الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس من قصة الذي تكلم في المهد (موعظة الأسبوع)

الوقوف على الدروس والفوائد من القصة، ومِن أعظمها: تبرئة الله لبعض أوليائه من تهم الزور والبهتان

دروس من قصة الذي تكلم في المهد (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ٠٥ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٧:٠٢ م
4252

دروس من قصة الذي تكلم في المهد (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

- الوقوف على الدروس والفوائد من القصة، ومِن أعظمها: تبرئة الله لبعض أوليائه من تهم الزور والبهتان.

المقدمة:

- تمهيد بحكاية القصة إجمالاً، وأنها من النوع المتعلق ببيان عجائب قدرة الله، حيث يغير الله عادة الأمور ونواميس الحياة؛ إكرامًا لأوليائه ودفاعًا عنهم مما رماهم به أهل الظلم بالزور والبهتان.

- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ... وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ) قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: (وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا) (متفق عليه).

الدروس والفوائد

1- وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:

- قد يطلب الناس ما فيه مضرتهم، وينفرون مما فيه صلاحهم: قول المرأة: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ"، "اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا".

- خير موسى -عليه السلام- كان في إلقائه في البحر، وليس البقاء مع أمه: قال الله -تعالى-: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص:7-8).

- ليس المال والجاه هو سبب السعادة وراحة البال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) (متفق عليه).

- قد يكون في الدنيا والسلطان ضررك، وفي الفقر والانكسار خيرك: ذكر بعض الدعاة: "أن شابًا سأله أن يدعو الله له بالنجاح في الامتحانات، فقال الشيخ: اللهم قدِّر له الخير، فاندهش الشاب، وسأله: لماذا؟ قال: لا تدري خيرك في أي حال؟ ثم ذكر له قصة رجل كان يعمل حارسًا على دورة مياه عامة بعقد مؤقت، ثم أجرت جهة العمل امتحانات لتجديد العقد في القراءة والكتابة، ففشل الرجل في الامتحان، وتم إخراجه من العمل، فحزن حزنًا شديدًا؛ لأنه لم يكن له  وسيلة رزق أخرى، فذهب فجاء ببعض المحمصات -لب وسوادني ونحوهما- ووقف يبيع على عربة صغيرة أمام دورة المياه، وظل كذلك مدة، ثم تتطور الأمر واشترى عربة أكبر منها، ثم تتطور الأمر فاشترى دكانًا صغيرًا، ثم دكانًا كبيرًا، ثم صار في يوم من الأيام من أكبر تجار المحمصات في بلده! فماذا لو كان قد نجح في الامتحان كما كان يحب ويرجو؟ لكان قد ظل عمره كله ربما أمام دورة المياه!" (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216).

2- إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا:

- الكرامة لجارية مغمورة مواساة لقلوب عموم الصالحين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا).

- الله يغار لعِرض أوليائه "مريم - جُريج - الجارية": قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ... ) وفيه ذكر غلام الجارية.

وقفة مع الثلاثة:

- مريم -عليها السلام-: شأنها عظيم، وبراءتها نشرها الله في العالمين؛ لأجل عرض نبي من أولي العزم من الرسل.

- وجُريج: نشر الله براءته بعد حسد بني إسرائيل له، وتمنوا غوايته مِن أجل ألا يتعالى عليهم كما ظنتْ نفوسهم المريضة!

- وأما الجارية: فهي أعجب، فهي جارية مجهولة، لا يعلم الناس تفاصيل حياتها، وكانت البراءة من الرضيع وأمه، ولم يظهر للناس هذه الكرامة، ولا ذكر لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنهم توقفوا عن ضربها وسبها، ومع ذلك فشأنها عند الله عظيم، يكفيها شرفًا أنها قرينة مريم -عليها السلام-، وجريج العابد، قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم).

3- طبيعة الطريق إلى المنازل العالية:

- لابد مِن المحن والشدائد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ... )، وقال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).

- كثير من النفوس تتمنى المنازل الرفيعة في الآخرة: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا)، ولكن عند التطبيق؟!: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (آل عمران:143)، وقال: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) (الأنفال:5).

- صور مشرقة ممن تحملوا الأذي والبهتان والزور، ولم يتراجعوا في سبيل قضيتهم:

- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "نبذة مختصرة عن افتراء خصومه عليه، وتحريف كلامه، والكذب عليه في فتاواه وانسياق البعض معهم".

ومِن أبرز الفتاوى التي حرفوها:

1- زعمهم أنه مثـَّل نزول الله بنزوله مِن درجات المنبر!

2- زعمهم أنه ينسب للأنبياء عدم العصمة!

3- زعمهم أنه يحرِّم زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-!

4- الحذر من إيذاء الصالحين:

- الكرامة للأمة الضعيفة لصلاحها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا).

- عظيم إثم مَن يؤذي الصالحين: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58).

- إيذاء الصالحين يغضب رب العالمين ولو كنتَ مِن الصالحين: عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه-: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟! فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ؛ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ) فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ، أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي. (رواه مسلم).

- تشويه صورة الصالحين صد عن سبيل رب العالمين، وعاقبته وخيمة: قال الله -تعالى-: (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) (الأعراف:44-45).

- الدفاع عن عرض الصالحين واجب وعاقبته كريمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

فاللهم احفظنا وإخواننا وشيوخنا والمسلمين مِن أهل الزور والبهتان.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة