الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (12)

يزيد الأمر غرابة: أن أرض فلسطين لم تكن عند صدور "وعد بلفور" تحت حكم بريطانيا، بل كانت ما زالت تحت حكم الدولة العثمانية!

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (12)
علاء بكر
الاثنين ٢٥ أغسطس ٢٠١٤ - ١٤:٢٨ م
1326

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (12)

"وعد بلفور"

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فانطلاقًا من نظرة الحكومة البريطانية للعرب كانت بريطانيا ترى أن وجود مجتمع يهودي بفكر أوروبي قوي في فلسطين على مقربة من قناة السويس متحالف معها وخاضع لسيطرتها هو أضمن لمصالحها بكثير، وأشد ملائمة للدفاع عن هذه المصالح من الدولة العربية التي يسعى العرب لإقامتها.

وقد كان زعماء الحركة الصهيونية يدركون تمامًا هذا التوجه لدى بريطانيا، ويزينون للأوروبيين هذا التوجه ببيان الدور الذي ممكن أن تلعبه الحركة الصهيونية في هذا الشأن، ولعل "ورقة قناة السويس" كانت المحور الأساسي في المفاوضات والمباحثات السرية بيْن الحكومة البريطانية والمكتب الصهيوني في لندن، وكانت من دوافع ظهور وعد "بلفور".

فهرتزل يقول في كتابه "الدولة اليهودية": "بالنسبة لأوروبا سنقيم هناك -أي في فلسطين- جزءًا مِن السور المضاد لآسيا، وسنكون حراس الحضارة المتقدمي الموقع ضد البربرية!".

ومِن بعده كتب "حاييم وايزمان" في رسالة له عام 1914م: "إذا كان لفلسطين أن تقع ضمن منطقة النفوذ البريطاني، وإذا شجعت بريطانيا على إقامة مستعمرة يهودية فيها تكون تابعة للتاج البريطاني، فيمكن أن يصبح هناك في فلسطين من الآن إلى 20 و 30 عامًا مليون يهودي أو أكثر سوف يشكلون قوة حراسة فعالة لقناة السويس".

وقد كتب "هيربرت سايد بونام" -وهو أحد أصدقاء حاييم وايزمان ويعمل معلقًا عسكريًّا لجريدة مانشستر جارديان- في جريدته في نوفمبر 1915م مقالاً يدور حول أهمية وجود دولة صديقة في فلسطين للدفاع عن مصالح بريطانيا في قناة السويس في مصر.

وقد عرض على الحكومة البريطانية أمر إعطاء وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في "3-9-1917م"، ولم يتم إقراره، وبعد مدة من التشاور تمت الموافقة على القرار خاصة بعد أن وضع "لويد جورج" -رئيس الحكومة- و"آرثر بلفور" -وزير الخارجية- كل ثقلهما لإقرار القرار، وكُلفت وزير الخارجية بالإعلان عنها بالشكل الملائم، وبعد يومين أصدر "بلفور" رسالته إلى اللورد الصهيوني البريطاني "ليونيل وولتر روتشيلد" صاحب المكانة بين يهود بريطانيا ويهود الغرب.

وكان نص الرسالة: "عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني أن أوجِّه إليك مِن قِبَل حكومة صاحب الجلالة الإعلان التالي الذي يعبِّر عن تعاطف الحكومة مع الأماني اليهودية الصهيونية، وقد وافق عليه المجلس الوزاري بعد عرضه عليه: أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بصورة إيجابية إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل كل جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، مع العلم الواضح أنه لن يتم الإقدام على ما شأنه إلحاق الضرر بالحقوق المدنية الدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو بالحقوق والوضعية السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر. أرجو منك مع الامتنان أن تبلغ هذا الإعلان إلى الاتحاد الصهيوني. آرثر جيمس بلفور".

وقد صدرت هذه الرسالة في "2-11-1917م".

ويثير "وعد بلفور" لغرابته العديد مِن التساؤلات:

- كيف راهنت الحكومة البريطانية كل ذلك الرهان على الحركة الصهيونية، وهي حركة محدودة في وقت صدور هذا الوعد، ولم تكن تمثِّل إلا أقلية ضئيلة من يهود العالم، وتعاني العزلة حتى بين يهود أوروبا الغربية وأمريكا، الذين كانوا في غالبيتهم العظمى قد اندمجوا في مجتمعاتهم الغربية؟!

- كيف راهنت بريطانيا بهذه الجدية على فكرة قيام دولة يهودية في فلسطين، وهي فكرة كانت من الغرابة لدى الجمهور البريطاني والرأي العام الغربي وقتها؟! وفي هذا المعنى يقول "آرتور كوستلر" مبينًا غرابة هذا الوعد: "أمة وعدتْ بإعلان رسمي أمة ثانية بأرض أمة ثالثة، فأعطت بحق ما لا تملك لمن لا يستحق!".

- يزيد الأمر غرابة: أن أرض فلسطين لم تكن عند صدور "وعد بلفور" تحت حكم بريطانيا، بل كانت ما زالت تحت حكم الدولة العثمانية!

- ويزيد الأمر غرابة: كيف استطاعت بريطانيا حمل الدول الأوروبية الكبرى الأخرى على الموافقة على "وعد بلفور" لليهود، ومنحه الصفة الدولية بإدخاله في نص الصك الذي يوليها الانتداب على "فلسطين" والصادر مِن "عصبة الأمم"، مع أن "وعد بلفور" من الناحية القانونية مجرد عرض لنوايا الحكومة البريطانية ليس له أي قيمة قانونية، بل هو من الناحية القانونية يعد باطلاً!

- كيف قامت بريطانيا بكل ذلك غير مكترثة بتحالف العرب معها ضد تركيا في الحرب العالمية الأولى، ومتخلية عن وعدها بإقامة دولة عربية "للشريف حسين" تضم الحجاز، والعراق، والشام؟!

- إن بريطانيا كانت بذلك غير عابئة بما كانت تنادي به الدول الغربية خلال الحرب العالمية الأولى من إعطاء الشعوب المحررة حق تقرير مصير بنفسها، واختيار نظام الحكم فيها.

وقد كتب "بلفور" حول هذه النقطة في "19-2-1919م" إلى "لويد جورج" يقول: "النقطة الضعيفة في وضعنا بشأن فلسطين هو أننا رفضنا مبدأ حق تقرير المصير؛ فلو أن سكان فلسطين الموجودين بها حاليًا استشيروا في ذلك لأعطوا دون أدنى شك رأيهم بالرفض للاستيطان اليهودي". أي أن تلك الدعاوى لم تكن إلا دعاوى خادعة كاذبة!

وقد كان تعداد اليهود في فلسطين عند صدور "وعد بلفور" نحو 8% من إجمالي السكان، ولا يتملكون فيها إلا قرابة 2% من أرض فلسطين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة