الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإمام "ابن حزم" يرد على د."عبد المقصود" (2-2)

على د."محمد عبد المقصود" في توصيفه لرئيس مصر السابق د."محمد مرسي" أنه ولي أمر شرعي، وإمام عدل، وأن مَن خرج في "30-6" خوارج وبغاة، وبالتالي

الإمام "ابن حزم" يرد على د."عبد المقصود" (2-2)
عصام حسنين
الاثنين ١٤ أبريل ٢٠١٤ - ٠٥:١٩ ص
4082

الإمام "ابن حزم" يرد على د."عبد المقصود" (2-2)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل مقالنا السابق في الرد على د."محمد عبد المقصود" في توصيفه لرئيس مصر السابق د."محمد مرسي" أنه ولي أمر شرعي، وإمام عدل، وأن مَن خرج في "30-6" خوارج وبغاة، وبالتالي فيجب الوقوف بجانب الإمام العدل وقتالهم معه!

وقد استدل على ما ذهب إليه بكلام للإمام ابن حزم -رحمه الله- سبق توضيح ما فيه في المقال السابق، وأنه لا يفيد ما ذهب إليه، ولا ينطبق بحال على الرئيس السابق د."محمد مرسي"، وفي هذه المرة نستكمل بقية الردود على ما ادعاه.

فأقول: وأما ما ذكر د."عبد المقصود" في ولاية المتغلب: "لا دليل عليها أو هي استنباط... ".

فقد قال ابن حزم -رحمه الله-: "وأما الجهاد: فهو واجب مع كل إمام، وكل متغلب، وكل باغٍ، وكل محارب من المسلمين؛ لأنه تعاون على البر والتقوى، وفرض على كل أحد دعا إلى الله -تعالى- وإلى دين الإسلام، ومنع المسلمين ممن أرادهم، قال الله -تعالى-: (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة:5)، فهذا عموم لكل مسلم بنص الآية في كل مكان وكل زمان، وبالله -تعالى- التوفيق" (الفِصَل 3/ 109-110).

وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "ولو خرج رجل على الإمام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه؛ صار إمامًا يحرم قتاله والخروج عليه فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير -رضي الله عنهما- فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعًا وكرهًا، فصار إمامًا يحرم الخروج عليه; وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم، ويدخل الخارج عليه في عموم قوله -عليه السلام-: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) (رواه مسلم)، فمن خرج على مَن ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيًا وجب قتاله" (المغني 12/ 72). وسبق نقل ابن بطال إجماع الفقهاء على ذلك.

وليس معنى ذلك أننا نقول: إن رئيس الجمهورية إمام توافرت فيه شروط الإمامة -كما سنذكرها- وتغلب؛ بل هو كغيره ممن تولى في ظل الدولة الدستورية، يُعان في الخير وينصح ويُعصى في الشر والمعصية؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ومحل الاستشهاد من النـُقـُول: أن الجيش سيطر على مقاليد البلاد ومعه الظهير الشعبي -وهم مسلمون وليسوا بكفار-؛ فهل يواجَهون مع الإمام العادل -كما يوصفه البعض- على أنهم بغاة؟! وأين هو الإمام؟ وأين الجيش الذي معه لنطبق سيرة سيدنا علي -رضي الله عنه- في قتال البغاة؟!

فكان الميزان الشرعي ما ذكره أهل العلم حقنًا للدماء وحفاظًا على المكتسبات، ومنها الظهير الشعبي، والدستور، وغيرهما، ومنعًا للاحتراب الداخلي وتعريض البلاد لخطر الاحتلال لو سمعوا لنصح الناصحين، لكن قدَّر الله وما شاء فعل، وقضاء الله خير كله.

وما كان من دماء فما شاركنا فيها ولا عاونا، ولا أمرنا، ولا تسببنا أو باشرنا، ولا رضينا، بل أنكرنا! (فَمَنْ أَنْكَرَ فَقْدَ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) (رواه مسلم)، بل وطالبنا بديات وتعويضات للمصابين.

ومع ذلك فهناك أمور تفصيلية لما حدث يحكم الله فيها يوم القيامة، وعند الله تجتمع الخصوم!

توصيف الدكتور "محمد مرسي":

وأما قوله: "إن الدكتور محمد مرسي إمام وولي أمر شرعي... "، ومِن ثَمَّ تنزيل النصوص التي وردت في قتال البغاة والخارجين عليه بناءً على هذا التوصيف!

فيرد عليه الإمام ابن حزم -رحمه الله- أيضًا فيقول في شروط الإمامة:

"... وأن يكون بالغًا ممَيِّزًا؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يعقل) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فذكر الصبي حتى يحتلم, والمجنون حتى يفيق.

3- وأن يكون رجلاً؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً) (رواه البخاري).

4- وأن يكون مسلمًا؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141)، والخلافة أعظم السبل, ولأمره -تعالى- بإصغار أهل الكتاب, وأخذهم بأداء الجزية, وقتل من لم يكن من أهل الكتاب حتى يُسلموا.

5- وأن يكون متقدمًا لأمره عالمًا بما يلزمه من فرائض الدين، متقيًا لله -تعالى- بالجملة، غير معلن بالفساد في الأرض؛ لقول الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)، لأن من قدم مَن لا يتقي الله -عز وجل- ولا في شيء من الأشياء معلنًا بالفساد في الأرض غير مأمون, أو من لا ينفذ أمرًا, أو من لا يدري شيئًا من دينه؛ فقد أعان على الإثم والعدوان ولم يُعِن على البر والتقوى, وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (رواه البخاري ومسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) (رواه مسلم).

فصح أن السفيه والضعيف، ومَن لا يقدر على شيء؛ فلابد له مِن ولي، ومَن لابد له من ولي فلا يجوز أن يكون وليًّا للمسلمين, فصح أن ولاية مَن لا يستكمل هذه الشروط باطلة لا تجوز, ولا تنعقد أصلاً" (الفصل 3/ 92-93 بتصرف).

قلتُ: فمن نظر في هذه الشروط وجد أن بعضها لا ينطبق على الدكتور "محمد مرسي" ولا غيره من رؤساء الدول الدستورية الحديثة؛ فلم يكن مقيمًا للدين, ولا يسوس الدنيا بالدين, فعند وضع دستور 2012م كان يطالب ومعه جماعته بإبقاء مبادئ الشريعة فقط في المادة الثانية، ويقولون كافية!

وقال: إن الحدود أحكام فقهاء، وليست مِن مبادئ الشريعة!

بل مِن رؤية الجماعة السياسية أنهم لن يطبقوا الشريعة الآن, وسل "غزة" تخبرك!

وسل عن "مأساة الإسلام وأهله من وجود الإخوان في حكم تونس" تخبرك! حتى خرج الدكتور "القرضاوي" يمدح "دستور تونس" في ظل دولة الإخوان الذي خلا من ذكر الشريعة وأطلق الحريات! وما ترتب على ذلك من منع النقاب وغيره في الوقت الذي يذم "دستور مصر" الذي نص على مرجعية الشريعة -والحمد لله-!

وهذا يدلك دلالة صريحة -مع ما ذكرناه من قبل- عن اعتقاد الإخوان من أنهم هم الإسلام! وما خرج من عباءتهم فهو الشرعي الصحيح، وما لم يخرج من عباءتهم فليس بشرعي ولا صحيح! ومَن قال بقولهم فهو العلامة الفهامة، ومَن قال بضده فهو جاهل، منافق... ! إلى آخر هذه الألقاب الباطلة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

والرئيس في الدستور -الذي ينظم العلاقة بيْن الحاكم والمحكوم- بالانتخاب وبانتهاء مدته يدعو إلى انتخابات جديدة, وإن فاز لا يحق له أن يترشح لفترة رئاسة ثالثة، ويشاركه في السلطة التنفيذية مجلس الوزراء, ويشاركه أيضًا مجلس النواب في التشريع, ولا يشرع تشريعًا ويصدر قانونًا إلا بعد موافقة مجلس الشعب، والسلطة القضائية مستقلة بعيدًا عنه.

ثم شرط القوة والشوكة لم يكن موجودًا -وباعترافكم قلتم وتقولون: لم يكن معه أحد، كان الجميع ضده-, فجميع وسائل القوة لم تكن في يده؛ فاستعصت عليه الشرطة، والإعلام، والقضاء، والجيش في أخريات أيامه حتى إن وزير دفاعه ينذره بإعلان خريطة طريق إن لم يتدارك أموره ويسعى للتوافق مع الأحزاب لإصدار خريطة طريق!

أضف إلى ذلك: سوء السياسة والتدبير, وتدخل "المرشد وجماعته" في الأمور التي لم تجعله مستقلاً بالتدبير؛ فكيف يكون ولي أمر؟!

ثم انظر إلى سوء السياسة الخارجية التي جعلت معاداة الدول العربية قبل غيرها لبلادنا, وسعيه مع الجماعة لتحقيق مخطط التقسيم الغربي برعاية "إيرانية - قطرية - تركية", وهذا ما جعل السعودية ودول الخليج تنفر من التعامل مع مصر, ومِن ثَمَّ باركتْ تولي الجيش زمام الأمور حتى آل الأمر إلى جعل جماعة الإخوان جماعة إرهابية! بالإضافة إلى خطر التقارب مع شيعة إيران والعراق!

فتبيَّن بذلك أن الشروط التي ذكرها ابن حزم -رحمه الله- في الإمام العدل الواجب الطاعة لا تتوافر في الدكتور "محمد مرسي"، ولا غيره! وإنما هو كان رئيس جمهورية مصر العربية الدستورية الحديثة، قد قام عقد بينه وبين الشعب على احترام الدستور والقانون، وأن يراعي مصالح الشعب والوطن، فيُطاع ويُعان في المعروف, ويُعصى ولا يعان في معصية الله -تعالى-.

كما أنه يلتزم بصلاحيات الرئيس في الدستور والقانون ونلتزم معه -كشعب- بذلك؛ فإن عجز أو قصَّر في مصالح البلاد والحفاظ على وحدتها لم يلزم تركه لنهاية المدة بمقتضى العقد؛ لأن الإخلال بمصالح البلاد إخلال بالعقد سواء كان عن عجز أو تقصير.

وبسبب هذا "التوصيف الباطل" وقع ما وقع مِن إراقة هذه الدماء -وما زالتْ تُسال إلى اليوم!-، ثم لما بعُد وهم عودة الدكتور "محمد مرسي" تركوه، وقالوا: "القضية الآن ليست محمد مرسي، وإنما قضية حقوق اكتسبها الشعب عن طريق الانتخابات نسعى لإعادتها!".

فقلنا: إذن القضية ليست قضية إقامة الدين, ولا استعاده حاكم أو خليفة شرعي, وإنما صارت مكتسبات ديمقراطية.

وبفرض أنها كذلك فليس للمسلمين طاقة على ما تريدون, وإنما النتيجة مزيد من الدماء والاعتقالات والمفاسد الكثيرة, بل السعي لهدم كيان البلد وغيره, وتجرؤ البعض على التكفير، والتفجير والمواجهة بغية إضعاف الجيش، وغير ذلك.

وإذا كنتَ -يا د.عبد المقصود- أنتَ ومَن معك ممن فروا إلى تركيا وقطر تقولون: فررنا بدمائنا! فهل دماؤكم أغلى مِن دماء مَن دعوتموه للثبات في اعتصام "رابعة" وأن مَن قُتل فهو شهيد؟! فلِمَ لم تقولوا: فلنمت على ما ماتوا عليه؟!

ولِمَ عندما قلتَ: "إن الاعتصام في رابعة فتوى خمس هيئات، ومِن علماء السعودية: د.العمر، ود.عبد العزيز الطريفي، ثم قلتَ: بلاش أسماء بدلاً من أن يُضروا الآن. فقال سلامة عبد القوي: بلاش أسماء، لماذا؟".

أليس هذا ميزانًا للمصالح والمفاسد، وعدم إلحاق الضرر بالآخرين؟!

فلماذا تريدون الضرر بشباب وفتيات المسلمين في مصر؟!

ولمَ الكيل بمكيالين!

وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فيا شباب...

إن المخرج مما نحن فيه إنما يكون بالدخول في مصالحة ولم الشمل، والعمل للمصلحة العامة وتقديمها على المصالح الخاصة، والجلوس للحوار لمناقشة الأفكار والتناصف فيما بيننا.

يا شباب... قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف -رحمه الله-: "واعلموا أنه لا ينجي عند اختلاف الناس وكثرة الفتن إلا البصيرة، وليس كل مَن انتسب إلى العلم وتزيا بزيه يُسأل ويُستفتى وتأمنونه على دينكم، قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم؛ لا تأخذوا عمن هب ودب، وحُرم الفقه والبصيرة، فإنكم مسئولون عن ذلك يوم القيامة" (الدرر السنية 8/ 84).

أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يؤلـِّف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يجعل مصر سخاءً رخاءً، آمنة مطمئنة، وسائر بلاد المسلمين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً