السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل إقامة دولة إسرائيل (11)

ولاستمرار المضمون الاستعماري الأوروبي على الشعوب الصغيرة المحررة أقدمت الدول الأوروبية على وضع نظام "الانتداب" ...

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل إقامة دولة إسرائيل (11)
علاء بكر
الاثنين ١١ أغسطس ٢٠١٤ - ١٣:٥٦ م
2441

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل إقامة دولة إسرائيل (11)

رفض العرب لاتفاقية "سايكس - بيكو"

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد استعانت إنجلترا بفرنسا وروسيا في أثناء الحرب العالمية الأولى ضد تركيا، خاصة بعد هزيمة إنجلترا في معركة "غاليبولي" في العراق، وبعد المفاوضات بين هؤلاء الحلفاء تم الاتفاق على تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم بعد انتهاء الحرب وهزيمة تركيا فيها، وعقدت اتفاقية "سايكس - بيكو" السرية بناءً على ذلك.

ولما قامت الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا عام 1917م، وعثر زعماؤها على وثائق هذه الاتفاقية ضمن الوثائق التي وقعت تحت أيديهم أعلنوها لفضح نوايا إنجلترا تجاه العرب، ونشرتها إحدى الصحف الروسية.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا فيها، وانتصار إنجلترا وحلفائها؛ نكثت إنجلترا بوعدها للعرب، وخلال عامي "1919 - 1920م" خسر العرب كل شيء!

- ففي مؤتمر باريس للسلام اجتمعت الدول المنتصرة في يناير 1919م لتطبيق بنود الصلح على الألمان والأتراك، وتم توقيع معاهدة "فرساي" في 28 يونيو 1919م بين الدول المنتصرة الكبرى: "بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية"، والتي أنهت الحرب رسميًّا.

- وفي "سان ريمو" اتفق رؤساء حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على كيفية تنفيذ معاهدة فرساي، وتنسيق المواقف حول ما سيفرض على تركيا والمنطقة العربية.

- وفي 10 أغسطس 1920م كانت معاهدة "سيفر" التي وقَّعت عليها تركيا.

- وتم خلال ذلك تعديل اتفاقية "سايكس - بيكو"، بما يلائم مصالح إنجلترا أكثر بعد استبعاد روسيا التي خرجت من الحرب العالمية الأولى قبل نهايتها بعد قيام الثورة البلشفية فيها، والقضاء على النظام القيصري الذي كان يحكمها؛ فضمت إنجلترا ولاية الموصل لنفسها ليكون انتدابها شاملاً للعراق كله، وكانت إنجلترا قد تركت الموصل لفرنسا أولاً لئلا يكون لها حدود مشتركة مع روسيا القيصرية بعد الحرب، حيث كان قد تم الاتفاق على إعطاء روسيا القيصرية شمال شرق الإمبراطورية العثمانية.

كما قبلت فرنسا وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وذلك كله في مقابل موافقة بريطانيا على الشروط التي وضعتها فرنسا لتطبق على ألمانيا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب في أوروبا.

وقد كان نكث إنجلترا لوعدها للعرب راجعًا إلى:

- نظرتها الاستعمارية للمنطقة العربية.

- إدراكها لقدرتها مع حلفائها على القضاء على أي حركة وطنية أو نزعة استقلالية عند العرب بالقوة.

- إدراكها أن العرب ليست لهم علاقات وروابط دولية غير علاقتهم ببريطانيا، مما يضعف موقفهم أمام بريطانيا؛ فلم يكن للعرب علاقة مع فرنسا إذ كانوا يخشون مطامعها في "سوريا ولبنان وفلسطين"، ولم يكن لهم علاقة مع ألمانيا مِن الناحية الرسمية، ولا علاقة لهم مع روسيا؛ إذ كانت السياسة الروسية القيصرية لا تسمح بتلك العلاقة مع العرب، خاصة مع تبعيتهم لتركيا.

- وقد تعلقت آمال العرب لفترة بالرئيس الأمريكي -وقتها- "ويلسون"، وذلك في صيف 1919م، حيث أعلن عن مبادئه لمساعدة الشعوب الصغيرة في المناطق التي استولى عليها الحلفاء في الحرب، وسميت المناطق المحررة، حيث نادى "ويلسون" بحق تقرير المصير لهذه للشعوب، ومنها بالطبع الشعوب العربية.

وجاء اهتمام "ويلسون" بإجراءات السلام بعد الحرب العالمية الأولى من خلال 14 نقطة حددها في يناير 1918م؛ لذا اقترحت أمريكا إرسال لجنة تحقيق دولية لاستطلاع رأي السكان في البلاد العربية حول مصيرهم، وهذه اللجنة التي عرفت باسم: "لجنة كنج - كرين" باشرت عملها بعد وصولها إلى "حيفا" في يونيو 1919م.

ورغم إيجابيات اللجنة فإنها لم تُسفِر عن نتيجة، وزاد الأمر سوءًا أن الرئيس الأمريكي "ويلسون" أقعده المرض المفاجئ، وانهزم مرشحه مِن بعده في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فتبدلت السياسة الأمريكية.

وترتب على ذلك:

- لم يأخذ مؤتمر باريس للسلام مِن مشروع الرئيس "ويلسون" إلا اقتراحه بإنشاء (عصبة الأمم)، والذي تكرس في مؤتمر "فرساي".

- لم تأخذ الدول الأوروبية بحق تقرير الشعوب المحررة لمصيرها؛ لكونه يعارض أطماعها، ولا يوافق مخططاتها الاستعمارية.

- ولاستمرار المضمون الاستعماري الأوروبي على الشعوب الصغيرة المحررة أقدمت الدول الأوروبية على وضع نظام "الانتداب" على تلك الشعوب مِن خلال عصبة الأمم؛ بدعوى مساعدة الشعوب الصغيرة على القيام بشئونها، ولم يكن هذا الانتداب إلا غطاءً خارجيًّا يبقى تحته المضمون الاستعماري كما هو.

- لم تنضم أمريكا بعد ترك الرئيس "ويلسون" للحكم إلى "عصبة الأمم" حيث لم يوافق الكونجرس الأمريكي على الانضمام لها، رغم أنها تكونت استجابة لاقتراح أمريكا، كما طوى النسيان تقرير لجنة "كنج - كرين"، فأكملت بريطانيا مخططها.

- وقد ثار العرب مِن جديد، ولكن ضد الإنجليز والفرنسيين؛ لتحقيق ما يسعون إليه مِن تكوين دولة عربية لهم مستقلة موحدة:

- فأعلن عرب سوريا (سوريا الكبرى) الاستقلال في مارس، ونصَّبوا الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكًا عليها، وكان الأمير "فيصل" قد قاد القوات العربية ضد الأتراك، واستطاع الاستيلاء على دمشق مع قوات الحلفاء عام 1918م، وأعلن نفسه ملكًا عليها قبل دخول القوات الفرنسية إليها، فدخلتها القوات الفرنسية بقوة السلاح بعد معركة "ميسلون" في 24 يوليو 1920م، وقد سقط (800) من العرب في هذه المعركة من بينهم "يوسف العظمة" قائد القوة العربية ووزير الحربية في حكومة الملك فيصل، وترتب على ذلك لجوء الأمير فيصل إلى العراق، ووضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، وفي عام 1921م جعل الأمير "فيصل" أميرًا على العراق ثم ملكًا إلى أن توفي في 1933م.

- وفي العراق قامت حركة عربية تدعو إلى الاستقلال فقامت بريطانيا "وكان لها 150 ألف جندي بريطاني في العراق" بقمع تلك الحركة بالقوة في أكتوبر 1920م.

- وقد شهدت فلسطين أيضًا مِن أبريل 1920م تظاهرات وانتفاضات مناوئة للتواجد اليهودي على أرض فلسطين أجبرت بريطانيا على تكليف لجنة عسكرية بريطانية للتحقيق في أسباب هذه الثورة الشعبية في فلسطين، ولكن الحكومة البريطانية تعمدت إخفاء نتائج تحقيقات اللجنة عن الرأي العام البريطاني والأوروبي.

وقد وردت الإشارة إلى نتائج تحقيق هذه اللجنة بعد ذلك بسنوات طويلة، حيث جاء في تقرير اللجنة الملكية حول فلسطين في عام 1937م أن هذه الثورة العربية من عرب فلسطين في عام 1920م كانت ترجع إلى:

1- الخيبة التي شعر بها العرب بسبب عدم الوفاء بوعد الاستقلال الذي حصلوا عليه خلال الحرب العالمية الأولى.

2- اعتقاد العرب الراسخ أن إعلان "بلفور" يحرمهم مِن حق تقرير مصيرهم بأنفسهم، وخشيتهم من أن إقامة مقر لليهود في بلادهم يؤدي إلى ارتفاع كبير في الهجرة اليهودية يعطي اليهود القدرة على السيطرة الاقتصادية والسياسية على فلسطين.

ومما جاء في تقرير اللجنة: "السكان المستقرون هنا منذ زمن بعيد معارضون تمامًا لأية هجرة جماعية لليهود، ومضادون كذلك في الوقت ذاته لأي سيادة يهودية عليهم، وإننا لنسأل أنفسنا: أيمكن أن يكون هناك إنجليزي واحد أو أمريكي واحد يعتقد أن تحقيق البرنامج الصهيوني أمر ممكن بغير مساندة من جيش كبير؟!".

ورفضت اللجنة البرنامج الصهيوني الشامل، واقترحت إبقاء وحدة سوريا مع فلسطين تحت انتداب بريطاني أو أمريكي، مع موافقة محدودة على إنشاء موطن قومي يهودي محدود.

وبصدور وثائق الانتداب الإنجليزي والفرنسي على البلاد العربية من "عصبة الأمم"، وكما جاء في اتفاقية "سايكس - بيكو" بدا أن الأمر قد انتهى واستقر، وقد فرض الاستعمار الأوروبي على العرب ما أراد رغم الآلاف من العرب الذين سقطوا وغطت أجسادهم أراضي هذه البلاد العربية في مواجهة الأتراك ثم الإنجليز والفرنسيين (راجع في ذلك: ملف إسرائيل لروجيه جارودي - تاريخ المسألة الفلسطينية لفيصل أبو خضرا).

- ومما يجدر الإشارة إليه أن مصر قد تعرضت إلى ما يشبه ما تعرضت له الحجاز والشام والعراق؛ إذ كانت مصر تابعة للدولة العثمانية، ولكن يحكمها "محمد علي" باشا ثم أبناؤه مِن بعده، طبقًا لما اتفقت تركيا مع "محمد علي" باشا عليه بعد الحروب التي وقعت بين الطرفين، وكان يطلق على حاكم مصر مِن قِبَل أسرة "محمد علي" لقب: (خديوي).

وقد شجع الخديوي "توفيق" الإنجليز على دخول مصر لمساندته في نزاعه مع الجيش بعد ثورة عرابي، فصارت مصر مع تبعيتها للدولة العثمانية ولأسرة "محمد علي" تحت احتلال بريطاني فعلي منذ عام 1882م.

وقد قامت في مصر حركة وطنية تندد بمساوئ الاحتلال الإنجليزي في مصر كان في مقدمتها الزعيم "مصطفى كامل"، ومِن بعده خليفته "محمد فريد".

ولما قامت الحرب العالمية الأولى ووقع العداء بين تركيا وإنجلترا؛ انفردت إنجلترا بحكم مصر، فلم تعد مصر تابعة لتركيا، ومع وجود الحركة الوطنية وخوف إنجلترا من تعاطف المصريين مع تركيا كان وعد إنجلترا للمصريين بمنحهم الاستقلال بعد نهاية الحرب وهزيمة تركيا فيها على أن تقدم مصر مساعدات لإنجلترا خلال تلك الحرب، وقد التزم المصريون بذلك وتحملوا توابعه.

ثم لما انتهت الحرب بهزيمة تركيا نكثت إنجلترا وعدها، ورفضت إعطاء مصر حق الاستقلال، ورفضت ذهاب وفدٍ مِن مصر إلى مؤتمر باريس للسلام لعرض مطلب مصر بالاستقلال، وكان الوفد بقيادة "سعد زغلول" الذي عاقبته إنجلترا بالنفي خارج مصر؛ مما أشعل ثورة شعبية عام 1919م أجبرت إنجلترا على السماح للوفد المصري بالتوجه لباريس، ولكنه عاد بخيبة أمل أمام رفض الدول المنتصرة في الحرب لمطلب استقلال مصر؛ مما دفع المصريين لاستكمال ثورتهم الشعبية، والتي انتهت بمنح مصر استقلالاً صوريًّا، صارت به مصر مملكة مستقلة في الظاهر، لكن لبريطانيا حق التدخل والتحكم الفعلي في شئونها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة