الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حروب فى ساحة الجامعة

أسئلة كثيرة حساسة ولكن تبقى بلا ردود وبلا إجابات ، طالما أن الدولة تُدار بالنظريات العقيمة البالية التى لم تعد مواكبة لعصر جديد متغير

حروب فى ساحة الجامعة
أحمد الشحات
السبت ١٨ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٨:٣٣ ص
2674

حروب فى ساحة الجامعة

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

شهدت ساحات الجامعات المصرية فى بعض المحافظات مواجهات مؤسفة فى الأيام الماضية بين قوات الأمن وعدد من الطلاب المتظاهرين داخل أسوار الجامعة ، بعض هؤلاء الشباب يتظاهر من أجل استرداد بعض حقوقه المشروعة والتى كانوا قد حُرموا منها بسبب قرارات تعسفية فى بداية العام ؛ مثل تجميد أنشطة الأسر الطلابية وإيقاف اتحاد الطلاب وغيرها ، وبعضهم – وهم الأغلب -  يحاول استغلال ساحة الجامعة وتجمع الطلاب فى إذكاء الصراع والمواجهة بينه وبين النظام الحاكم ، ومع اختلاف مشارب ومطالب المتظاهرين إلا أن الذى كان له الفضل فى جمع صفوفهم  وتوحيد أهدافهم هو الممارسات الأمنية القمعية غير المبررة مع مجموعة من الطلاب تم التعدى عليهم فى ساحة العلم والدراسة مع أنهم ليسوا من المجرمين أو المنحرفين وإن ارتكبوا في الجملة بعض الممارسات المخالفة للقانون.

ورغم أن الجامعات مكان لطلب العلم والدراسة وليس ساحة للحرب والاقتتال ، إلا أن قوات الأمن تذرعت بأن المظاهرات داخل الجامعة تخرج عن سلميتها ، وبالتالى فهي تضطر للتدخل لإنهاء حالة من الشغب والفوضى لا تستقيم أن تتواجد داخل الجامعة ، ومن ثم تعطى لنفسها الحق في اقتحام الجامعة لتتعقب المتظاهرين فيحدث ما لا يحمد عقباه من مواجهات دامية تنتهي بالإصابات والاعتقالات فضلاً عن إثارة الذعر ونشر الاضطراب والفوضى فى صفوف الطلاب.

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن : من الذى يتحمل مسئولية إفشال العملية التعليمية بهذه الطريقة ؟ وهل يمكن أن يُحرم الطلاب من ممارسة حقهم القانونى فى الاعتراض والاحتجاج ؟ وفى المقابل هل تُمنع قوات الأمن من ممارسة واجبها فى حفظ الأمن وسلامة المجتمع؟

الإجابة يكتنفها شيء من الصعوبة بطبيعة الحال ولكن دعونا نتفق على بعض الأمور الآتية :-

1.  الممارسة السياسية بمعناها العام حق مكفول للطلاب وسواء كانت هذه الممارسة تتماشى مع سياسة الدولة أو تتقاطع معها إلا أن حق التعبير السلمى عن الرأى فى ضوء القانون والدستور يجب أن يظل محفوظاً ومصوناً خصوصاً وأن هؤلاء الطلاب هم آباء المستقبل ومن بينهم سيخرج القادة والرواد والمفكرون وغيرهم.

2.  الممارسة الحزبية يجب أن تكون محظورة داخل الجامعة حتى لا تتحول الجامعة الى ساحة معارك انتخابية ومجال للتراشق والاحتراب بين فصائل كثيرة ومتنوعة ، والصراع السياسى بطبيعته يغرى بأنواع كثيرة من التجاوزات والتى يجب أن تنأي الجامعة بنفسها عنها.

3.  محاولة البعض إشعال ساحة الجامعة بالحرائق هى فى الواقع محاولة دنيئة بكل ما تحمله الكلمة من معان ، لأن من اختار لنفسه طريقاً للصدام فعليه أن يكون أميناً مع نفسه وأمام الناس ، وألا يورط غيره فى الدخول فى معارك لا ناقة له فيها ولا جمل ، وبالتتالي فاختيار ساحة الجامعة مكاناً للمواجهات مع الدولة يصب فى صالح تأجج المشهد وتعقده ولكنه ينم عن سوء نية وانعدام ضمير لمن يقوم بذلك.

4.  أثبتت الأحداث الأخيرة المتعاقبة أن جهاز الأمن المصرى يعانى من أزمة شيخوخة كبيرة ويعانى من عقم شديد فى الفكر والإدارة ، لأن قوات الأمن لا تملك سعة في وسائل المواجهة ، وليس لديها أي نوع من المرونة فى التعامل مع الأزمة ، ولا تمتلك رؤية لإدارة المخاطر ولا لفن البدائل ، وبالتالي فما تجيده هو العنف والعنف فقط ، وهذا يقودنا إلى النتيجة التلقائية التالية وهى " الاستخدام المفرط للقوة " ، لأن من يتخذ القهر والعنف وسيلة لإسكات المعارضين لابد وأن يُوقع بهم ضربات موجعة ومؤلمة حتى لا تصيبه لعنة القاعدة التى تقول (الضربة التى لا تميتك تقويك).

5.  يبدو أن أحداث 30/6 ودور الشرطة فيها الذى بدا أكثر تصالحية وتسامحاً مع الشعب ربما جعل قطاعات من الأمن تعود لسابق عهدها ، وبدلاً من أن يستغلوا هذه الفرصة الذهبية ويصنعوا من الموقف حدثاً تاريخياً يقود  لمصالحة حقيقية وصادقة مع الشعب ؛ إذ ببعضهم لسان حاله يقول " عدت لأنتقم " ، وهؤلاء يجب أن تتصدى لهم الأجهزة المسئولة عنهم بكل حزم وإلا فسيكونوا هم سبب النكبة على زملائهم وبلدهم.

6.  يبدو أيضاً أن جهاز الأمن قد تناسى أن الجبروت التى كانت تتعامل به الشرطة مع الشعب كان سبباً رئيسياً فى انفجار الثورة وهياج الشعب ، ومع أننا لا نؤيد مثل هذه السلوكيات إلا أن الفترة الأخيرة قد شهدت ممارسات قمعية من جانب بعض قوات الأمن ، الأمر الذى أعاد لأذهاننا الفترة التى كانت تحكم فيها حاشية مبارك ويتسلط على العباد فيها زبانية العادلى.

7.  عدم عودة قوات الجيش إلى ثكناتها واشتراكها فى فض معظم أحداث الشغب ، بل وفى الدوريات الأمنية التقليدية يثير عدداً من علامات الاستفهام ويبعث على مزيد من القلق ، وإلا فمن الذى يحرص على أن يتورط الجيش فى مواجهات مع قطاعات من الشعب أياً ما كان انتماؤها ، والمعروف عن الجيش أنه آلة حرب وأداة قتل ؟

ومن المسئول عن تجرئة جنود وضباط الجيش على أن يواجهوا الشعب رغم أن عقيدتهم العسكرية تملي عليهم خلاف ذلك ؟ ومن الذى من مصلحته أن يصاب الجيش بلعنة كراهية الشعب له ومعروف أنه هو الملاذ الآمن والأخير للشعب إذا اشتد به الكرب ؟

أسئلة كثيرة حساسة ولكن تبقى بلا ردود وبلا إجابات ، طالما أن الدولة تُدار بالنظريات العقيمة البالية التى لم تعد مواكبة لعصر جديد متغير مليء بالأخطار والمخاوف من كل الاتجاهات.

8.  الفطنة والذكاء من أبسط الصفات التى يتميز بها أى جهاز أمنى فى العالم ، ومن هذه الفطنة تفادى وقوع الخطر واستخدام الحكمة عندما يريد الطرف الآخر أن يجرنا لحرب مواجهات ، وبالتالى فلو افترضنا أن طلاب الجامعة الذين يفتعلون الأزمات غرضهم من ذلك إجبار الأمن للدخول فى مواجهة ، وحبذا لو كانت عنيفة فيقوم هو باستغلالها فى تثوير الناس تجاه نظام يسعى جاهداً فى إسقاطه ، فهل يكون الفكر الأمنى الصحيح متجهاً لتفادى المؤامرة وعدم الوقوع فى الفخ ؟ أم يُسرع فى الانصياع لها وكأنه يتمم العمل التآمري ، بدلاً من أن يقوم بكشفه أو التصدى له بشكل ذكى ومحسوب؟!

9.  تحتاج الحكومة لمراجعة سياساتها وخططها باستمرار وتحتاج لانتقاء مستشاريها ودوائر صنع قرارها بشكل جيد ، لأن هناك كثيرا من القرارات يظهر عليها التعجل وعدم التأني فى الدراسة وجمع المعلومات بشكل جيد ، وإلا فقرار مثل التعاقد مع شركة خاصة للأمن لحماية البوابات وإنهاء إجراءات دخول الطلاب أثبت فشلاً ذريعاً ، وأظن أنه لو تمت استشارة من له أدنى معرفة بعدد الطلاب فى الجامعة وساعة الذروة التى يتجمعون فيها وشكل دخول وخروج الطلاب لما أقدم على وضع بوابات أنيقة تناسب الفنادق والمطاعم ، ولا تصلح للتجمعات الكبيرة والأماكن المكتظة ونحوها.

نداء إلى شباب التيار الإسلامى :-

أتفهم أن الشباب عادة ما يمتليء بالطاقة والنشاط وتتفجر منه الحماسة والحيوية بشكل دائم مما يجعله سريع الحركة متقلب المزاج ، ولكن هذه الحماسة وهذا النشاط يظل محموداً طالما كان ملتزماً بضوابط الشرع محدوداً بقواعد العقل ، أما أن تتحول هذه الحماسة إلى تهور واندفاع فهذا هو الطيش بعينه.

وقد أثبتت تجارب التاريخ الماضى والمعاصر أن الحركات الشبابية التى تنحى إلى الصدام والعنف تأخذ المنحنى الصدامي لها ثم سرعان ما تتبخر وتتلاشى كفكرة ، ثم يعقبها انهيار لمؤسسيها وروادها ، إما بالهروب خارج البلاد أو الاعتقال خلف القضبان ، هذا لمن خرج من الصراع حياً وكثير منهم ربما قضى نحبه فى هذه المواجهات الدامية.

ونحن هنا فى مصر ، من المفترض أن يكون لدينا من النضج والرشادة ما يجعلنا نتفادى مثل هذه الصدامات لأن الحركة الشبابية سواء كانت طلابية أو غير طلابية وسواء كانت إسلامية أو غير إسلامية ، كلها قد مرت بتجارب عديدة أكسبتها خبرة فى إدارة مثل هذه الصراعات وخاصة أن القادة التاريخيين لكثير من هذه الحركات مازالوا على قيد الحياة وعدد لا بأس منهم قد دون تجاربه للأجيال القادمة حتى لا يتكرر الخطأ مرة أخرى.

وسوف أتخير هنا مثالين فقط لاثنين من القادة المؤثرين فى التيار الفكرى المعاصر:-

الأول هو المهندس أبو العلا ماضى :-

 وهو من قادة الإخوان البارزين منذ أن كان طالباً فى الهندسة وحتى منتصف التسعينيات  ولكنه انفصل عنهم إدارياً لاستكمال تجربة حزب الوسط الذى ظل ممنوعاً من الاعتماد حتى قيام الثورة ، ثم اعتمد رسمياً من جانب لجنة شئون الأحزاب واستمرت مسيرته السياسة بعد الثورة حتى تولى الإخوان إدارة شئون البلاد ، والذى ظهر فيها جلياً توجهات حزب الوسط الإخوانية وصولاً إلى أحداث 30/6 وانضمام حزب الوسط لتحالف دعم الشرعية .

 وقد كتب أبو العلا ماضى عن تجربتة مع الحركة الطلابية فى كتاب سماه " جماعات العنف المصرية وتأويلاتها للإسلام الجذور التاريخية – الأسس الفكرية – المراجعات " وقد سلط الضوء فيها على تجارب جماعات التكفير مثل جماعة شكري مصطفى والتوقف والتبين وغيرها ، وتكلم عن جماعات الصدام مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية ، وانتقد بعض آراء أبو الأعلى المودودى وسيد قطب ، وهاجم التنظيمات السرية والسلوكيات العنيفة في المواجهة والمعارضة ، وأتمنى أن يقرأ هذا التاريخ المنتمون لجماعة الإخوان وفيالق رابعة ومكملين وغيرهم ؛ لأن من الحماقة إعادة إدارة عجلة التاريخ للخلف بلا وعى .

أما المثال الثانى فهو للدكتور ناجح ابراهيم :-

 وهو أحد القادة المؤسسين للجماعة الإسلامية بفكرها الذى عُرف عنه الصدام والعنف والمواجهة فى السبعينيات ، ثم قاد لواء المراجعات الفكرية فى نهاية التسعينيات ، فأطلب من الشباب أن يتابع أحاديث هذا الرجل التي يتحدث فيها عن تجاربه السابقة والدروس والعبر التى استفاد منها بعدما خط الشيب رأسه ، وقد كان يتمنى أن لو استثمر شبابه فيما ينفع دعوته وبلده بدلاُ من السجن والمطاردة والتضيق ، والرجل – جزاه الله خيراً – دائم الذكر الحسن للدعوة السلفية - فكراً وسلوكاً ومنهجاً – ويرى أنها ساهمت فى حفظ البلاد من الانجراف للهاوية ، وجدير بالشباب أيضاً أن يتلقفوا هذه التجارب ككنوز ثمينة وهدايا مجانية ممن سبقوهم على الطريق.

نداء إلى شباب الدعوة السلفية :-

الدعوة السلفية - بحمد الله - منذ يومها الأول وهى تلتزم بقدر كبير من الهدوء والتعقل يتيح لها مساحة من الاستقرار والاتزان والقدرة على الانتشار حتى فى أحلك الأوقات فتنة واضطراباً ، وقد حافظت على رأس مالها فى وقت خسر فيه الجميع كل شيء ، والدعوة تحافظ على شبابها من منطلق أنهم أبناؤها ومن واجبها عليهم أن تحميهم وترعاهم وتصرفهم عن مواطن الردى والهلاك ، وقد كان من الممكن لقادة هذه الدعوة أن يتركوا الشباب لانطلاقاتهم العفوية حتى لا يصطدموا بهم ولا يكونوا محل اتهام من جانبهم ولكنهم لم يريدوا أن يخونوا الأمانة أو يتخلوا عن مسئولية القيادة ، وهم يدركون جيداً بفارق السن والخبرة والعلم أن الفتن إذا أدبرت عرفها كل جاهل وأن الصبر فى الساعة الأولى وأن الأحداث سيأتى لها وقت تنكشف فيه حقائقها وأسرارها ، فى هذه اللحظة ربما بحثت عمن كنت تعترض على نصائحهم وتوجيهاتهم لكى تقبل رؤوسهم وتشكرهم على حسن بصيرتهم وحكمة نظرهم فربما وجدتهم قد غادروا دنيانا ورحلوا.

اللهم ثبتنا فى أوقات الفتن ، ولا تجعل مطيبتنا فى ديننا ، وألهمنا رشادنا وصوابنا يا الله.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة