الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثورة العربية ضد تركيا عام 1916م

القضاء على الدولة العثمانية؛ لكونها العقبة الرئيسية أمام السماح بالهجرة اليهودية لأرض لفلسطين

الثورة العربية ضد تركيا عام 1916م
علاء بكر
السبت ٣١ مايو ٢٠١٤ - ٠٧:١٩ ص
3085

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (9)

الثورة العربية ضد تركيا عام 1916م

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد سعت الماسونية العالمية، وهي أحد المنظمات التي تعمل في خدمة الأهداف اليهودية ويتحكم فيها اليهود إلى القضاء على الدولة العثمانية؛ لكونها العقبة الرئيسية أمام السماح بالهجرة اليهودية لأرض لفلسطين.

فكان مِن تخطيطها:

1- إبعاد السلطان "عبد الحميد" عن حكم تركيا؛ لذا تم تصوير السلطان على أنه مستبد في حكمه، يرفض دعاوى الإصلاح مِن خلال حملات دعائية منظمة، وأنشأت جمعية الاتحاد والترقي "تركيا الفتاة"، وتم إمدادها بالمال اللازم، وعمل الدعاية الواسعة للتعاطف معها، ولما تهيأت النفوس للتغيير تم خلع السلطان "عبد الحميد"، حيث قام أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بانقلابهم في عام 1909م، وأجبروا السلطان "عبد الحميد" على التوقيع على وثيقة التنازل عن الحكم.

2- إضعاف تركيا عن طريق الزج بها في حروب تضعفها، وتضعف نفوذها على ما تحت يديها من البلاد، خاصة في المنطقة العربية، وكانت قمة هذه الوسيلة في مشاركة تركيا في الحرب العالمية الأولى بلا مبرر قوي للمشاركة فيها، وترتب على هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى فقدها لما تحت يديها من البلدان العربية في الشام، والعراق، والجزيرة العربية، والتي وقعت تحت النفوذ البريطاني الفرنسي بعد خروجها من التبعية لتركيا.

3- إثارة النعرات القومية داخل الدولة العثمانية، وتشجيع الحركات الانفصالية داخلها لتفتيتها، وذلك في اتجاهين متضادين:

الأول: إثارة الدعوة إلى القومية الطورانية في تركيا المنادية بأن تركيا للأتراك، وتقديمهم على مَن عداهم، فكانت جمعية تركيا الفتاة، والتي اتخذت من الدب شعارًا، وهو شعار الأتراك قبل الدخول في الإسلام.

الثاني: إثارة العناصر غير التركية: "كالعرب، والأكراد" ضد الأتراك بادعاء اضطهاد الأتراك لهم، وتقليل الأتراك من شأنهم، ومِن ثَمَّ تنمية مشاعر السخط والكراهية ضد الأتراك، واستغلال ظهور الدعوة إلى القومية الطورانية في تركيا، وهي مِن صنعهم في الوصول لهدفهم؛ مما مهد للحركة القومية العربية الانفصالية بعد ذلك. (راجع في ذلك: الماسونية في "مذاهب فكرية في الميزان" د.علاء بكر ط. مكتبة فياض - المنصورة - ص: 302-313).

الدعوة إلى القومية العربية:

ظهرت الحركة القومية العربية للتحرر من النفوذ العثماني في المنطقة العربية، وتركزت هذه الحركة في الشام والعراق، والتقت مع سعي "الشريف حسين" في الحجاز بإقامة دولة عربية مستقلة يحكمها، وكان "الشريف حسين بن علي" -شريف مكة- قد وسَّع نفوذه الديني والسياسي في الحجاز، وتعززت مكانته لدى الحركة القومية العربية في الشام والعراق، وقد طور "الشريف حسين" علاقاته مع الجمعيات القومية السرية في سوريا ولبنان.

كما بدأ في الاتصال ببريطانيا للتعرف على مدى استعدادها لدعمه ضد الأتراك، ومع بداية الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا رأت بريطانيا ضرورة الاستفادة من "الشريف حسين" والحركة القومية العربية؛ حيث إن العرب سيشكلون ثقلاً بشريًّا وعسكريًّا في منطقتهم في حال ثورتهم، خاصة أن لـ"شريف مكة" مركزه الديني بين العرب.

وكانت بريطانيا تدرك دور العرب المساند لتركيا في الحرب إذا لم تتحالف بريطانيا مع العرب، ودعت تركيا الدول العربية التي تحت نفوذها للمشاركة في الحرب إلى جانبها، كما كانت بريطانيا تدرك خطر الحاميات التركية في الجزيرة العربية الذي قد يهدد قناة السويس، ويهدد خليج عدن، وحين ينقلب العرب على الأتراك ويتم القضاء على الحاميات التركية في الجزيرة العربية تفقد تركيا تلك المميزات، وتنشغل بمحاربة القوات العربية في الحجاز والشام، أي تعاني من مواجهة جبهة جديدة في الحرب تضعِف من قوتها العسكرية في مواجهة الحلفاء؛ لذا رأت بريطانيا ضرورة التفاوض مع "الشريف حسين" الذي حاول الاتصال بها للتحالف معها ضد تركيا من قبْل.

وتم تبادل الرسائل السرية بين الشريف "حسين بن علي" والمندوب السامي البريطاني في مصر "هنري مكماهون" بإشراف اللورد "كتشنر" وزير الحربية البريطاني إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى، واستمرت الاتصالات بين الطرفين من يوليو 1915م وحتى نهاية يناير 1916م.

وقد كان "الشريف حسين" مصرًّا على التعهد الواضح الصريح من بريطانيا على الاستقلال العربي التام، والأخذ بحدود الدولة العربية المتوقعة كما يطمح هو إليها، ومن ورائه الجمعيات القومية العربية في سوريا والعراق، وأمام إصرار "الشريف حسين" على مطالبه، ولحاجة بريطانيا للثورة العربية ضد الأتراك، قام التحالف العرب البريطاني على الوعد "للشريف حسين" وفقًا لمطالبه.

وبناءً على قرار وزير الخارجية البريطاني السير "إدوارد جراي"، بعث "مكماهون" إلى "الشريف حسين" رسالته الشهيرة -"رسالة مكماهون"- المؤرخة في 24 أكتوبر 1915م تعد فيها بريطانيا العرب بالاستقلال، وأن تكون لهم دولة عربية مستقلة ضمن الحدود التي طلبها "الشريف حسين".

وقد قام "وعد مكماهون" والذي سبق وعد "بلفور" لليهود على استقلال المشرق العربي بعد نهاية الحرب وهزيمة تركيا في المنطقة "التي تضم الآن دول الجزيرة العربية، وسوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، والعراق" مقابل الثورة العربية على الأتراك.

وبوقوع الاتفاق بين بريطانيا و"الشريف حسين"؛ سارع "الشريف حسين" بإعلان الثورة العربية في الحجاز، والتي بدأت في 10 يونيو 1916م بالهجوم على الحامية التركية في مكة، ثم الانطلاق في كل الاتجاهات.

وفي نفس الفترة تقريبًا بدأت المحادثات بين إنجلترا وفرنسا في لندن لتقسيم المنطقة العربية بعد هزيمة تركيا، والتي أسفرت عن اتفاقية "سايكس - بيكو" في مايو 1916م، واستكملت باتفاق "سان جان دو موريان" بعد ذلك.

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن ظهور الفكر القومي العربي في هذه الفترة أضفى على المسألة الفلسطينية الطابع القومي العربي؛ وعليه تحرفت نشأة القضية الفلسطينية بمعرفة الحركة الصهيونية التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني كشعب يقيم على أرض فلسطين عبر تاريخه الطويل، وراحت تصور الأمر على ما يحلو لها، فمن كان يعيش من العرب في أرض فلسطين مع قدوم الهجرة اليهودية فله أن ينتقل منها إلى أرض العرب الواسعة، وكأنه لا ارتباط هناك بين الإنسان الفلسطيني العربي وأرض فلسطين، مع أنه لا منافاة ولا تناقض بين انتماء الإنسان الفلسطيني لأرضه فلسطين وانتمائه لقوميته وجنسه العربي، كما ينتمي المصري لوطنه مصر ولأمته العربية، فلا يلغي انتمائه للجنس العربي انتمائه لأرض مصر.

إن انتماء الفلسطيني لفلسطين سابق بكثير -بل بكثير جدًّا- لفكرة القومية العربية التي ظهرت حديثًا بعد ظهور الفكر القومي في أوروبا، ولكن الحركة الصهيونية راحت تصور للأوروبيين: "أن فلسطين أرض بلا شعب -أي خالية من السكان- لشعب بلا أرض -أي الشعب اليهودي-!"، وأن مَن تصادف وجوده على أرض فلسطين مع توافد اليهود إليها فهو عربي من أرض العرب، ووطنه هو أرض العرب ككل؟ وقد كانت فلسطين تضم وقتها 700 ألف فلسطيني، منهم 574 ألف مسلم فلسطيني، و70 ألف نصراني فلسطيني، و56 ألف يهودي معظمهم من اليهود العرب (انظر "تاريخ المسألة الفلسطينية" ص 66).

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة