار" (وهذا ذهول عجيب عن وجود بدعة الاحتجاج بالقدر التي لا تعتبر كل صورها مكفرة عند أهل العلم)، ولكن الذي يهمنا هنا هو: ادعاؤه أن مَن يطالِب بالتعامل مع الأمور بواقعية أن هذا احتجاج بالقدر، وهو كلام عجيب من جهة، ومناقض لفعل الشيخ من جهة أخرى.

أما الجهة الأولى: فمن يقولون هذا لم يدر بخلدهم قط مسألة الاحتجاج بالقدر، بل غاية ما يقولونه هو مراعاة قاعدة: "القدرة والعجز"، وقد ذكر الضيف هذه القاعدة في معرض كلامه على عدم القدرة على القتال ردًّا على عزل د."محمد مرسي" رغم أنه يرى وجوبه، ثم ذكرها في معرض رواية تاريخه وأنه بقي 11 سنة لا يمارس الدعوة؛ فرارًا من إجراءات معينة تم تهديده بها إذا لم يمتثل.

وكنت أتعجبُ ممن يحسن قياس المصالح والمفاسد في موقف ثم يذهل عنها في آخر -غالبًا ما يكون نتيجة تأثير عاطفة عليه في الموقف الآخر-!

ثم تضاءل هذا العجب أمام العجب من "أبطال منصة رابعة"؛ الذين هتفوا بأنهم جاءوا لينالوا الرصاصات في صدورهم؛ فاقتدى الشباب بفتاواهم، ولما جاء دورهم في تلقي الرصاصات فروا وسكتوا واختفوا -وكل هذا جائز للخائف- ثم سافروا فأمنوا، وعادوا إلى فتاوى تلقي الرصاصات في الصدور، ومَن خالفهم فاختار للناس ما اختاروه هم لأنفسهم؛ رموه بالعمالة والجبن والنفاق و... !

إن التعامل مع الأخطاء بواقعية لا ينفي عنها الخطأ، ولا يعني الاحتجاج بالقدر، وإنما هو أخذ واجب بالأسباب، وللدكتور "عبد المقصود" مقطع فيديو يتحدث فيه عن إمكانية انتخاب "البرادعي" في الرئاسة إذا كان المرشح الذي أمامه أسوأ منه، وضرب مثلاً بأنه لو جرت الانتخابات بين "البرادعي" و"يحيى الجمل"؛ لوجب انتخاب "البرادعي".

وهو نوع من المبالغة في التعامل بواقعية، والموازنة بين المصالح والمفاسد، ولم يكن هذا نوعًا من الاحتجاج بالقدر!

وإذا كنت عجبتَ مِن حمل د."عبد المقصود" لكلام مخالفيه على أنه نوع من الاحتجاج بالقدر؛ فاعجب أكثر من توظيفه هو لقضية الإيمان بالقدر في غير موضعها تمامًا حين أكَّد أن مَن كان على الحق فليؤمن بالقدر، وليوقن أن الله سيقدر له الخير!

وهو خلط للأمور وطعن في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي تشاور في "بدر"، و"أحد" وغيرها، ولم يعتبر أن مجرد كونه على الحق يعد سببًا لحدوث النصر، ونحن في غنى أن نكرر أن القائل نفسه امتنع من الدعوة لمَّا مُنع، وأنه نفسه يمنع من القتال مع أنه يراه واجبًا!

إن توظيف "قضية القدر" هنا في الانصياع لقرارات "تحالف دعم الشرعية" أو بصورة أكثر وضوحًا: "قرارات الإخوان"، هو نوع من إلزام الأمة كلها باجتهاد مجموعة منها لديهم الكثير من التواكل وانتظار النصر بغير أسبابه، ومتى أنكرتَ عليهم أو خالفت طريقهم حاولوا إلزام الأمة بأسرها برؤيتهم! فقوم يلزمونهم ببيعة في أعناقهم، والآخرون يخرج لهم مَن يرفع شعار: "الإخوان رجال المرحلة"، ومَن أبى إلا أن يأخذ بالأسباب ويدرس الأمور دراسة مستقلة فتهمه كثيرة لا تنتهي، ومن آخرها أنه بذلك لا يؤمن بالقدر!

والمشاهَد أن كثيرًا من الناس يجمعون بين التعلق بالأسباب وبين التواكل فيكون في أيديهم أسباب في غاية الضعف، والواجب حينئذٍ أن يتوكلوا على الله ويفوضوا أمرهم إليه، ولكن البعض لضعف توكله يصر على أنه لابد أن يفعل شيئًا، فإذا قيل له: ولكن الأسباب التي تحت يدك ضعيفة عاد فرفع شعار "التوكل" الذي هو في حقيقته تواكل؛ فضعف توكله ابتداءً يسلمه إلى التواكل انتهاءً.

رابعًا: النساء:

أكد المذيع والضيف أن هناك حالات اغتصاب داخل السجون نتج عنها حمل، ومِن ثَمَّ فرَّعا أسئلة وأجوبة عن حكم انتحار المغتصبة، وعن حكم إجهاض نفسها إلى غير ذلك… ثم عندما جاء السؤال عن حكم خروج المرأة للمظاهرات، قال د."عبد المقصود": "أننا كسلفيين لدينا مبالغة في موضوع النساء، فنمنع لبس غير الأسود!" (لعل هذا قولاً رآه هو أو غيره من الدعاة، ولكن لم يُعرف عن عالم سلفي يؤخذ عنه العلم أنه قال بعدم جواز غير الأسود للمرأة).

المهم أنه بهذين القولين، وفي ذات الحلقة قد وقع في تناقض لا يمكن استساغته بحال، فإنه إذا كان ثبت لديه يقينًا أن مَن قُبض عليها سوف يُعتدى عليها أو سيكون هذا احتمالاً راجحًا؛ فهل يُعقل بعد ذلك أن يفتي بجواز خروجها؟!

لا يكاد يوجد احتمال إلا أن المتكلم يعلم كذب حكايات الاغتصاب، وإما أنه يرى أن تحمُّل الاغتصاب وارد في سبيل الدفاع عن الشرعية، وكلاهما أفسد من الآخر، والأعجب تحميل مَن نهى عن هذه المواجهات مسئولية الدماء والأعراض!

خامسًا: "السعودية وحماس والموالاة":

تعرض المذيع لقرار السعودية باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وذكر أن القرار نص على أن جميع الجماعات التابعة للإخوان تأخذ حكمها، ثم قال: "وبالأخص حماس"، وهذا الجزء الأخير زيادة مِن عند المذيع رغم أنه يتحدث عن قرار نُشر في كل وسائل الإعلام.

الأخطر أن الأمر تطور إلى أن يتصور المذيع والضيف كلاهما أن لازم هذا الكلام -الذي لم يحدث- هو نصرة "إسرائيل" أمام "حماس"!

ورغم المجافاة للواقع والمجازفة في الاستدلال، والإلزام بلوازم لا تلزم؛ فقد انبرى الضيف للإجابة قائلاً: "إن موالاة الكفار كفر؛ لقوله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة:51)، وهي لها ركنان: الأول: المحبة، وهو ركن باطن. الثاني: النصرة، وهو ركن ظاهر"، ثم انتهى إلى أن مناصرة إسرائيل على حماس كفر.

ورغم افتراضية السؤال إلا أن الإجابة بهذه الصورة وعدم التفصيل بين صور الموالاة التي تعد كفرًا أكبر، والتي تعد كفرًا أصغر مع جو التخوين والرمي بالنفاق يثير الكثير من علامات الاستفهام، مع ملاحظة أن كلاً مِن المذيع والضيف لم يتكلما قط لا في الحال ولا في الماضي عن حكم منع "حماس" للفصائل الفلسطينية الأخرى من ضرب إسرائيل في أوقات الهدنة التي تتمها مع "إسرائيل"!

سادسًا: قصة الشيخ "ياسر برهامي":

بعد "ثورة يناير" تم عقد لقاء بيْن بعض شيوخ الدعوة السلفية وبين بعض الشيوخ السلفيين الذين لا يعملون عملاً جماعيًّا، وكان الغرض هو النقاش في الشأن السلفي، ومحاولة تنسيق الجهود، وقد كنا أعددنا لهذا اللقاء دراسة وافية عما يحتاجه التيار السلفي، والقضايا التي تحتاج إلى جهود ودراسات وندوات إلخ، فإذا بالشيخ "عبد المقصود" يفرِّغ اللقاء مِن كل معانيه مركزًا على ضرورة منع الشيخ "ياسر" مِن تدريس كتاب "منة الرحمن" مدعيًا أن تلاميذه لا سيما في "أسيوط" يتعصبون للكتاب، ويقولون: "مَن لم يقرأ المنة فليس منا!".

وعند التمحيص وجدنا أن سنده في هذه القصة رسالة أرسلها له شخص يجهله عينًا وحالاً، ومع هذا فشلتْ جهودنا في إقناعه أننا لا يمكن أن نتعامل مع "شكاوى مجاهيل"، بل إنني عرضتُ عليه أمام جمع مِن الدعاة أن نتصل بأصحاب هذه الشكاوى ونسافر إليهم لكي يدلونا على مَن يقول هذا من تلاميذ الشيخ "ياسر" فنعلِّمهم وننهاهم، ونردهم إلى الصواب؛ فرفض وأبى إلا حلاً واحدًا وهو أن يتفق الحضور على منع الشيخ "ياسر" مِن طباعة أو تدريس كتاب "منة الرحمن" (مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يؤمن بالعمل الجماعي، ولا يرى جواز أن يتم تنسيق عمل الخير، ولكنه هنا رأى جواز الإلزام بالمنع من تدريس كتاب لا يخالف ما فيه من قضايا، ولكن لأن هناك -بحسب ظنه- من يغلو في الكتاب!).

وكنت أظن أنه بعد التهم الكبرى التي صار يتهم بها الشيخ "ياسر" لم يعد في حاجة إلى ذكر قصة "مَن لم يقرأ المنة فليس منا"؛ إلا أنه ذكرها في هذه الحلقة، وأضاف إليها إضافة حديثة جدًّا "تتمشى مع جو المسلسلات التركي!"، وهي: "أن أحدهم دفع إليه أوراقًا تثبت أن الشيخ ياسر كان قد كوَّن ميليشيات (هو كمان)، وأنه يحتفظ بهذه الأوراق بعيدًا عن بيته".

وطبعًا لا أحتاج إلى أن أدلل على كذب الراوية، وإن بقي البحث فيمن المتهم بالكذب فيها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حول مَن هو الشخص الآخر الذي يدعي "مخبره" أن الشيخ "ياسر" كوَّن ميليشيات (مثله!).

وهل أخفى هذه المعلومة عن د."مرسي" وهو يراه ولي أمر شرعي، وعن "رئيس جهاز أمن الدولة" في عصره مع ما كان بينهما مِن ثقة عبَّر عنها على الهواء يوم نهى بعض الشباب عن إتمام وقفة أمام مبنى جهاز مباحث أمن الدولة -ونحن نوافقه في النهي عن هذه الوقفة-.

 ثم إنهم حيرونا في شأنهم مع الشيخ "ياسر": هل اكتشفوا عمالته أم اكتشفوا خطورته على الأمن، وأنه كان عنده ميلشيات (هو كمان)؟!

أم أنهم يريدون فقط أن يوجهوا كلمة إلى "مَن يظنونهم أتباعه" ليدفعوهم إلى حرق بيوت وسيارات الشرطة، ويظنون أن ما يمنع هؤلاء من الانسياق وراء هذه الفتاوى الهوجاء هو اتباعهم لـ"ياسر برهامي"؟!

ولو تأملوا لعلموا أن أبناء "الدعوة السلفية" إنما يتبعون الدليل الذي ربَّاهم على اتباعه شيوخهم، ومنهم الشيخ "ياسر برهامي" -حفظهم الله جميعًا-.

وفي خِضَم حكايته ادعى أن الشيخ "ياسر برهامي" أنشأ ما أسماه هو: "بالكوبانية" في كل محافظة، إن ذهب هو -أي د."عبد المقصود"- محاضِرًا في أي محافظة مِن خلالهم حضروا المحاضرة، وإلا تناهوا فيما بينهم عن الحضور.

وهذه القصة إن قبلناها "على علاتها"؛ فسنجد أنه ليس فيها ما يشين أو -على الأقل- ما يجعل صاحبها يتذكرها وسط الدماء والأشلاء والاغتصاب والاعتقال!

وفي الواقع: إن أي عمل يُرتب بطريقة جيدة تكن درجة نجاحه أعلى، والعكس بالعكس، ومِن ثَمَّ فعندما كان د."عبد المقصود" يذهب إلى مكان ما بدعوة من "جمعية الدعوة السلفية" كان يجد الأمور مهيأة، وإذا ذهب من خلال دعوات مجهولي العين والحال ولو في نفس المكان فيجد أن الترتيبات ليست على ما يرام، فيقول له مَن دعاه: إن أنصار "برهامي" حضروا لك لما كانت الدعوة مِن خلالهم، ولم يحضروا لما لم تكن مِن خلالهم!

وأعود فأكرر: إن هذا إن حدث بحذافيره فليس فيه ما يشين؛ لأن غاية ما في ادعاء د."عبد المقصود" على الإخوة أنهم يتناهون فيما بينهم عن الحضور، ولكنهم لا يمنعون ذلك الغير أو يحاولون إفساد المحاضرة كما فعل بعض طلبة الإخوان في جامعة القاهرة مع الشيخ "العقاني"؛ رغم أن المحاضرة كانت وعظية بعيدة عن أي عمل سياسي! وكما فعلوا وصوروا أنفسهم فرحين وهم يحاولون منع مؤتمرات بعضها في مساجد، وبعضها في قاعات.

ثم إنهم حيرونا أيضًا في هذه المسألة "أعني مسألة قوة وانتشار الدعوة السلفية": فهذه الحكاية تنبئك أن أتباع الدعوة السلفية هم الأكثر في عامة المحافظات بحيث إنهم متى قاطعوا محاضرة فشلت، وعلى الجانب الآخر تجد محاولات الإيهام بأن الدعوة لا وجود لها إلا في الإسكندرية، ومنذ عدة شهور ود."عبد المقصود" يتبنى أن شعبية "حزب النور" قد انهارت، وأن مَن بقي من أتباعهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، ومع هذا فهؤلاء لا تنجح ندوة لداعية إلا بهم! واستقوت بهم "جبهة الإنقاذ"، واستقوى بهم "الانقلاب"، ولو نزلوا "رابعة"؛ لتغيرت كل الحسابات، وفي قعودهم عن المظاهرات خذلان للأمة و... و... !

ردود سريعة:

- كتاب "منة الرحمن" ما زال يباع في الأسواق، وشروحه ما زالت على مواقع النت، ولم يوجد ما يقتضي تغيير الكتاب، وعامة ما طرأ مِن نظرة تجاه الشكل القانوني للدولة المصرية كان الإخوان ود."عبد المقصود" وغيرهم شركاء معنا فيه؛ مراعاة للتطور الذي طرأ على دستور "2012م"، ثم بالغ فيه مشايخ الهيئة الشرعية بعد نجاح د."مرسي" فأنزله منزلة الإمام المبايع لا الرئيس المنتخب مخالفًا بذلك كلامه المثبت في مقطع فيديو كان يرد فيه د."عبد المقصود" على دعوى أنصار د."حازم" بأنه سيأتي ببيعة؛ ففرق "عبد المقصود" في هذا الفيديو بين الرئيس وولي الأمر، وبين الانتخابات والبيعة، وثبتنا نحن -بفضل الله- على هذه التفرقة الهامة.

ونحن نزعم أن دستور "2013م" مكافئ من ناحية الشريعة لدستور "2012م"، ومِن ثَمَّ فنحن على ما كنا عليه نحن والهيئة الشرعية في "2012م"، بل إن مرجعية الأزهر لم تُفعـَّل بصورة جدية بعد دستور "2012م"؛ بسبب تعنت الإخوان، ومنهم د."عصام العريان" الذي رأى أن الرجوع للأزهر يخل بمبدأ السيادة للشعب، وهذا لم يرد عليه د."عبد المقصود" وإنما فقط رد عن "الإخوان" أن عصام العريان ليس قياديًّا لا في الجماعة ولا في الحزب "مع أنه عضو مجلس شورى الجماعة، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وجعلتْه الجماعة رئيس الكتلة البرلمانية لها في مجلس الشورى!".

وأما الآن فقد بدأ تفعيل "مرجعية الأزهر"، وبيان الأزهر في شأن فيلم "نوح" -عليه السلام- دليل على ذلك، وهو أمر سعينا إليه ليس مِن أجل د."مرسي"، ولكن مِن أجل أن يكون الأساس القانوني في مصر موافق للشريعة قدر الإمكان، وبسبب هذا شاركنا في خارطة الطريق، وبقي هذا التوصيف قائمًا -بحمد الله تعالى-.

- موقع "أنا السلفي" لم يتعطل أصلاً، وإنما الذي تعطل هو موقع "صوت السلف" ولم يعد حتى الآن ليُقال: إنه قد حذف منه شيء، وأما موقع "أنا السلفي" فلم يتعطل، وجميع مواده عليه، ومنها: "سلسة شرح كناب منة الرحمن"، ومِن ثَمَّ فادعاء د."عبد المقصود" أن إدارة الموقع عطلته عن عمد من أجل حذف بعض الموضوعات القديمة -التي تم التراجع عنها بحسب توهمه!- ثم أعادت تشغيله - هي قصة تنتمي هي الأخرى لقصص المسلسلات التركي!

ولا عذر له في أن يكون قد نقلها عن مجهول كقصة: "مَن لم يقرأ المنة فليس منا"؛ لأن ثمة واقع محسوس كان يمكنه لو كان يريد التثبت أن يتلمسه، ولكنه يسارع دائمًا في تصديق أي تهمة على الشيخ "ياسر"، وكم كنا نريد أن نعرف منه حكم ذلك شرعًا!

وبالمناسبة أيضًا: حكم الفرية التي رددها على الهواء عن د."خالد علم الدين" استنادًا إلى خبر عن مصدر موثوق -بزعمه-، ثم تراجع ذلك المصدر ولم يتراجع د."عبد المقصود" إلى الآن!

- د."يونس":

كالعادة في ترديد أكاذيب -كان يسع أن يتثبت منها مَن أراد- نسب المذيع إلى د."يونس" أنه قال: "لو كان الإخوان على الحق لنصرهم الله"؛ فانبرى د."عبد المقصود" قادحًا في د."يونس"، وزعم أنه لو أراد أحد أن يدمر "حزب النور"؛ لم يكن يستطيع أن يفعل أكثر من اختيار د."يونس" رئيسًا للحزب!

ونحن لن نطوف به كثيرًا في ماضي رؤساء أحزاب يدعمها أو فتاوى صدرت منه هو في حق بعضهم بالتجهيل أو الاتهام بالغدر والخيانة، ونحو ذلك، بل فقط ندعوه إلى أن يراجع اجتماع د."مرسي" مع رؤساء الأحزاب لبحث أزمة سد النهضة، وهو الحوار السري الذي أذيع على الهواء ليرى مَن يقدر المسئولية، ويؤدي النصيحة على وجهها، ومن هو بعيد عن ذلك!

تأخر النصر ليس دليلاً على خطأ الطريق:

ثم إن د."عبد المقصود" أطال الحديث في تقرير قاعدة: "أنه قد يتأخر النصر عن المؤمنين"، ولا خلاف في ذلك، ولكن ليس د."يونس" -الذي لم يقل شيئًا- ولا غيره يعد مسئولاً عن شكٍ تسرب إلى بعض الناس.

وإنما المسئول عن ذلك مَن أقسم بالطلاق أن النصر قادم مع أنه يتحدث عن خلاف لا يوجد عند الناس مِن الله فيه برهان أو وعد خاص!

ومَن قال: "إن مَن شك في عودة د."مرسي" فقد شك في الله!".

ومَن قرأ على الناس -وهو د."محمد عبد المقصود"- القرآن متأولاً إياه على أنه دليل على دخول متظاهرين لميدان معين في يوم معين؛ فيقع في هذا اليوم قتلى بالعشرات ممن تقدموا واثقين بهذه البشرى "أفلا يتحمل صاحب هذا الكلام وزر هذه الدماء؟!".

ألا يستوجب كل هذا على أصحاب هذه الأقوال التوبة مِن التلاعب بالدين، وبعواطف مَن وَثق بهم؟!

البواطن لا يعلمها إلا الله:

طاشت عبارات د."عبد المقصود" في الهجوم على مخالفيه من الرمي بالجهل وسوء الفهم "مع أنه أكَّد عدة مرات أنه لا يحب الشتم!"، ولكن الأخطر هو جرأته على الكلام عن الباطن وكأنه يراه، فـ"حزب النور" منافقون! والشيخ "نصر فريد واصل" -أشار إليه بإشارات معروفة- وصفه بأنه كان يحسن به الظن حتى انكشفت سريرته! أو علماء وحكام السعودية الذين صاروا من وجهة نظره يؤيدون الطواغيت، وخص منهم "السديس"؛ لتأييده قرارات السعودية، وحمَّله مسئولية كل الدماء التي أريقت.

طبعًا نلحظ في كلام كل مَن كان في "رابعة" ثم هرب منها الحرص والبحث عن أي أحد يُحمَّل مسئولية الدماء غير الذي اتخذ القرارات وحشد الشباب!

وقد قال متهكمًا على مَن وصفه بأنه قيادي إخواني منشق أنه قال: "حمسوا الشباب ثم هربوا على السجن"، وقائل هذا الكلام يعني أنهم حمسوا الشباب بالثبات في الميدان، ثم هربوا ثم قبض على مَن يقبض عليه منهم من أماكن اختفائهم ولم يقبض عليهم من الميدان، وموطن الإنكار واضح وهو هروب القيادات عندما وصلت قوات الفض إلى المنصة؛ رغم أن المنصة بقيت طوال اليوم تأمر الناس بالثبات رغم ما تراه من قتلى وجرحى!

التناقض من الموقف من الجيش:

توسع المذيع والضيف كلاهما في هجاء الجيش المصري الذي استحل "منهم" كل حرمة، ونسبَ إليه اغتصاب المعتقلات، وبنيا على ذلك أنه أسوأ من الجيش الإسرائيلي! "ولا ندري إذا كان لهذا الأمر من لوازم أم لا؟!".

ثم قال د."عبد المقصود" مستدركًا أنه لا يعني عموم الجيش، وإنما يعني أفرادًا معدودين هم القادة مع أنه إذا ثبت ادعاؤه فهو ليس فعل القادة، وإنما هو فعل الجنود، وهو ما يؤكد على خطورة المجازفة في تقدير الواقع، وفي الأحكام الشرعية، فالمتكلم لم يتأمل فيما يقول، بل يثبت التهمة وينفيها عن نفس الأفراد في ذات المجلس؛ مما توقن معه أن المتحدث يصدر للسامع "نبض ما" لم ينظـِّر له التنظير المقنع، بل ولا يريد أن يفعل.

وبعد، ففي الحلقة ثمة أمور أخرى في هذا المقال أعرضنا عنها خشية الإطالة، كما أننا أثناء إعداد هذه مسودة هذه المقالة للنشر ظهر د."عبد المقصود" في "قناة الجزيرة" في حوار جديد نفى فيه أنه جوَّز في حواره السابق قتل ضباط الجيش والشرطة، وإنما فقط عنى بها مَن يقوم باغتصاب النساء مِن هؤلاء، ورغم مخالفة هذا لما ردده مرارًا، ونظـَّر له في اللقاء إلا أنه يبقى أن كلامه الجديد ما زال مبنيًّا على أوهام، وما زال يتيح قتل الضباط بدعوى الاغتصاب، وهو يعلم أن هذا الأمر غير واقع، وعلى فرض حدوثه فيستحيل معرفة الفاعل، ومع هذا أفتى بما أفتى به!

وكان الأولى به أن يتراجع تراجعًا شرعيًّا عما نظـَّره من جواز قتال وقتل رجال الشرطة؛ لأن الدماء لا تحتمل مثل هذا العبث!

على أي فقد تعتبر ما جدَّ عن د."عبد المقصود" تخفيفًا للشر والفساد باعتباره أهون مما قاله في لقاء قناة "رابعة"، ولكن ولأن الرجل لم يعتد على التراجع والاعتذار فقد أرضى نفسه بزيادة جرعة الأكاذيب على الدعوة السلفية وحزب النور، وعن الشيخ "ياسر برهامي"، والتي يرويها عن مجاهيل كعادته، والتي حاول "المذيع" أن يذكِّره أن هذه التهم تحتاج إلى بينات؛ فاستمر في ترديدها لعله يعوض بها ما نقص من "حصة" الجيش والشرطة مِن التخوين والتكفير!

فـ"الدعوة السلفية" هي الهدف الذي يرى البعض أنه يسعه أن يعلق عليها شماعة فشل محاضراته وانشقاق حزبه.

ويعلق عليها البعض الآخر تبخر وعوده وفشل إداراته.

ويعلق عليها هذا وذاك قرارات متهورة، وبطولات زائفة، وإشعال حروب مصطنعة، ثم التولي من ميدانها!

فإلى الله المشتكي، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هذا وقد طلبنا مرارًا مِن أمثال هؤلاء أن يلتزموا بآداب الشرع في الدعوى والبينات، فما استجابوا!

فطالبناهم بالمباهلة فما أجابوا!

فليس لنا من سبيل إلا أن نسأل الله أن يهديهم سواء السبيل، وأن يردهم إلى الحق ردًّا جميلاً.

كلمة أخيرة عن موضوع تكريم إحدى الراقصات كـ"أم مثالية!":

1- قام "نادي الطيران الرياضي" بتكريم إحدى الراقصات  كـ"أم مثالية"، وهي جائزة سنوية يعطيها النادي للأمهات المثاليات مِن بين "أعضائه".

2- نادي الطيران نادٍ رياضي سمي بنادي الطيران؛ لكون مؤسسيه كانوا من الطيارين والعاملين في الطيران المدني، وإن كانت العضوية غير قاصرة عليهم.

3- لم يعلم معظم الشعب بهذا التكريم إلا مِن خلال عاصفة انتقاد واسعة من شباب الإنترنت، وتعليق الفضائيات عليها.

4- تبرأ رئيس النادي من الواقعة، وأحال المسئول عنها إلى التحقيق.

5- قالت الراقصة المكرَّمة بأنها تحصل على هذه الجائزة سنويًّا، ولمدة ست سنوات متصلة!

ويُتبين من العرض السابق الأمور الآتية:

1- أن محاولة "وجدي غنيم" و"محمد عبد المقصود" نسبة هذا التكريم إلى الجيش غير صحيحة.

2- أن محاولة هذين الشخصين نسبة الرضا عن ذلك إلى عموم المصريين كذب وافتراء، وأعظم منه فرية أن يُنسب هذا إلى الدعاة إلى الله، وأما اشتراط الموافقة السياسية له كشرط لإعلان البراءة من منكر ما فمسلك فاق به مسلك التكفير والهجرة، مع الفارق أن جماعة التكفير والهجرة قد طالبوا الناس بالهجرة إلى الصحارى ظانين أنه لا يمكن البراءة من المنكرات إلا بذلك، بينما "وجدي" و"عيد المقصود" هاجروا إلى قطر وتركيا ولندن.

3- والمستمع لكلام "عبد المقصود" و"وجدي غنيم" يهيأ له أنهما لم يعيشا في مصر حال كون هذه المنكرات ظاهرة قبل د."مرسي"، وأنهما عاشا فيهما وهي ظاهرة في حكمه، ومع هذا دعوا الناس إلى الصبر و"الحكمة" في إنكار المنكر وهو ما جعلوه اليوم رضا، بل كفرًا وردة كما صرَّح "وجدي غنيم"!

4- ونذكرهما وغيرهما بأنه أقيم حفل راقص لتنشيط السياحة في الغردقة أثناء حكم د."مرسي" -وليس تكريم راقصة- في ظل رعاية أستاذهما في التنظيم د."حلمي الجزار"، وهذا قدر ثابت من القصة، والخلاف فقط أن البعض ادعى أن قيادات الإخوان بقوا في الحفل أثناء الفقرة الراقصة بينما أعلن قيادات الإخوان أنهم وزعوا جوائز الحفل وانصرفوا تاركين المكرمين مع الراقصتين في هدوء.

ولم يصدر عن "وجدي" ولا "عبد المقصود" شيء يُذكَر حيال هذه الواقعة.

5- كما أن د."مرسي" ذاته استقبل عددًا من الفنانين وكرمهم، وبعضهن ممن اشتهر عنها تمثيل أدوار الإغراء والرقص، وبعضهم ممن اشتهر عنه إخراج أو تمثيل هذه الأفلام، بل كان سبب اللقاء تلاسن جرى بين داعية وبين إحدى الممثلات "والتي تمنعت عن حضور اللقاء" حول طبيعة أدوراها في حين أننا لما استنكرنا رمي الممثلات بالزنا لكوننا ننكر عليهم تلك الأدوار؛ أنكر علينا "عبد المقصود"، فلما كرمهن د."مرسي" سكت فلم ينطق بشطر كلمة!

وأما "وجدي غنيم" فاستنكر على د."مرسي"، ولكنه لم يبنِ على هذا تكفيرًا ولا ادعاء استحلال ولا شيئًا مما فعله في تلك الواقعة.

6- نرجو من الجميع أن يقارنوا بين سلوكنا في إنكار هذه المنكرات قبل وبعد وأثناء حكم د."مرسي"؛ ليعلموا كذب وادعاء أننا بالغنا في إنكار منكرات في عهد د."مرسي"، وسيجدون أن عباراتنا في إنكار منكرات عهد د."مرسي" كانت بأخف عباراتها.

7- لن نعلـِّق على الشتم الذي ملأ به "وجدي غنيم" كلامه زاعمًا أن هذا تكريم بناءً على أن المشتومين -ومنهم: الجيش، والشرطة، ومعظم الشعب، وحزب النور- راضون أن الراقصة "أم مثالية"؛ فمن باب التكريم أن يُقال لهم: "يا ولاد... !".

ولأن القائل يعلم أن الرضا الذي توهمَه لا حقيقة له، ويعلم أن أمهات الناس فضليات -كما قرر-، ومع هذا قرر شتمهن في أعراضهن؛ فالواجب هنا هو الإعراض عن الجاهلين.

8- إذا كانت هناك جهة استشعرت الحرج من فتوى "عبد المقصود" على "قناة رابعة" بشأن الجيش والشرطة فرتبت له على وجه السرعة لقاء الجزيرة؛ لينفي فتواه، وإن كان نفيه جاء أشبه إلى الإثبات منه إلى النفي - فهل نأمل أن تنزعج ذات الجهة من هذا الخطاب التكقيري وهذا الشتم البذيء؛ فيرتبوا اعتذارًا عن هذا السلوك أم أن هذا الخطاب هو خطاب المرحلة من "رجال المرحلة"؟!

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

والله المستعان على ما يصفون.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي