الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (5)

وقد اتجه زعماء الحركة الصهيونية لتحقيق هدفهم في تهجير اليهود إلى أرض فلسطين من أوروبا إلى استثمار بقايا النظرة العدائية القديمة لليهود

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (5)
علاء بكر
الجمعة ١٨ أبريل ٢٠١٤ - ١١:٢٥ ص
3053

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (5)

الحركة الصهيونية والمعاداة للسامية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعندما بدأت الحركة الصهيونية الحديثة في الظهور كان الشعور المعادي لليهود المعروف باسم: "اللا سامية" قد ضعف بعد دخول أوروبا عصر النهضة، وتبنيها للفكر القومي، وانتشار أفكار الثورة الفرنسية الداعية إلى المساواة والإخاء والحرية؛ فلم يعد الاضطهاد لليهود -خاصة في أوروبا الغربية- إلا ذكريات بعيدة من ذكريات القرون الوسطى التي اضطهدت فيها كل الطوائف الدينية الأوروبية بعضها البعض كما اضطهد اليهود؛ لذا قطع اليهود الأوروبيون أشواطـًا بعيدة -مثلهم مثل سائر الأقليات الدينية- في الاندماج في المجتمعات الأوروبية الغربية.

أما اليهود الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فقد وجدوا هناك مجتمعًا ناشئًا مؤلفًا من كل الأعراق يسهل على كل من رغب الاندماج فيه؛ لذا لم تجد الحركة الصهيونية عند نشأتها غير يهود روسيا وأوروبا الشرقية لتنشر فيهما دعوتها.

لقد كان أغلب المائتي شخص الذين أسسوا الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول في "بال" بسويسرا مِن يهود روسيا وأوروبا الشرقية، واستمر الحال على ذلك سنينًا طويلة بعد ذلك؛ لذا كان أغلب اليهود الذين استطاعت الحركة الصهيونية نقلهم إلى أرض فلسطين في الثلث الأول من القرن العشرين هم من اليهود الروس والأوروبيين الشرقيين.

وقد اتجه زعماء الحركة الصهيونية لتحقيق هدفهم في تهجير اليهود إلى أرض فلسطين من أوروبا إلى استثمار بقايا النظرة العدائية القديمة لليهود في أوروبا، والاستفادة منها ولو بإحيائها أو ترديد حججها وأقوالها، فكانت الحركة الصهيونية تردد نفس الأقوال التي يسوقها "اللا ساميون" ضد اليهود مِن أن اليهود عرق واحد، وأنه لا ولاء حقيقي لليهود في الأوطان التي يعيشون فيها، وأنه لا مجال لاندماجهم التام فيها، وأن العداء لليهود شعور ثابت في العالم الأوروبي، ولا حل لذلك إلا بفصل اليهود عن سواهم.

ومِن هنا كان الترحيب كل الترحيب مِن المعادين للسامية بهذه الدعوة اليهودية الصهيونية الجديدة التي أتت لتؤكد صحة أقوالهم وتبررها!

لقد راهن "هرتزل" ومِن بعده زعماء الحركة الصهيونية على الاستفادة من "اللا سامية" لتحقيق أهدافهم، واعتبروا أن الدول التي فيها بقايا النظرة "اللا سامية" ستكون في المستقبل الحليف الموضوعي للحركة الصهيونية؛ فقد ادعي "هرتزل" أن قضية الضابط اليهودي الفرنسي "درايفوس" وما تلاها مِن العداء من جديد لليهود في فرنسا هي التي جعلته يتبنى الفكرة الصهيونية، ويكتب كتابه "الدولة اليهودية"، وفي نفس الوقت نجد "هرتزل" يستغل هذا العداء لليهود لتحقيق فكرته في الترويج لتهجير اليهود من أوروبا إلى أرض يقيمون عليها دولتهم الاستعمارية بعيدًا عن أوروبا، فيكون ذلك حلاً للمسألة اليهودية يرضي أوروبا ويرضي اليهود معًا، وهكذا يلتقي هدف الحركة الصهيونية مع أقطاب المعاداة للسامية في أوروبا.

يقول "هرتزل" لأحد محاوريه من الألمان: "إني أتفهم اللا سامية فنحن اليهود بقينا أجسامًا أجنبية داخل مختلف الأمم، وإن لم يكن الخطأ خطأنا!" (تاريخ المسألة الفلسطينية، فيصل أبو خضرا ص48).

وفي عام 1903م قابل "هرتزل" وزير داخلية قيصر روسيا بلهيف، وهو من أشهر "اللا ساميين" الروس في عصره وأخطرهم، بل هو المنظم لأعمال العنف ضد اليهود في مدينة "كيشينيف"، في ذلك الوقت للتنسيق معه.

وكانت روسيا قد شهدت عام 1881م أعمال عنف ضد اليهود بعد اغتيال القيصر "الكسندر الثاني"، وتحميل النظام القيصري اليهود مسئولية اغتياله، وقد امتدت هذه الموجة العدائية إلى سقوط النظام القيصري في بداية القرن العشرين.

قضية الضابط "درايفوس":

ترجع قضية الضابط اليهودي "ألفريد درايفوس" إلى عام 1894م، حيث اُتهم هذا الضابط بالتجسس وبيع بعض الوثائق العسكرية الفرنسية لألمانيا، وقدِّم للمحاكمة التي أدانته؛ مما أثار ثائرة الرأي العام الفرنسي ضد اليهود، وقد حاول اليهود بشتى الوسائل الممكنة مساعدة هذا الضابط وتبرئته مما نسب إليه حتى استطاعوا بعد عشر سنوات من إعادة محاكمته والحصول على الحكم ببراءته.

وكان الغرض من ذلك إنقاذ اليهود من غضب الشعب الفرنسي، فاستغل "هرتزل" هذه الحادثة وما فيها، وألـَّف كتابه "الدولة اليهودية" داعيًا إلى تأسيس دولة يهودية على طريقة أوروبا الاستعمارية يهاجر إليها المضطهدون من يهود العالم!

أما يهود أوروبا الغربية وأمريكا فقد هالهم أن يتحملوا عبء الحركة الصهيونية الناشئة التي تلتقي في طرحها وهدفها -ولو من منطلقات مختلفة- مع أعداء السامية، فتحيي هذا العداء، وتسعى إلى منع اندماجهم في أوطانهم التي يعيشون فيها، وتعمل على نقلهم في جماعات إلى أرض جديدة، تكون وطنًا خاصًّا بهم.

لذا لم يحب هؤلاء اليهود الغربيون هذه الحركة ولم يتفاعلوا معها، إلا بعد أن نجح زعماء الحركة الصهيونية في استغلال ظهور النازية في ألمانيا، ودفع اليهود إلى الفرار إلى فلسطين؛ بدعوى معاداة النازية للسامية.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة