الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (1)

أولاً - التكفير والهجرة " جماعة المسلمين "

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (1)
أحمد الشحات
الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٦:٠٥ م
4374

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (1)

أولاً - التكفير والهجرة " جماعة المسلمين "

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة بين يدي الدراسة :-

للدعوة السلفية تاريخ عريق في تأصيل المسائل العلمية وتحرير القضايا الخلافية ، وذلك منذ أن نشأت كمدرسة سلفية في سبعينيات القرن الماضي إلى أن اتسع نشاطها وأصبحت تهتم بالعلم والدعوة والسلوك وإصلاح المجتمع والأعمال الخيرية وغيرها.

والدعوة السلفية عانت منذ بدايتها من تعدد الخصومات الفكرية بينها وبين عدد لا بأس به من التيارات والجماعات التي كانت متواجدة بقوة في ذلك الحين ، فقد واجهت الدعوة في بداية نشاطها خطر التكفير بكل صوره وأشكاله ؛ الصريح منه والمستتر ، وواجهت أيضاً تيارات العنف والصدام واستخدام السلاح وتغيير المنكرات بالقوة ، وقد ظلت الآثار السيئة لتبنى هذه المسالك متواجدة حتى وقت قريب إلى أن جاءت مراجعات الجماعة الإسلامية وتبعتها بعدها بفترة جماعة الجهاد ، وواجهت الدعوة كذلك التيار الذي تبنى مسلك تمييع القضايا والتزلف للجماهير.

والدعوة السلفية إذ تقوم بذلك الجهاد الفكري منذ قديم الزمان لا تنتظر مدحاً من أحد ولا تعير اهتمامًا لنقد من ناقد ، لأنها تقوم بذلك ديانة وأمانة لأنها تؤمن بأن هذه الأفكار ضارة وهدامة وتؤثر على مسيرة الدعوة الإسلامية بالسلب ، وتدمر العلاقة بين الدعاة والمجتمع ، وتساهم في عرقلة تطبيق المشروع الإسلامي وتنفير الناس منه.

وقد رفعت الدعوة السلفية لواء الدفاع عن العقيدة والاهتمام بقضايا التوحيد وأصول الدين والإيمان ، معتمدة على محورين هامين:

 الأول : جانب البناء والذي يُعنى بتثبيت معاني العقيدة في القلوب كما جاءت في القرآن الكريم وفى السنة المطهرة.

 والثاني : هو جانب الهدم ويهتم بالتعرض للأفكار الباطلة والمذاهب المنحرفة وطرق مناقشتها والردود العلمية عليها ، وقد تحملت الدعوة في سبيل ذلك العديد من الاتهامات مثل من اتهمها بإذكاء الخلافات القديمة لصالح جهات مشبوهة ،وتحملت كذلك كثير من الاستخفاف والسخرية بزعم أنها تستهلك الوقت وتشغل الأمة بقضايا تافهة لا تواكب قضايا الزمن ولا اهتمامات العصر.

وقد كان رد الدعوة دائماً يتمثل قول القائل " تعلم العلم فإنك لا تدرى متى تحتاج إليه " ولأن الأفكار من طبيعتها أنها تتجدد وتتطور مع الوقت ، فصمام الأمان للأمة أن تحصن نفسها بإجراءات وقائية تحمى المجتمع من الخطر قبل مجيئه  ، أو على الأقل قبل استفحاله، وإذا طبقنا ذلك على موضوع البحث سنتيقن  مدى أهمية وحساسية هذا السلوك الوقائي المبكر لأنك لا تستطيع أن تتكهن ببداية الأزمة ولا بحجمها وبالتالي إذا لم يكن هناك الاستعداد الكافي لها فسيتأخر الرد أو يتعطل والله أعلم كم سيكلف ذلك من خسائر.

ومن خلال هذا المقال سوف نتناول فكر جماعة " شكري مصطفى " والتي عُرفت إعلامياً باسم " التكفير والهجرة " وهى أقدم جماعات التكفير في مصر وهى النبتة السوداء التي انقسمت على نفسها وتشرذمت إلى جماعات وطوائف وفرق تكفر بعضها البعض وتلعن بعضها البعض كعادة أهل البدع ، وربما انطفأت جماعات أو ماتت ولكن يبقى الفكر حياً لا يموت تتوارثه أجيال أخرى وتتلقف رايته قيادات جديدة تزيد وتنقص وتتسمى بأسماء وتتصف بصفات ولكن جوهر الفكر واحد مع تعدد الأشكال وتنوع المسميات.

1-    الظروف التي نشأت فيها الجماعة :-

المؤسس الأول للجماعة في مصر هو الشاب " شكري أحمد مصطفى " من مواليد محافظة أسيوط عام 1942 ، وكان طالباً في كلية الزراعة جامعة أسيوط ، وقد كان شكري أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، وتم اعتقاله في عام 1965 فيما يعرف بقضية " تنظيم 65 " الذي كان يقوده الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – والمثير للدهشة أن الأستاذ سيد كانت أسرته الخاصة في جماعة الإخوان مكونة من ثلاثة أفراد الأول هو شقيقه الأستاذ محمد قطب والذي التصق اسمه بالتيار القطبي ، والثاني هو الأستاذ عبد المجيد الشاذلي الذي صار هو الآخر مؤسساً لتيار فكرى مستقل عُرف بعد ذلك باسم " التوقف والتبين " ، والثالث هو شكري مصطفى مؤسس " جماعة المسلمين " موضوع كلامنا في هذا المقال.

أما عن الظروف التي نبتت فيها هذه النبتة المسمومة ، فنستطيع أن نرصد ثلاثة أسباب رئيسية ساهمت بشكل مباشر في ميلاد هذا الفكر المدمر :-

1)     العذاب والتنكيل بشتى صوره وبجميع صنوفه الذي واجهه هؤلاء الشباب داخل السجون والمعتقلات بالدرجة التي جعلتهم يعتقدون أن من يعذبونهم أشد كفراً من  كفار قريش أنفسهم ،هذه المبالغة في التعذيب والإيذاء كانت في الحقيقة عقيدة ومذهب للنظام الناصري مع كل معارضيه ومناوئيه سواء كانوا من الإسلاميين أو من غيرهم ، بيد أن الإسلاميين كان لهم حظاً أوفراً من غيرهم في هذا الإيذاء ، ولكن هذا الشباب المسكين لم يتصور إلا أن يكون الدافع الأساسي لهؤلاء هو الكفر الصراح فبدأوا بتكفير من يعذبونهم ثم من يأمرونهم بالتعذيب وهكذا حتى وصلوا لتكفير الجيش والشرطة والرئيس والحكومة على اختلاف فيما بينهم بين موسع لدائرة التكفير وبين مضيق لها.

 

2)     الصمت الرهيب من الجماهير على ما يتم من تعذيب واعتقالات لرجالات الدعوة الإسلامية الذين أحبوهم وتفاعلوا معهم ، فظن هؤلاء الشباب – خطئاً ووهماً -  أنهم لأجل هذا الحب والتأييد سوف يضحون بالغالي والنفيس من أجلهم وأنهم سينتفضون لأجل رفع هذا الظلم عن إخوانهم ، ولكنهم فوجئوا أن الجماهير صمتت صمت القبور ، وأن همها الأساسي متوجه للبحث عن احتياجاتها الأساسية الشخصية ، مع وجود قدر من التعاطف القلبي مع المظلومين بطبيعة الحال ، لكن هذا التعاطف لن يدفعهم للقيام بثورة مثلاً ، وهنا كانت الكارثة الكبرى أن هؤلاء الشباب الذين لم يفرغوا بعد من تكفير النظام والحكومة إذ بهم يكفرون عموم الشعب ممن رضي بالظلم وسكت عن حكم الطاغوت.

 

3)     الجهل الشديد لدى هؤلاء الشباب وعدم معرفتهم بالأصول الشرعية والقواعد العلمية في التكفير والتفسيق والتبديع ، وتأثرهم عاطفياً بحالة الظلم والانتهاك لحريتهم وكرامتهم  ومع عدم وجود الشيوخ والعلماء الذين يضبطون هذه المسائل ، فلم تكن جماعة الإخوان حسمت موقفها من هذه القضايا الكبرى لا من قضية الحاكمية ولا من قضايا الإيمان والكفر ولا حتى من قضية حمل السلاح والمواجهة ، لذا وجد سيد قطب لنفسه مجالاً واسعاً ليسد فيه كل هذه الثغرات برأيه هو وباجتهاده هو وآتهم الإخوان بعد ذلك بالتميع العقدي وبالتدسس الناعم وبغيرها من المسائل التي انتقدها عليهم.

2-    أضواء على شخصية المؤسس – شكري مصطفى – ونماذج من آراؤه :-

كان إمام هذه الفتنة شيخاً كبيراً يدعى " على عبده إسماعيل " وكان من خريجي الأزهر ولكنه تأثر بفكر الخوارج ، فلازمه شكري ووجد فيه بُغيته ولكن سرعان ما تراجع الشيخ عن هذه الأفكار وتاب منها ، فتلقف منه شكري موقعه وبدأ به فكفره وحكم عليه بالردة وأعلن تأسيسه لجماعة جديدة سماها " جماعة المسلمين ".

أما عن ملامح شخصية شكري مصطفى فهي كما يلي :-

§         الجهل الشديد بدين الله وبعلوم السلف.

§         التقلب وشدة المزاجية.

§         التطرف في الآراء والتعصب الحاد.

§         الاعتداد بالرأي وتجريح الآخرين والاستخفاف بهم.

§         التطلع والرغبة في القيادة والزعامة.

§         الجرأة والشجاعة.

§         حفظه لأفكار وتصورات الخوارج وإعادة صياغتها.

هذه الملامح وغيرها ذكرها صديقه وأحد أعضاء تنظيمه " عبد الرحمن أبو الخير" في كتابه " ذكرياتي مع جماعة المسلمين ".

أما عن الكتب والرسائل التي وضعوها لبيان ملامح مذهبهم والخطوط الفكرية لجماعتهم فهي كما يلي:-

§         الحُجيات :- وهى تتحدث عن قضايا أصولية مثل الاجتهاد والتقليد وحجية أقوال الصحابة.

§         التوسمات :- وهى تتحدث عن خلاصة المنهج العملي للجماعة مثل وجوب الهجرة والموقف من التعليم والمدارس والجامعات كما تتحدث عن مسألة ظهور المهدي والموقف من التاريخ الإسلامي.

§         إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها :- وهى ترد على أهل السنة والجماعة في تكفير مرتكب الكبيرة وغيرها من مسائل التكفير.

3-    أهم المبادئ والأصول التي قامت عليها الجماعة :-

 

في القضايا العقدية :-

1)     تكفير مرتكب الكبيرة  وأن الكبائر كلها كفر وأن من ارتكب كبيرة ولم يتب منها فقد ارتد عن الإسلام وأن المعصية تصير كفراً بالإصرار عليها :-

وذلك ناشئ عن اعتقادهم أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم والفسق والذنب والخطيئة والسيئة ونحوها تعني كلها معنى واحد هو الكفر المخرج عن الملة، وبالتالي فكل من ارتكب أي مخالفة شرعية مما يطلق عليها أحد هذه المسميات في آيات القرآن أو في الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.

2)     يعتقدون أن أول كفر وقع في الأمة الإسلامية هو كفر التقليد ويرون أن كل مسلم يجب أن يكون مجتهداً وأن من لم يبلغ هذه المرتبة فهو كافر مشرك :-

والعجيب في ذلك أن شكري يعد مقلداً في كثير مما ينقله ويكتبه، وجميع تلامذته وأتباعه صاروا مقلدين لما يقول به ويعتقده، ولا يخفى أن هذه القاعدة قد وفرت عليه عناء البحث عن أسباب لتكفير الناس إذ غالب أحوال الناس أنهم مقلدة خصوصاً إذا علمت أن شكري يعد إتباع مذهب الصحابي بل إتباع الإجماع تقليداً في زعمه، إضافة إلى أن هذا القول منهم ليس نابعاً من حرصهم على أن يجتهد الناس في تحصيل العلم بل هو نابع من رؤية التساوي بين العامي والفقيه وهذا ما ورد نصاً في رسالة الحجيات " إن الفقيه لا يحمل من العلم أكثر مما يحمله العامة "، بل يبالغ شكري في التبجح ويقول " من قال لكم أن الصحابة والتابعين وكبار الأئمة المحققين من رجال خير القرون أكثر علماً منى ".

في القضايا الأصولية :-

 

1)     يعتقدون عدم حجية الإجماع ويكفرون من يعتقد حجيته لأنه في زعمهم قد اتخذ العلماء آلهة وأرباباً من دون الله :-

جاء في رسالة التوسمات " الإجماع ليس حجة، وإنما الحجة في مستنده إن ظهر لنا، وإن لم يظهر فلا يصح أن يشرع لنا الرجال ديناً ثم نطيعهم فيكونوا آلهة وأرباباً من دون الله "

2)     يعتقدون أن جماعتهم أفضل من جيل الصحابة بزعم أن النبي قال " أجر أحدهم بخمسين من أجر الصحابة " وأنهم هم الجماعة الوحيدة المسلمة في العالم وأن جميع الجماعات المنتسبة إلى الإسلام كاذبة فيما تدعى:-

كما جاء في الحجيات عن جماعة آخر الزمان " وقد اجتباهم الله تبارك وتعالى أيضاً، وخصهم من فضله حتى قال رسول الله لأجر الواحد منهم بخمسين منكم – أي الصحابة - ".

في المسائل المنهجية والحركية :-

 

1)     تطاولهم على العلماء واستخفافهم بعلمهم  بل وتكفيرهم :-

فمن ذلك ما جاء في رسالة " إجمال تأويلاتهم وإجمال الرد عليها " : قالوا عن النووي رحمه الله " ولكن النووي ونظائره يقدمون العام على الخاص والمطلق على المقيد ، وكل شيء على شيء نصراً لمذاهبهم الباطلة واتباعاً لسلفهم من اليهود والنصارى الذين قالوا " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة " " ، وقالوا عن الخطابي رحمه الله " إنما الخطابي يكذب كدأبه في الكذب ، وكذا النووي الصوفي الكذاب كدأب إخوانه من المتصوفة الكذابين على الله ورسوله ".

2)     اعتزال المجتمع والخروج للصحراء واعتقاد وجوب الهجرة من دار الكفر وهى أي بلد لا تحكم  بالشريعة ، والاعتقاد في شكري بأنه المهدي المنتظر:-

وقد سلك شكري مُصطفى في  تحقيق ذلك سُبلاً منها : جمع أموال وحُلى وذهب  أفراد جماعته ،وتسفير بعضهم  إلى بعض الدول العربية مثل الأردن واليمن والسعودية والجزائر ،وكذلك اليونان (اعتقادا منه أنها أرض أهل الكهف)  لجمع الأموال ،ولاختيار أنسب أرض يخرجون  إلى جبالها فيما بعد ليعودوا منها العودة الكبرى لقتال الكافرين  من المسلمين وبسط نفوذه عليهم  باعتباره كما قال عن نفسه  أنه المهدي المُنتظر ، وأمير آخر الزمان.ووقع اختياره على (اليمن ) لكثرة ما ورد في مناقبها من روايات نبوية في البخاري ومسلم وغيرهما .

وبالفعل فقد أمر رجاله بالذهاب إلى " المنيا "لتنفيذ أولى خطوات هجرته عن المجتمع ،وللتدريب على  الحياة البدوية الصحراوية ،استعدادا للتسلل منها إلى جنوب مصر ،ومنها إلى الجانب الآخر من البحر الأحمر ثم إلى جبال (اليمن) ،إلا أن أجهزة الأمن  اكتشفت أمر رجاله بالصعيد في منتصف 1973 ،وتم اعتقالهم ،ولكنهم خرجوا ضمن الخارجين بالعفو الرئاسي  العام  احتفالا بنصر أكتوبر 73 .

3)     الدعوة إلى ترك التعليم والإبقاء على الأمية ومنع الناس من دخول المدارس والمعاهد والجامعات ، ولا يقتصر الأمر على جامعات العلوم الدنيوية فقط بل يمتد إلى المعاهد والكليات الإسلامية لأنها من مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن إطار مساجد الضرار:-

جاء في رسالة التوسمات " فلم تتعلم –أي جماعة الصحابة – الدين للدنيا ، ولم يكونوا يتعلمون لعمارة الأرض وبناء الدور فتلك صفة الكافرين ( يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ). حتى أن رسول الله كان يجهل أثر تأبير النخل ويقول نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، فلابد أن نكون أميين مثلهم نوجه كل جهدنا ووقتنا لتعلم الكتاب والحكمة وما دون ذلك فهو ضلال مبين ، ومتى يتعلم الإسلام من أمضى أكثر من نصف عمره في تعلم الجاهلية ، ومن أجل هذا نقول إن الدعوة إلى محو الأمية فكرة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام . ووجود من يقرأ ويكتب بيننا لا ينفى أننا نحن أمة أمية طالما نوجه كل وقتنا لتعلم الإسلام ".

4)     الموقف من إقامة الخلافة :-

يعتقدون أن النصر الجاد للجماعة المؤمنة هو أن تعبد الله وألا تتدخل في أي صراع لأنه يستحيل أن تتفوق هذه الجماعة المؤمنة مادياً وعسكرياً على الجاهلية ، ولكن الله يقدر أن تدخل الجاهلية في معارك طاحنة مع بعضها البعض لتفنى نفسها وتدمر الأرض بمن عليها وتبقى القوة المؤمنة تقيم دولة الإسلام على أنقاض دولة الكفر.

 

4-     قضية اغتيال الشيخ الذهبي – رحمه الله - :-

من هو الشيخ الذهبي :-

ولد الذهبي رحمه الله في قرية مطوبس بكفر الشيخ عام 1915، حفظ القرآن في أول حياته وكان أول دفعته في الشهادة العالمية التي حصل عليها في الشريعة ثم حصل علي الدكتوراه في التفسير والحديث ليعمل بعد ذلك مدرسا بكلية أصول الدين والتي تدرج بها حتى صار عميدا لها ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر قبل اغتياله بنحو عامين.

جاء الذهبي في وقت تنتشر فيه الأفكار المنحرفة من الغلو والتطرف والتكفير ، وكان من واجبه كرجل مسئول أن يتصدى لهذه الأفكار وأن يبين فسادها للناس حتى يحمى المجتمع من شرورها ، ففكر الذهبي في أن يصدر كتابا يحذر فيه الشباب من خطورة الانسياق وراء مثل هذه الأفكار وصدر الكتاب تحت عنوان "قبس من هدي الإسلام" وكتب الذهبي في مقدمته قائلا "يبدو أن فريقا من المتطرفين الذين يسعون في الأرض فسادا ولا يريدون لمصر استقرارا قد استغلوا في هذا الشباب حماس الدين فأتوهم من هذا الجانب وصوروا لهم المجتمع الذي يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر تجب مقاومته ولا تجوز معايشته فلجأ منهم من لجأ إلي الثورة والعنف واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين وآووا إلي المغارات والكهوف ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذي ينتمون إليه لأنه في نظرهم مجتمع كافر" وجاء ضمن محتويات الكتاب أن الإسلام ينتشر بالدعوة الهادئة والإقناع وليس الإرهاب ولابد من تنقية تراثنا من شوائب التخريف والتضليل وتعرية كل حملات الدس والتأويلات المغرضة التي تعرضت له علي مدي التاريخ.

ويبدو أن الجماعة أرادت أن تؤدب الشيخ الذهبي ففكرت في اختطافه للتهديد بقطع رأسه في حالة عدم الاستجابة لطلباتهم والتي تمثلت في إخلاء سبيل رموز الجماعة من المعتقلات.

قصة الاختطاف والقتل :-

ذكرت مجلة الشباب تحقيقاً حول قصة مقتل الشيخ الذهبي ملخصه ما يلي :-

" كان الذهبي رحمه الله يسكن في شارع السايس بحلوان وكان مشهورا في تلك المنطقة وقبيل عملية الاختطاف قامت الجماعة بدراسة مداخل البيت ومخارجه جيدا ووضعت مخططا دقيقا للغاية واختارت عددا من أبرز أعضائها لتنفيذ المهمة وهم ماهر عبد العزيز نائب أمير الجماعة وأنور مأمون وإبراهيم حجازي ومحمد إبراهيم أبو دنيا. وفي الرابع من يوليو عام 1977 وفي ساعة متأخرة من الليل وصل أعضاء الجماعة وهم مسلحون بالرشاشات والبنادق الآلية إلي مقر المنزل علي مجموعتين في سيارتين ثم صعد 9 من أفراد العملية يتقدمهم أحدهم مرتديا زي شرطة ثم طرقوا الباب بعنف فخرجت عليهم ابنة الشيخ فأخبروها بأنهم من مباحث أمن الدولة وأنهم جاءوا في مهمة لإحضار الشيخ ثم انقلب الحوار الهادئ إلي تهديد بالقتل ووسط صراخ الابنة دخل أعضاء الجماعة واختطفوا الذهبي تحت تهديد السلاح فاستيقظ الشارع علي الصراخ بعد فرار السيارة الأولي أما السيارة الثانية فقد تعرضت لعطل ما فتجمع حولها الأهالي وألقوا القبض علي أحد منفذي الهجوم وهو الشباب إبراهيم حجازي .

وبعد نحو ساعة من عملية الاختطاف اتجه أعضاء الجماعة بالشيخ إلي فيلا في شارع فاطمة رشدي بالهرم وبعدها بقليل أذاعت وكالات الأنباء نبأ اختطاف الشيخ الذهبي كما أعلنت في الوقت نفسه مسئولية جماعة التكفير والهجرة عن الحادث ونقلت الصحف أن الذهبي رهينة لدي قيادات الجماعة لحين تنفيذ مطالبهم بالإفراج عن أعضاء الجماعة المعتقلين وفدية قدرها مائتي ألف جنيه وبدأت المساعي والمفاوضات بين وزارة الداخلية والجماعة علي مدار ساعات طويلة قامت خلالها وزارة الداخلية بمداهمة منازل قادة الجماعة وألقت القبض علي عدد كبير منهم وصادرت الكثير من الأسلحة التي كانت بحوزتهم ، فردت الجماعة على ذلك بتنفيذ عملية الاغتيال ، وتلقي الشيخ الذهبي طلقتين في رأسه وهو معصوب العينين ومقيد اليدين ومستقر فوق السرير وقادت عمليات التفتيش المستمرة للشرطة لمكان الشيخ الذهبي قبيل ساعات من محاولة طمس وإخفاء جثته حيث كانت الأوامر قد صدرت من الجماعة للمختطفين لنقل الجثة فوق عربة كارو لإلقائها في ترعة الزمر عند منطقة أبو قتادة المجاورة لجامعة القاهرة وعندما وصلت الشرطة كانت الجثة قد تحللت بعض الشيء ووجدوا الشيخ غارقا في دمائه في مشهد يرثي له وكان تاريخ اغتيال الشيخ في مساء يوم الإثنين الخامس من يوليو لعام 1977."

ما بعد الاغتيال :-

تولت النيابة التحقيق وتم إلقاء القبض علي أعضاء الجماعة والتحقيق معهم علي رأسهم أمير الجماعة شكري مصطفي وعدد كبير من أعضائها وهكذا كانت نهاية حياة الشيخ الذهبي بمثابة شهادة الوفاة لجماعة التكفير والهجرة حيث صدر الحكم علي شكري مصطفي وكبار رؤوس الجماعة بالإعدام شنقا ومعاقبة 12 بالأشغال الشاقة المؤبدة و24 آخرين بأحكام أخري.

موقف الدعوة السلفية من الحادث في ذلك الوقت :-

تحركت الدعوة السلفية تندد وتستنكر هذا الفعل الإجرامي ، فخرجت في مسيرة في شوارع الإسكندرية رفعت فيها لافتات لا للتكفير ولا للعنف ، وتواجد أبناء الدعوة في الشوارع ووسائل المواصلات ليوضحوا للناس أن هذه الجماعة منحرفة الفكر وأن الدين منها براء ، وأنه ليس هناك ربط بين اللحية أو الالتزام وبين انتهاج العنف أو تكفير المجتمع وغير ذلك من المعاني ، وقد شارك في هذه الفاعليات فضيلة الشيخ ياسر برهامي وفضيلة الشيخ حسن عمر وغيرهم من الإخوة والمشايخ حفظهم الله جميعاً.

5-    جهود الدعوة السلفية في مواجهة هذه البدعة :-

الدعوة السلفية – بفضل الله – هي التي تحملت وحدها عبء مقاومة هذا الفكر ومهاجمته ، حيث أنها كانت الجماعة الوحيدة المؤهلة علمياً وفكرياً للرد على شبهاتهم وتفنيد أقوالهم ، وقد كان من ثمرات  ذلك أن عصم الله الدعوة الإسلامية بمصر من أن تتلوث بهذه اللوثة أو أن يُشتهر عنها أنها تعادي المجتمع أو تكفره.

وقد اعتمدت الدعوة في مواجهة هذا التيار على عدد من الوسائل منها :-

المناظرات الفكرية : وكان من أهم نتائجها الإيجابية أنها جعلت كثير من الشباب الذي انخدع بدعاويهم يتخلى عنهم ويعود إلى صوابه ورشده ، ومن ظل متمسكاً بمذهبه ومعانداً للحق لم يدم له المجال طويلاً حيث انكشف جهله وظهرت للناس حقيقته ، وقد كانت هذه المناظرات تتم في مساجدهم وقراهم وأماكن تجمعاتهم وكانت تنتهي بانسحابهم وانقطاعهم بفضل الله تعالى.

المحاضرات العلمية : تبنت الدعوة السلفية خط تحصين الشباب من هذه البدع ، فقامت بعقد عدد من الدورات العلمية والدروس المنهجية  لشباب الصحوة ، حتى يتعرفوا على هذه الأفكار بشكل دقيق ومباشر ومن ذلك سلسلة شرح قضايا الإيمان والكفر للشيخ محمد إسماعيل المقدم ، وقام بشرح هذه المسائل الدكتور ياسر برهامي في سلسلة بنفس العنوان أيضاً ، كما قام بتدريسها في سلسلة مستفيضة ومطولة الشيخ عبد المنعم الشحات ، وأيضاً قام الشيخ ياسر برهامي بنقد هذه الأفكار أثناء شرحه لكتاب فضل الغنى الحميد وكتاب فتح المجيد ، وكل هذه السلاسل متوفرة على مواقع الدعوة على الانترنت بحمد الله تعالى.

الرسائل والكتب : منها المطول ومنها المختصر فعلى سبيل المثال كتاب مسائل الإيمان والكفر للشيخ عادل نصر وهو يقع في مجلدين ، وكتاب العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير للدكتور أحمد فريد وهو رسالة صغيرة ، وعدد من مؤلفات الدكتور ياسر برهامي منها الرد على ظاهرة الإرجاء وكتاب لا إله إلا الله كلمة النجاة وكتاب فضل الغنى الحميد وغيرها من الكتب والرسائل.

نتناول في المقال القادم بإذن الله تعالى بدعة " التوقف والتبين " ، والله الموفق والمستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة