الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبْل قيام دولة إسرائيل (14) مِن نتائج وعد "بلفور"

وهل كانت فلسطين عند ظهور هذا الوعد ضمن نفوذ بريطانيا، وتحت حكمها؟

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبْل قيام دولة إسرائيل (14) مِن نتائج وعد "بلفور"
علاء بكر
الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٤:٢٨ م
1370

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبْل قيام دولة إسرائيل (14)

مِن نتائج وعد "بلفور"

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن وعد "بلفور" باطل قطعًا؛ فليس لوزير خارجية بريطانيا -ولا لغيره- أن يعطي اليهود الحق في اغتصاب أرض "فلسطين" على حساب أهلها الذين عاشوا فيها، وعاش فيها آباؤهم وأجدادهم مِن قبلهم مئات وآلاف السنين!

وكيف تم تجاهل رأي الفلسطينيين "أصحاب الأرض" في هذا الأمر الخطير؟!

وهل كانت فلسطين عند ظهور هذا الوعد ضمن نفوذ بريطانيا، وتحت حكمها؟ أم كانت ما زالت تابعة للدولة العثمانية؟! والإجابة معروفة.

فإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف تعطي دولة أرضًا لا تملكها لشعب لا يسكنها ولا يقيم فيها على حساب شعب آخر يسكنها ويقيم فيها؟!

لقد أعطت بريطانيا ما لا تملك لمن لا يستحق، وتصرفت في ذلك مِن منطلق نظرتها الاستعمارية لمصالح تريدها وأطماع تتطلع إليها.

يقول "آرتور كوستلر" مبينًا غرابة هذا الوعد: "إن أمة وعدت أمة ثانية بأرض أمة ثالثة، فأعطت ما لا تملك لمن لا يستحق!".

وقد ترتبت على هذا الوعد أمور عديدة، مِن أهمها:

- ازدياد قوة الحركة الصهيونية، وتغير نظرة اليهود في أوروبا إليها، فقد كان أكثر يهود أوروبا بما فيهم يهود بريطانيا لا يتجاوبون مع فكر الحركة الصهيونية، ويميلون لاستمرار ما هم عليه من الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية، وكان مِن اليهود مَن يرى انتظار ظهور ملك يقيم لهم دولتهم التي يحكمون منها العالم دون أن يسعى اليهود لإقامتها مِن قِبَل أنفسهم قبل ظهور ملكهم الموعود، خاصة أن فكر الحركة الصهيونية يوافق ميول أعداء السامية الذين يتمنون التخلص من اليهود في أوروبا.

ففي الوقت الذي انعقد فيه "مؤتمر بال" الصهيوني بسويسرا لتأسيس الحركة الصهيونية عام 1897م كان ينعقد مؤتمر "مونتريال" بكندا، الذي عبَّر عن موقف اليهود في أمريكا الشمالية على النحو التالي: "إننا نرفض كامل الرفض كل مبادرة لخلق دولة يهودية، إن أية محاولات مِن هذا القبيل تنطوي على مفهوم خاطئ لرسالة الشعب اليهودي".

ويقول "كلود مونتيفيور" -وهو مِن أبرز أعضاء الهيئة المشتركة الممثلة لليهود البريطانيين في حينه-: "نعلم أن الصهيونيين سيصرون على التأكيد بأن اليهود حتى خارج فلسطين ينتمون إلى قومية خاصة بهم، ونعلم إلى أية درجة يلتقي الصهيونيون واللاساميون".

ولما دُعي "مونتيفيور" لحضور مؤتمر باريس للسلام الذي أعقب الحرب العالمية الأولى بصفته الناطق باسم اليهود الغربيين وأحد ممثليهم الرسميين عبَّر عن وجهة نظر مَن يمثلهم مِن اليهود الغربيين أنهم مِن منطلق إدراكهم لخطورة المسألة اليهودية في أوروبا الشرقية يرون أن الحل الممكن هو الاندماج الكامل لليهود في بلدان أوروبا الشرقية؛ الاندماج الذي يحفظ لهم خصوصيتهم الدينية كما عليه الأمر في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وإن هذا ممكن على المدى البعيد إذا قدَّمت الدول الليبرالية الدعم المعنوي والدبلوماسي للمقهورين في أوروبا الشرقية.

وكان التنازل الذي وافق علي تقديمه اليهود الغربيون هو إنشاء مقر روحي في فلسطين بشرط ألا يقتطع أي شيء من المجال الحيوي لسكان فلسطين المقيمين فيها، وأن يقتصر على الأنشطة الدينية والتقليدية اليهودية ليس أكثر، وممن كان يتبنون هذه النظرة أيضًا العالم اليهودي الشهير "ألبرت أينشتاين".

فكان مما قاله "أينشتاين": "إني أود أن يتم اتفاق مقبول مع العرب على أساس العيش المشترك، وأفضل ذلك على خلق دولة يهودية، إذا وضعنا الاعتبارات العملية جانبًا فإن إدراكي للطبيعة الأساسية لليهودية يمنعني من القبول بدولة يهودية لها حدودها وجيشها، ووسائل سلطتها مهما كانت سلطتها الزمنية ضئيلة، إني أخشى التغيير الجوهري الذي سيلحقه ذلك بالديانة اليهودية".

ثم جاء "وعد بلفور" أشبه بنقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية؛ إذ ساهم في القضاء على الأصوات التي كانت تعارض الفكرة الصهيونية بين اليهود؛ لذا اندفع اليهود بعد ظهور "وعد بلفور" لتوحيد ومضاعفة جهودهم، بعد أن وجدوا دولة كبيرة بحجم بريطانيا تتحمس لمشروعهم، وكان هذا دليلاً في رأيهم على قوة نفوذهم؛ لذا تقدموا ببرنامج خاص لإدارة فلسطين وتوطين اليهود فيها، فكانت فكرة تأسيس الوكالة اليهودية، وتأسيس شركة ذات امتياز لشراء الأراضي، وتوطين اليهود المهاجرين إليها، ومن خلال ذلك يكون تقديم المشورة والمعاونة في إدارة فلسطين، والشئون الاقتصادية، والاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين.

ومما جاء في إعلان الوكالة اليهودية أن عليها أن تتخذ التدابير -بعد استشارة حكومة الجلالة البريطانية-؛ للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي، وعليه بدأت أفواج الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وقد أبدى العرب استياءهم الشديد لصدور هذا الوعد، فأوفدت الحكومة البريطانية تأكيدًا رسميًّا بأنه لن يُسمح بإسكان اليهود في فلسطين إلا بالقدر الذي يتفق مع حرية العرب السياسية والاقتصادية وحقوقهم، ثم شهدت فلسطين من أبريل 1920م تظاهرات مناوئة للتواجد اليهودي على أرض فلسطين، فأجرت بريطانيا لجنة عسكرية للتحقيق حول أسباب هذه الثورة في فلسطين، ولكنها أخفت نتائج التحقيق عن الرأي العام البريطاني والأوروبي، فلم تُعرف إلا بعد ذلك بسنوات طويلة.

وبلغ الأمر ذروته عندما وقعت معاهدة الصلح "سان ريمون" في أبريل 1920م، فتم إدماج "وعد بلفور" كجزءٍ مكمل من المعاهدة ليكتسب الطابع الدولي، ثم قامت بريطانيا بإدخال وعد "بلفور" في وثيقة الانتداب البريطاني على فلسطين الصادرة من عصبة الأمم متواطئة في ذلك مع الدول الكبرى؛ ليسري العمل بهذا الوعد بصفة رسمية وعلنية، وبغطاءٍ مِن عصبة الأمم لتكتمل بذلك المؤامرة على العرب والشعب الفلسطيني.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة