الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدفاع عن السنة ورموزها (2)

لا تزال سهام أعداء الإسلام تتوالى للطعن في هذا الدين ، مستخدمين في ذلك طرقاً شتّى وأساليب مختلفة بغرض القضاء علي هذا الدين أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه

الدفاع عن السنة ورموزها (2)
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٢١ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٦:٥٣ ص
1678

الدفاع عن السنة ورموزها (2)

كتبه / إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لا تزال سهام أعداء الإسلام تتوالى للطعن في هذا الدين ، مستخدمين في ذلك طرقاً شتّى وأساليب مختلفة بغرض القضاء علي هذا الدين أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه ,وفي المقال السابق قدمنا طرفا من ذلك , من حيث طعنهم في الإمام العلم البخاري رحمه الله تعالي والزعم بأن كتابه الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى بإجماع العلماء مملوء بالأكاذيب والأغلوطات , وما ذلك منهم إلا لأنهم لم يشموا رائحة العلم ولم يعرفوا لأهل العلم قدرا ولا حرمة , فقاموا على صعيد الإعلام بشتي صوره المرئي منه والمسموع والمكتوب بطرح شبهات تتعلق بصحيح البخاري يزعمون أن به أحاديث مكذوبة ,إذن تكون النتيجة أن البخاري كذاب إذن كتابه هدرا , هذا ما يريدون الوصول إليه, من هذه الشبهات المطروحة .

1- قصة سليمان عليه السلام وطوافه على سبعين امرأة .                                                      

2- سحر النبي صلي الله عليه وسلم .

3- اتهامه صلي الله عليه وسلم بمحاولة الانتحار في العهد المكي .

4- رضاع الكبير .

5- القِرْدة التي زنت فرجمتها القِرَدة.

6- حديث النبي صلي الله عليه وسلم جئتكم بالذبح .

7- طواف النبي صلي الله عليه وسلم علي نسائه بغسل واحد .

وفي المقال السابق رددت علي الشبهة الأولي , وهاك الرد علي الشبهة الثانية "سحر النبي صلي الله عليه وسلم" فهذا نص الحديث وذكر الشبهات المثارة حوله والرد عليها .

روى البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت». وشبهتهم في ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يجوز أن يُسحر لأن ذلك يكون تصديقا لقول الكفار فيما حكاه الله عنهم  "إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "(الإسراء: 47) قالوا وهذا كما قال فرعون لموسى: إني لأظنك يا موسى مسحورا (الإسراء: 101)وقال قوم صالح له: إنما أنت من المسحرين (الشعراء: 153) وقال قوم شعيب له: (إنما أنت من المسحرين) ـ قالوا فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا، فإن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين، وكذلك يتعارض مع قوله تعالى: ( والله يعصمك من الناس) ؛والجواب علي ذلك

أولا: إصابته صلى الله عليه وسلم - بالسحر , ليس نفيا لعصمته ,  لأن العصمة له في أنه - عز وجل - لم يمكن أحدا من قتله، فعصمه من الفتنة، والإضلال، وإزهاق الروح ؛ قال البغوي: (والله يعصمك من الناس)  ,يحفظك ويمنعك من الناس، فإن قيل: أليس قد شج وكسرت رباعيته، وأوذي بضروب من الأذى؟! قيل: يعصمك من القتل، فلا يصلون إلى قتلك". وقال أبو حيان: "والله يعصمك من الناس" أي: لا تبال في التبليغ؛ فإن الله يعصمك، فليس لهم تسليط على قتلك لا بمؤامرة، ولا باغتيال، ولا باستيلاء عليك بأخذ وأسر". قال القاضي عياض: "أجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدا أو عمدا، ولا سهوا أو غلطا".

فالعصمة في الآية المراد بها عصمته - صلى الله عليه وسلم - من القتل والاغتيال، والمكائد المهلكة؛ فضلا عن عصمته من الغواية والهوى والضلال، وعدم الوقوع في المعاصي والمسكرات، ولا يدخل في العصمة هنا عصمته من الأمراض، , بل الأنبياء جميعا غير معصومين من المرض غير المنفر، فهم جميعا تجري عليهم النواميس المعتادة التي أودعها الله في ولد آدم؛ وعلى ذلك فالآية ليست على عمومها، ولو كانت على عمومها ما استطاع أحد أن يخطئ في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا أن يناله بأذى، وها هم يخطئون في حقه - صلى الله عليه وسلم - كثيرا، بوصفه بالجنون والكهانة والسحر، وينالون منه في المعارك، وهذا يدل على أن الآية في عصمته من القتل والغواية والضلال، ولا تعارض بينهما وبين شخص يسحره.

ثانيا : زعم القوم أن حادثة السحر إن صحت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنها تتفق مع قول الله حكاية على لسان المشركين: "إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "، وأن سحره - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من قبيل الأمراض العارضة على الأبدان، ولا عروض النسيان في بعض الأمور العادية؛ بل هو بالفعل آخذ بالروح، وماس بالفعل، وقد اعتمد هؤلاء على أن وقوع السحر لرسول الله يشكك في الوحي وعصمته، وأن المسحور يمكن أن يخلط في قوله و فعله ، كما نعلم أن الإنسان يجوز أن يخطئ ، وأن يغلط ، وأن يكذب ، وأن يضل و يغوى .

وكل هذا باطل ولا أساس له من الصحة , من المعلوم بداهة أن الكفار لا يريدون بقولهم هذا أن يثبتوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما أثبته هذا الحديث . وهو أن فلانا من اليهود سحره بضعة أيام ، فأدركه شيء من التغير ، وخيل إليه أنه يفعل بعض الشيء وهو لا يفعله ، ثم إن الله شفاه من ذلك . إنهم لا يريدون ذلك بلا شك, وإنما يريد الكافرون بقولهم هذا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما يصدر عن خيال وجنون في كل ما يقول ويفعل ، وفيما يأتي وما يذر ، وأنه ليس رسولا ، وأنه لم يوح إليه شيء ، وأن القرآن ليس من عند الله ، وإنما هو خيال مسحور ، وانفعال مجنون ، وبناء عليه ليس علينا تصديقه ولا اتباعه .

فإذا آمنا بما دل عليه الحديث و قلنا : إن الرسول سحر بضعة أيام ، لم نكن مصدقين للمشركين ، ولا موافقيهم فيما أرادوا وعنوا ، لأن الذي عناه الحديث ، ومن صحح الحديث ، غير الذي عناه هؤلاء الظالمون .

وإذا تغاير القصدان لم يكن هناك تصديق ولا موافقة . وهل يقدر المخالفون أن يقولوا : إن مراد هؤلاء الذين قالوا "إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً " أن الرسول صلى الله عليه وسلم سحر وقتاً ما، وناله بعض التغير، ثم أدركه الله بالشفاء ، وحفظ وحيه ودينه من أن يصل إليه شيء من ذلك التغيير والتخييل ؟ أم أنهم يريدون أن يقولوا إن هذا القرآن الذي جاء به ، والدين الذي شرعه ، ليس هو كلام الله ، ولا من عند الله ، وإنما هو صادر عن هذيان ، وتغير بال ؟ هذا هو ما يعنون ، و هم كاذبون فيه ، والحديث لا يصدقهم ولا من صدق الحديث . والأمر واضح بين .

ثم إنه قد تواترت الأخبار على أن الرسل عليهم السلام ينسون . قال الله عن موسى عليه السلام ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) , وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال " كانت هذه من موسى نسيانا " , وقال تعالى عنه وعن غلامه" فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما" وقال ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ) وقال لخاتم الرسل صلي الله عليه وسلم  (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى ) .

وتواتر عنه عليه  الصلاة و السلام أنه نسى في صلاته ، وانه قال ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) والشبهة التي أوردوها على السحر ترد على النسيان. وإذا جاز عليه الاختلاط إذا سحر جاز عليه إذا نسى . فإذا احتمل أن يخيل إليه في التبليغ في حالة السحر جاز أن ينسى في التبليغ ، وجاز أن ينسى بعض ما أوحي إليه وأن ينسى أشياء من القرآن و الدين . وإذا علموا أنه معصوم من أن ينسى ذلك أو أشياء منه ، فليعلموا أنه معصوم من أن يقع في التبليغ تخييل ـ وإن خيل إليه في غيره ـ والمسألتان سواء , وكذلك فإن الله عز وجل قد قال عن أيوب عليه السلام (أني مسنى الشيطان بنصب وعذاب ) وقص عن آدم وحواء أن الشيطان أغواهما وخدعهما وطردهما من الجنة وأخبر عن موسى عليه السلام أنه قال ـ لما قتل القبطي ـ ( هذا من عمل الشيطان ) , وقال عنه  عليه السلام: ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) فـقد أوقعه السـحـرة في التخييل والخـوف . وهذا من جنس ما وقع للنبي صلي الله عليه وسلم .. فالأنبياء كسائر البشر ، عرضة للأعراض البشرية ، لم يتعدوا أفقها ، إلا أن الله خصهم بالعصمة فيما يوحى إليهم ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ).

والحمد لله رب العالمين

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي