الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

العشر الأواخر (أفضل الليالي)

ربنا -سبحانه وتعالى- يتفضل على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطاعات، فيغتنم الصالحون نفائسها، ويتدارك الأوابون أواخرها؛

العشر الأواخر (أفضل الليالي)
سعيد محمود
الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠١٤ - ١٥:١٥ م
2246

العشر الأواخر (أفضل الليالي)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن ربنا -سبحانه وتعالى- يتفضل على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطاعات، فيغتنم الصالحون نفائسها، ويتدارك الأوابون أواخرها؛ ليالٍ مباركة أوشكت على الرحيل، ليالي شهر كريم، أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النار فيه مغلقة، والشياطين فيه مصفدة، العشر الأواخر منها تاج الليالي؛ فإنها أفضل الليالي، وأعلاها قدرًا.

- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت الليالي العشر الأواخر يجتهد فيها بالعبادة أكثر مِن غيرها، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ" (رواه مسلم)، وفي رواية لأحمد: "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِصَلاةٍ وَنَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ".

- إن في العشر ليلة هي أم الليالي الأخيرة، تتغير فيها نواميس الكون في أحوال كثيرة، خلق عظيم ينزل مِن السماء لشهود تلك الليلة العظيمة، ليلة سلام وبركات على هذه الأمة؛ فهي ليلة البركات والخيرات، وهي عزيزة الساعات، القليل من العمل فيها كثير، والكثير منه مضاعف، قال الله -سبحانه وتعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:3-5).

- إن في هذه الليلة نزل كتاب ربنا العظيم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)؛ مما يدل على علاقة وثيقة بينها وبين القرآن العظيم الذي مَن قرأ حرفًا منه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وهو شافع لصاحبه يوم القيامة، وسبب رفعته في الدنيا والآخرة؛ فاجعل لتلاوة القرآن على لسانك في العشر الباقية طراوة، ولصوتك منه نداوة؛ لتظفر بشفيعين في الآخرة: "القرآن، والصيام".

- والصلاة قرة عيون الصالحين، وراحة أفئدة الخاشعين، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل مِن خير أصحابه وهو عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) (متفق عليه).

فكيف وأنت في أعظم ليالي خلقها الله -تعالى-، وقد بشرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعزة إذا قمتها؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

- إن في كل ليلة مِن العام ساعة إجابة تفتح فيها الأبواب، والكريم فيها يمنح، تَسأل فيها ما شئت؛ فكيف إذا انضاف إليها كونها في الليالي العشر بين هذا الحفل العظيم في السموات والأرض؟!

فالعبد مفتقر إلى محو أدران خطاياه، والانكسار بين يدي مولاه في هذه العشر المباركات؛ فارغب إلى ربك فيها، وداوم على ذكره وسؤاله، فما أكثر أوقات الإجابة في هذه العشر المباركة.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "فضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه مِن الفضائل".

- أخي... هذه أيام وليالي الفضائل والبركات؛ فأكثر فيها من الطاعات، فإن مِن عظيم فضل الله علينا، أنه لم يحدد لنا ليلة القدر بليلة معينة، بل قال فيها نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ) (متفق عليه).

أخي... هذه الليالي أكثر فيها مِن طلب العفو عساك أن تفوز به، عن عائشة -رضي الله عنها-: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعَفُ عَنِّي) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

وهنا لطيفة في سؤال يجيب عليه الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: لماذا سؤال العفو حتى مع الاجتهاد في أيام وليالي العشر؟

قال: "إنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحًا، ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر" اهـ.

فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وأعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة