الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجبهة القطبية وليست الجبهة السلفية

فما الذي أوقعه في ورطة هذا الاسم الذي يعنى عندهم الكثير من الذم والقليل من المدح إن لم يكن هذا اللبس هو عين مقصودهم؟!

الجبهة القطبية وليست الجبهة السلفية
عبد المنعم الشحات
الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٣:٥٦ م
5664

الجبهة "القطبية" وليست الجبهة "السلفية"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيَحدث الكثير مِن اللبس بيْن مواقف "الدعوة السلفية" بمصر وبين مواقف "الجبهة" السلفية صاحبة الدعوة إلى ما أسمته بـ"ثورة الشباب المسلم" في "28-11-2014م"، وهذا اللبس يَشتكي منه -ظاهريًّا- الطرفان، بل الجبهة هي أكثر شكاية حيث إنها تكرر اختلافها واستيائها مِن تصرفات "الدعوة السلفية" و"حزب النور"، وربما اشتد بأعضائها حسن الأدب في الحديث، فقالوا: "البرهاميون!" أو ناداهم الشوق الكامن لاستعمال القاموس القطبي، فقالوا : "المنبطحون - المنافقون - العملاء - ... !" مما هو معلوم للجميع.

والعجيب أن هذا الكيان المسمى بـ"الجبهة السلفية" كيان حديث النشأة، وموقفه من "السلفية" بصفة عامة ومِن "الدعوة السلفية" بصفة خاصة، ومن "رموز التيار السلفي العام" شديد السلبية كما سنبيِّن -إن شاء الله تعالى-؛ فما الذي أوقعه في ورطة هذا الاسم الذي يعني عندهم الكثير مِن الذم، والقليل من المدح "إن لم يكن هذا اللبس هو عين مقصودهم"؟!

ولكن لنفترض أنهم لم يقصدوا هذا اللبس، ولكنه وقع؛ ألا يكون مِن الضروري لهذه "الجبهة" أن تزيل ذلك اللبس، وتتنازل عن وصف "السلفية" المزعج لهم؟!

ولكن قد يقول قائل: فلتبادر "الدعوة السلفية" هي إلى ذلك!

والجواب أن ذلك لا يستقيم مِن عدة وجوه:

الأول: أن الدعوة أسبق تكوينًا، وأسبق استعمالاً لاسم "السلفية".

الثاني: أن الدعوة تنتسِب إلى السلفية نسبة حقيقية، ولا تعني عندها السلفية إلا كل مدح بخلاف الجبهة التي سوف يأتيك بيان نظرتها تجاه المنهج السلفي.

الثالث: أن الجبهة السلفية لا تقبل مِن السلفية إلا مَن كان "قطبي الهوى" كما سيتضح لكَ من خلال الرموز الذين اتخذوهم مرجعيات؛ وانطلاقًا مِن هذا فنحن نقترح عليهم وصفًا هو أقرب إلى قلوبهم، ولا يأتي عندهم إلا على سبيل المدح، وهو: "وصف القطبية"، وبالتالي فهذه هي "الجبهة القطبية".

وعلى أي حال فنحن متى أطلقنا عليها هذا الوصف؛ فنحن نصفها بشيء يعتزون به في حين أنهم يستعملون في وصفنا ألفاظًا بعضها يرتقي إلى التكفير، وبعضها يعتبر سبًّا وقذفًا، وأهونها -وليس بهين- يعتبر مِن التنابذ بالألقاب!

وأما النُقُول التي تبيِّن اعتزاز تلك الجبهة بالمنهج القطبي، ونفورها غاية النفرة من المنهج السلفي؛ مما يجعلك تحار: لماذا اختاروا أن يسموا أنفسهم بذلك - فكثيرة جدًّا؛ مِن أهمها: "باب تساؤلات عن الجبهة" في موقعها على الإنترنت.

وجاء فيه السؤال التالي: ما علاقة الجبهة السلفية بالتيار القطبي؟

وكانت الإجابة: "لا يفوتنا في بداية الإجابة عن هذا السؤال، التنبيه على أن اصطلاح "القطبية" يُطلَق، ويراد به أحد معنيين:

أولهما: وهو الأعم، يراد به مَن تتلمذوا على كتابات الشيخ سيد قطب -رحمه الله-، فانحازوا لقضية تحكيم الشريعة كجزء محكم من عقيدة التوحيد، وكمحور صراع مع العلمانية المعاصرة، وتبنوا التربية الإيمانية، والحركة التغييرية تجاه الواقع المعاصر.

ثانيهما: وهو الأخص، يراد به تلك الجماعة التي ارتبطت مبكرًا بالشيخ، ودخلوا معه السجن في قضية سنة 1965م، والتي أعدم فيها الشيخ -رحمه الله، وتقبله في الشهداء-، ثم صار من أعلامها الشيخ "عبد المجيد الشاذلي" -رحمه الله- صاحب كتاب "حد الإسلام وبيان الإيمان".

فبالمعنى الأول لا شك في اعتبارنا مع كثيرين في الحركة الإسلامية جزءًا من التيار القطبي، وهذا شرف لا ننكره، كما أننا لا نحتكره، إذ إن جمًّا غفيرًا مِن الحركة الإسلامية المعاصرة عيال على الشيخ سيد قطب -رحمه الله- بهذا المعنى.

أما بالمعنى الثاني، وهو قائم على شقين: أحدهما: علمي، فيشمل تبني خيارات معينة اشتهر بها هذا الفصيل، كقضية: "عدم العذر بالجهل في أصل الدين" وهو مختص عندهم بالتوحيد العملي، وبالجهل الكسبي لا القدري -أي: مع إمكان التعلم-، والآخر: عملي، ويتمثل في الارتباط العضوي بالكيان تربويًّا وعلميًّا وعمليًّا، فبهذا المعنى الثاني -بشقيه- لسنا جزءًا مِن هذا التيار الخاص، علمًا بأن التيار القطبي -بالمعنى الثاني- قد أعلن كيانه بعد ثورة يناير باسم "دعوة أهل السنة والجماعة"، فيمكن لمن أراد الاستزادة في التعرف عليهم، مراجعة موقعهم الإلكتروني المعبِّر عنهم".

ومِن هذه الإجابة يتضح:

1- الجبهة جزء مِن التيار القطبي العام، وإذا كانت تزعم في تعريف حركتها أنها جزء من التيار السلفي العام؛ فهذا فرع على محاولة القطبيين بصفة عامة تسويق أنفسهم تحت مسمى السلفية.

2- أن الجبهة وإن نفت عن نفسها الانتماء إلى القطبية بالمعنى الخاص؛ فهي تنظر بعين الاحترام البالغ للتيار القطبي بالمعنى الخاص، والذي عبر عنه في كتاب "حد الإسلام" لعبد المجيد الشاذلي.

ومِن الأسئلة المطروحة على الموقع ذاته سؤال يقول: مَن العلماء والشيوخ الذين ترجع إليهم الجبهة؟

وكانت الإجابة: "هناك شيوخ في واقعنا المصري قد انتفعنا بهم ووافقناهم أكثر من غيرهم، وإن لم نلزم كل أقوال واحد منهم بعينه، ولم يُلزمنا أحدهم بذلك، أشهرهم الشيخ "رفاعي سرور" -رحمه الله-، والشيخ حازم أبو إسماعيل -فك الله أسره-، والشيخ د."محمد عبد المقصود" -حفظه الله-، والشيخ د."هشام عقدة" -حفظه الله-".

وفي ظل "التقارب الإخواني القطبي الجهادي" في الآونة الأخيرة جاءت الإجابات عن باقي الأسئلة على النحو الآتي...

سؤال: ما علاقة الجبهة السلفية بجماعة الإخوان المسلمين؟

وابتدأت الإجابة بعبارة: "إن الجبهة السلفية جزء من التيار السلفي في الحركة الإسلامية، وهي متأخرة في نشأتها عن جماعة الإخوان، وبالتالي فنحن كيان مغاير لكيان الإخوان، وإلا لكنا قد انتمينا لهم".

وانتهت بعبارة: "فنحن ننصح لهم بمقتضى الأخوة الإيمانية، ونتعاون معهم في المشترك بيننا، وندعمهم ضد كل مَن كانوا هم أولى بالحق والشرع منه، مع محافظتنا على خياراتنا التي نختص بها دونهم، وكياننا الذي نطمح أن يسد ثغرًا قد لا يسده غيره".

وأما سؤال: ما علاقة الجبهة السلفية بالتيار الجهادي؟

فكان مِن أهم ما جاء في الإجابة عليه: "والجبهة السلفية باعتبارها كيانًا سلفيًّا ثوريًّا تتلاقى مع التيار الجهادي في أكثر من مشترك، لكنها تختلف عنه في أشياء، أهمها: ... ".

وأما عن سؤال: ما علاقة الجبهة السلفية بالدعوة السلفية؟

فاستعرضت الإجابة الاختلاف في كثير مِن المواقف بداية مِن الخلاف من تأييد "حازم أبو إسماعيل"، وانتهاءً بالموقف مِن "3-7-2013م"، ثم قالتْ: "وبناءً على ما سبق، يظهر التفاوت الهائل بين كل مِن الجبهة السلفية والدعوة السلفية، والذي لم يمكن لاسم السلفية المشترك بينهما أن يقلل منه، علمًا بأن ما سبق إنما هو غيض من فيض، لكنه يفي بالمراد هنا".

ومِن هذه الأسئلة والأجوبة يمكنك توصيف الجبهة السلفية أنها:

- جزء مِن التيار القطبي العام.

- أنها شديدة القرب من التيار القطبي الخاص.

- أنها قريبة من حركتي الإخوان والجهاد.

- أنها لا تنسب نفسها إلى السلفية إلا بإضافة قيد "الثورية"، والذي يعني عندهم ما سبق من التحالف مع التيارات القطبية، ومع قطبي الإخوان، ومع التيارات الجهادية؛ بالإضافة إلى تبني وسائل ما يسمى بحرب "اللا عنف" التي هي بالمعايير الشرعية فتنة واستهتار بالدماء، وإن وصفتها أكاديمية التغيير القطرية "بالسلمية!" -ولهذا القضية تفصيل يأتي في مقالات لاحقة بإذن الله تعالى-.

أما موقفها من السلفية غير الثورية أو بالأحرى "غير القطبية"؛ ففي غاية البعد، ولا يختص ذلك بالدعوة السلفية -كما قد يتوهم البعض- حيث إن انتقاداتهم للدعوة السلفية تطول من باب أولى الدعاة السلفيين الآخرين الذين لا يعملون عملاً جماعيًّا، ولا عملاً سياسيًّا باستثناء ذوي الميول القطبية أو الذين رفعوا شعار: "الإخوان هم رجال المرحلة".

وبتطواف سريع على المقالات الفكرية المنشورة على موقعهم سوف يتبين لك مقدار العداوة الكامنة "بل الظاهرة" في قلوبهم للمنهج السلفي، منها مقالة بعنوان: "موقفنا من النقد السلفي لأخطاء سيد قطب"، وتأمل هذا العنوان لتحكم على كاتبه: هل ينتمي للقطبية أم السلفية؟! وهل خلافه مع الدعوة السلفية فقط أم مع السلفية ككل؟!

وقد لخص هذا الكاتب "موقفهم" في نقطتين:

الأولى: أن أخطاء "سيد قطب" لا تمس جوهر وجود الحركة الإسلامية، في الوقت الذي يغذي فيه إنتاجه الفكري أصل هذا الوجود.

الثانية: أن انتقادات السلفيين لـ"سيد قطب" هي في ذاتها صواب، لكنها مع ذلك أعراض مرضية يجب التصدي لها!

وكاتب هذه المقالة يتعمد حصر انتقادات السلفيين على "سيد قطب" في أخطائه في باب الأسماء والصفات، ويتجاهل أن الانتقادات الأساسية موجهة إلى المنهج القطبي في مسائل الإيمان والكفر، ووصفه للمجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات جاهلية، إلى غير ذلك من القضايا التي نظـَّرها في صورة واضحة لاحقة تلميذه "عبد المجيد الشاذلي" الذي تحتفي به الجبهة القطبية أيما احتفاء، ثم لم يكتفِ بتعمد ترك الاعتراضات الرئيسية حتى لمز السلفيين هذا النقد ذاته.

وثمة مقالة أخرى بعنوان: "السلفيون والسلف... اتّباع أم انحراف؟".

ومرة أخرى أترك القارئ مع العنوان؛ لينظر: هل يصدر مثل ذلك العنوان من شخص سلفي؟ وأما متن المقالة فقد قال فيه: "السلف هم الصحابة بالأساس، ثم القرن الثاني والثالث تبعًا لهم...

السلفية المعاصرة تجاوزت بقصد أو بدون قصد سير ومنهج هذا القرن الأول...

تركوا سير الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسياسة الأمة بالدين... ".

ومقالة أخرى بعنوان: "احتواء السلفيين... واستلاب العقول!".

جاء فيها: "إن قطاعات واسعة مِن التيار السلفي تحتاج لاستثمار فترة الحرية الحالية لإجراء مراجعات حرة في ظروف صحية لا تخضع لضغوط أمنية أو مجتمعية؛ لتصحيح منظومة المصالح والمفاسد المعوجة التي أنتجت مواقف مشينة ومخزية، ولتعيد لأطروحة "اتباع الدليل" رونقها، ولتهدم مرة أخرى أطروحة "تقديس المشايخ"، ولتعمل على بناء شخصيات سلفية حرة تتفاعل مع قضايا الأمة وتستشعر آلامها، وتحمل آمالها، وتسعى لنهضتها لتؤدي دورها المطلوب في قيادة البشرية لبر الأمان".

ومما سبق يتضح لك أن الاسم المطابق للواقع لهذه الجبهة هو "الجبهة القطبية".

وأما دعوتها لما أسمته بـ"الثورة الإسلامية"؛ فلا تخرج عن حالة العشوائية والاتكالية، ودَفعِ الشباب بصدور عارية لتراق دماؤهم أو يريقوا هم دماء قوات الجيش والشرطة، وكلها دماء معصومة "وهذا سوف نتناوله في مقالة أخرى -بإذن الله تعالى-"، ولكن نكتفي ها هنا بهذا النقل مِن مقالة لهم بعنوان: "كيف سيسقط الانقلاب؟!".

جاء فيها: "وفي الختام يأتي السؤال: كيف نحسم هذه الجولة... ؟ على مستوى قدراتنا؛ فإننا نعمل على أن تُحسم المعركة بالنقاط لا بالقاضية... ليس لدينا أداة للحسم، وما يجب علينا الآن هو الحفاظ على استمرارية الحراك الثوري، وتهيئة الأجواء لحدوث التغيير الذي في الغالب -استنادًا على طبيعة المرحلة- سيكون قدريًّا! هذا والله أعلم".

خاتمة:

مِن عجائب "الجبهة القطبية!":

- جبهة دعتْ إلى "فعاليات ثورية"، منها: "سوء استخدام الكهرباء - والامتناع عن دفع الفواتير من باب إسقاط الانقلاب"، بينما أحد أبرز قادتها يعمل بالكهرباء! بل ومواظب ومجتهد في عمله (جائز!).

- جبهة تدعو إلى ثورة ضد حكومة، بينما أحد أبرز قادتها موظف فيها (جائز!).

- الجبهة تعلن أنها فوجئت بإلقاء القبض عليه مِن مقر عمله (جائز!).

- الجبهة تتهم "جبهة أخرى" أنها وراء الوشاية به إلى الدولة!

يعني -مثلاً- هل قالتْ -الجبهة الأخرى- للدولة: إنه يقوم بثورة، أم قالتْ لهم: إنه مهندس في شركة الكهرباء، أم أعطت لهم عنوان الشركة، أم أن الحكومة طيبة ومتسامحة جدًّا فيما يتعلق بالثائرين عليها، بينما لا يغمض لها جفن متى طلبت منها "الدعوة السلفية" تأديب أحد؛ فتسارع بالقبض عليه؟!

فيا أيتها "الجبهة القطبية"... لا تجمعي حشفًا وسوء كيلة!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية