الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أسباب انتشار ظاهرة التكفير (خطبة مقترحة) (4)

الوقوف على أبرز الأسباب لانتشار ظاهرة التكفير بغير حق؛ لاتقائها ومعرفة وسائل علاجها

أسباب انتشار ظاهرة التكفير (خطبة مقترحة) (4)
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٩ أبريل ٢٠١٤ - ١٤:٤٨ م
8116

أسباب انتشار ظاهرة التكفير (خطبة مقترحة) (4)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

- الوقوف على أبرز الأسباب لانتشار ظاهرة التكفير بغير حق؛ لاتقائها ومعرفة وسائل علاجها.

المقدمة:

- الإشارة لظهور التكفير الأول مِن الخوارج لما كفروا الصحابة ومَن معهم يوم صفين.

- عدوى التكفير من الخوارج إلى الرافضة ثم المعتزلة.

- بروز هذه الظاهرة مرة أخرى في الفترة الأخيرة وانتشارها بين بعض شباب المسلمين.

- الإشارة إلى خطورة ذلك حيث إنها تجد رواجًا بسبب الظروف والملابسات والشُّبَه التي تزيد على شبه زمن التكفيريين الأوائل.

الأسباب والعلاج:

- الإشارة إلى أن الأسباب أكثر مِن ذلك، ولكن نقف على أبرزها, وهي:

1- الجهل بالأحكام الشرعية واتباع المتشابه:

- تكفير الصحابة يوم صفين كان بسبب الجهل بمقاصد الشرع واتباع المتشابه، ومِن أبرز ذلك هذه الشبهات الثلاث:

الأولى: أن عليًّا -رضي الله عنه- حكَّم الرجال في دين الله، والله -تعالى- يقول: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (الأنعام:57).

الثانية: أنه قاتل ولم يسبِ ولم يغنم, ولئن كانوا كفارًا فقد حلت أموالهم, ولئن كانوا مؤمنين فقد حرمت عليه دماؤهم.

الثالثة: أنه محا نفسه مِن إمرة المؤمنين, فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

وأجوبة هذه الشبهات تدل على ما هم عليه مِن السطحية في الفهم والتسرع في الحكم, وهي:

الأولى: أن الله أمر الرجال أن يُحكَّموا فيما هو أهون من حقن دماء المسلمين, فقال في الصيد: (... فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (المائدة:95), وقال في خلاف الزوجين: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء:35).

الثانية: هل تُسبى عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنهما-؟! فإن قالوا: نعم؛ فقد كفروا, وإن قالوا: ليست بأمنا؛ فقد كفروا أيضًا؛ لأن الله يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب:6).

الثالثة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من علي -رضي الله عنه-, وقد محا نفسه يوم الحديبية، ولم يكن محوه ذلك يمحوه من النبوة، وبذلك كان يسكتهم ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ لأنه كان يأتيهم بباقي الأدلة في المسألة نفسها.

- إشارة مختصرة إلى أن من أعظم القضايا التي وقع كثير من الناس بسببها في التكفير ثلاث قضايا، هي: "الولاء والبراء - الحكم بما أنزل الله - الخلط بين الكبائر دون الشرك وبين الكفر في الحكم"، وكلها تحتاج إلى علم تفصيلي بجوانبها، والوقوف على كلام العلماء في كل صورة من صورها في:

1- عدم التفريق بين الموالاة المحرمة والمكفـِّرة وبين صور المعاملة الجائزة مع الكفار.

2- تكفير الحكام ثم تكفير المجتمع تبعًا للحاكم باعتبارهم راضون عن حكمه.

3- عدم التفريق بين الذنوب الكبائر وبين الكفر والشرك, فيستعظمون الذنوب الكبائر فينزلون صاحبها منزلة الكفر.

2- التحاكم إلى القوانين الوضعية:

- الإشارة إلى آثار الاستعمار الغربي وغزوه الفكري لبلاد المسلمين, والتي من أعظمها تنحية الشريعة الإسلامية من حياتهم, وإحداث المحاكم الوضعية ثم إلغاء المحاكم الشرعية بعد أن تركوا جيلاً من أتباعهم "علمانيين وغيرهم" يحمون أفكارهم ويدافعون عنها.

- الإشارة إلى آثار التدخل الغربي المبكر في حياة المسلمين "التتار وحكم الياسق - العثمانيون وإدخال قوانين غربية - ... ".

- الإشارة إلى آثار الفكر الغالي والخرافي "كغلاة الصوفية" في نشر عقيدة الإرجاء في عموم المسلمين؛ فهانت عليهم أحكام الشريعة.

- ومن هنا يقع كثير من المسلمين في شراك التكفير بغير حق حيث يكفرون الحكام، وهي مسألة فيها تفصيل، ثم يكفرون المجتمع تبعًا لذلك! ثم يستبيحون دماءهم وأموالهم!

وربما جاءوا بالأدلة مِن الكتاب والسنة كقول الله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)، وكقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) (رواه مسلم)، ولكن بلا فهم ولا جمع لجوانب المسألة، وبلا نظر في المقيد والمطلق، وبلا مراعاة للقدرة والعجز، ولا لشروط التكفير وموانعه، ولا غير ذلك مِن الضوابط!

ولو سلمنا بكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله؛ فأين الحجة على المجتمع؟! فالمسلمون لا يرضون بغير الشريعة.

3- انتشار الفساد الأخلاقي:

- قوام الأمم في حسن خلقها، وفسادها في فساد أخلاقها: قد قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)، وقال -تعالى-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف:157)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ) (رواه البزار، وصححه الألباني).

وقال الشاعر:

إنما الأمـم الأخلاق ما بـقـيت             فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

- دور الغرب وأتباعهم "كالعلمانيين ونحوهم" في إفساد أخلاق المسلمين: قال الله -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) (التوبة:67).

- محاولات طمس الهوية الإسلامية من خلال الإعلام وإفساد التعليم، وإفساد المرأة، وإفساد الشباب: قال الله -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة:109).

- إطلاق العنان لأهل الفساد، والتسلط على المتدينين بالسخرية والاستهزاء مع استحضار الشباب المتحمس لمثل قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19).

- ومن هنا يقع كثير من الناس في شراك التكفير بغير حق؛ حيث العاطفة والغيرة على انتهاك الحرمات، ولكن بدون تحقيق وتفريق بين المعصية الكبيرة وبين الكفر المخرج من الدين ليكون شأنهم شأن العابد في قصة قاتل المائة نفس لما استعظم الذنب، فقال له: (لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ!) (رواه مسلم).

تنبيه: المعاصي والذنوب دون الشرك مهما عظمت لا يقع الإنسان بها في الكفر ما لم يستحلها؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48).

- النبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى على توبة بعض أصحاب الكبائر، فقال في المرأة الغامدية -رضي الله عنها-: (لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ) (رواه مسلم)، وقال عن المصر على شرب الخمر لما سبه بعض الناس ولعنه: (لا تلعنوه فو الله مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (رواه البخاري).

4- وقوع الفتن وانتشار الظلم:

- أجواء النزاع بين المسلمين وشيوع الفتن تساعد على ظهور تيارات التكفير حيث يسلكون طريقا ثالثًا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخوارج: (يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ) (متفق عليه).

- وتزداد فتنة التكفير إذا كان أحد الطرفين يتسلط على الدعاة والعلماء والمتدينين, فيكون الطرف الثالث هو مَن يتبنى تكفير المتسلط؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:10)؛ ولقوله -تعالى-: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:254).

- وربما يتطور الأمر لتكفير الطرف الثاني إذا أنكر عليه حيث يتهمه بالجبن وتضييع الدين، والرضا بما عليه الظالمون مستدلاً بقوله -تعالى-: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود:113).

- وتزداد الفتنة وتأتي التساؤلات عند كثير من الشباب بازدياد الظلم والقهر للشباب المتدين في سجون الظالمين, قال "شكري مصطفى" أمير جماعة التكفير والهجرة بعد تعذيبه في ليمان طرة: "إن كل المجتمعات القائمة جاهلة وكافرة قطعًا".

- الإسلام ينهى عن الظلم وتعذيب حتى الحيوانات؛ فكيف بحكام جعلوا أعوانهم يعذبون الناس؟ وهل المجتمع الذي يسكت على هؤلاء يكون مسلمًا؟

فتكون الإجابة التي غذى الشيطان نار فتنتها مع قلة العلم وعدم مطالعة التاريخ هي الحكم بالتكفير للكل "الحكام والمحكومين والأعوان!".

5- هجر العلماء والإساءة إليهم:

- اتهام العلماء بالعمالة للحكام وإغفال القواعد الشرعية، مثل: مراعاة القدرة والعجز، والموازنة بين المصالح والمفاسد؛ فضلاً عن وقوعهم في الجهل بالأحكام -كما سبق-، ومثال ذلك: الاستهزاء بابن عباس -رضي الله عنهما- لما دخل عليهم وهو يلبس حلة ثمينة!

صور مأساوية في الإساءة إلى العلماء:

- قال أحدهم عن ترجمة البخاري في الصحيح: "بَابٌ: المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلا بِالشِّرْكِ": "قائل هذا الكلام كافر وجاهل! فقيل له: إنه الإمام البخاري! فقال: ولو!" (إعلان النكير على غلاة التكفير).

- وقال بعضهم عن الشيخ ابن باز -رحمه الله- وهيئة كبار العلماء: "هذه طائفة ردة وكفر".

- اتباع الأصاغر والمدعين للعلم "إنترنت - وفضائيات - وكتابات فكرية مضطربة", قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِن مِنْ أشراطِ السَّاعة أنْ يُلْتَمَسَ العلمُ عِنْدَ الأصاغِرِ) (رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني).

- فتجتمع الظلمات فوق بعضها: "التكفير - التنفير من العلماء - اتخاذ رؤوسًا جهالاً".

قال أحد الدعاة لأحدهم وهو يناظره: قال الله -تعالى-: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (طه:121)، فهل يعني هذا كفر نبي الله آدم؟ فقال له: نعم!" (إعلان النكير على غلاة التكفير).

خاتمة: ما السبيل والعلاج؟!

يشير الخطيب إلى أن ذلك يحتاج إلى حديث منفرد، ولكن في جمعة "إذ كل سبب مِن الأسباب السابقة يقابله علاج مِن وسائل العلاج".

فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة