الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس من قصة النبي الذي أعجب بقومه (موعظة الأسبوع)

الوقوف على الفوائد والدروس في القصة

دروس من قصة النبي الذي أعجب بقومه (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٤:٣٨ م
5149

دروس من قصة النبي الذي أعجب بقومه (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

- الوقوف على الفوائد والدروس في القصة.

المقدمة:

- تمهيد بحكاية القصة إجمالاً وأنها من النوع المتعلق بقصص الأنبياء: عن صهيب -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى هَمَسَ شَيْئًا لا أَفْهَمُهُ وَلا يُخْبِرُنَا بِهِ، قَالَ: (أَفَطِنْتُمْ لِي؟) قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: (إِنِّي ذَكَرْتُ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ أُعْطِيَ جُنُودًا مِنْ قَوْمِهِ -وفي رواية: (أُعْجِبَ بِأُمَّتِهِ)- فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلاءِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاءِ؟ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْكَلامِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ نُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ، فَاسْتَشَارَ قَوْمَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ، نَكِلُّ ذَلِكَ إِلَيْكَ، خِرْ لَنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاةِ، وَكَانُوا إِذَا فَزِعُوا، فَزِعُوا إِلَى الصَّلاةِ، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ)، قَالَ: (ثُمَّ قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلا، أَوِ الْجُوعُ فَلا، وَلَكِنِ الْمَوْتُ؛ فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَهَمْسِي الَّذِي تَرَوْنَ أَنِّي أَقُولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

الدروس المستفادة من القصة

1- الأنبياء معصومون مِن الكبائر والصغائر المزرية إجماعًا:

- الشاهد من القصة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أُعْجِبَ بِأُمَّتِهِ، فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلاءِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاءِ؟ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْكَلامِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ إِحْدَى ثَلاثٍ... ).

قال القاضي عياض -رحمه الله-: "هم معصومون من صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة وأسقطت المروءة، وأوجبت الخساسة؛ فهذا أيضًا مما يُعصم منه الأنبياء إجماعًا" (الشفا، نقلاً عن مؤلفات في دائرة الضوء ص 77).

- النصوص الواردة في نسبة الذنب لهم محمولة على النسيان أو الخطأ أو ترك الفضل أو الاجتهاد خطأ: كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التحريم:1)، وقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:66-67)، وقوله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (محمد:19)، وقوله -تعالى-: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود:46).

- لا يقرون عليها، بل ينبهون إليها: قال الله -تعالى-: (عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) (عبس:1-4)، و قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: فَهَلا نَمْلَةً وَاحِدَةً) (متفق عليه)، وفي قصتنا: (فَأُوحِيَ إِلَيْهِ... ).

2- فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد:

- الشاهد من القصة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ نُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ)، وقوله: (أَيْ رَبِّ، أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلا، أَوِ الْجُوعُ فَلا، وَلَكِنِ الْمَوْتُ).

- درء المفسدة الأعظم باحتمال المفسدة الأقل: "تسلط العدو ذل وهوان ويؤول إلى القتل - والجوع ضعف وذهاب للقوة ويؤول إلى الموت والهلاك - أما الموت: فهو لا بد حاصل، ولعل البقية تكثر بعد ذلك وتقوى وقد أخذت الدرس والعبرة"، فاعتبار المآل يجعل اختيار الموت هو الأمثل.

- درء المفسدة الأعظم باحتمال المفسدة الأقل، واختيار أخف الضررين قاعدة شرعية مطردة الأدلة: "قصة الخضر وخرق السفينة - قصة تبول الأعرابي في المسجد - وغير ذلك... ".

3 - فضل الدعاء والالتجاء والفزع إلى الصلاة:

- الشاهد من القصة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَقَالُوا: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ، نَكِلُّ ذَلِكَ إِلَيْكَ، خِرْ لَنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاةِ، وَكَانُوا إِذَا فَزِعُوا، فَزِعُوا إِلَى الصَّلاةِ، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ).

- هدي الصالحين الفزع إلى الصلاة إذا نزلت الملِمات: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

- الدعاء والالتجاء والصلاة سبب للفرج وزوال الكرب: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَمِدَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ)، ثُمَّ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلَى حِينٍ)، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَة) (متفق عليه).

خاتمة: سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- يأخذ العبرة:

- القدرة على القتال والقدرة على رد الصائل، والنصر؛ من الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ)، وقال -تعالى-: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال:17)، (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران:126).

فاللهم بك نقاتل، وبك نصاول، ولا حول ولا قوة إلا بك.

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة