الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدفاع عن السنة ورموزها (5)

ومن ناحية ثالثة يقوم الخوارج قديما ومن صار علي دربهم حديثا كأصحاب الفكر التكفيري من داعش

الدفاع عن السنة ورموزها (5)
إيهاب شاهين
الخميس ٣٠ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٧:٥٢ ص
1753

الدفاع عن السنة ورموزها (5)

كتبه / إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

من الشبه التي طرحها القوم من خلال حديث المقال أرادوا بها الطعن في الإسلام عموما وشخص النبي صلي الله عليه وسلم وكذلك شخص الإمام البخاري رحمه الله ,وبهذه الشبهه زعم المستشرقون ومن نحا نحوهم , أن الإسلام دين الإرهاب والعنف والتخويف والقتل , وأن الإسلام جاء بالسيف والعنف والذبح وحجتهم الحديث الذي معنا في هذا المقال .

ومن ناحية أخري يطعن أعداءالشريعة الذين يريدون إسقاط السنة عن طريق إسقاط رموزها ومراجعها, أمثال الشيعة والعلمانيين وحجتهم كيف يروي البخاري مثل هذا الحديث الذي يدعو إلي العنف والإرهاب والذبح, زعموا , ومن ثم فالحديث مكذوب ومن وضعه كذاب .

ومن ناحية ثالثة يقوم الخوارج قديما ومن صار علي دربهم حديثا كأصحاب الفكر التكفيري من داعش وغيرهم بحز رؤوس الناس وذبحهم استنادا علي فهمهم السقيم للحديث , وهؤلاء جميعا قد ضلت أفهامهم في فهم السنة عموما وهذا الحديث خصوصا.

 لكن علماء الإسلام الذين لم يخلو منهم زمان الذين استضاءوا بنور العلم من منبعه الصافي ووفقهم الله عز وجل للفهم في دينه بينوا لكل جاهل كيف يكون الأدب مع النبي صلي الله عليه وسلم وسنته. وهذا كلامهم في الرد علي الشبهة المزعومة . روى البخاري في خلق أفعال العباد " قال : حدثني به عياش بن الوليد الرقام ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، قال : ما علمتُ قريشا هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوما ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ، فاختطفه ، ثم رفع صوته ، فقال "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم" ، فقال : والذي نفسي بيده ، لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح ، فقال أبو جهل : يا محمد ما كنت جهولا ، فقال وأنت فيهم ".

من تدبر هذا الحديث يعلم أنه ليس على عمومه قطعاً لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بصيغة يا معشر قريش ، ولو كان عاماً للناس أجمعين لما أعجز النبي أن يعبر عن ذلك بأوضح بيان ، وأسهل كلام ، وهو الذي أوتي جوامع الكلم ، وجُعل كلامه حجة في لغة العرب فكان مصدراً من مصادرها واستخراج القواعد اللغوية والنحوية من السنة النبوية .

 ثم إنه ليس عاماً في قريش أيضاً لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ما توعدهم بشيء أو هددهم بشيء ولم يحصل هذا الشيء ، والعرب عامة وكفار قريش خاصة كانوا يعلمون أنه ما من شيء أخبرهم عنه أو ذكره لهم صلى الله عليه وسلم إلا حصل كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، وكذلك يكون الوعيد ثابت في حقهم جميعاً , ومحكم القرآن وصحيح السنة يقفان بوجه من يفسر خلاف ذلك ، إذ أن الله تعالى قال " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .

وهذا يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما أنا رحمة مهداة "  حديث حسن، وكذا سلوكه صلى الله عليه وسلم الذي يتناقض مع فكرة الذبح ، كعدم تعجله العذاب لقومه ، والدعاء بالهداية لهم ، وعدم الدعاء عليهم .بدليل ما حصل يوم فتح مكة ، من قوله صلى الله عليه وسلم لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ! قَالَ : ( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ) رواه مسلم (2599 .(

ولهذا نظم العلماء المحققون روايات حديث جئتكم بالذبح في سلك دلائل النبوة ، فنجدها عند البيهقي في دلائل النبوة ، وعند أبي نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة ثم إن الذبح الوارد هنا ليس المراد منه قطع الأوداج كما تذبح الشياه والخراف ، وإنما هو كناية عن القتل ولا يحتاج المرء إلا للرجوع إلى المعاجم قليلاً إن كان لا يتذوق كلام العرب ليدرك المراد بالذبح .ثم إنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك ولو مرة واحدة، فعرف أنه غير مقصود . ثم إن هناك سؤالاً يطرح نفسَه وهو: متي قال النبيَّ صلي الله عليه وسلم َقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ " ؟ 

من خلال قراءة الحديث يتضح أن النبيَّ صلي الله عليه وسلم قاله قبل الهجرةِ ،حيث إن المشركين اضطهدوه، وحاولوا خنقه  فقال لهم على سبيلِ التوعدِ وتخويفهم حتى يبتعدوا عنه :" َقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ "  لذلك فالمراد بهذا الحديث عددٌ محدود من كفار قريش ، وهم رؤوس الكفر ومن أوغل منهم في أذية النبي صلى الله عليه وسلم وأذية المسلمين ، ومن تفننوا في فتن الناس عن دينهم وإكراههم على الرجوع عنه ، كأبي جهل ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ، وهم سبعة نفرٍ .

ولهذا نظم العلماء المحققون هذه الروايات في سلك دلائل النبوة ، فنجدها عند البيهقي في دلائل النبوة ، وعند أبي نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة . ، وهذا يعني أنهم يرون ما انتهيت إليه في نتيجة هذا الحديث وأنه خاص بعدد محدود فقط من أئمة الكفر ، بدليل أن أبا جهل عندما راجع النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يناله توعده صلى الله عليه وسلم ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما كنت جهولاً ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم ؟ فلو كان عاماً لقريش أو للناس جميعاً كما يزعم من لا علم عنده لما قال له أنت منهم ، فدل هذا على أنَّ هذا الكلام محمول على أشخاص معدودين ، وقد بين من ذكر هذا الحديث وأضرابه في دلائل النبوة أن هذا تحقق في معركة بدر ، ومن يريد حمل الحديث على غير هذا المحمل، ويريد أن ينحر به رؤوس الناس؛ يفتقر إلى فهم السنة الشريفة في سياق القرآن الكريم، وفهمها في سياق ورودها.

والحمد لله رب العالمين

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي