الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أزمة الكهرباء والحل الإسلامي

وتأتي أزمة الكهرباء علي رأس هذه الأزمات التي حولت حياة المواطنين إلي سجن مظلم ساخن

أزمة الكهرباء والحل الإسلامي
أحمد الشحات
الاثنين ٠١ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٣:٠٣ م
1974

أزمة الكهرباء والحل الإسلامي

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد..

يعانى شعبنا المصرى الحبيب في هذه الأيام من كثير من الأزمات اليومية ، ويواجه عدداً لا بأس به من المشكلات الحياتية ، تجعله يعيش في دوامة من المعاناة لا يتبدي لها مخرجاً قريباً أو عاجلاً ، وتأتي أزمة الكهرباء علي رأس هذه الأزمات التي حولت حياة المواطنين إلي سجن مظلم ساخن ، فبإنقطاع التيار الكهربي تنقطع الإضاءة بشكل رئيسي ثم يترتب علي ذلك نقص المياه وكذلك تعطل المكيفات والمبردات وغير ذلك من الوسائل التى اعتاد الناس العيش بها ، وتتوقف الحياه وتتعطل أشغال المواطنين سواء كانوا من الصناع أوالتجار أوأرباب البيوت أوالطلاب أوغيرهم ، ويخيم على الحياه كآبه وحزن تجعل استمرار الحياه بهذا الشكل لفترة طويلة دربًا من المستحيل.

وأسباب هذه المشكلة  شرعية وفنية ، ومن ثم سيكون العلاج أيضاً مشتمل علي الجانب الشرعي والفني.

الأسباب الشرعية :-

أولاً : الذنوب والمعاصي :-

القاعدة الشرعية العامة التي يمكن أن نُخضع لها كل ما يعانيه الناس من أزمات ومشاكل أنه " ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة " ، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه جدب وانقطاع للمطر فدعا العباس ليصلي بالناس فذكرهم بهذه القاعدة وأمرهم بالتوبة فما إنصرف من مجلسه رضى الله عنه حتي إنهمرت السماء بالمطر ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " أن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " وقال عزوجل " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " وهكذا تتظاهر الأدلة علي تقرير هذه الحقيقة التى إن لم نستحضرها جيداً حُرمنا من مراجعة أحد أهم مسببات البلاء الذي يصيبنا.

  ثانيا ً : أوجه الانفاق المحرم :-

إذا نظرنا الي عدد الملاهي والمراقص والقري السياحية التي تمتليء بأنواع شتي من المحرمات والموبقات التي تتكفل الدولة بإنارتها وإمدادها بكافة الخدمات والتسهيلات التي ربما لا ينعم بها المواطنين أنفسهم ، فلا نستبعد أن يكون هذا من أحد أسباب البلاء ، وإلا ففي شهر رمضان كان الناس يصلون في المساجد علي ضوء الشموع بينما تبقى الخيم الرمضانية ساهرة حتي الصباح علي أنغام الموسيقي  وتحت الأضواء والمكيفات.

ثالثاً : السرقات من المال العام :-

قال النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه الي الأنصار " وما نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم "  فمجرد التطفيف في الموازين إستجلب عليهم كل هذا البلاء فما المتوقع من سرقات بالجملة تمتلأ بها الشوارع والأسواق.

رابعاً : الإسراف والتبذير :-

حذرنا الله من التبذير فقال " ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " وأرشدتنا السنة أن نقتصد في ماء الوضوء – رغم قلة الماء المستخدم فيه أصلاً – حتي ولو كنت علي " نهر جار " وما ذاك إلا ليتعود المسلم على هذه السلوكيات ويتربي علي هذه الأخلاقيات ، ولكن الذي نراه من كثير من الناس أنهم يبالغون في الإسراف في إستهلاك الكهرباء بشكل يدعو إلى العجب والحيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأسباب الفنية :-

فيما يتعلق بالأسباب الفنية فالقضية ذات شجون وأحزان وتتعلق بتاريخ طويل من الخيانة والفساد والإهمال ، اجتمع هذا الثالوث المدمر علي مدار السنوات السابقة فأدي بنا إلي ما نحن فيه الآن ليس في قضية الكهرباء وحدها بل في كثير من مقدرات الأمة وكنوزها الثمينة ، وسوف يتضح شيء من ذلك من خلال مناقشة الأسباب التالية :-

1 – أزمة في إمدادات الوقود اللازم لتشغيل المحطات وخاصة الغاز الطبيعي:

رغم أن مصر من الدول المنتجة للغاز – يبلغ الانتاج السنوي 2.2 تريلليون قدم مكعب - بل والمصدرة له أيضاً – يبلغ إجمالي الصادرات 0.4 تريلليون قدم مكعب – إلا أننا نعاني من أزمة شديدة في إمداد محطات الكهرباء بالوقود اللازم لتشغيلها خصوصاً بعد تحويل معظم المحطات إلي الغاز الطبيعي.

هذه النكبة الكبري بدأنا أولي خطواتها في عام 2000 فيما يعرف بصفقة تصدير الغاز لإسرائيل ولكى نعرف كيف تمت الصفقة بهذه السهولة نتأمل فيما يلى :-

تبدأ القصة بإنشاء شركة " شرق المتوسط للغاز " المملوكة لرجل الأعمال الغامض " حسين سالم " وبالشراكة مع ضابط سابق في الموساد الإسرائيلي يدعي " يوسي ميمون " وذلك في عام 2000 وكان رأس مال الشركة وقت إنشائها 200 مليون دولار ثم ما لبث أن إرتفع إلي 2 مليار دولار فورتوقيع الشركة لعقد شراء الغاز المصري بينها وبين الحكومة المصرية.

نص العقد المشبوه علي أن تبيع الحكومة المصرية الغاز الطبيعي إلي الشركة بسعر 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية تم رفعها الي 3 دولارات بعد ذلك ، ثم تقوم الشركة ببيع هذا الغاز إلي شركة الغاز الإسرائيلية بمبلغ 4 دولارات مع العلم أن السعر العالمي يتراوح من 8-12 دولار، تم هذا التعاقد في عام 2005 ولمدة 15 عام بالإضافة إلى حصول شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة ثلاث سنوات إنتهت فى 2008.

وفي خلال الفترة الماضية بلغت خسائر مصر من خلال هذه الشركة المشبوهة 11 مليار دولار بينما بلغت مكاسب حسين سالم المادية بـ 5 مليار دولار ثم بعد ذلك أعلن خروجه من الشركة وباع حصته إلى شركة أمريكية وأخرى تايلاندية بمبلغ تجاوز 4.4 مليار دولار،لينتهي بذلك دوره الخبيث فى بيع الوطن ومقدراته إلى الأعداء ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والجدير بالذكر أن هذه الصفقة عطلت مصر عن الوفاء بإلتزاماتها الأخرى مع الشركات الكبرى التى كانت من المفترض متعاقدة معها مما حدا بهم إلى رفع قضايا دولية لسداد مستحقات مالية ربما تصل إلى 20 مليار دولار.

2 – التقاعس عن المطالبة بحقوق مصر في حقول غاز البحر المتوسط :-

من المفترض أنه تم اكتشاف عدد من حقول الغاز فى منطقة تعد من أكبر مناطق إحتياطى الغاز فى العالم وهذه الحقول تشترك فيها كل من (مصر ، قبرص ، إسرائيل )، إلا أن توانى مصر عن السعى وراء حقوقها وعدم إمتلاكها التقنية المتطورة  لإستخراج هذا الغاز أدى إلى ضياع هذه الحقوق فى الوقت الذى تسعي فيه إسرائيل إلى إلتهام كميات هائلة من الغاز تقدر ب26 تريلليون قدم مكعب مما يجعلها فى مصاف الدول الكبرى المصدرة للغاز ، ومن الوارد وقتها أن تعرض إسرائيل على مصر بكل صفاقة أن تستورد الغاز منها خصوصاً مع توتر العلاقات مع " قطر" أكبر مصدري الغاز فى المنطقة.

3 – التقاعس فى تطبيق برامج الصيانة اللازمة :-

تخرج كثير من المحطات عن الخدمة نتيجة القصور فى برامج الصيانة الدورية للمحطات والشبكات والأبراج وغيرها وكذلك التقصير فى برامج صيانة الآبار المستخرجة للغاز والتى تؤدى إلى عجز فى الإنتاج بمعدل 10% كل عام.

4 – الزيادة الهائلة فى الاستهلاك :-

أدت الزيادة المطردة فى أسواق المبانى والعقارات التى تتم غالباً بشكل غير قانونى إلى إستهلاك كميات ضخمة من الطاقة خصوصاً مع إمداد هذه المبانى بكثير من الأجهزة والآلات التى تستهلك كهرباء بطبيعتها.

5 - سوء إدارة منظومة الدعم :-

تأخرت الحكومة كثيراً فى معالجة الفساد الذى لحق بمنظومة الدعم فحرم المستحقين للدعم على الحقيقة ، وفتح الباب للمنتفعين والسراق لكى يلتهموه ويستفيدوا منه لصالحهم ، ومن ذلك إمداد الشركات بكهرباء مدعمة مع أنها كيانات منتجة لا تحتاج لهذا الدعم ، كذلك عدم تطبيق الحد الأقصى للدعم والذى يساوى بين الفقيرالمحتاج  وبين الميسور غيرالمحتاج.

6 – التخلف التقنى فى طرق توليد الكهرباء :-

فى الوقت الذى تعتمد فيه كثير من الدول على الطاقة النووية فى الاستخدامات السلمية والصناعية تقبع أرض الضبعة كأرض صحراء بور لأكثر من 40 عام وهى المكان الذى كان مخصصاً له أن يكون مقراً للمفاعل النووى المصري ، كذلك التأخر فى إستخدامات تقنية الخلايا الشمسية فى توليد الكهرباء وكذلك إستغلال طاقة الرياح وغيرها من الوسائل التى تقدر اللحظة التى يغيب فيها مصادر الوقود المعرروفة الآن.

الخلاصة :-

الأزمة التى نحن بصددها ليست وليدة اليوم وليس المسئول عن وجودها الرئيس السابق ولا الرئيس الحالى ومن يحاول أن يصور المشهد على أنه مؤامرة كبرى من أعداء النجاح لإفشال البلد فهو يمارس تزييفاً واضحاً للوعى العام ، وأظن أن قطع الكهرباء بهذا الشكل ينفى أكذوبة أن مرسي قد تعرض لمؤامرة من أجل إفشاله ، ولكن المشكلة أن الدكتور مرسي تولى مسئولية البلاد وهى تعاني من كم هائل ولا حصر له من المشكلات وإذ به يعد الناس أن هذه المشكلات سوف تتبخر فى غضون 100 يوم ولما كان هذا من أبعد المحال لم تتحرك هذه المشكلات خطوة إيجابية واحدة بل إن بعضها قد تفاقم ، فبدا بين خيارين أحلاهما مر فإما أن يكون كاذباً أو يكون جاهلاً ، أما الرئيس الحالي فقد جاء بنفس المعطيات تقريباً ولكنه إستوعب الدرس جيداً فلم يعد الناس بشيء ولم يحمل نفسه أعباء وتكاليف غير قادر على سدادها فإمتاز بالوضوح والشفافية التى إفتقدها غيره وقد ساهم هذا بنسبة كبيرة فى تعايش الناس مع الأزمة وتقبلهم لها.

لذا فإدراك أننا أمام أزمة بهذه الكيفية يعطى لنا تصور واضح عن حجم المشكلة وطريقة التعامل معها والجدول الزمنى اللازم للتعافى منها.

فى الواقع الحلول الحقيقية لهذه الأزمة تحتاج لأوقات زمنية طويلة وتكاليف مادية باهظة وخبرة فنية نادرة سواء كان ذلك عن طريق بناء محطات ضخمة لها قدرات إستيعابية كبيرة ، أو الاتجاه نحو الوسائل الحديثة للطاقة مثل الطاقة الشمسية والنووية ، أو الشروع فى عمليات حفر وتنقيب جادة لإكتشاف آبار جديدة وحقول جديدة تواكب الزيادة الهائلة فى الاستهلاك.

أما الحلول الآنية العاجلة فإنها تتلخص جميعاً فى ثلاث كلمات ( سياسة الترشيد – محاربة السرقات – إدارة الدعم )، وبدون ذلك فباقى الحلول تعتمد على التسول من الغير ومد اليد لمن يعطى بيد ويأخذ بالأخرى أو الحلول التى تؤدى إلى مزيد من تراكم الديون الذى يؤدى لمزيد من التخلف الإقتصادي وتوقف التنمية.

تحتاج الحكومة لمصارحة شعبها مصارحة تامة وتعطي لهم شرحاً وافياً عن طبيعة المشكلة  وتشركهم فى الحل ، والأهم من ذلك أن تعطى لهم خطة واضحة وأمينة بجدول زمني محدد للخروج من هذه الأزمة وعليها أن تحث المواطنين وتحفزهم نحو ترشيد الإستهلاك وتعطي جدولة واضحة بساعات محددة ومعروفة سلفاً عن أوقات قطع التيار حتى لا تتعطل حياة الناس وتتوقف مصالحهم ، وعليها أن تحارب السرقات وتمنعها بكل وسيلة لأنها بالفعل تستهلك معدلات ضخمة من الطاقة بلا ضبط ولا محاسبة.    والله المستعان.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة