الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدفاع عن السنة ورموزها (7)

... نقف مع شبهة أخري أثارها القوم علي صحيح البخاري منكرين ورود حديث طواف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في الساعة الواحدة...

الدفاع عن السنة ورموزها (7)
إيهاب شاهين
السبت ٠٨ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٤:٥٥ م
6033

الدفاع عن السنة ورموزها (7)

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في هذا المقال نقف مع شبهة أخري أثارها القوم علي صحيح البخاري منكرين ورود  حديث طواف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في الساعة الواحدة , في صحيح البخاري لأن ذلك يطعن في عصمته وسلوكه صلى الله عليه وسلم, زعموا, وأن الحديث يتعارض مع القرآن الكريم الذي وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضي ليله في قراءة القرآن وقيام الليل، وفي النهار في الجهاد والدعوة, وهذا نص الحديث ويليه الرد علي شبهاتهم .

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه، في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة قال قتادة: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين"

قالوا من أين لأنس بن مالك أن يعرف بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة ؟ فهل أعلمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كان حاضراً ؟

الجواب: بداية لابد من توضيح أن كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم ، يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء كما قال عز وجل {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية}.

وكذلك طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء أيضا، كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيحي البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم: قال سليمان عليه السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو قال على تسع وتسعين امرأة، كلهن تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه قل: إن شاء الله، فلم يقلها، فلم تلد واحدة منهن أحداً إلا امرأة واحدة ولدت نصف إنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما لو استثنى -يعني لو قال: إن شاء الله- لولدت كلهن فارساً يقاتل في سبيل الله، وكان أدعى لحاجته.

ثانيا: ورد في سنن أبي داود في الحديث الذي حسنه الألباني قال حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن يعني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت عائشة يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها, قالت نقول , في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها أراه قال ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ) .

ففي هذا الحديث نص صريح يبين لنا حقيقة طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه جميعاً في الساعة الوحدة من الليل والنهار إنه طواف حب، ومداعبة، بدون جماع، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، كما هو ظاهر كلام عائشة رضي الله عنها , ولا يتعارض هذا مع ظاهر حديث أنس رضي الله عنه، في أن حقيقة طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه جميعاً بجماع,إذ الجمع بينهما حينئذ يكون، بحمل المطلق في كلام أنس على المقيد في كلام عائشة , أو بحمل كلام عائشة على الغالب، وكلام أنس على القليل النادر، فلا مانع من أنه صلى الله عليه وسلم إذا طاف على نسائه جميعاً في بعض الأحيان يكون بجماعهن جميعاً، وتكون له صلى الله عليه وسلم القدرة على ذلك، وكون الله تعالى يخصّ نبينا بجعل تلك القوة كقوة ثلاثين من الرجال مما لا يمنعه شرعٌ أو عقلٌ، ما دام وأن مطلق القوة على إتيان النساء ممدوحٌ لا نقص فيه بل هو من الكمال.

وعليه
فإما أن ينكروا كون النبيّ صلى الله عليه وسلم له القوّة على جماع نسائه، فقد أنكروا ما هو كمالٌ مستَحقٌّ له، فضلاً أنه يلزمهم مع ذلك وصفه بالنقص وهو عدم القدرة على جماع النساء، مع ما صحّ لدى الجميع من كثرة نسائه صلى الله عليه وسلّم، وكون جماعهن من حقوقهن التي لا بد وأن يكون عليه الصلاة والسلام معنيّاً بأداء تلك الحقوق؛ إذ هو أعدل الناس وأتقاهم لربه تبارك وتعالي, وبالتالي فلن يستطيع هؤلاء إنكار وجود مطلق القوة في النبي عليه الصلاة والسلام على جماع نسائه؛ لما سيلزمهم من سلبه الكمال ووصفه بالنقص.

وإما أن ينكروا التخصيص بأنه أعطي قوة ثلاثين ، فنطالبهم بدليل الاستنكار لذلك؛ إذ ليس في الشرع ولا العقل ما يمنع مثل هذا الاختصاص؛ سيما وأن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الكمالات من دون البشر مما لا ينكره إلا جاحد، وعليه فاختصاصه بتقديرٍ معيّنٍ لما هو كمالٌ في أصله لا نكارة فيه، وبالتالي فلا وجه لهذا الاستنكار.

وإما أن ينكروا انشغال النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الأمر في حين أن عليه من الواجبات في الليل والنهار ما فيه شغلٌ عن ذلك، والحاصل أن الحديث :إنما ذكر حصول هذا الأمر في الساعة الواحدة من الليل والنهار، والساعة هي المقدار من الزمان على عرفهم، وليس المقصود بها ما تعارف عليه الناس اليوم من مقدارها، غير أن تعبير الصحابي بكون ذلك ساعةً واحدةً من مقدار زمان الليل والنهار، يدلّ على قلّتها عند إضافتها إلى زمن الليل والنهار، و"الواو" هنا في قول الصحابي: من الليل والنهار بمعنى "أو" كما لا يخفى ورود ذلك في اللغة.

 وثمة أمر ينبغي الانتباه إليه:كانت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مقسمة إلى عبادة وتبليغ وتعليم لأمته - بالقول والفعل - إلى جانب ما تقتضيه الحياة الزوجية من رعاية واهتمام وتلطف، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقضي ليله في القيام وقراءة القرآن والعبادة، ونهاره في الجهاد، وكان عمله - صلى الله عليه وسلم - متواصلا، ولم يؤثر هذا في جميل معاملته - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته ولم يحجبه عن الوفاء بحقوقهن عليه.

ومن حنق هؤلاء القوم علي السنة وأهلها يقولون ويتساءلون : ما الذي يعود على الأمة من نفع إذا علمت أن النبي كان يتمتع بهذا القدر من القوة، وكيف تسنى لأنس بن مالك أن يعرف هذا؟ أأخبره به النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أخبرته زوجاته، أم تجسس أنس على النبي صلى الله عليه وسلم؟!

 يقول الإمام العلامة المناوي - رحمه الله: "فإن قلت: هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ قلت: نعم ,بل هي معجزة من معجزاته السنية، إذ قد تواتر تواترا معنويا، أنه كان قليل الأكل، وكان إذا تعشى لم يتغد، وعكسه، وربما طوى أياما، والعقل يقضي بأن كثرة الجماع إنما تنشأ عن كثرة الأكل، إذ الرحم يجذب قوة الرجل، ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء، فكثرة الجماع لا تجتمع مع قلة الغذاء عقلا ولا طبا ولا عرفا، إلا أن يقع على وجه خرق العادة، فكان من قبيل الجمع بين الضدين، وذلك من أعظم المعجزات فتدبر.

قال النووي رحمه الله تعالي : "وفي هذا بيان ما خص به الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ,من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يطوف على إحدى عشرة امرأة له في الساعة الواحدة، كما ثبت في الصحيحين، وهذا كله من زيادة القوة"

ويقول ابن حجر: "وفيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية، وقوة الفحولية، وكمال الرجولية، مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم .

أما عن الحكمة من معرفة مثل هذه الأشياء عن الأنبياء فعظيمة؛ فنبينا  صلى الله عليه وسلم لم يترك شاردة ولا واردة من أمر الدين إلا وقد بينها لأمته؛ لذا وصلت إلينا سنته صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، لكن هناك أمورا لا نعرفها إلا من خلال حياته الخاصة، ولا يخبرنا بهذه الأمور إلا الأقربون من النبي صلى الله عليه وسلم مثل زوجاته وخدامه.

ومن ثم فليس من المستغرب أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بما يحدث بينه وبين زوجاته، أو يفصح بقوة ,منحها الله إياه في النكاح، طالما أن في ذلك إفادة لأمته، فليس في حياة النبي  صلى الله عليه وسلم  الخاصة ما يشوه سيرته العطرة، وليس في رواية رواة السنة من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم وصولا إلى أئمة المحدثين كالبخاري ومسلم - عن حياته الخاصة ما يدعو إلى الحرج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم في سلوكه وهديه، وما ينقل عنه من حياته الخاصة دين، وللأمة فيه القدوة والأسوة الحسنة، وليس أدل على ذلك مما ورد من اختلافهم في جواز القبلة للصائم، وفي طلوع الصبح على الجنب وهو صائم، فسألوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأخبرتهم أن ذلك وقع من النبي  صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى ذلك، وعلموا أنه لا حرج على فاعله. وهذا النقل لما يخصه  صلى الله عليه وسلم  في حياته الخاصة، حث عليه، وكان بإذنه صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

 

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

ربما يهمك أيضاً