السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإلحاد وخطره على المجتمع (2)

وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية ، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية ، مركوزة في النفس والعقل

الإلحاد وخطره على المجتمع (2)
إيهاب شاهين
الخميس ١٠ أبريل ٢٠١٤ - ١٤:٣٧ م
3098

الإلحاد وخطره على المجتمع (2) 

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قدمنا في المقال السابق أن الإلحاد هو : مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى - والمتأمل لآيات القرآن يجد أن بها المدني وهو ما نزل بعد الهجرة  والمكي وهو ما نزل قبل الهجرة وتتميز الآيات المكية بطابع خاص في الخطاب كقوة الإسلوب وشدة الخطاب وقوة المحاجة وتقرير توحيد الله تعالى والعقيدة الصحيحة ـ وذلك لأن المخاطبين معرضون مستكبرون معاندون فخطبوا بما تقتضيه حالهم ومن يمعن النظر يتبين له أن هؤلاء المشركين لم يكونوا ينكرون وجود الخالق إلا طائفة شاذة ولكن السواد الأعظم منهم لم يكن ينكر ذلك ولكنهم كانوا ينكرون استحقاق الخالق أن يفرد بالعبادة لذلك كان أعظم دليل وحجة عليهم على إفراد الرب الخالق بالأمر والنهى هو إقرارهم بأنه الخالق الرازق المدبر المعطى المانع لذلك جاء أول أمر فى كتاب الله تعالى : (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم) لأنهم لم يكونوا ينكرون ذلك كما قال تعالى : (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) يعنى أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ـ فهذا حال المشركين الأوائل ولكن كانت هناك طائفة من الدهريين ينكرون وجود الخالق تبارك وتعالى وتبعهم على ذلك قوم من الملاحدة لا يخلو منهم زمان على هذا الخلل العقلي وزاد ذلك في زماننا بإشعال الصهاينة له لأغراض خبيثة ذكرنا شيئاً منها في المقال السابق ولولا انتشار هذا الأمر وسط قطاع من الشباب ما كان الأمر يستأهل الرد والتفنيد ـ لأنه لا ينكر وجود الخالق تبارك وتعالى إلا عديم العقل كمن ينكر وجود الشمس في رابعة النهار فهؤلاء لا يصح فى أذهانهم شيئاً كما قال شيخ الإسلام : ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلا دليل .

فكيف يطلب هؤلاء أدلة على وجود الخالق وكل شيء في الوجود آية ودليل على وجوده وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، ومع وضوح دلائل وجود الخالق سبحانه ، إلا أنه لا بد من الإتيان على ما يتشبث به الملاحدة من شبه بالنقض والإبطال ، ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم ورازقهم .

أول شبهات الملاحدة قولهم : إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته ، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده .

وهؤلاء قد ردَّ الله عليهم بأوجز العبارات حيث قال تعالى : (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أم خلقوا من غير شيء أي من غير رب ومعناه أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فلا بد له من خالق فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق أم هم الخالقون لأنفسهم وذلك في البطلان أشد لأن ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به أم خلقوا السموات والأرض وهذا في البطلان أشد وأشد فإن المسبوق بالعدم يستحيل أن يوجد بنفسه فضلاً عن أن يكون موجداً لغيره - وكثيراً ما يرشد الله تبارك وتعالى عباده إلى الإستدلال على معرفته بآياته الظاهرة من المخلوقات العلوية والسفلية كما قال تعالى : (وفي الأرض آيات للموقنين) أي : فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار واختلاف ألسنة الناس وألوانهم وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات والسعادة والشقاوة وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ولهذا قال ـ عز وجل ـ : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه علم أنه إنما لينت مفاصله للعبادة وكذا ما في ابتداء الإنسان من الآيات العظيمة - إذ كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً إلى أن نفخ فيه الروح ـ وقال تعالى : (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) .

والآيات في هذا الباب العظيم من الاستدلال بالمخلوقات على وجود خالقها وقدرته وعظمته أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصي وفيما ذكرنا كفاية وغني يغني عن خرط المناطقة ومقدماتهم ونتائجهم وتناقضهم فيها والله ـ تبارك وتعالى ـ أعلى وأكبر وأجل وأعظم من أن يحتاج في معرفة وجوده إلى شواهد واستدلالات فذات المخلوق نفسه شاهدة بوجود خالقه حيث أوجده ولم يكن من قبل شيئاً فلم يذهب يستدل بغيره وفي نفسه الآية الكبرى والبرهان الأعظم - وشأن الله تعالى أكبر من ذلك - ولم يجحد وجوده تعالى من جحده من أعدائه إلا على سبيل المكابرة ولهذا قال تعالى في كفرهم بآياته : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) .

وقد سار الأئمة الكرام يردون على هؤلاء الملاحدة بما في الكون من آيات تدل دلالة واضحة على وجود الخالق تبارك وتعالى فعن الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات - وعن أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم : دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا أن سفينة في البحر موخرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حني تخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد . فقالوا : هذا شيء لا يقوله عاقل . فقال : ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع فبهت القوم ورجعوا إلي الحق وأسلموا علي يديه ، وعن الشافعي ـ رحمه الله تعالي ـ أنه سُئل عن وجود الخالق ـ عز وجل ـ فقال : هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبرسيم وتأكله النحل فيخرج منه العسل وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعراً وروثاً وتأكله الظباء فيخرج منه المسك وهو شيء واحد . وعن الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ أنه سُئل عن ذلك فقال : ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الديك . وسُئل بعض الأعراب عن هذا وما الدليل على وجود الرب تعالي فقال : يا سبحان الله ؛ إن البعر ليدل على البعير وإن أثر الأقدام ليدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ـ بتصرف من كتاب معارج القبول ـ .

وفي خاتمة هذا المقال نقل لبعض مقولات الفلاسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه ، والإيمان به :

يقول "أفلاطون" : إن العالم آية في الجمال والنظام ، ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية ، بل هو صنع عاقل ، توخى الخير ، ورتب كل شيء عن قصد وحكمة .

ويقول "ديكارت" : إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي ، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة ، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي ؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال ؛ وهي الله .

ويقول "أناكساغورس" أحد فلاسفة اليونان الأوائل : من المستحيل على قوة عمياء ، أن تبدع هذا الجمال ، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم ، لأن القوة العمياء لا تنتج إلا الفوضى ، فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد ، بصير حكيم .

ويقول ديكارت أيضاً : أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني ؟ إنني لم أخلق نفسي ، فلا بد لي من خالق . وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود ، وغير مفتقر إلى من يوجده ، أو يحفظ له وجوده ، ولا بد أن يكون متصفاً بكل صفات الجمال ، وهذا الخالق هو الله بارئ كل شيء .

ويقول باسكال : إن إدراكنا لوجود الله ، هو من الإدراكات الأولية ، التي لا تحتاج إلى جدل البراهين العقلية ، فإنه كان يمكن أن لا أكون ، لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حياً ، فلست إذا كائناً واجب الوجود ، ولست دائماً ولا نهائياً ، فلا بد من كائن واجب الوجود ، دائم لا نهائي ، يعتمد عليه وجودي ، وهو الله الذي ندرك وجوده إدراكاً أولياً ، بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية ، ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصول إليه بعقولهم ... .

وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية ، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية ، مركوزة في النفس والعقل ، لا يخالطها ريب ولا شك ، ولا تحتاج لبرهان إلا لمن فسدت فطرته .

والحمد لله رب العالمين

 www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة