الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الآثار المترتبة على تكفير المسلم (خطبة مقترحة) (3)

فالردة مروق وخروج مِن ملة الإسلام بعد ثبوته، فيترتب على ذلك أحكام في الدنيا بعد الحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك

الآثار المترتبة على تكفير المسلم (خطبة مقترحة) (3)
سعيد محمود
الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠١٤ - ١٥:٢٣ م
14527

الآثار المترتبة على تكفير المسلم (خطبة مقترحة) (3)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض مِن الخطبة:

- التحذير والتنفير من الاجتراء على تكفير المسلمين بغير حق.

المقدمة: خطر تكفير المسلم بغير حق:

- لا يجوز لأحد أن ينسب إلى مسلم شيئًا لم يفعله أو يعتقده: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58).

- وأخطر ذلك أن ينسب مسلمًا إلى الكفر بغير حق: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء:94). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ، فَنَزَلَتْ: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)" وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: "السَّلامَ" (متفق عليه).

- حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- وزجر عن ذلك، وأخبر عن عاقبته السيئة على المعتدي: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ) (رواه مسلم)، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلا حَارَ عَلَيْهِ) (رواه البخاري ومسلم).

الآثار المترتبة على تكفير المسلم:

يمهد الخطيب للعناصر الآتية:

أن هذا النهي والزجر من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عن تكفير المسلمين بغير حق إنما يرجع لما يترتب على ذلك مِن آثار خطيرة؛ حيث يتغير وصف المسلم إلى المرتد، وهذا له أحكام تترتب عليه، فالردة مروق وخروج مِن ملة الإسلام بعد ثبوته، فيترتب على ذلك أحكام في الدنيا بعد الحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ومن هذه الأحكام ما يأتي:

1- إباحة دمه:

- المرتد قد جاء بما يدل على بغضه للإسلام وعداوته لأهله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) (رواه البخاري).

- الشريعة الإسلامية عظـَّمتْ أمر الدماء التي ربما لا يبالي بها التكفيريون: قال الله -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151).

- بل كل الشرائع اتفقت على ذلك: قال الله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا... ) (المائدة:32).

- فكيف بنفس المسلم إذا أزهقت بغير حق؟! قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ, لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلاً) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

2- لا يُقبل منه عمل:

- المرتد لا تنفعه صلاة، ولا زكاة، ولا صيام، ولا حج، ولا شيء، ولا يقبل منه عمل سابق ولا لاحق: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5).

3- لا يعامل كموتى المسلمين إذا مات:

- المرتد لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين: قال الله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة:84).

- لا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار والدعاء له: قال الله -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113).

4- يفسخ نكاحه:

- لا تحل له زوجته المسلمة وتبين منه مع ثبوت الردة: قال الله -تعالى-: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة:10).

- لا يجوز أن يكون وليًّا لامرأة مسلمة في عقد نكاح: قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71).

5- ماله يصير فيئًا للمسلمين، ولا يرث ولا يورث:

- يؤخذ ماله ويقسم كما أمر الله -تعالى-: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... ) (الحشر:7).

- إذا مات لا يورث ولا يرث قرابته المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ) (متفق عليه).

6- لا تؤكل ذبيحته:

- لا تصلح ذبيحته للأكل ولا للبيع: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة:5).

- وهنا يشير الخطيب إلى قبح حال المرتد؛ حيث تؤكل ذبيحة اليهود والنصارى، ولا تؤكل ذبيحة المرتد.

7- الخلود في النار:

- إذا مات على الردة لا يُغفر له، وهو من أهل النار خالدًا فيها أبدًا: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏) ‏(النساء‏:48)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217).

- لا أمل له قط في الخروج من النار: قال الله -تعالى- عن أهل النار: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (المؤمنون:107-108)، وقال -تعالى-: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة:20)، وقال -تعالى-: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48).

خاتمة مهمة:

- لا يغتر دعاة الحريات "حرية الاعتقاد - حرية الفكر والإبداع - ... " بالنكير على غلاة التكفير بظن السلامة من ذلك، وإلا فقد قابل التكفير قديمًا المغترون "المرجئة بأنواعها": قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف:103-104).

- القرآن والسنة وصفا طوائف من الناس بالكفر: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، وقال -تعالى-: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة:66).

- وصف التكفير غير ممتنع، ولكنه لا يكون إلا بالدليل: قال الله -تعالى-: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116).

- التكفير له ضوابط (شروط وموانع) يجب مراعاتها عند تكفير شخص معين؛ وإلا فقد يكون جاهلاً أو متأولاً أو مكرهًا، ونحوه... : قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106).

الخلاصة:

غلاة التكفير يكفـِّرون بغير دليل، ولا يراعون الشروط والموانع -وإن أظهروا غيرة مزعومة على الدين!-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ) (رواه البخاري).

ونسأل الله السلامة والعافية.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة