الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحزبية ما لها وما عليها

هذه المواقف الحكيمة المبنية علي العلم بالواقع ومقاصد الشرع والشوري قد بينت العاقبة صحة الاجتهاد ـ جعلت هؤلاء الإخوة يأخذون موقفًاً معاديًا للدعوة والحزب

الحزبية ما لها وما عليها
عصام حسنين
الأحد ١٤ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٤:٢١ م
6243

الحزبية ما لها وما عليها

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد؛

من إفرازات الفتن التي مرت ببلدنا : إخوة كانوا معنا في دعوتنا المباركة وكانوا مؤيدين لموقف الدعوة في المشاركة السياسية وتكوين حزب سياسي لمعطيات معينة، بعضهم أيد مواقف الحزب والبعض الآخر رفض علي طول الطريق، خاصة المواقف التي تتعلق بواقع بدأ يفرض نفسه رويدًا رويدًا في غياب شبه تام للسلطة الحاكمة وجماعة الإخوان عنه، ثم كان عدم الحكمة في التعامل معه مما أدى إلى السقوط المريع السريع .

ـ هذه المواقف الحكيمة المبنية علي العلم بالواقع ومقاصد الشرع والشوري قد بينت العاقبة صحة الاجتهاد ـ جعلت هؤلاء الإخوة يأخذون موقفًاً معاديًا للدعوة والحزب، ثم لما بدأت تستقر الأمور لذلك الواقع الجديد قالوا : نحن مع الدعوة ولسنا مع الحزب!

ثم قالوا : لا حزبية في الإسلام والأحزاب يراد بها تفرقة المسلمين .

ثم قالو : لا مسميات في الإسلام! نحن كلنا مسلمون!

وكأنهم اكتشفوا فجأة أنهم كانوا على باطل! فبدلًا من إعمال النصوص كلها إذا بفريق منهم يستدل ببعض ويترك الأدلة الأخري، وإذا بفريق آخر ينزل نصوصًا علي غير منازلها بغيا وعدوانًا!

ـ منهم من استدل بعموميات نحن معهم فيها، وهي الأصل لكن سؤالنا لهم : ماذا نفعل شرعًا إذا وقع الاختلاف الذي أخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ راجع مقالنا "التكفير بالانتماء" ثم أليس تجمعكم الجديد هذا يسمى تحزبًا تحت مسمى "لا مسمي"؟!

ثم أليست مسألة المشاركة السياسية الحادثة موضع اجتهاد بين العلماء المعاصرين والخلاف فيها سائغ؛ لأن مبناها علي قاعدة المصالح والمفاسد؟

وهل الخلاف السائغ يؤدي إلى هذا التباغض وهذه المعاداة؟ بَلْهَ السعي للهدم من الداخل؟!

قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ عندما سئل عن حكم الدخول في البرلمان : إن هذه الأمور لا توجب الفرقة، وإنما هي مسائل اجتهادية أو ظنية أو فرعية ، ولكلًّ دليله، وعلى الجميع الرجوع إلى أهل العلم في ذلك، ومن ظهر له أمر فأخذ به، فلا يكون مفارقًاً ولا يعتدى عليه .

ويبين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أصلين قامت عليهما البدعة منها جعل العفو سيئة "أي رمي المخالف في مسائل الاجتهاد بما يرمي به مرتكب السيئات والموبقات كما في حال أكثرنا اليوم! : فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفراً . فينبغي للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بعض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم . وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة، ومن كفر المسلمين بما رآه ذنبا سواء كان ديناً أو لم يكن ديناً وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارق للجماعة . وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين) (الفتاوى19/73) .

ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه؛ وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد، وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة "الصواعق المرسلة 2 / 519" .

والرمي بالحزبية رمي بالباطل ومنشأه : الجهل بمعنى الحزبية، فأي جماعة اجتمعوا على نصرة مبدأ ما، فهم حزب، فإذا كان المبدأ الذي اجتمعوا على نصرته حقًا، فحزبيتهم محمودة، وإلا فحزبيتهم مذمومة، والله ـ عز وجل ـ قد مدح في القرآن الكريم حزب الله فقال : (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ فالساعي لنصرة دينه يفتخر بأنه على ثغر من الثغور التي يقف عليها حزب الله وجنده عبر التاريخ .

فنعمت الحزبية إذا كنا نتصدى بها لدحر مشاريع الباطنية والليبرالية والإباحية والشيوعية...، والعبرة بالمسميات والحقائق ، لا بالأسماء والشقاشق، وقد بلغ الشافعي ـ رحمه الله ـ أن هناك من يتهمه بالرفض لحب آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن كان رفضًا حبُّ آل محمد     فليشهد الثقلان أني رافضي ا.هـ من (الإسلاميون والعمل السياسي) ص90 .

وأما من نزَّل الأدلة على غير منازلها فحمل قوله تعالى : (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء)، و(ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون)، على الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية - فسؤالنا لهم : قولكم في تفسير الآية بذلك عن علم أم عن رأي؟

فإن كان عن علم فدلوني على من فسَّرها بذلك، إنما التفسير المعروف للآية عند العلماء فيمن تحزُّب وتجمُّع حول بدعة وضلالة كلية ـ عياذًا بالله ـ كالخوارج والروافض ونحوهم .

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في آية الأنعام : والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) أي : فرقًاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله قد برأ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما هم فيه " أ.هـ من التفسير 2/202 .

وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ أيضًا في آية الروم : فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم  أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل، كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم، فقال : "ما أنا عليه اليوم وأصحابي".  ا.هـ من التفسير 3/448 .

فهل ترون في حزب سياسي بمرجعية إسلامية يريد أن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجعية للقوانين في البلاد، وأن يخفف الشر ويكثر الخير ويحقق المصالح العليا للبلاد والعباد تجمعًا على ضلالة كلية؟!
وإن كان رأيًا ـ وهو كذلك ـ فمن قال برأيه في القرآن فقد أخطأ، تحتاجون إلى التوبة منه لله تعالى؛ لأنه من القول على الله بلا علم!

قال الشيخ السليماني ـ حفظه الله ـ : الأحزاب التي ذمها الله تعالى بقوله : (كل حزب بما لديهم فرحون) هي الأحزاب التي أسست برامجها على حرب الدين وأهله ، أو إضعاف الدين وهيبته في نفوس المسلمين، أو إهمال أمر الدين والاهتمام بغيره، أو حصر الدين في مسائل الاعتقاد بين العبد وربه دون أي ترجمة عملية لذلك، وحصر العبادة بالصلوات في المساجد، وأما بقية شئون حياتهم، فيتبعون فيها كلًا من : كُسير وعُوير وثالث ما فيه خير، وإن كان بعض أهل هذه المقالات يجهل ذلك، أو يتأول فيخطئ لأنه ليس أهلًا للتأويل، أو يقلد من ليس أهلًا لتقليده، أو ينظر إلى الدين من خلال تصرف خاطئ من بعض دعاته!

أما من تحزُّب لنصرة الإسلام والدفاع عنه فليس داخلًا فيمن ذمهم الله بالتفرق والتحزب، وإلا سوَّينا بين جند الله وأوليائه، وجنود الشيطان وأوليائهم! ا.هـ (الإسلاميون والعمل السياسي ص 90) .

إذن فالحزبية ليست محمودة أو مذمومة مطلقًا بذاتها .

يقول شيخ الإسلام : وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب, أي تصير حزبًا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به رسوله من غير زيادة أو نقصان فهم مؤمنون, ولهمما لهم وعليهم ما عليهم , وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل : التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل , والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمراً بالجماعة والائتلاف ونهيا عن الفرقة والاختلاف, وأمراً بالتعاون على البر والتقوى، ونهياًَ عن التعاون على الإثم والعدوان " الفتاوي 11 / 92 .

وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : لهذا نرى أن التحزب وقوع فيما نهى الله عنه من التفرق، وأنه لا يجوز للأمة الإسلامية أن تتخذ أحزابًا، وأن هذه الأحزاب تعني قتل الإسلام ، لكن لو كان هناك أحزاب كافرة ملحدة، سواء كانت تتسمى بالإسلام أو لا، لابد من أن نقيم حزبًا مضادًا لها من باب معالجة الشيء بضده، أما إذا لم يكن هناك أحزاب، فلا يجوز أن نتحزب ا.هـ راجع (العمل السياسي ص 188) .

وبناء علي ما سبق فلنحرص على الائتلاف ولنحذر من الاختلاف، وليعذر بعضنا بعضًا لاسيما أنها مسائل اجتهادية والخلاف فيها وارد، وحُسن الظن يقتضي أن مشايخنا يريدون الخير للبلاد والعباد .

والله المسئول أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يود بين صفوفنا ويجمعنا على طاعته ومرضاته! آمين .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً