الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إخوان مصر ، أما لكم فى إخوانكم أسوة ؟

والإخوان لهم تكتيك عجيب فى إدارتهم للأمور وفي إدارتهم للصراع خصوصاً

إخوان مصر ، أما لكم فى إخوانكم أسوة ؟
أحمد الشحات
الخميس ٠٦ نوفمبر ٢٠١٤ - ٢٠:٥٥ م
2580

إخوان مصر ، أما لكم فى إخوانكم أسوة ؟

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه ،أما بعد :-

جماعة الإخوان قبل الربيع العربى وبعده :-

فى جميع البلاد التى قامت بها ثورات مثل تونس ، مصر ، سوريا ، اليمن ، ليبيا كان الإخوان هم الفصيل المعارض الأقوى داخل هذه البلاد ، وبالتالى كان من الطبيعي أن يقفزوا على منصة الحكم من خلال الانتخابات التى أقيمت عقب سقوط الأنظمة القديمة ، ليس لأن لديهم كفاءة حقيقية لإدارة شئون الدولة ، ولكن لأنهم الأكثر جاهزية وسط كل التيارات الموجودة على الساحة.

والإخوان لهم تكتيك عجيب فى إدارتهم للأمور وفي إدارتهم للصراع خصوصاً ، ويستطيع المتأمل المدقق لمسيرتهم السياسية والدعوية منذ نشأتهم وحتى اليوم حصر ملامح رئيسية تكاد لا تتغير مهما تغيرت الظروف المحيطة من حولهم.

ومن هذه الملامح أنهم يعتمدون على تشويه الخصم أكثر من اعتمادهم على تقديم أنفسهم أو إبراز مميزاتهم ، وهم يعتبرون أى كيانات أو مجموعات تعمل فى الساحة - سواء كان عملهم دعوياً أو سياسياً- خصوماً لهم ، وبالتالي يستجيزون في حقهم ما لا يتصوره أحد من التشويه والطعن وخلافه ، وهذه الطريقة على المدى القريب تعطى انطباعًا للجمهور بأنهم الخيار الأفضل وسط كل هذه الاختيارات السيئة ، ولكن لأن " الله لا يصلح عمل المفسدين " ولأن هذه طريقة غير أخلاقية في التعامل مع المخالف أو المنافس فإنهم على المدى البعيد يحصدون عداوة كل أحد ، ويكتشف كثير من الناس هذه المنهجية السيئة التي يتعاملون بها ، خصوصاً لو كان هذا الشخص أو هذا الكيان حليفاً لهم فى يوم من الأيام ثم خالفهم فى قضية أو مسألة ، فإنه يتجرع المر من جراء ذلك ، والأمثلة على ذلك لا تحصى.

الإخوان فى ظل تجربة الحكم :-

دخل الإخوان الثورات التى نشأت في بلادهم وكان الهم الأول لديهم هو الوصول بالثورة إلى حافة الانفجار ، حتى لا يكون هناك أى محاولة لتوفيق الأوضاع أو للحلول الوسطى أو غير ذلك ؛ لأنهم يعون جيداً أنهم سيكونون الطرف الذى ستتم التضحية به بعدما تهدأ عاصفة الثورة ، وقد نجح هذا الرهان فى تجربة مثل مصر وتونس ، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً فى بلاد مثل ليبيا وسوريا وتحولت فيها الثورة إلى خطر حقيقى على الدولة وعلى الشعب ، ولكن من أدرك ذلك الخطر أدركه بعد فوات الأوان.

وفى البلاد التى نجحت فيها الثورة فى الإطاحة بالنظام القديم أو ببعض رموزه الظاهرة على الأقل ، تسارع الإخوان فى نهم شديد للاستيلاء على السلطة – وإذا تحدثنا عن السلطة فليعلم من لا يعلم أن السلطة هى الهدف الأول والأخير لدى جماعة الإخوان ، بمعنى أنها جماعة طوال تاريخها تحشد قواها وتعد عدتها لذلك اليوم .

هذا النهم ظهر لكل من تعامل معهم من باقي التيارات والأحزاب والتكتلات ، منهم من انقلب عليهم غاضباً وهؤلاء معظمهم من شركاء الكفاح وزملاء الثورة ، ومنهم من ناصحهم مشفقاً عليهم : " يجب عليكم ألا تقضموا أكثر من قدرتكم على الهضم وإلا قتلتم أنفسكم بأيديكم " ، ومنهم من ابتسم فى خبث وقال فى نفسه " دعوهم يأخذوا ما يريدون فسوف يكون ذلك وبالا عليهم في القريب العاجل ".

قد يقول قائل : إن الإخوان ما وصلت لهذه المناصب إلا بالصناديق ، وبالتالي فما حصلوا عليه هو حق أصيل لهم لا يمكن لأحد أن ينازعهم فيه أو يشكك فى مشروعيته !!

الإجابة على ذلك تكمن فى أن النظام الديموقراطى نظام خادع لا يعطى الانطباع الحقيقى الذى تقاس عليه الأمور ، بل هو معيار نسبي يحتاج معه إلى مقاييس أخرى كثيرة للوصول إلى الصورة الكاملة والحقيقية.

الأمر الثانى أن الأوضاع فيما بعد الثورات تكون شديدة الاستثنائية وتتسم بدوام الاضطراب والتقلب ، وهذا يحتم على أصحاب القرار أن يتحلوا بالفطنة والذكاء وحسن التصرف ، وألا يركنوا إلى مسلمات فى ظاهرها وهي في الحقيقة في قمة التأرجح والتقلب.

وأخيراً هناك فرق بين الاستفادة من الحق والإفراط فى استخدام الحق ، والذى حصل من الإخوان أنهم توسعوا جداً في استخدام حقوقهم ، بل لم يكتفوا بها وضموا إليها أشياء أخرى كثيرة ظنوها أنها من حقوقهم المكتسبة بما أنهم فى السلطة ومعهم الحق فى استخدام سلطاتهم ، ومن يتأمل فى القرارات التى اتخذها الدكتور مرسي خلال فترة حكمه والتي عادى بها القضاء والجيش والأزهر والإعلام والأحزاب السياسية المعارضة سيدرك تماماً كم كانت الحكمة غائبة عن العقول.

ويشاء العلى القدير أن يفشل الإخوان فى إدارة معظم الدول التى تولوا حكمها ، الأمر الذى أدى إلى حدوث إضطرابات واسعة تجاههم ، وقد اختلفت ردود أفعال الإخوان على هذه الاحتجاجات ما بين الحكيم الهادئ وبين المتهور الصدامي.

 

الإخوان فى تونس :-

التجربة المصرية والتونسية صنوان منذ بداية أحداث الثورة فى كل منهما ، نتيجة لتشابه ظروف الفقر والاحتياج مع وجود القمع والقهر اللذان يؤديان لانفجار الشعب وخروجه مفضلاً الموت السريع وبشرف عن الموت البطيء مع المهانة ، وبما أن الثورة التونسية كانت أسبق من قرينتها المصرية فقد كان استقرار الشكل النهائي للدولة الجديدة مبكراً وتمت فيها الخطوات المعروفة من انتخابات برلمانية ورئاسية ودستور بشكل أسرع ، وبالتالي كان للإخوان نصيب الأسد فى هذه التشكيلات الجديدة ، وجاء على رأس الحكومة راشد الغنوشي زعيم الإخوان فى تونس.

ونتيجة لتشابه الجينات الإخوانية بشكل كبير فقد قامت هناك اضطرابات واسعة تنادي بإسقاط الإخوان ، مسترشدين في ذلك بالتجربة المصرية التى أسقطت الإخوان بعد عام واحد من توليهم للحكم.

وما يهمنا الآن هو معرفة كيفية تعامل إخوان تونس مع هذه الأزمة وكيف تفادوها ، وما هي الدوافع والمنطلقات التى أدت بهم إلى ذلك ، وهل معنى أنهم رجحوا المسار التفاوضي السلمي وجنبوا البلاد ويلات حروب أهلية ونزاعات داخلية أنهم بذلك قد خانوا الدين والوطن ، لنترك هذه التأويلات والتخمينات جانباً ولنستلهم مباشرة بكلام زعيم النهضة التونسية الشيخ الغنوشى نفسه الذى قال " لقد تفاوضنا مع المعارضة وتنازلنا عن كثير من حقوقنا تجنباً للدخول فى المسار المصرى " ، وقد أثنى الدكتور يوسف القرضاوي على هذا الموقف الحكيم وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولم يعتبر أحد من هؤلاء أن الإخوان فى تونس خانوا القضية أو ارتدوا عن الإسلام أو غيرها من قائمة التهم الطويلة التي نالت الدعوة السلفية وحزب النور فى مصر.

الإخوان فى اليمن :-

بعد اندلاع الثورة فى اليمن ورحيل علي عبدالله صالح عن البلاد وبعد دوران عجلة الحياة السياسية الجديدة ، أسفرت الانتخابات عن تصدر حزب الإصلاح الإخواني رئاسة الحكومة أيضاً ، واليمن تعاني من مشكلات معقدة جداً ويتهددها خطر التقسيم نظراً لتعدد القبليات فيها وانتشار السلاح بين المواطنين ، إضافة إلى تعدد الأصابع الخارجية التى تعبث فى الداخل تأميناً لمصالحها المستقبلية منها على سبيل المثال إيران ، تركيا ، السعودية وغيرها.

ولكن ما تم فى اليمن مؤخراً أنه حدث انسحاب مفاجئ من الجيش تزامن معه اجتياح للحوثيين لكثير من المدن والقرى منحدرين من صعدة إلى أن وصلوا إلى صنعاء بدون أى مقاومة تذكر ، والغريب فى ذلك أن الإخوان لم يتصدروا لهذا الهجوم الحوثي على صنعاء ، رغم أنهم في موقع المسئولية ورغم خطورة الزحف الحوثى بهذه الطريقة مع امتلاكهم للسلاح وقدرتهم على المقاومة إلا أن البيان الرسمى الصادر عن الإخوان هناك ذكر أنهم لن يواجهوا الحوثيين تجنباً لدخول البلاد فى حرب أهلية !!

وقد تختلف أو تتفق مع الطريقة المثالية التى كان يجب مواجهة الحوثيين بها إلا أنك تتوقف أمام عبارات مثل " حقن الدماء " و " تجنب الحرب الأهلية " و " تحاشي الاقتتال الداخلي " وغيرها من العبارات التى غابت تماماً عن قاموس الإخوان فى مصر بل اعتبروا من استخدمها مرتداً وخائناً وعميلاً وغير ذلك.

العجيب فى شخص مثل أردوغان كيف يهاجم الأوضاع فى مصر ويدفع الناس نحو مزيد من الصدام مع الدولة ثم هو نفسه من يثمن موقف الإخوان فى اليمن قائلاً " الاصلاح هو الحزب الاسلامي الاكثر سياسة ومرونة من التيارات الاسلامية وهو الأقرب للوصول الي الحكم بعد تراجع أقرانه في دول الربيع العربي ".

الإخوان فى مصر :-

للإخوان فى مصر تاريخ طويل من الصراع مع السلطات الحاكمة وقد كان الصراع طوال فترة حكم مبارك يحكمه نفس المبادئ التى تحكم صراع " القط مع الفأر" وهو الصراع الذى يسعى فيه كل طرف لتقليص حجم ونفوذ منافسه ، ولكن ما يميزه أن قوانينه معروفة للطرفين وقد يسمح الصراع أحياناً بأنواع من التفاهمات والاتفاقات التى تبدو متعارضة مع أبجديات حالة الصراع ، ولكن كلا الطرفين لا يجد فى ذلك أي نوع من الغرابة أو الاستهجان منها مثلاً تصريحات الأستاذ مهدى عاكف مرشد الإخوان بمبايعة مبارك لولاية جديدة ، ومنها إخلاء الإخوان الدوائر التي فيها رموز للحزب الوطني والتعليق على ذلك أنهم رموز وطنية لا يليق النزول أمامهم إلى غير ذلك من الأمثلة التى لا تنحصر فى هذا المجال.

بعد الثورة وصل الإخوان إلى ما لم يطمحوا له في يوم من الأيام ، فقد فازوا فى النقابات وفي انتخابات مجلسى الشعب والشورى ثم لم يكتفوا بذلك ودخلوا انتخابات الرئاسة وما تلاها من تشكيل الحكومة وتعيين عدد من المحافظين ومساعديهم وتشكيل مؤسسة الرئاسة ، وكان المتصور أن تعمل كل هذه الكيانات الإخوانية فى تناغم مع غيرها من المؤسسات الأخرى وتستغل هذه الكثرة العددية والسيطرة شبه الكاملة على كثير من المناصب فى إقامة جسور تفاهم وتعاون مع من يعارضها أو يرفض سياستها ، ولكن قدر الله أموراً أخرى فلم تتم هذه المواءمات وجاءت بدلاً منها عداوات وثارات أدت فى النهاية إلى خروج الإخوان من المشهد تماماً.

ومنذ ذلك الحين والإخوان ينتهجون لغة حادة ويديرون الصراع بشكل عنيف ومتعال ليس مع السلطة وحدها ولكن حتى مع الشعب نفسه بإعتباره مشارك فى هذه المؤامرة ، وبالتالي باءت جميع محاولات المصلحين بالفشل حتى الأصوات العاقلة التي تخرج من داخل الجماعة يتم وأد محاولاتها فى مهدها .

لدرجة أن عدد مبادرات الصلح التى خرجت منذ 3/7 حتى الآن وصلت إلى 11 مبادرة لم يكتب لأحد منها أي نوع من النجاح ، هل لأن هذا تكتيك تديره الجماعة ؟ أم أن هناك أجنحة داخل الجماعة ترغب في المصالحة ووقف النزيف المستمر في الدماء والأرواح والانهاك الدائم للدولة ومقدراتها وهناك أجنحة أخرى أكثر منها نفوذاً وسيطرة تعيق مسيرة هؤلاء المبادرين؟

لا ندرى على وجه الدقة أين الحقيقة لأن الجماعة التى اعتادت على المراوغة والخداع لم تترك رصيداً من الثقة لدى الآخرين لكي يحسنوا بها الظن فى موقف من المواقف ، لكن الحقيقة الواضحة التى لا مجال للطعن فيها هى كون أن يتقدم قيادى بارز داخل الجماعة بمبادرة فلا يمكن أن يكون ذلك عملاً فردياً وإذا كان كذلك فلا يمكن أيضاً أن يكون خيانة وعمالة أو كفر وردة كما يحلو لهم دائماً أن يصفوا معارضيهم ممن وهبهم الله مزيداً من العقل والبصيرة فاستشرفوا به المستقبل ونصحوا لهم قبل أن يتوغل بهم الأمر بهذه الطريقة.

نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل ، آمين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة